مؤتمر (كلمة سواء) تابع أعماله في بيروت والكلمات ركّزت على البعد القانوني لاخفاء الصدر

calendar icon 13 كانون الأول 2003

واصل مؤتمر (كلمة سواء) الثامن اعماله امس، لليوم الثاني على التوالي، فانعقدت الجلسة الثالثة عند العاشرة قبل الظهر في كلية الحقوق ـ الجامعة اللبنانية ـ الفرع الاول، بعنوان (البعد القانوني في الوصف الجرمي للتغييب)، في حضور حشد من الحقوقيين وأساتذة قانون وطلاب.
ترأس الجلسة العميد الدكتور فايز الحاج شاهين، وقال: (انه من الطبيعي ان يتناول هذا المؤتمر الابعاد القانونية في قضية الامام موسى الصدر لان للقانون موقفا متميزا في فكر سماحة الامام).
واشار الى (ان من حق سماحة الامام وعائلته وعائلة رفيقيه الشيخ محمد يعقوب وعباس بدرالدين ومن حق انصاره ومحبيه في لبنان وخارجه، المطالبة بأن يلعب القانون دوره الطبيعي من خلال جلاء الحقيقة وانزال العقوبة العادلة في حق الذين تسببوا او تورطوا في تغييبه مع رفيقيه).
ثم تحدث نقيب المحامين السابق ريمون شديد عن (قضية الامام الصدر في القانون الداخلي). في القانون المدني، تعرف المادة 33 من قانون الارث والوصية بقولها: (المفقود هو الغائب الذي لا يعرف مكان وجوده ولا يعلم أحي أو ميت. وتتحدث المواد اللاحقة من المادة 34 الى 38 من القانون عينه عن المفقود وفقا لحالات تحددها والتصرف بإرثه، وفي ما اذا ظهر حيّاً في محل محدد الامور التي في رأي، لا تهمنا في الوضع الراهن، لاننا، كما سبق وقلت، تجاه قضية فريدة من حيث النوع والظروف، وليس بقضية عادية تتناول اشخاصا فقدوا اما في الحرب او انقطعت اخبارهم بعد غياب. وكذلك تعالج قوانين الاحوال الشخصية، بحسب الطوائف، نتائج غياب المفقود. وكلها تعنى عامة بإرثه واحوال زوجته وكيفية التصرف بما تركه من اموال منقولة وغير منقولة).
وخلص الى القول: (اما في قانون العقوبات، اي الناحية الجزائية للخطف والتغييب، فان قانون العقوبات عالجها في الفصل الاول من الباب السابع. كما عالج الفصل الثاني من الباب الثامن ـ البند الاول حالات حجز الحرية والخطف. ولن اتطرق الى تفاصيلها. ان هذه الحالات وان بحثت، فانها تفيد حالات عادية لاناس عاديين، وليس بوارد من نجتمع اليوم، وبعد اكثر من ربع قرن على تغييبه ولا يزال شغل الناس الشاغل وهمهم الملازم وهاجسهم المستمر، مالىء دنياهم، ساكن ضميرهم، لا يتصورونه الا عائدا اليهم بهامته الوهاجة وعلى ثغره ابتسامة المسامح للمسيء، اللهم اذا عاد المسيء عن اساءته، واستغفر ربه، وتاب امام الناس عما صنعت مكيدته من فعلة شنعاء استنكرها العالم ولا يزال بانتظار الافراج عن الامام، ليعود يرعى خراف الرب بما أوتي من وحي وتقوى).
صادقي
بعد ذلك، تحدث الدكتور حسين مير محمد صادقي عن (قضية الامام الصدر في القانون الدولي)، وقال: (ان ثمة مسؤولية جزائية تترتب على الاختفاء القسري للاشخاص بالنسبة الى الجاني، وكذلك مسؤولية مدنية ودولية بالنسبة الى الدولة المعنية، وذلك استنادا الى المادة الخامسة من ميثاق الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ما يتعلق بتقديم (الحماية لجميع الاشخاص في مقابل الاختفاء القسري)).
