مؤتمر (كلمة سواء) افتتح اعماله في الاونيسكو وكلمات لممثلي الطوائف عن الإمام الصدر

calendar icon 12 كانون الأول 2003

افتتح مؤتمر (كلمة سواء) الثامن اعماله في احتفال رسمي اقيم قبل ظهر امس في قصر الاونيسكو تحت عنوان (الأبعاد الانسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر ـ خمس وعشرون سنة على التغييب).
حضر حفل الافتتاح الوزير كرم كرم ممثلاً رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، رئيس مجلس النواب نبيه بري، السفير الايراني في لبنان مسعود الادريسي ممثلاً رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية، وزير السياحة علي حسين عبدالله ممثلاً رئيس الحكومة، الرئيسان حسين الحسيني وسليم الحص، والوزراء: ميشال موسى، عبد الرحيم مراد، ايلي سكاف وايوب حميد، والنواب بهية الحريري، محمد رعد، علي الخليل، عبداللطيف الزين، روبير غانم، محمد فنيش، عبدالله قصير، محمد بيضون، ياسين جابر، محمود ابو حمدان، غسان مخيبر، علي عمار، عباس هاشم وعمار الموسوي، النواب السابقون: بيار دكاش، اسماعيل سكرية، حسين يتيم، صلاح الحركة وبهاء الدين عيتاني، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان، شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث، المطران بولس مطر ممثلاً البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، القاضي الشيخ محمد دالي بلطة ممثلاً مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، الارشمندريت الياس نجم بطريرك الروم الارثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم، المطران يوحنا حداد ممثلاً بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام وممثلون لقادة الأجهزة الأمنية، السيدة رباب الصدر شرف الدين، نجل الإمام موسى الصدر صدر الدين الصدر وعائلة الإمام الصدر.
كما حضر السيد هاشم صفي الدين ممثلاً الامين العام لـ (حزب الله) حسن نصرالله، السيد علي فضل الله نجل العلامة محمد حسين فضل الله، رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور ابراهيم قبيسي، نقيب الأطباء الدكتور محمود شقير وعدد من السفراء والمديرين العامين وشخصيات دينية وروحية وامنية واساتذة جامعيون وهيئات تربوية واجتماعية وممثلون عن جمعيات اهلية وحشد من طلاب المدارس.
وألقى نجل الإمام الصدر السيد صدر الدين الصدر كلمة رحب في مستهلها بالحضور، وقال: (ان المؤتمر هذا العام لن يتناول كما جرت العادة نقاشاً في فكر وتجربة الإمام الصدر، بل في قضيته ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، بابعادها الانسانية والوطنية والقانونية. ورأى (ان القوة ما زالت ام الشرائع وان القانون والعدالة لا يزالان قاصرين عن الحق والمسؤولية بالنسبة الى متابعة قضية الإمام الصدر ورفيقيه).
وقال: (ان جريمة اخفاء الإمام الصدر ما زالت تصطدم بالعوائق السياسية والمصلحية المختلفة التي عملنا اليوم وغداً على ازالة اولاها والترفع عن آخرها حتى تخضع السياسة امام الحقيقة ويطغى الحق في ساحة العدالة. وهذا المعنى الفعال المتوخى من كل بحث عن الحق هو هدف مؤتمرنا الثامن). واعلن (اننا لن نساوم او نفاوض على حقنا، ولن نتبع هوى او مصلحة، ولن نتنازل عن حق هو اصلاً ليس ملكنا، بل نحن امناء عليه. هذه رسالتنا في الحياة). وناشد الحكومة اللبنانية (تحريك ملف قضية الإمام الصدر ورفيقيه واعتبارها قضية وطنية على المستوى الرسمي لتبنى عليه متابعة القضية امام المحافل الاقليمية العربية والاسلامية والدولية ذات العلاقة). كما ناشد الفعاليات الروحية والسياسية والنقابية وهيئات المجتمع المدني من منظمات واتحادات ووسائل اعلام (دعم هذه القضية عبر متابعة جهودنا ومؤازرتها وممارسة الضغوط المناسبة لوضع حد لهذا العدوان على حرية احد اهم رموز الجهاد من اجل العدالة والتحرر في القرن العشرين، ورائد الدعوة الى حوار الثقافات واحترام حقوق الانسان).

