المقاومة وعي ايماني وسياسي

calendar icon 23 تشرين الثاني 2000 الكاتب:محمد مهدي شمس الدين

مثله سماحة الشيخ عبد الامير قبلان


مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الافتتاح)


بسم الله الرحمن الرحيم، باسم سماحة الاخ الإمام شمس الدين ندعو الله أن يعيده إلينا سالماً معافى وإن شاء الله سيعود قريباً بصحة جيدة وعافية أكيدة.

هذه الكلمة أُرسلت من سماحته حيث يُعالج في فرنسا، وسألتزم بالنص وإن كانت ليست عادتي أن التزم بالنص ولكن الأمر لله، مكره أخاك لا بطل.

سيدنا سيد علي، شقيق الإمام موسى الصدر، السيد علي الصدر يذكرنا - هذا خارج عن النص - بهذا البيت العلمي الطاهر الشريف الزكي، هذه العائلة لم ينقطع علماء منها إلى الإمام موسى بن جعفر، استمرار العلماء من الإمام موسى الصدر إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام.

والآن عندما التقيته أثار فيَّ الشجون والشؤون، تذكرت هذه العائلة المجاهدة الكريمة المعطاء، تذكرت وأعادني الى زمن قديم، مع العلم أن الإمام موسى الصدر لا يزال معنا وفينا وفي قلبنا. انا لم أنسَهُ لا في الليل ولا في النهار ولا في السر ولا في العلن، أحببته لا طمعاً بالجنة ولا خوفاً من النار، أحببته لأنه أهل للمحبة والاحترام.

وكنت مع أولاد عمه في النجف مع السيد اسماعيل والسيد محمد باقر، أحببتهم كذلك، ومع السيد رضا -رحمه الله- في ايران على مدى شهرين في بيته الميمون في طهران... لذلك آسف اني غير "سيد" ولكن سأنضم إلى عائلة الصدر بالتبني.

الآن نعود إلى النص، يقول سماحة الإمام الشيخ شمس الدين:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين اتبعوه بإحسان، وعلى جميع أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين.

والسلام عليكم جميعاً أيها الأخوة والأخوات وأنتم تجتمعون حول كلمة سواء عنوانها المقاومة والمجتمع المقاوم في مسيرة الإمام الصدر.

إننا اليوم إذ نستعيد الإمام الصدر ونعود إليه، نستشعر الحضور القوي الفاعل للنهج ولإنجازات هذا النهج الذي ساهم في تحقيق نعمة الله على اللبنانيين والعرب والمسلمين في تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي على أيدي شعبه ومجاهديه من دون مفاوضات ومن دون تنازلات..

وبعد تجديد الشكر لله على هذه النعمة نتذكر الإمام الصدر الذي اكتشف وحرّك وعبأ روح المقاومة لإسرائيل وواجه المشروع الصهيوني انطلاقاً من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ومنذ منتصف الستينات، حين أطلق مسيرة مواجهة الخطر الصهيوني بعزم وشدة معتمداً على الله ومستعيناً بكل الوسائل والأطر لإفشال مخططات العدو وإحباطها.

لقد أطلق الإمام الصدر المقاومة اللبنانية التي توسعت وتطورت حتى غدت عميقة الجذور جلية التصميم، وعبّرت عن إرادة التعبير التي انخرط فيها الجميع واشتركت دماء الجميع فيها، وحصّنها صمود الناس في الجنوب والبقاع، والتفاف اللبنانيين على امتداد الأرض اللبنانية، كما حصّنها وحصنتها إرادة الدولة اللبنانية والموقف الرسمي اللبناني المقاوم والصامد والمشاركة النشطة والمباركة للجيش اللبناني في أعمال الدفاع والتصدي وتحصين الجبهة الداخلية.

أيها  الإخوة والأخوات..

إننا حين نتحدث عن المقاومة فإنما باعتبارها تعبيراً عن الوعي السياسي بالاحتلال.. والحال انني أوجه عنايتكم إلى أن المقاومة هي في الأساس تعبير عن الوعي الإيماني بالكرامة الانسانية وبالبعد الأخلاقي والروحي للوطن. ولقد عبّرت المقاومة عن هذا الوعي حيث جعلت المواطنة والعلاقة بالوطن بعداً من أبعاد الإيمان الديني، وحيث إن فعل المقاومة بحد ذاته كمقاومة للظلم والعدوان يندرج في البعد الديني الذي اعتبر الظلم جريمة في حق الإنسانية جمعاء. وبذلك فقد خضعت المقاومة لمعايير العدالة حتى بالنسبة إلى العدو وهذا ما أكسبها صدقيتها وفاعليتها والتفاف الناس حولها.