اضاف: (السبيل الآخر الذي يبدو لي متاحاً لمتابعة موضوع اخفاء الإمام موسى الصدر وملاحقته قضائياً، يتمثل في ارجاع الموضوع الى محكمة العدل الدولية. بيد ان ثمة اشكالاً في هذا الصدد يتمثل في ان الدولة هي وحدها التي بوسعها ان تتقدم بدعوى ضد دولة اخرى. هذا اولاً. وثانياً ان الدولة التي تكون مسؤولة امام محكمة العدل الدولية هي التي اعترفت بصلاحية هذه المحكمة. ومثل هذا الاعتراف يكون ممكناً عبر احدى الحالات الثلاث الآتية:
- اولاً: الاعتراف بالصلاحية العامة لمحكمة العدل الدولية من خلال الميثاق، ويوجد في الوقت الحاضر 62 بلداً فعل ذلك، غير ان ليبيا ليست من هذه البلدان.
- ثانياً: الاتفاق المبدئي مع البلد موضع الاختلاف على مراجعة محكمة العدل الدولية، غير ان مثل هذا يبدو مستبعداً بالنسبة الى الحكومة الليبية.
- ثالثاً: توقيع البلد معاهدة تتعلق بموضوع خاص يعترف احد بنودها بصلاحية محكمة العدل الدولية بالبت في حالات الاختلاف).
ورأى (ان الرجوع الى محكمة العدل الدولية وتقديم دعوى ضد الحكومة الليبية ـ بغرض الاعتراف بمسؤوليتها، يعتبر ممكناً نظراً اولاً، الى استعداد احدى الدولتين ايران او لبنان ـ باعتبارهما البلدين اللذين يحمل الامام موسى الصدر جنسيتيهما ـ تقديم دعوى في هذا الشأن. وثانياً ضرورة البحث في الاتفاقات المتعلقة بهذا الموضوع والتي تضم في عضويتها كلاً من ليبيا وايران او لبنان، للعثور على مادة قانونية تشير الى الاعتراف بصلاحية محكمة العدل الدولية).
واضاف: (اذا ما اعتبرنا ليبيا مكان ارتكاب الجريمة، فانه ينبغي عليها، ان تكون قد اعترفت بصلاحية المحكمة. واذا اعتبرنا ايطاليا مكان ارتكاب الجريمة، فان عليها الاعتراف بصلاحية المحكمة كي يتسنى الرجوع الى محكمة الجزاء الدولية).
واعتبر (ان عملية الاختفاء القسري بمثابة جريمة ضد الانسانية استناداً الى نص ميثاق الجمعية العمومية لمنظمة الامم المتحدة، والنظام الداخلي لمحكمة الجزاء الدولية. غير ان ادراجها تحت هذا العنوان منوط بأن ارتكابها بصورة منظمة وعلى نطاق واسع).
الجوني
وتناول استاذ مادة الحريات العامة والمنظمات الدوليةüفي كلية الحقوق ـ الفرع الاول الدكتور حسن جوني قضية الإمام موسى الصدر من وجهة القانون الدولي.
وقال: (ان هذا الخطف قد حصل في وقت كانت الاعتداءات الصهيونية في تصاعد مستمر على لبنان. وكان الوضع العربي يعاني التحضير مما يسمى او ما سمي فيما بعد السلام مع العدو الصهيوني. في هذه الأجواء، حصلت عملية الخطف. ان خطف الديبلوماسيين والقنصليين، او اي ممثل للدولة يشكل انتهاكاً لبعض المعاهدات الدولية وكذلك للقانون الدولي).
وقال: (ان السؤال المطروح: هل يتمتع الإمام موسى الصدر بالحماية التي تنص عليها هذه المواد? مع العلم ان الامام، كما نعرف، لا ينتسب الى الجسم الديبلوماسي اللبناني او القنصلي في ليبيا، الا انه يجب ان نحدد انه كان يحمل جواز سفر ديبلوماسياً. وهذه نقطة مهمة جداً، شخصية عامةüفي لبنان).
واعتبر (ان عائلة الإمام موسى الصدر تستطيع تقديم شكوى امام المحاكم اللبنانية والليبية، انما ليس هناك هيئة دولية تسمح لعائلة الصدر ان تدعي على ليبيا). ومن هنا يجب تجيير القضية الى الدولة اللبنانية، معتبراً (ان القضية لا تدخل في نطاق عمل المحكمة الجنائية الدولية).
