الصدر غائب - حاضر في مؤتمر "كلمة سواء" الثامـن: صوت مدوّ في الضمائر يهدم الحواجـز بين الطوائف

calendar icon 12 كانون الأول 2003

الامام موسى الصدر الذي غُيّب في ليلة سوداء قبل 25 عاماً، ما زالت قضيته تشغل اللبنانيين جميعاً لانه احدث فراغاً سياسياً وفكرياً، ولا سيما انه لم يكن محسوباً على طائفة او منطقة، بل امتد شعاع فكره الى العالم، لسعة افقه.

امس كان اليوم الاول من مؤتمر "كلمة سواء" الثامن الذي افتتح أعماله باحتفال رسمي في قصر الاونيسكو بعنوان "الابعاد الانسانية والوطنية والقانونية في قضية الامام الصدر - خمسة وعشرون عاماً على التغييب". وقد اتخذت القوى الامنية المولجة حفظ الامن في مكان الاحتفال اجراءات اكثر من مشددة، او مبالغاً فيها، على قول المشاركين.

عقدت جلسات المؤتمر في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية - الصنائع، وكان نجمها الرئيس حسين الحسيني الذي ربطته علاقات وثيقة بالامام، فهو رفيق دربه والامين على افكاره، خصوصاً عندما انشأ الامام "حركة المحرومين" بمشاركة وجوه سياسية واكاديمية بعيدة عن المذهبية والتقوقع.

حضر الافتتاح في الاونيسكو الوزير كرم كرم ممثلاً رئيس الجمهورية اميل لحود، رئيس مجلس النواب نبيه بري، الوزير علي عبدالله ممثلاً رئيس الوزراء رفيق الحريري، سفير ايران مسعود ادريسي ممثلاً الرئيس محمد خاتمي، الرئيسان حسين الحسيني وسليم الحص، والوزراء: ميشال موسى، عبد الرحيم مراد، الياس سكاف وايوب حميد، والنواب بهية الحريري، محمد رعد، علي الخليل، عبد اللطيف الزين، روبير غانم، محمد فنيش، عبدالله قصير، محمد بيضون، ياسين جابر، محمود ابو حمدان، غسان مخيبر، علي عمار، عباس هاشم وعمار الموسوي، والنواب السابقون: بيار دكاش، اسماعيل سكرية، حسين يتيم صلاح الحركة وبهاء الدين عيتاني وغسان تويني، ونائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان،  والمطران بولس مطر ممثلاً البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، والقاضي الشيخ محمد دالي بلطة ممثلاً مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، والاسقف الياس نجم ممثلاً بطريرك الروم الارثوذكس اغناطيوس الرابع، والمطران يوحنا حداد ممثلاً بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، وقائم مقام شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث، السيد علي فضل الله ممثلاً المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله والسيدة رباب الصدر شرف الدين والسيد صدر الدين الصدر وشخصيات.

وقدم الاحتفال حسين حمادة.

صدر الدين

بداية، تحدث نجل الامام الصدر السيد صدر الدين وقال: "ان القوة ما زالت ام الشرائع، والقانون والعدالة لا يزالان قاصرين عن الحق والمسؤولية بالنسبة الى متابعة قضية الامام الصدر ورفيقيه. ان جريمة اخفاء الامام الصدر ما زالت تصطدم بالعوائق السياسية والمصلحية المختلفة التي عملنا اليوم وغداً على ازالة اولاها والترفع عن آخرها حتى تخضع السياسة امام الحقيقة ويطغى الحق في ساحة العدالة. وهذا المعنى الفعال المتوخى من كل بحث عن الحق هو هدف مؤتمرنا الثامن. ان متابعتنا لقضية الامام الصدر ورفيقيه تهدف الى بذل الوسع عبر استنفاد الوسائل الديبلوماسية والقانونية استناداً الى ماخلصت اليه تحقيقات القضاءين الايطالي واللبناني، والتي جزمت ان الامام الصدر ورفيقيه لم يغادروا ليبيا الى ايطاليا، وذلك بحثا عن الحقيقة وتثبيتا للمسؤوليات المترتبة على الدولة الليبية والاشخاص الضالعين في الجريمة. ونحن متفائلون بجدوى المتابعة، فالتصريحات الليبية الرسمية، الممتدة على مساحة ربع قرن والتي دحضها القضاء في اكثر من دولة، تغيرت اليوم مضيفة التناقضات الى التناقض حول الرواية الرسمية الليبية".

