همّاهُ: الإنماء والمقاومة

calendar icon 23 تشرين الثاني 2000 الكاتب:محمد رشيد قباني

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الافتتاح)


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد رسول الله وعلى اخوانه سائر أنبياء الله ورسله أجمعين.

فخامة رئيس الجمهورية، دولة رئيس مجلس النواب، دولة رئيس مجلس الوزراء، أصحاب السماحة والسيادة والسعادة والفضيلة.

أيها الإخوة،

في ذكرى غياب الإمام السيد موسى الصدر، نتذكر أموراً كثيرة كانت محل اهتمام الإمام وهمّه، وكانت هذه الأمور الكثيرة في ذهن الإمام تتزاحم في أهميتها حتى تكاد تكون كلها أولويات.

ومن أولى هذه الأولويات التي كانت محلّ اهتمام الإمام وهمّه أمران أساسيان مهمان:

الأمر الأول: هوانماء المناطق المحرومة في الداخل،

الأمر الثاني: هو مقاومة العدو الصهيوني المحتل من الخارج، ومقاومة العدو الصهيوني المحتل من الخارج لم تكن في ذهن الإمام مقتصرة على مقاومته في الجنوب وفي البقاع الغربي، بل على مقاومة العدو الصهيوني المحتل أساساً لفلسطين منذ عام 1948، ولذلك كان شعار الامام دائماً هو مقاومة العدو الصهيوني حتى النصر. ولقد رأينا، أيها الأخوة، نتيجة المقاومة بانسحاب إسرائيل من الجنوب والبقاع الغربي تحت مطرقة المقاومة اللبنانية الشريفة البطلة، ولكننا اليوم نتطلع أيضاً إلى الهدف الأسمى والأوسع والأشمل الذي كان يتطلع إليه الإمام أيضاً، ألا وهو مقاومة العدو الصهيوني المحتل لفلسطين العربية منذ عام 1948.

أيها الإخوة الأعزاء،

إننا نمر اليوم في ظروف لم يسبق لها مثيل منذ عام 1948، وإننا نحمد الله عز وجل أكبر الحمد أن جعل ولادتنا في هذا الزمان، وفي مثل هذه الأيام، حتى نُري اسرائيل - ذلك الكيان اليهودي الصهيوني الأجنبي المحتل لفلسطين، كيف يمكن أن تكون المقاومة ليس بمثل ما كان في لبنان وحسب، ولقد لقنته درساً لن ينساه وهزمت اسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقاوم، وانما أيضاً - بإذن الله عز وجل- كيف سنقتلع جذور إسرائيل في فلسطين العربية كلها، وانه لن يقر لنا قرار، وأقسم بالله العظيم العلي الأعلى، طالما بقينا في هذه الحياة الدنيا لن يقر لنا قرار حتى نحرر بيت المقدس وكل فلسطين.

إخواني، أنتم ترون فتيان الحجارة يواجهون الدبابات والصواريخ الاسرائيلية، تُرى أيكفي أن ننظر إليهم على شاشات التلفزيون ونصفق لهم؟ إنني أعلم أنه لدولنا وقادتنا حساباتهم التي يسوسون بها الأمور، والتي يرون من خلالها الأمة. ولكننا بدأنا نشاهد اليوم كيف أن القادة، وكيف أن المسؤولين في فلسطين ينخرطون مع الشعب الفلسطيني البطل العظيم جنباً إلى جنب في مقابلة العدو اليهودي الأجنبي المحتل لفلسطين. وكذلك نحن مثلهم وأكثر، مثل الشعب الفلسطيني وأكثر، ونتطلع إلى يوم تتشابك فيها أيدينا مع أيدي قادتنا العرب والمسلمين في العالم جميعاً لنقاتل جنباً  إلى جنب، بعد أن تزول الحدود، لأنه في مقاومة العدو الصهيوني لا حدود في وجه مقاومة اسرائيل المحتلة، لا فواصل، تسقط كل الحدود والفواصل، لأن إسرائيل اذا بقيت في فلسطين سوف تزول كل الأوطان العربية والإسلامية.