المفتي قباني
كلمة المفتي قباني ألقاها القاضي الشيخ محمد دالي بلطة فاعتبر ان الإمام السيد موسى الصدر (قفز فوق المشهد البشري المعتاد محلياً ودولياً الى مستوى الانسان الذي حمل الأمانة بحق، فراح يصول ويجول ليسد الخلل في مجمل نواحي الحياة الانسانية التي تحيط به، فأعلى الصوت خطيباً ومناظراً وداعياً وموجهاً ومحذراً، وحمل سلاح الجهاد وحض عليه واعتصم عندما كان الاعتصام اشد موقفاً، وانشأ المؤسسات لتكون الأطر الانسانية الفاعلة. وكان ركناً من اركان الوحدة الوطنية، فكان التغيب على مستوى القضية التي قامت بشخصه، ففي ذلك الوقت لم تكن الساحة تتسع لرجل يناضل ليبني، بل كانت لكل من يحسن القتل ويتفنن به).
اضاف: (ان قضية الإمام موسى الصدر خرجت عن اطارها الوطني الى المنطقة بأسرها بل الى العالم كله. ففي فلسطين قضية وفي العراق قضية، قضية الانسان والارض. وتآمر المتآمرين عليهما بين فلسطين المغتصبة والعراق المستباح. والإمام هنا وهنالك جهاد يقاوم وسيخرج كل من هذا المأزق الرهيب. والتاريخ لم يحدثنا عن محتل بقي احتلاله حتى يومنا هذا كي يبقى احتلال اليوم الى الأجيال الآتية).
وتابع: (في لقائنا السابق، كان الاميركيون يقرعون طبول الحرب غير آبهين ومصرين مع حلفائهم على دخول الساحة العراقية تحت ذرائع غير واضحة ومتغيرة لم تظهر الأيام صحة واحد منها. اين اسلحة الدمار الشامل? لماذا لم يعد احد يتكلم عنها? اين هي الديمقراطية في كثير من دول العالم التي تحمي انظمتها الولايات المتحدة الاميركية مباشرة? كنا نعتقد ان اميركا دولة عظمى تحكمها السياسة الواعية البعيدة النظر، فاذا بنا نجدها محكومة بخفة الرأي والبحث عن الثروة والتعطش لسفك الدماء).
وقال: (نتكلم عن محاربة الارهاب ولا تعرف ان تمارس الا الارهاب، فهل قانون محاسبة سوريا الا صورة من صور الارهاب الاميركي للضغط على موقفها? لماذا تحاصر اميركا سوريا? ألأنها متمسكة بالجولان وهي ارض اغتصبها الصهاينة بالقوة كما اغتصبوا فلسطين من قبل? الأن الشرعية الدولية قد حرمت اغتصاب الارض بالقوة? الآن سوريا تتمسك بالحق العادل والشامل الذي لم يعرف طريقه الى المنطقة حتى اليوم? ألأنها بعد كل ذلك مصممة على ابقاء باب الحوار والانفتاح مفتوحاً مع الاميركيين? فمن هو اذا الحضاري ومن هو الارهابي?).

الشيخ غيث
ثم تحدث الشيخ بهجت غيث، فحيا الحاضرين والقيمين على هذا المؤتمر، منوهاً بمركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات. وعرض للأوضاع المحلية والاقليمية، معتبراً (ان الساحة العالمية تتحول مسرح فوضى ونزاع وصراع، وصور الضحايا والإشلاء وسفك الدماء ماثلة في أعين وأذهان البشرية جمعاء في هذه القرية الكونية الممسوكة بشبكة الخيوط الخفية التي تنسجها عناكب الطمع والشر المقنع بالتكنولوجيا المتقدمة لأحكام السيطرة والهيمنة كما في منطق شريعة الغاب، لتكتمل فصول هذه المسرحية على وقع بوق الشر النافخ وتدفق الأحداث المأسوية والتدهور الكبير المنذر بالحدث الأكبر. والكل يتفرج ويسمع ويرى النزيف والنفاق والخداع والشعارات الفارغة ومزاريب الكلام التي تصم الأسماع ولا تساهم الا بالمزيد من تدهور الاوضاع وفقدان الأمن والسلام والاستقرار).