وعرض "ثبوت كذب بيانات الخارجية واجهزة الامن والعدل الليبية وتناقض تصريحات العقيد معمر القذافي والمسؤولين الليبيين".

وناشد الحكومة اللبنانية "تحريك ملف قضية الامام الصدر ورفيقيه واعتبارها قضية وطنية على المستوى الرسمي لتبنى عليه متابعة القضية امام المحافل الاقليمية العربية والاسلامية والدولية ذات العلاقة". كما ناشد الفاعليات الروحية والسياسية والنقابية وهيئات المجتمع المدني من منظمات واتحادات ووسائل اعلام "دعم هذه القضية عبر متابعة جهودنا ومؤازرتها وممارسة الضغوط المناسبة لوضع حد لهذا العدوان على حرية احد اهم رموز الجهاد، من اجل العدالة والتحرر في القرن العشرين، ورائد الدعوة الى حوار الثقافات واحترام حقوق الانسان".

قباني

والقى دالي بلطة كلمة قباني ومما فيها: "ان قضية الامام الصدر خرجت عن اطارها الوطني الى المنطقة بأسرها، بل الى العالم كله. ففي فلسطين قضية وفي العراق قضية، قضية الانسان والارض. وتآمر المتآمرين عليهما بين فلسطين المغتصبة والعراق المستباح. والامام هنا وهنالك جهاد يقاوم وسيخرج كل من هذا المأزق الرهيب. والتاريخ لم يحدثنا عن محتل بقي احتلاله حتى يومنا هذا كي يبقى احتلال اليوم الى الاجيال الآتية".

وقال: "تتكلم اميركا عن محاربة الارهاب ولا تعرف ان تمارس الا الارهاب، فهل قانون محاسبة سوريا الا صورة من صور الارهاب الاميركي للضغط على مواقفها؟ لماذا تحاصر اميركا سوريا؟ ألأنها متمسكة بالجولان وهي أرض اغتصبها الصهاينة بالقوة كما اغتصبوا فلسطين من قبل؟ ألأن الشرعية الدولية قد حرمت اغتصاب الارض بالقوة؟ الأن سوريا تتمسك بالحق العادل والشامل الذي لم يعرف طريقه الى المنطقة حتى اليوم؟ الأنها بعد كل ذلك مصممة على ابقاء باب الحوار والانفتاح مفتوحا مع الاميركيين؟ فمن هو اذا الحضاري ومن هو الارهابي؟".

غيث

من جهته، اعتبر غيث ان "الساحة العالمية تتحول مسرح فوضى ونزاع وصراع، وصور الضحايا والاشلاء وسفك الدماء ماثلة في أعين البشرية جمعاء في هذه القرية الكونية الممسوكة بشبكة الخيوط الخفية التي تنسجها عناكب الطمع والشر المقنع بالتكنولوجيا المتقدمة لاحكام السيطرة والهيمنة كما في منطق شريعة الغاب. السياسي والديبلوماسي والمسؤول حاضر في أطماعه وغرائزه ومصالحه، غائب عن مفهوم تصرفاته في حقيقة صورته الذاتية وتدني قيمه المعنوية والخلقية. قال ليقول والامور سارية في المجهول والشعب المسكين غائب عن الوعي، غارق في خضم معاناته وآهاته وويلاته، يصفق للشر القوي ويضحك على الخير الضعيف. هذه هي حال العامة من الناس المغلوبين على أمرهم لم يبق لهم الا التضرع والدعاء ولا خلاص الا بمعجزة".