أيها الإخوة، أنتم تعلمون تمام العلم أن هدف إسرائيل هو انشاء اسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. ولا أظنكم ترون أن اسرائيل قد تخلت عن هدفها هذا، والاّ فما معنى الخطين الأزرقين في علم اسرائيل وأحدهما يهدف إلى الفرات والآخر يهدف إلى النيل؟ اذا كانت اسرائيل صادقة في إرداتها السلام، هلاّ نزعت هذين الخطين الأزرقين عن علمها؟ إنها لن تنزعهما أبداً، فلن نصدقها أبداً لأن اليهود لا عهد لهم. قال عنهم المسيح في الانجيل: يا قتلة الأنبياء ويا أولاد الأفاعي. وذكرهم القرآن بنقض العهود والميثاق.

أنتم تسمعون اليوم تهديدات إسرائيل، ولكن العرب لا بد أن تصحو فيهم الشهامة والإباء، ذلك أن موقف مصر العربية بالأمس، والدول العربية التي قطعت علاقتها باسرائيل بدأت تصحو. ونأمل أن تكون هذه الصحوة حقيقية وان لا يقيد أي دولة عربية أي علاقة مع إسرائيل. إن علاقة أي دولة مع إسرائيل هي علاقة عار وشنار. ليت الإمام السيد موسى الصدر معنا اليوم، وفي هذه اللحظة، وفي مثل هذه الظروف لتروا ونرى كيف نصنع. إن أفكار السيد موسى الصدر دائمة بيننا، وإلا لِمَ اجتمعنا حول ذكرى غيابه؟ إن الوفاء يقتضينا أن نكون أوفياء لبلادنا وأوفياء لأمتنا، لأوطاننا، وأوفياء لمن نجتمع في ذكرى غيابه السيد موسى الصدر، وأن نلتفت إلى الخطر الداهم الجاثم، والهادر القادم. هل تظنون أن هذه الحرب اليوم في فلسطين سوف تبقى داخل حدود فلسطين؟ من قال هذا؟ واليهود أنفسهم يعتقدون أن الملحمة الكبرى سوف تحصل في سهل من سهول فلسطين ويشترك فيها جيرانهم، كما يذكرون، ويشترك فيها الجميع، وفي هذه الملحمة الكبرى نتطلع إلى ذلك اليوم الذي سوف نقتلع جذور اسرائيل من قلب فلسطين. لمن تتركون تحرير فلسطين يا عرب؟ لمن تتركون شرف تحرير بيت المقدس وفلسطين؟ هل يكفي أن يكون فينا صلاح الدين واحد ويضع فلسطين أمانة في أيدينا ثم نسلم فلسطين إلى اليهود الأجانب؟ وفي ذلك، فلقد أحسن منظمو المؤتمر الخامس لكلمة سواء أحسن التوفيق حينما اختاروا موضوعاً لمؤتمرهم: المقاومة والمجتمع المقاوم. لا بد للاحتلال من مقاومة، ولا بد للمقاومة حتى تنتصر من مجتمع مقاوم، مجتمع يقاوم جنباً إلى جنب مع المقاومة في كل شيء، في ميدان القتال، وهو أول مقاومة. وفي ميدان الثقافة وفي ميدان الفكر، لأن الغزو الفكري أخطر علينا من سلاح العدو الإسرائيلي. لأننا حين نتطلع إلى سلام بيننا وبين عدو أجنبي محتل لوطن من أوطاننا فإن معنى ذلك أن الاستعمار الأجنبي وغزوه الفكري قد أطبق على عقولنا وأفكارنا.