اضاف: (السياسي والديبلوماسي والمسؤول حاضر في اطماعه وغرائزه ومصالحه، غائب عن مفهوم تصرفاته في حقيقة صورته الذاتية وتدني قيمه المعنوية والخلقية. قال ليقول والامور سارية في المجهول والشعب المسكين غائب عن الوعي غارق في خضم معاناته وآهاته وويلاته، يصفق للشر القوي ويضحك على الخير الضعيف. هذه هي حال العامة من الناس المغلوبين على امرهم لم يبق لهم الا التضرع والدعاء ولا خلاص الا بمعجزة).
ودعا الى (الوعي والفهم لجوهر الكلمة السواء، رغم بعد المسافات وتعذر التواصل بالأجسام، تتواصل بالفكر والعقل والوعي وعمق الثقة والايمان بأن لهذا الكون مكوناً ولهؤلاً الخلق خالقاً لخلقه سميعاً والاجتماع بأمته لا يضيع ويتحقق ما نام عليه الدهر طويلاً وهو يوم الحشر).
وقال: (ان التغيير المطلوب للخلاص من مسرحية الشيطان يبدأ من النفس الانسانية مركز كل هذه الصراعات والنزاعات والهواء والغرائز، ولا جدوى من الخوف من سطوة وقوة العدو الخارجي مهما كانت وفي اية صورة ظهرت، ومهما طغت وظلمت وبغت وتكبرت تبقى ضعيفة وصغيرة امام قوة الروح الحقيقية المعززة بسلاح الايمان الصادق، النابع من عمق الثقة وقوة الاتصال والانسجام مع الحق القادر القاهر ـ فلا شيء يضعف الانسان اكثر من ضعف الايمان، ولا شيء يقويه اكثر من قوة الايمان).

البطريرك صفير
ثم ألقى المطران بولس مطر كلمة البطريرك صفير وجاء فيها: يشرّفني شرفاً كبيراً ان يجدد صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار نصرالله بطرس صفير بطريرك انطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى انتدابي لتمثيله في هذا المؤتمر الثامن حول كلمة سواء الذي يدعو اليه مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات. انه لقاء يبغي في كل عام ان نتذكر المثل العليا التي حاولوا تغييبها عنا بتغييب من جسّدها في ما بيننا بامتياز، فيما هي واجبة الحضور في مسيرتنا لتبقى مسيرتنا محصّنة بالحق ومجمّلة بالضياء.
ونعم ما اراد منظمو جمعنا لهذا العام عندما ارادوا تسليط الضوء على ابعاد ثلاثة تعرفها قضية الإمام موسى الصدر في تغييبه. على ان روحه في الحقيقة لا تغيب. وللإنجيل المقدّس دعوة الى عدم الخوف ممَن يسيء الى الجسد ولا يستطيع ان يسيء الى النفس، والى الخوف بالأحرى ممن يستطيع ان يهلك النفس والجسد في جهنم. فتمثل هذه الأبعاد امام عيوننا والضمائر داعية ايانا الى التأمل بالقيم الانسانية والوطنية والاخلاقية العامة التي رفع الإمام لواءها في سماء لبنان والمنطقة، والتي أنذر تغييبه بانتكاسة لها باتت تعرف اليوم في اتساعها مدى عاماً وعالمياً.