صفير

وسأل المطران مطر في كلمته باسم البطريرك صفير: "هل يمكن التصور اولا ان النزعة الانسانية عند الامام الصدر تحمل اساءة الى أي جهة كانت او الى أي موقع كان؟ ان منحاه هذا سيبقي خالدا وهو الذي جاهر بايمانه المسلم في الكنائس مثلما جاهر به في  المساجد، وقد فتحت له مجامع القلوب لانه تخطى التمييز امامها بين المؤمن والمؤمن وجعل من الاثنين واحدا في الانسانية حتى ولو كانت الفروق قائمة وفي بعض عناصرها جوهرية بين دين ودين. لقد تجرأ الامام الصدر بقوله ان المؤمن المسيحي هو أخ للمؤمن المسلم ولم يحصر الاخوة ضمن حدود الدين الواحد، ولا القومية الواحدة ولا الانتماء الواحد أيا كان نوعه. وكان من المرتقب الا يروق مثل هذا المنحى الفكري والعملي لناظر أولئك الذين دخلت التفرقة الى قلوبهم قبل ان تستقر في عقولهم وفي تصوراتهم العتيقة؟ ان صراع الحضارات الذي يروج له اليوم ليس دخيلا على الفكر الانساني بل هو ملازم لبدائية عرفها التاريخ الانساني في انطلاقاته الاولى ولا يزال يجرجر ذيولها بين فور وغور الى ايامنا هذه. هذا فيما الله واحد أحد والاديان طرق اليه وهو سبحانه يهدي من يشاء واليه مآل الكل في اليوم الاخير. لذلك، فان قتل انسان لانسان باسم الله يصبح قمة الكفر وعين التنكر للذي يرحم الناس جميعا ويحبهم محبة الأب لأبنائه والخالق لخليقته".

وتابع: "اما البعد الوطني لتغييب الامام الصدر فيتمثل في الفرق الشاسع بين مساهمة هذا القائد الكبير في عملية توحيد لبنان وتقويض فرص النجاح في مثل هذا التوحيد، عبر ازاحة العاملين من أجله والمضحين في سبيله. لقد أريد يوما للبنانيين ان يتباعدوا طائفيا ويديروا الظهر لوحدة بلادهم وتقدمها. فكان الامام موسى الصدر صوتا مدويا في الضمائر يدعو بالحسنى  الى هدم الحواجز النفسية التي كانت تقام عمدا او تعزز بين الطوائف والمناطق. واذا كانت اليوم عقدة التنافي بين اللبنانيين والعروبة قد حلت وأصبح انتماء لبنان العربي من المسلمات عند الجميع، بهويته الخاصة وتجربته الفريدة في مجتمعه الحر والمتعدد، فان كبير الفضل بذلك يعود الى ما أنزله الامام الصدر في نفوس المستمعين اليه، مؤكدا ان التزامنا العربي لا يعفينا من القيام بمسؤولياتنا كاملة تجاه وطننا، بل على العكس فانه يحتمه تحتيما. وقد واجه الامام ايضا قضية ثانية رام ان يضعها هي ايضا في نصابها الصحيح، انها قضية المقاومة في لبنان ومن لبنان. اذ لم يكن على أي شعب في لبنان ان ينوب مناب الشعب اللبناني في اتخاذ قراراته المصيرية. والحق يقال ان من زرع بذور المقاومة اللبنانية للاحتلال الاسرائيلي هيأ لحصد ثمار التحرير، فتحول الوطن الصغير داعما حقيقيا لاخوانه في عملية احقاق الحقوق جميعها وفي كل مكان من أمكنة العرب. فهل يكون الذين يدركون الحقائق قبل غيرهم معرضين لسوء الفهم زمنا وللتكريم والتبجيل أزمانا؟

ويبقى امامنا بعد ثالث قانوني في قضية تغييب الامام. وقد يكون هذا الموضوع في حاجة الى تركيز الضوء لا على القانون داخل حدود الدول وحسب بل في التعامل بين الدول جميعها، القريبة منها في ما بينها والمتباعدة الى اقصى حدود التباعد".

وختم: "وإن كان لنا من امنية نصوغها امام اهل الايمان جميعا، ولا سيما امام اهل التوحيد، فهي ان يعودوا الى دعوتهم الاولى كمؤتمنين على تراث الحق والعدل والرحمة والحرية والمحبة امام جميع الناس. اما ان يتخاصم هؤلاء او ان يحضوا على التخاصم باسم دينهم، فإن في ذلك آية الضلال لهم وآية الضياع للكون بأسره.

