اختتام مؤتمر "كلمة سواء": دعوة الأمم المتحدة للنظر في إخفاء الصدر

calendar icon 13 كانون الأول 2003

دعا مؤتمر "كلمة سواء" الجمعية العامة للأمم المتحدة الى تشكيل لجنة من أعضائها للنظر في قضية إخفاء الإمام السيد موسى الصدر وإصدار أحكامها العادلة بشأنها.
وكان المؤتمر السنوي الثامن الذي نظّمه "مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات" قد أنهى أعماله أمس بعدما استمرت يومين متتاليين وتمحورت حول "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية تغييب الإمام الصدر" في كلية الحقوق والعلوم السياسية الفرع الأول للجامعة اللبنانية.
وجاء في البيان الختامي أن المؤتمرين أثنوا على مزايا الإمام المغيّب الذي شكّل ظاهرة استثنائية في تاريخ لبنان الحديث، إذ تكلّم عن العدالة الاجتماعية والديموقراطية الدينية وبادر الى العمل الاجتماعي إذ وجد فيه سبيلا الى رفع الحرمان ومكافحة الفقر، ولولا تغييب الإمام الصدر لكان حوار الحضارات والثقافات يعلو على ضجيج صراع الحضارات وعلى خطابات نهاية التاريخ وعلى العولمة المعسكرة الزاحفة على العالم بأبشع صورها في القضاء على القيم الإنسانية.
أما في الأبعاد الوطنية لقضية التغييب، فقد أجمع المؤتمرون أن في تغييب الإمام الصدر انكاسا للحق وانتصارا للظلم، لأن الإمام الصدر شخصية بارزة في مقاومة الحرمان وهو من المشهود له بمواقفه الوطنية الوئامية والتوافقية، وهو الذي رفض الاقتتال الداخلي وآزر القرى المحاصرة، وأدان العدو الصهيوني وتبنّى القضية الفلسطينية.
وأما في الأبعاد القانونية، فأجمع المؤتمرون على أن عملية الإخفاء القسري عمل إجرامي يعتبر انتهاكا للكثير من حقوق الإنسان التي تنص عليها الشرعة العالمية لحقوق الإنسان بكافة مواثيقها ومعاهداتها. وأكد المحاضرون بشاعة الجريمة المرتكبة بحق الإمام الصدر ورفيقيه وبحرمانهم حقهم بالحياة وبالحرية والكرامة الإنسانية، كما انها جريمة مهينة للإنسانية لأنها تنتهك الأسس والأعراف التي تقوم عليها العلاقات بين الدول، وان قضية إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه تتعدى الإطار الشخصي العائلي لتغدو قضية وطنية، لا بل دولية الى أقصى الحدود. لذا، على الدولة اللبنانية، عملا بالقوانين الدولية، أن تتولى متابعة هذه القضية على الصعيد القضائي الدولي، وان تتجه بها الى محكمة العدل الدولية لأن كرامة لبنان من كرامة الإمام الصدر، والمعتدي على الأولى هو بالضرورة يستبيح الاعتداء على الثانية.
أضاف البيان: وليست مسألة تغييب الإمام الصدر سوى نتيجة لتفشي ظاهرة عدم المساءلة، فمبدأ المساءلة مفقود في كل القضايا الجوهرية التي تؤثر تأثيرا عميقا على حياة ملايين المواطنين في أرجاء الوطن العربي، تؤثر على نهضتهم وعلى معيشتهم وعلى بقائهم وتطورهم.
وتمسك المؤتمرون بكل الوقائع والتحقيقات وكل المعطيات التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يغادروا الأراضي الليبية كما ادعى النظام الليبي. وان القضاء اللبناني أو المؤسسات الدولية الرسمية مدعوون لبذل كل الجهود واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لجلاء الحقيقة في هذه القضية. ودعا المؤتمرون الى تشكيل مشغل حقوقي دولي يدعى إليه المتخصصون في القانون من كل الدول والجنسيات للتداول في هذه القضية على أمل الخروج بحلول عملانية أكثر منها أكاديمية.
كما أوصى المؤتمرون بضرورة تعديل المادة 9 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ليصبح بإمكان القضاء اللبناني ملاحقة أي قضية جرمية، وإن ارتكب الجرم خارج الأراضي اللبنانية.
تابع: أما في ما يخصّ المعايير الدولية المتعلقة بالتغييب، فإن جريمة الإخفاء القسري، كتلك التي تعرّض لها الإمام الصدر ورفيقاه، إنما هي دائمة ولا تسقط بمرور الزمن، وهي غير قابلة للعفو، وبالتالي، فإن لا إفلات من مغبة ارتكاب هذه الجريمة، وإن بعد مرور 25 سنة على ارتكابها. ويجب على السلطات الليبية وغير الليبية أن تقدم من يشتبه بهم بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في الإخفاء القسري الى ساحة العدالة الدولية ليخضعوا لمحاكمات تتماشى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
ودعا المؤتمرون الى تخطي كل العوائق السياسية، الداخلية منها والخارجية، التي تحول دون إثارة هذه القضية أمام محكمة العدل الدولية. وفيها دعوة صريحة للدولة اللبنانية بالتزام مسؤولياتها تجاه كافة مواطنيها، لا سيما منهم شخصية بارزة مثل الإمام الصدر. والدعوة أيضا للحكومة اللبنانية لإيلاء قضية الإمام الصدر ورفيقيه ومعهم كافة المفقودين اللبنانيين في البلاد وخارجها الأهمية اللازمة حرصا على حق الإنسان وصونا للعدالة والكرامة الإنسانية.
وكان المؤتمر قد عقد، قبل اختتامه، جلستين تناولت الأولى "البعد القانوني في الوصف الجرمي للتغييب"، ترأسها العميد الدكتور فايز الحاج شاهين وتكلّم فيها كل من نقيب المحامين السابق ريمون شديد، الدكتور حسين مير محمد صادقي، والدكتور حسن جوني.
وترأس الجلسة الثانية وزير الطاقة والمياه الدكتور أيوب حميد الذي أكد أن الأمام القائد السيد موسى الصدر، كان وما يزال يمثل قيمة وطنية وفكرية ودينية، وشكل رمزاً للوحدة اللبنانية والعيش المشترك. والأهم، أنه كان مؤسس وراعي البذور الأولى للمقاومة "الوطنية" في وجه العدو الإسرائيلي، وبالتالي فإن تغييبه لا يمكن إلا أن يخدم عكس هذه الأهداف. وهذا ما ينبغي أن يساعد، من جهة، في كشف هوية الفاعلين، المستفيدين من التغييب، وفي الوقت نفسه، يبين حجم الخسارة للوطن ولنا جميعا بارتكاب هذه الجريمة. وأضاف: إن بقاء هذه القضية بدون جلاء لغزها، وبالتالي إبقاء مصير الإمام ورفيقيه رهناً بذلك، طيلة أعوام تناهز الربع قرن، لهو أمر غير مقبول وغير معقول. كما أن التلاعب بالأعصاب عبر بعض الأضاليل كمثال إلقاء تهمة الارتكاب على "أبي نضال" أو غيره (ممن قد يتوفّاهم الله) لا ينفع ولا يساهم في حل القضية. إن المطلوب ممن يدّعي الحرص على الحل، أن يقلع من هذه الترّهات، وان يبادر الى ما يكشف جوانبها، بدل الإغراء بأثمان التفاح والبطاطا.
ودعا القضاء اللبناني والمؤسسات الدولية الرسمية الى بذل كل الجهود لإنصاف قضية الإمام ورفيقيه.

source