وهل يمكن التصور اولاً ان النزعة الانسانية عند الإمام الصدر تحمل اساءة الى اي جهة كانت او الى اي موقع كان? ان منحاه هذا سيبقى خالداً وهو الذي جاهر بايمانه المسلم في الكنائس مثلما جاهر به في المساجد، وقد فتحت له مجامع القلوب لأنه تخطى التمييز امامها بين المؤمن والمؤمن وجعل من الاثنين واحداً في الانسانية حتى ولو كانت الفروقات قائمة وفي بعض عناصرها جوهرية بين دين ودين. لقد تجرأ الإمام الصدر بقوله ان المؤمن المسيحي هو أخ للمؤمن المسلم ولم يحصر الأخوة ضمن حدود الدين الواحد، ولا القومية الواحدة ولا الانتماء الواحد اياً كان نوعه. وكان من المرتقب الا يروق مثل هذا المنحى الفكري والعملي لناظر اولئك الذين دخلت التفرقة الى قلوبهم قبل ان تستقر في عقولهم وفي تصوراتهم العتيقة? ان صراع الحضارات الذي يروّج له اليوم ليس دخيلاً على الفكر الانساني بل هو ملازم لبدائية عرفها التاريخ الانساني في انطلاقاته الاولى ولا يزال يجرجر ذيولها بين فور وغور الى ايامنا هذه. هذا فيما الله واحد احد والأديان طرق اليه وهو سبحانه يهدي من يشاء واليه مآل الكلّ في اليوم الأخير. لذلك فان قتل انسان لإنسان باسم الله يصبح قمة الكفر وعين التنكّر للذي يرحم الناس جميعاً ويحبّهم محبة الأب لأبنائه والخالق لخليقته.
لقد واجه الإمام الصدر بانسانيته الشفافة مصدرين اساسيين لضعف المجتمعات العربية وتقصيرها في مواكبة التقدّم نحو الأرقى. انهما على التوالي مصدر الإنغلاق الديني على الآخر وهو امر لا يريده الدين لا في المسيحية ولا في الاسلام، ومصدر التفاوت الاجتماعي الذي يقسم الناس بين محرومين ومتخومين فتهزل امامه وحدة النسيج القومي وتفقد قوة الدفع باتجاه محدد نحو حسن المصير. لهذا فان اي فكر يتمسك بمثل هذه الأثقال والشوائب لا بد له من ان يصطدم بالداعين الى التخلي عنها والى التحلي بصفات الوحدة المجتمعية على اسس من الانسانية النيّرة والمنيرة. فتقع المأساة ويصبح الصلاح والمصلحون في خبر العداوة المجانية والتغييب المخزي.
اما البعد الوطني لتغييب الإمام الصدر فهو يتمثل في الفرق الشاسع بين مساهمة هذا القائد الكبير في عملية توحيد لبنان وبين تقويض فرص النجاح في مثل هذا التوحيد، عبر ازاحة العاملين من اجله والمضحّين في سبيله. لقد اريد يوماً للبنانيين ان يتباعدوا طائفياً وان يديروا الظهر لوحدة بلادهم وتقدمها. فكان الإمام موسى الصدر صوتاً مدوياً في الضمائر يدعو بالحسنى الى هدم الحواجز النفسية التي كانت تقام عمداً او تعزز بين الطوائف والمناطق. واذا كانت اليوم عقدة التنافي بين اللبنانيين والعروبةüقد حلت واصبح انتماء لبنان العربي من المسلمات عند الجميع، بهويته الخاصة وتجربته الفريدة في مجتمعه الحر والمتعدد، فإن كبير الفضل بذلك يعود الى ما انزله الإمام الصدر في نفوس المستمعين اليه مؤكداً ان التزامنا العربي لا يعفينا من القيام بمسؤولياتنا كاملة تجاه وطننا بل على العكس فانه يحتّمه تحتيماً.