لقد جسد الامام الصدر قيم تلاقي المسيحية والاسلام في لبنان بأبهى صورها. ونحن مدعوون عبر احياء هذا المؤتمر حول شخصه وفكره الى مواجهة التائهين عن الحق في العالم، والمروجين لتخاصم دياناتنا من غير اسباب، وملصقي الارهاب بأمة او بدين زورا وتضليلا، والى اعلاء شأن اولئك الذين على غرار الامام الصدر يحملون في الارض قوة انقاذ لها من همجيتها ودخول آمن ومطمئن لها الى حرم الاخوة الشاملة والمصالحة الكبرى".

اغناطيوس الرابع

والقى نجم كلمة البطريرك اغناطيوس الرابع ابرز ما جاء فيها: (...) على صعيد البعد الانساني لسماحة الامام الصدر نرى ما يأتي: انه الانسان الانسان، رجل الفكر والثقافة والمعرفة، خصص كل وقته في البحث والدراسة والاطلاع على الثقافات والديانات كلها، مما جعل منه انسانا يدعو الى الحوار الاسلامي - المسيحي حيث كانت له معرفة واسعة في الديانة المسيحية اكملت معرفته العميقة بالاسلام، وهذا ما جعل منه رمزا حواريا توحيديا يدعو دائما الى انسانية الانسان للوصول الى الكمال، للوصول الى الخالق عز وجل بعقلانية بعيدا عن اي تعصب وانانية، فاختار خندق الانسان الشريف المكافح المكابد وحمل لواء النضال في مواجهة من يتربص به شرا، وكان دائما يحرص على التعبير عن الشخصية الوطنية ويحث على مواجهة الدنيا من اجلها رافضا ان يفرض عليها المستغلون مشيئتهم باستثمار ثرواتها وايقاف تقدمها واذلال انسانها.

وفي البعد الوطني، تغنى الامام الصدر بمحبة الوطن، فنشأ عنده ذلك الحس بعلاقته بالوطن والشعب، وكان الوطن عنده مناخا واستقرارا وطمأنينة وثقة في اخاء حقيقي وحرية مسؤولة وطموحا الى بسط العدالة الاجتماعية في اطار تكافؤ الفرص للجميع وفي احترام حضاري للكرامة  الانسانية. والانسان في نظر سماحته هو الوطن الحي والشعب الحي، فكان دائما يستصرخ الضمائر كلما الم مكروه بالوطن او الشعب، وما وقف مكتوفا في معزل عن مشاطرة الناس آلامهم. وهو من كان مؤيدوه يرون ان السلام الذي من اجله يجب ان نجاهد ونبشر به هو سلام الاحرار المحررين الفرحين بالوجود والحياة ورحمة الانسان لأخيه الانسان. السلام الذي من اجله يجب ان نجاهد هو عكس السلام الذي يفرضه القوي على الضعيف ليستكين مستسلما لغطرسته وجبروته. السلام الذي اراده ونريده ليس سلام العبيد، بل سلام المتساوين في الحرية والرخاء. تلك كانت وطنية سماحة الامام موسى الصدر".

لحام

وتحدث المطران حداد باسم البطريرك لحام، ومما قال: "لا عجب ان نلبي، نحن المسيحيين، هذا النداء للحوار الاخوي اذ يفرض علينا ايضا السيد المسيح ان نحب بعضنا بعضا، نحن البشر، كما احبنا هو، ويوضح لنا ايضا في انجيله المقدس قائلا: "كل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم بهم". اي اطلبوا لهم كل الخير الذي تريدونه لأنفسكم. ولا شك ان ما قام به السيد موسى الصدر من جهد في سبيل اقامة هذا الحوار البناء يعطينا الثقة والاطمئنان بأن شعبنا اللبناني الابي كان وسيبقى خاضعا للانوار الالهية وصامدا وناجحا في مضمار التطور والنمو الانساني، لأجل هناء وسعادة جميع ابنائه".