الوزير حميد
وترأس وزير الطاقة والمياه الدكتور ايوب حميد الجلسة الرابعة، وألقى كلمة قال فيها: اذا كنا سنترك الحديث عن النواحي التفصيلية القانونية الدولية، للمشاركين في هذه الجلسة، فانه لا يسعنا الا التأكيد او التنويه ببعض النقاط:
اولاً ـ ان الإمام القائد السيد موسى الصدر، كان ولا يزال يمثل قيمة وطنية وفكرية ودينية، وشكل رمزاً للوحدة اللبنانية والعيش المشترك. والأهم، انه كان مؤسس وراعي البذور الاولى للمقاومة (الوطنية) في وجه العدو الاسرائيلي، وبالتالي فان تغييبه لا يمكن الا ان يخدم عكس هذه الأهداف. وهذا ما ينبغي ان يساعد، من جهة، في كشف هوية الفاعلين، المستفيدين من التغييب، وفي الوقت نفسه، يبين حجم الخسارة للوطن ولنا جميعاً بارتكاب هذه الجريمة.
ثانياً: ان الوقائع والتحقيقات وكل المعطيات اثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، ان الإمام الصدر ورفيقيه لم يغادروا الأراضي الليبية على متن الطائرة اليطاليا في الرحلة (881) في تاريخ 31/8/.1978 ومجرد الاطلاع على تحقيقات البعثة الأمنية اللبنانية والقضاء الايطالي وملاحظة التناقضات والغموض في المواقف الليبية، منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، تثبت ان الحقيقة دامغة وراسخة ولا يبقى الا تكريسها من الهيئات والمؤسسات القضائية والحقوقية المعنية.
ثالثاً: ان بقاء هذه القضيةüبدون جلاء لغزها، وبالتالي ابقاء مصير الإمام ورفيقيه رهناً بذلك، طيلة اعوام تناهز الربع قرن، لهو امر غير مقبول وغير معقول. كما ان التلاعب بالأعصاب عبر الأضاليل كمثال إلقاء تهمة الارتكاب على (ابي نضال) او غيره (ممن قد يتوفاهم الله) لا ينفع ولا يساهم في حل القضية. ان المطلوب ممن يدعي الحرص على الحل، ان يقلع عن هذه الترهات، وان يبادر الى ما يكشف جوانبها، بدل الإغراء بأثمان التفاح والبطاطا.
رابعاً: ان القضاء اللبناني الذي لا شك في نزاهته والمؤسسات الدولية الرسمية وغيرها، التي اعتادت ان تكون نصيرة لكل مظلوم، وجميع المعنيين مدعوون الى بذل كل الجهود واتخاذ جميع الخطوات وايلاء اقصى العناية، بما يؤدي في النهاية الى انصاف قضية الإمام ورفيقيه.
خامساً: ان لجنة المتابعة لقضية الإمام الصدر ورفيقيه، التي يرأسها سماحة الشيخ عبد الامير قبلان، ولنا شرف العضوية فيها، تتابع مهماتها باستمرار ودقة. وهي بتمثيلها لمختلف فئات شعبنا اللبناني، تجسد الوحدة الوطنية حول هذه القضية. في محاضرة له في قصر العدل في بيروت عام 1973، وامام جمع كبير من القضاة والمحامين واهل الفكر، تحدث الإمام الصدر عن العدالة، نافياً ان تكون عمياء كما كان يقال، مؤكداً انها اصبحت (باصرة وبصيرة) لا لسبب سوى لأنها (عدالة). وما هو عادل لا يمكن الا ان يبصر. وبعد، هل تتحقق امنية الإمام بعدالة تشمل قضيته، ولو بعد ربع قرن? او ان الظلم سيطول لأكثر من ذلك? وبعدما صدأت قضبان السجن، متى يرف جفن السجان او يصحو ضميره? الا يؤمن بعدالة السماء الإلهية التي لن تتأخر كعدالة الارض?).

source