البطريرك هزيم
وألقى الارشمندريت نجم كلمة البطريرك هزيم جاء فيها: (اول باسم غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم بطريرك انطاكية وسائر المشرق ان انقل الى السيدة رباب الصدر شرف الدين فضلاً عن المشاركين كافة، تمنيات غبطته ان يؤتي هذا المؤتمر ثماراً جمة تساهم في تعزيز الوحدة والمحبة والوئام بين اللبنانيين والعرب اجمعين، حيث تكون مقاومتهم مقاومة ابي المقاومة سماحة الإمام موسى الصدر للتصدي لأشرس وأعتى هجمة تآمرية تواجهها امتنا العربية من الولايات المتحدة واسرائيل).
اضاف: (لن يهدأ لنا بال الا بزوال الاحتلال عن ارضنا العربية وبنوع أخص في العراق وفلسطين. وهذا امر لن يكون الا بوحدتنا وتضامننا ومقاومتنا. من هنا نوجه نداء الى العرب قائلين: اتحدوا ايها العرب يزول الاحتلال.
وبالعودة الى موضوع مؤتمرنا هذا، لا بد من استذكار شخصية الإمام موسى الصدر في البعد الانساني والبعد الوطني والبعد القانوني، تاركين التحليل للأخوة المشاركين في الندوات اللاحقة من اعمال هذا المؤتمر في هذا الظرف العصيب الذي تمر به امتنا العربية.
اولاً: على صعيد البعد الانساني لسماحة الإمام الصدر نرى ما يلي: انه الانسان الانسان، رجل الفكر والثقافة والعلم والمعرفة حيث خصص كل وقته في البحث والدراسة والاطلاع على الثقافات والديانات كلها، مما جعل منه انساناً يدعو الى الحوار الاسلامي ـ المسيحي حيث كانت له معرفة واسعة في الديانة المسيحية اكملت معرفته العميقة بالاسلام، وهذا ما جعل منه رمزاً حوارياً توحيدياً يدعو دائماً الى انسانية الانسان للوصول الى الكمال للوصول الى الخالق عز وجل بعقلانية بعيداً عن اي تعصب واية انانية، فاختار خندق الانسان الشريف المكافح المكابد وحمل لواء النضال في مواجهة من يتربصن به شراً، وكان دائماً يحرص على التعبير عن الشخصية الوطنية ويحث على مواجهة الدنيا من اجلها رافضاً ان يفرض عليها المستغلون مشيئتهم باستثمار ثرواتها وايقاف تقدمها واذلال انسانها.
من هنا، علينا ان نقوي هذا الاتجاه الانساني عند سماحة الإمام موسى الصدر لنبني ميثاقاً حقيقياً تتوجه المواطنية الصادقة والوحدة الحقيقية. كل هذا يستدعي الاستعداد الدفاعي والسياسي والاعلامي والاقتصادي والنفسي لكي نحذو حذو سماحته في تحقيق انسانية الانسان على سطح الكرة الأرضية.
ثانياً ـ في البعد الوطني سماحة الإمام موسى الصدر تغنى بمحبة الوطن، فنشأ عنده ذلك الحس بعلاقته بالوطن والشعب فكان الوطن عنده مناخ واستقرار وطمأنينة وثقة في اخاء حقيقي وحرية مسؤولة وطموح الى بسط العدالة الاجتماعية في اطار تكافؤ الفرص للجميع وفي احترام حضاري للكرامة الانسانية. والانسان في نظر سماحته هو الوطن الحي وهو الشعب الحي، فكان دائماً يستصرخ الضمائر كلما ألم مكروه بالوطن او الشعب وما وقف مكتوفاً في معزل عن مشاطرة الناس آلامهم. وهو من كان يرى ولا زال مؤيدوه يرون ان السلام الذي من اجله يجب ان نجاهد ونبشر به هو سلام الاحرار المحررين الفرحين بالوجود والحياة ورحمة الانسان اخيه الانسان. السلام الذي من اجله يجب ان نجاهد هو عكس السلام الذي يفرضه القوي على الضعيف ليستكين مستسلما لغطرسته وجبروته. السلام الذي اراده ونريده ليس سلام العبيد، بل سلام المتساوين في الحرية والرخاء. تلك كانت وطنية سماحة الامام موسى الصدر.