اضاف: "اتبع السيد موسى الصدر، في كل اقواله وتصرفاته، هذا النهج الديني والعملي، وعاش مؤمنا بهذه الحضارة الانسانية الراقية، وسعى بكل قواه ليوطدها في وطننا اللبناني الذي يمثل شعبه المؤلف من طوائف ومذاهب مختلفة مجموعة انسانية تسعى كلها الى التمتع بحرية التعبير والثقافة والمساواة في الحقوق والواجبات وممارسة الديموقراطية الصحيحة، بحيث يستطيع جميع المواطنين ان يشتركوا بفرص متكافئة ويطبقوا بادارة المسؤولين عنهم خطة الانماء المتوازن بين جميع المناطق".

قبلان

وتلاه الشيخ قبلان بكلمة جاء فيها: "ان الامام موسى الصدر الذي عرفناه وتعرفنا اليه من خلال مواقفه ومفاهيمه، يذكرنا دائما بمدرسة اهل البيت، مدرسة امير المؤمنين علي بن ابي طالب، مدرسة الانصاف والعدل والانسان.

إن موسى الصدر هو هذا النداء الانساني الصارخ، يدوي مجددا وفي كل لحظة في ارجاء هذا الوطن وهذه المنطقة وهذا العالم ليذكرنا بوطنيتنا وبانتمائنا العربي والاسلامي، ويدعونا ليس الى كلمة سواء فحسب، انما الى عمل سواء في هذا الوطن، وفي هذه المنطقة، وفي هذا العالم. ان صوت الامام الصدر يقول لنا لماذا هذه الانانيات؟ وهذا الغرور؟ وهذا الخواء السياسي؟ لماذا تزييف الحقائق؟ لماذا هدر الطاقات واذلال الناس بسياسة لا نرى فيها الا التحدي يدفعها حب الذات، وصراع المصالح الخاصة، وتحكمها الحسابات الضيقة، والحساسيات الطائفية والمذهبية التي انتجت وضعا اقتصاديا متأزما ومعيشيا ضاغطا وتكاد تفقدنا الثقة بهذا النظام السياسي(...)".

خاتمي

وختاماً، تحدث ادريسي باسم الرئيس خاتمي وقال: "(...) ان الحفاظ على وحدة الشعب اللبناني وتماسكه بمختلف فئاته ومعتقداته، هو السبيل الامثل للصمود والمقاومة في مواجهة الاعداء، خصوصاً الكيان الصهيوني. وكانت تلك الرؤية الثاقبة، وذلك الفكر النير هما اللذين بلورا الهوية الوطنية، والوحدة الاجتماعية، للشعب اللبناني بكل فرقه وطوائفه في التصدي للمعضلات الداخلية والخارجية في لبنان بما في ذلك الصمود في وجه العدو الصهيوني. ان الضمائر الواعية، تتفق على ان هذه المقاومة الرائعة التي طردت الصهاينة من الجنوب اللبناني وكللت شعب لبنان بالنصر وصارت مدعاة لفخره بين شعوب المنطقة والمسلمين والعالم بأسره قد استمدت جذورها من افكار الامام موسى الصدر السامية".

الجلسة الاولى

ثم استضافت كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية الفرع الاول في الصنائع جلستين بعد الظهر، ترأس الاولى السيد هاشم صفي الدين وتحدث فيها الدكتور هاشم الحسيني باسم الوزير اسعد دياب والوزير السابق جوزف الهاشم والدكتور سيد جعفر شوشتري والمحامي سليمان تقي الدين.

وقال صفي الدين:

"(...) ان المقاومة في لبنان التي اصبحت اليوم حاجة وخياراً وطنيين، كانت خياراً حقيقياً عند الامام الصدر لقوة لبنان ومنعته، وكان مؤسساً لها يوم قال ان السلاح زينة الرجال من اجل ان يوجه في وجه العدو الصهيوني.

وألقى هاشم الحسيني كلمة دياب:  "ان رسالته (الصدر) الدينية الانسانية لا تنحصر بالعبادات، ولذلك قام الامام الصدر بمبادراته الاجتماعية وعمل على انشاء مؤسسات تربوية ومهنية. وقد توخى من وراء ذلك السعي الى تحقيق العدالة، في مجتمع لا بد ان ينتفي فيه ظلم الانسان للانسان. فالعمل الاجتماعي عنده ينبغي ان ينصبّ على مكافحة شقاء البشر.