قد يكون للقادة وللسادة أن يتكلموا في هذا الشأن ما شاء لهم أن يتكلموا، ولكن من العار ومن الشنار، ومن الخيانة، أن يعتقد أي فرد من أفراد شعوبنا وجماهيرنا أنه يجوز لنا أن نعقد صلحاً مع اسرائيل. إذاً لماذا قاومنا الاحتلال الفرنسي في لبنان وسوريا؟ ولماذا قاومنا الاحتلال البريطاني في مصر والأردن والعراق؟ لماذا لم نعقد معاهدات سلام مع فرنسا ولتبقَ فرنسا في سوريا في لبنان. أنا أقول هذا جدلاً. ألم يكن من الممكن أن نعقد معاهدات سلام مع بريطانيا ولتبق في مصر والأردن والعراق؟ ولماذا قاومنا هذا الاحتلال ونترك بلداً عربياً شقيقاً هو فلسطين انتدبت عليه بريطانيا من الأمم المتحدة وسلمت بريطانيا مصر والاردن والعراق لأهلها بعد الانتداب وسلمت فرنسا لبنان وسوريا بعد الانتداب لأهلهما ولكن بريطانيا خانت العرب فلم تسلم فلسطين لأهلها وإنما سلمتها لعدو أجنبي محتل. إن بريطانيا تتحمل مسؤولية كل ما يجري اليوم في فلسطين، والولايات المتحدة الأميركية تتحمل أكثر من بريطانيا. لقد قذف إلينا الأوروبيون والأميركيون والروس والامم المتحدة، بمشكلة كبرى عام 1948، إلى كل بلاد العرب. كان هناك سلام وأمن واستقرار في فلسطين قبل عام 1948،  ولكن هل فلسطين هي لبلفور؟ هل هي لبريطانيا؟ هل هي للأمم المتحدة؟  هل هي لأمم العالم حتى تقرر الأمم المتحدة تسليمها لليهود؟ إن قرار الأمم المتحدة عام 1948، بإنشاء وطنٍ  قومي لليهود في فلسطين هو خيانة لكل قيم الأمانة ولكل قيم الصدق ولكل قيم التعاون والمحبة بين دول العالم. إننا لا نقبل، ولن نقبل، حتى لو بادت كل الأمة ولم يبق رجل واحد منها، لن نقبل من أمم متحدة أو غير متحدة أن تنشىء، أو تقرر إنشاء وطن ٍأجنبي في فلسطين العربية.

إننا أحوج ما نكون، هنا في لبنان، أن نفوّت على إسرائيل أهدافها، وان نسقط كل المطالبات بالانسحاب السوري من لبنان، لأن هذه المقولة ليست لأحد، وانما للدولة اللبنانية. ولقد حسم فخامة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، وحسمت الحكومة اللبنانية، التي نالت ثقتها على أساس البيان الوزراي، حسمت هذه المسألة.

إن مسألة الوجود السوري في لبنان حين تطرح بين الجمهور سوف تؤدي إلى فتن وانقسام في لبنان، ولولا انتفاضة الأقصى في فلسطين، ولولا انشغال إسرائيل بهذه الانتفاضة التي تقضّ مضجعها لرأيتم كم من الفتن نشبت في لبنان، بسبب طرح الانسحاب السوري من لبنان. إن هذا الموضوع هو من شأن الدولة اللبنانية،  وهو علاقة دولة بدولة، وهو علاقة سوريا بلبنان. وإنني أريد أن أقول: إن ما بين كثير من الدول الصديقة اليوم  من تعاون في المجال العسكري وغيره أكثر مما بين لبنان وسوريا اليوم في هذا المجال. ولبنان وسوريا دولتان شقيقتان، فانظروا كيف تفعل دول العالم، وكيف نفعل نحن اليوم في وقت لا تهددنا إسرائيل فقط باعتداء، وإنما تهددنا في وجودنا. إن اسرائيل وجدت هنا أيها الإخوة لتكون رأس جسر للمحتل الأجنبي، وسوف نكسر نحن هذا الجسر. وعلى الولايات المتحدة الأميركية، وعلى أوروبا كلها التي بدأت تصحو اليوم، وروسيا أيضاً، أن مصالحهم جميعاً على المدى البعيد هي مع العرب، أصحاب الحق في فلسطين، وليست مع اليهود الأجانب المحتلين.

وفقكم  الله  أيها الإخوة في مؤتمركم هذا، من أجل تحقيق المقاومة والمجتمع المقاوم، وحتى نحرر بيت المقدس وفلسطين، إن شاء الله، مهما طال الزمن.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

source