البطريرك لحام
والقى كلمة البطريرك لحام المطران يوحنا حداد فنقل تحيات البطريرك لحام، وقال: (لقد التزم الامام موسى الصدر، في كل تصرفاته، ما املى عليه القرآن الكريم، حيث جاء في احدى آياته: (قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء، وجادلهم بالتي هي احسن).
اضاف: فلا عجب اذ ان نلبي، نحن المسيحيين، هذا النداء للحوار الاخوي اذ يفرض علينا ايضا السيد المسيح ان نحب بعضنا بعضا، نحن البشر، كما احبنا هو، ويوضح لنا ايضا في انجيله المقدس قائلا: (كل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم بهم). كما احبنا هو، ويوضح لنا ايضا في انجيله المقدس قائلا: (كل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم بهم). اي اطلبوا لهم كل الخير الذي تريدونه لانفسكم. ولا شك بأن ما قام به السيد موسى الصدر من جهد في سبيل اقامة وتفعيل هذا الحوار البناء يعطينا الثقة والاطمئنان بأن شعبنا اللبناني الابي كان وسيبقى خاضعا للانوار الالهية وصامدا وناجحا في مضمار التطور والنمو الانساني، لاجل هناء وسعادة كافة ابنائه).
وقال: (يرتكز مجتمعنا اللبناني، كما هو معلوم، بمعظم فئاته، على عقائد ومبادئ الديانتين السماويتين الكبيرتين، المسيحية والاسلام، اللتين تظهران بوضوح جوانب الوجود البشري، المرتبط اولا بالخضوع والعبادة لله خالقه، والملتزم ثانيا احترام كل انسان لحقوق اي انسان اخر).
اضاف: (ان هذه العلاقات المسيحية الاسلامية تشكل بالتالي، ليس فقط موضوع حوار افكار لاهوتية، بل يجب ان تشمل ايضا البحث عن كل الامور الحياتية، السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، بغية الوصول، بطريقة ديموقراطية الى قواسم مشتركة يتفق عليها ويرتاح لها الجميع. لقد اتبع السيد موسى الصدر، في كل اقواله وتصرفاته، هذا النهج الديني والعلمي، وعاش مؤمنا بهذه الحضارة الانسانية الراقية، وسعى بكل قواه لكي يوطدها في وطننا اللبناني الذي يمثل شعبه المؤلف من طوائف ومذاهب مختلفة مجموعة انسانية تسعى كلها للتمتع بحرية التعبير والثقافة والمساواة في الحقوق والواجبات وممارسة الديموقراطية الصحيحة، بحيث يستطيع جميع المواطنين ان يشتركوا بفرص متكافئة ويطبقوا بادارة المسؤولين عنهم خطة الانماء المتوازن بين جميع المناطق).

الشيخ قبلان
والقى الشيخ قبلان كلمة جاء فيها: (ان المناسبة كريمة وعزيزة على قلوبنا جميعا لاسيما انها تأخذنا الى رحاب اخ كريم وحبيب ليس علينا نحن ابناء جلدته ودينه ومذهبه فحسب، انما على جميع من عايشه وعاشره وعرفه، واعني بذلك الامام المغيب السيد موسى الصدر، هذا الانسان العظيم بفكره وقلبه وايمانه، العظيم بانسانيته بفهمه للرسالات السماوية، على انها رسالات نور وهداية، رسالات محبة وتآلف، رسالات اخلاق وقيم، رسالات الخروج من الظلمات الى النور، رسالات كلمة حق تقال امام سلطان جائر، طغى وتسلط واستفرس واستحكم بامور الناس، فراح يسومهم ويستعبدهم ويسترقهم لخدمة اهدافه واطماعه وغاياته. ان الامام موسى الصدر الذي عرفناه وتعرفنا اليه من خلال مواقفه ومفاهيمه، يذكرنا دائما بمدرسة اهل البيت، مدرسة امير المؤمنين علي بن ابي طالب، مدرسة الانصاف والعدل والانسان. نعم، ان موسى الصدر هو هذا النداء الانساني