وفي نظرته كصاحب نزعة انسانية بارزة، يرى الامام الصدر ان الانسان هو العنصر الذي يطوّر الكون، اذ يضطلع بدور متعاظم على الدوام وعلى مدى فسيح الارجاء.

لذلك، فمن حق الانسان الا يتعرض للكبت، لانه سيتعقد، كما يقول، وتتحول احاسيسه هواجس. فالانسان حين يعيش اقتناعاته ويمارسها في اعماله وعواطفه واحاسيسه، اذ ذاك فقط يعيش حقيقة ايمانه (...)".

بدوره، قال الهاشم: "(...) لقد عاش الامام الصدر الحركة الالهية روحياً، ومارسها قرآنياً في اعرق مفاهيمها الانسانية التي ميزت أئمة اهل البيت في فقه ابعاد الرسالة وخصائصها.  ومن يتحلَّ بالخصائص الرسالية، تصفُ عنده الذات بشفافية مطهّرة من ارجاس النفس، فيدنو الى الصفات الانسانية الكاملة، ما دنا الى جوهر ذات الله، ومن قرب من ذات الله ادرك معنى انسانية الانسان.

لقد نبّه الامام الصدر الى خطر المساس بصيغة العيش اللبناني علي انها تسفه ايضاً الصيغة الاسراذيلية العنصرية، ودعا الى الحوار الذي "يهدف في الدين الاسلامي وسائر الرسالات الى اشاعة السلام...".

ومع تغييبه وغياب القادة التاريخيين، يبرز هذا الانحدار العمودي بمستوى الرجال الى منخفض يدعو الى الهلع. اين هم الرجال الذين كانوا من قبل يصنعون الزمن".

وتناول شوشتري معرفته بالصدر وشخصيته ونشاطاته وحمله لواء مسيرة حوار الاديان والتقريب بين المذاهب في لبنان.

وعرض تقي الدين تعامل الامام الصدر مع الحوار الاسلامي المسيحي من "منظور" الحاجات الوطنية اللبنانية لصون صيغة العيش المشترك".

وسأل "هل كان الامام وما يمثل خطرا على المصلحة الوطنية او القومية ليصار الى تغييبه؟ لقد اجاب التاريخ اجابة حاسمة، ان الامام ومشروعه الذي استمر من خلال المقاومة الوطنية والاسلامية كان مشروعا وطنيا وقوميا. فلم يكن تغييبه الا حلقة في اضعاف المشروع الوطني اللبناني".

الجلسة الثانية

ترأس الجلسة الثانية الرئيس حسين الحسيني، عن البعد الوطني للصدر، وشارك فيها الوزير كرم كرم وباسم الجسر. وتلا لؤي شرف الدين كلمة رئيس الرابطة المارونية الوزير السابق ميشال اده.

وتحدث الحسيني عن العمل الاجتماعي الذي بادر اليه الامام الصدر اذ "عمل على انشاء مؤسسات تربوية ومهنية ايمانا منه بأن العمل الاجتماعي ينبغي ان ينصب على مكافحة شقاء البشر".

واعتبر ان "حركة المحرومين لم تكن فئوية بل كان مؤسسوها من المسيحيين اكثر ما  كانوا من المسلمين الشيعة".

وتناول "رؤية الامام الصدر للبنان وطنا نهائيا يتسع لجميع ابنائه على اختلاف طوائفهم".

وذكر الحسيني بخطاب كتبه الامام في 11/5/،1975 موجه الى المرشحين للهيئة التنفيذية في "حركة المحرومين". قال فيه ان "الحركة لا ترتبط طلاقا بالمجلس (الشيعي) واعضائه لانها حركة لا طائفية تعبر عن آلام جميع المحرومين وفي جميع الطوائف والمناطق".