الصارخ يدوي مجددا وفي كل لحظة في ارجاء هذا الوطن وهذه المنطقة وهذا العالم ليذكرنا بوطنيتنا، ليذكرنا بانتمائنا العربي والاسلامي، ليذكرنا بانسانيتنا ويدعونا ليس الى كلمة سواء فحسب، انما الى عمل سواء في هذا الوطن، وفي هذه المنطقة، وفي هذا العالم، ان صوت الامام الصدر يقول لنا لماذا هذه الانانيات? وهذا الغرور? وهذا الخواء السياسي? لماذا تزييف الحقائق? لماذا هدر الطاقات واذلال الناس بسياسة لا نرى فيها الا التحدي يدفعها حب الذات، وصراع المصالح الخاصة، وتحكمها الحسابات الضيقة، والحساسيات الطائفية والمذهبية التي انتجت وضعا اقتصاديا متأزما ومعيشيا ضاغطا وتكاد تفقدنا الثقة بهذا النظام السياسي الذي، وبكل اسف، نراه في اكثر المواقع والمواقف يرتكز على منهجية (الخرق والتجاوز) في كل شيء في الدستور، في القانون، في العدالة، في التنمية، في الاصلاح، في التربية، في الصحة، في المدرسة، في الجامعة، في الاعلام، في القيم الانسانية وفي الاخلاق.
اننا نعيش فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية، همشت انساننا، وزعزعت استقرارنا، وهددت وطننا، والخروج منها لا يكون الا باعادة الاعتبار لهذا الانسان اللبناني الذي هو رصيد هذا الوطن الاول والاخير، (فلبنان بلدنا، يقول الامام موسى الصدر، واذا كنا لغير هذا البلد بعد الانسان ثروة، فثروتنا في لبنان بعد الانسان انساننا ايضا)، هذا هو لبنان الذي ينادي به الامام موسى الصدر، وينادي به كل مؤمن بوحدة هذا البلد، وبصيغة عيشه المشترك، وبنموذجه الرسالي الذي عنوانه هو الانسان، والكلمة السواء، والعمل السواء، هذا العنوان به ننمي شعورنا الوطني، وبه نقوي ارادتنا، وبه نصنع مجد لبنان الواحد الموحد، القادر على مواجهة هذه الاعاصير الهوجاء التي تهب علينا من كل حدب وصوب، اعاصير التحدي والتهديد والترهيب، اعاصير التوطين التي تحركها سياسة الانحياز الاميركية وتعمل ما بوسعها، داعمة ومؤيدة ومساندة لكيان صهيوني بات يجسد خطرا متزايدا ليس على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة فحسب، انما على الانسانية بأسرها.
وما نعيشه الان على الصعيدين الاقليمي والدولي من خوف وعدم استقرار في مختلف الميادين، وما يجري في العراق وفلسطين وفي اكثر من بقعة من بقاع هذا العالم تحت عناوين مختلفة ومشوهة ولا تمت الى الحقيقة بصلة، يؤكد الحاجة الملحة الى كلمة سواء تضع حدا لجنون المصالح على حساب القيم وكرامة الانسان. خمس وعشرون سنة مضت على تغييب الامام الصدر ورفيقيه، ولا تزال هذه القضية بأبعادها الانسانية والوطنية والقانونية لغزا يكتنفه الغموض، في ظل تحرك يكاد يكون خجولا من قبل اصحاب التأثير والشأن. وكأن الامام الصدر اذنب بحق لبنان عندما قال: (ان التعايش ليس ملكا للبنانيين، لكنه امانة ومسؤولية وواجب). واذنب بحق الفلسطينيين عندما قال: ان شرف القدس يأبى ان تتحرر الا على ايدي المؤمنين الشرفاء. واذنب بحق العرب عندما كان يدعو دائما الى موقف عربي موحد وتضامن عربي افعل، واستراتيجية عربية تعيد لهذه الامة حقها وعزتها وكرامتها. نعم، لقد اذنب موسى الصدر بحق هؤلاء جميعا فغيبوه. لكن غاب عن بالهم انه باق ثم باق في فكر وعقل وقلب كل من آمن بالله وبرسوله وباليوم الآخر.