وتطرق الحسيني الى رسالة وجهها الامام الصدر له وللنائب الراحل بيار حلو في 14/7/1975 بعد وقف اعتصامه في مسجد الصفا في الكلية العاملية، دعا فيها الى تشكيل هيئة برلمانية لـ"لحركة المحرومين" لا تتعارض مع الالتزامات الاقليمية البرلمانية، وتهتم بمطالب المحرومين على صعيد التشريع والتنفيذ والملاحقة والاعلام".

وخاطب الامام الصدر النواب في رسالته: "ان وجود لجنة برلمانية مخلصة تلاحق الامور وتعالج لجنة المحرومين اكثر من ضروري، ولعل في ذلك الانقاذ. اقترح عليكم تشكيل هيئة برلمانية لا تتنافى مع التزاماتكم الاقليمية، تضع لنفهسا ميثاقا يعنى تحقيق العدالة الكاملة في مجالات التنمية والفرص والحقوق المواطنية، تدرس المطالب المقدمة من حركة المحرومين وتنفذها وتكملها وتضع الصيغ اللازمة لها وتسن القوانين المطلوبة وتلاحق تنفيذها وتتلاحم مع جماهير الحركة وتضع خطا سياسيا واضحا وممارسا للمستقبل في الانتخابات النيابية والرئاسية وغير ذلك من النشاطات".

وجاء في كلمة الجسر: "أحدث الامام فراغا كبيرا في الواقع الوطني والسياسي اللبناني، في تلك المرحلة من الحرب اللبنانية بالذات، وبعدها. ومع احترامنا وتقديرنا لكل  المرجعيات الدينية والوطنية والسياسية التي تولت القيادة والتوجيه والتحرك من بعده، فان هذا الفراغ ظل قائما وملموسا. لقد كان الامام الصدر يجمع في شخصه وفكره ومكانته قادة عدة (...)".

وأعقبه كرم: "كان للامام الصدر خطاب واحد وفاقي سلامي توحيدي لشد اللبنانيين، بعضهم الى بعض، في وطن واحد، على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة، تظلل أرض لبنان. وقلما شهد لبنان اعلاما كبارا يعملون على البعد الوطني، ويجهدون من اجل البعد الوطني، ويستشهدون في سبيل البعد الوطني مثلما فعل الامام، من اجل ان ينقذ لبنان، ومستقبل لبنان، حتى يكون هذا الوطن على الصورة التي نحلم بها. لبنان التفاعل الحضاري، ولبنان الحوار الحضاري، لبنان احترام الآخر وحرية الآخر واختلاف الآخر وحق الآخر في الاختلاف. ان التحديات التي يواجهها انساننا اليوم كثيرة والتحديات التي يواجهها وطننا اليوم كبيرة. والبعد الوطني لهذه التحديات في فكر الامام الصدر كما في فكر كبير آخر السيد محمد خاتمي قائم على العلم والاخلاق".

ثم تلا  شرف الدين كلمة اده، وجاء فيها: "الذهنية التي أطل منها الامام على وقائعنا اللبنانية تأسست اصلا على الانفتاح الايماني والديني والمعرفي والثقافي. انها ذهنية الحوار بامتياز. والقضية التي حركت كل طاقاته الخلاقة وحيويته المشعة في الرؤية، وفي العمل معا لم تكن اساسا غير "الدفاع عن صيغة مجتمعنا، اي التعايش في ظل الديموقراطية" وفق تعبيره الحرفي البليغ.

فما كان لشأن هذا المبتدئ الا ان يبلغ في صورة منسقة، ذلك المنتهى التاريخي الطابع بأن "رسالة لبنان بالتعايش" وهو الاستنتاج - الدعوة - النداء التاريخي الذي خلص اليه قداسة الحبر الاعظم وخاطب به انتباه اللبنانيين الى ان "لبنان أكثر من دولة، الى انه رسالة". وان هذا البعد التاريخي لهذا الكيان الجغرافي الصغير انما هو أمانة في يد اللبنانيين ومسؤولياتهم، ولكنه ليس حقهم وحدهم، ولا ملكا حصريا لهم، بل هو أفق للعالم بأسره، "ضرورة للشرق وللغرب" على حد قول قداسته في زيارته الرسولية للبنان (...)".

ويواصل المؤتمر جلساته اليوم، ويصدر بيانه الختامي.

source