الرئيس خاتمي
وفي الختام، تحدث السفير الايراني، باسم الرئىس خاتمي، وجاء في كلمته: (يسرني جدا ان ينعقد هذا المؤتمر مرة اخرى تذكيرا برجل عظيم وتبجيلا له وتكريما لخدماته القيمة التي اسداها للمجتمع الاسلامي وبخاصة للبنانيين الاعزاء. ورغم مضي ما يزيد على خمسة وعشرين عاما من غياب الامام موسى الصدر، فان ما نشهده اليوم من النمو والتطور الثقافي والسياسي في لبنان المقاومة انما هو تجسيد للافكار السامية التي كان يؤمن بها ذلك الغائب الجليل. ان الامام موسى الصدر، تشخصية كبيرة ومتميزة دينيا وسياسيا وعلميا واجتماعيا. وحين كان المجتمع اللبناني، يعاني الويلات والمشاكل الداخلية والخارجية المتعددة، وتمزقه الخلافات والفرقة، كان هو يدعو الى الحوار بين الاديان وبين مختلف الطوائف على الساحة اللبنانية. ولم يأل جهداً دون احلال الوئام والوفاق بين الأقوام والطوائف والمذاهب على اختلاف انواعها، معتبراً ان الحفاظ على وحدة الشعب اللبناني وتماسكه بمختلف فئاته ومعتقداته، هو السبيل الأمثل للصمود والمقاومة في مواجهة الاعداء، وخاصة الكيان الصهيوني. وكانت تلك الرؤية الثاقبة، وذلك الفكر النير هما اللذان بلورا الهوية الوطنية، والوحدة الاجتماعية، للشعب اللبناني بكل فرقه وطوائفه في التصدي للمعضلات الداخلية والخارجية في لبنان بما في ذلك الصمود بوجه العدو الصهيوني. ان الضمائر الواعية، تتفق على ان هذه المقاومة الرائعة التي طردت الصهاينة من الجنوب اللبناني وكللت شعب لبنان بالنصر وصارت مدعاة لفخره بين شعوب المنطقة والمسلمين والعالم بأسره قد استمدت جذورها من افكار الإمام موسى الصدر السامية. وان ما يحز في انفسنا للغاية هو عدم وجود ذلك الرجل العظيم اليوم بيننا وبين ظهراني الشعب اللبناني العزيز، ليلتمس بحبور هذا الانجاز الكبير، وليستفيد كذلك مجتمع الثقافة والحضارةüفي لبنان من وجود تلك الشخصية الممتازة وآرائها وافكارها السديدة المتجددة القيمة. وعلى امل لقياه ورؤياه، نكرم ذكراه داعين له بكل فلاح وخير).
ثم انتقل المؤتمرون الى كلية الحقوق والعلوم السياسية والاداريةü الفرع الاول ـ الجامعة اللبنانية في الصنائع، لاستئناف الندوات، والتأمت الجلسة الاولى في الثانية بعد الظهر واستمرت حتى الرابعة بعنوان (البعد الانساني) وبرئاسة السيد هاشم صفي الدين، وتحدث فيها كل من: وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور اسعد دياب والوزير السابق جوزف الهاشم والدكتور سيد جعفر مرعشي والمحامي سليمان تقي الدين. وكانت مناقشة فاستراحة. وفي الرابعة عصراً، التأمت الجلسة الثانية بعنوان (البعد الوطني) وبرئاسة الرئيس حسين الحسيني ومشاركة الوزير كرم ورئيس الرابطة المارونية ميشال اده والدكتور باسم الجسر. ويستمر المؤتمر الى مساء اليوم الجمعة حيث سيصدر البيان الختامي، تتخلله جلسات عمل ومناقشات عن قضية الإمام الصدر ورفيقيه والبعد القانوني في الوصف الجرمي للتغييب وكيفية التعامل مع هذه القضية امام المحافل الدولية.

source