إننا اليوم وحين نتذكر الإمام الصدر ورفيقيه فضيلة الشيخ محمد يعقوب وجناب الأخ السيد عباس بدر الدين وسائر الرفقاء الذين شاركوا في مسيرة التحرير، فإننا نتذكر شهداء المقاومة ومنذ أيامها الأولى، وشهداء العمليات الاستشهادية الذين سجلوا في تاريخ العرب والمسلمين في هذا العصر أروع الانتصارات حينما عمرت قلوبهم روح التضحية والاستشهاد.. ونتذكر جرحى المقاومة، وسائر شهداء وجرحى الشعب الذي ظل صامداً ثابتاً حول هدف التحرير ولم ترهبه أية اعتداءات وجرائم ارتكبها الاحتلال.. ونتذكر الأسرى في سجون العدو ومنهم الشيخ عبد الكريم عبيد ومصطفى الديراني ويحيى سكاف وسمير القنطار وغيرهم من الرجال الأبطال، وندعو إلى مواصلة العمل لتحريرهم وعودتهم عن طريق جميع الوسائل المتاحة على المستوى الدولي.

ونتذكر ونستحضر قضية العرب والمسلمين والمسيحيين الأولى وهي قضية القدس والتي عملنا مع الإمام الصدر، ولا نزال في غيابه نعمل، لإنقاذها من براثن الصهاينة.

وإننا نهيب بالعرب، وبالمسلمين والمسيحيين، العمل الجاد والموحّد لإنقاذ القدس، ولحماية حقوق أهلها من مسلمين ومسيحيين، والحفاظ على هويتها العربية، وعلى السيادة العربية عليها. إن القدس تستغيث العرب والمسلمين والمسيحيين لوقف حملات التهويد والطرد والمصادرة، ولوقف المجازر والانتهاكات، ولدعم الانتفاضة المباركة. إن القدس أمانة الله في أعناق العرب والمسلمين والمسيحيين ولا يجوز لأي طرف أن يتنازل عن هويتها العربية..

أيها الإخوة والأخوات

إن بعض الوفاء للإمام الصدر ولمسيرته في بناء المجتمع المقاوم وفي إطلاق المقاومة، هو في أن يستعيد لبنان رؤية الإمام الصدر الوطنية التي حملها وشاركه فيها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وكل المخلصين الشرفاء، في المشروع الوطني الجامع، الذي يعتبر لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه، والتنوع الطائفي المذهبي فيه ثروة حضارية إنسانية ينبغي التمسك بها من خلال ترسيخ الوحدة الوطنية المرتكزة على التكامل والتعاون بين جميع اللبنانيين.

وانطلاقاً من هذه الرؤية وهذا النهج تمسكنا، وما زلنا، في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالمشروع الوحيد للمسلمين الشيعة في لبنان وهو المشروع الوطني اللبناني والإنساني التوحيدي، مشروع الدولة المدنية العادلة والاندماج الوطني المتوازن. وعلى هذا الاساس فإننا ما زلنا نقول بأن إعادة تشكيل المجتمع السياسي اللبناني على أساس تعميق المصالحة الوطنية هي الشرط اللازم لحياة سياسية معافاة ولاستقرار لبنان وازدهاره.

أيها الإخوة الأعزاء

إن الإمام الصدر ورفيقيه هم أسرى النظام الليبي، وقضيتهم هي مسؤولية هذا النظام، فهم دخلوا ليبيا بدعوة رسمية ولم يخرجوا منها. ونحن إذ نجدد الطلب من الحكومة اللبنانية أن تكوّن ملفاً يقدّم إلى محكمة عدل دولية، فإننا نطالب العدالة الدولية بالتحرك لكشف قضية الإمام الصدر.

إننا اليوم وككل يوم مضى نشعر بالحزن والأسى لغياب الأخ والصديق والرفيق ونشعر بالغضب لغياب العدل والانصاف في هذا العالم، ولكننا أيضاً نشعر بالمجد والعزة وبالعنفوان والإباء، ذلك أن نهج المقاومة ومجتمع المقاومة أصبح اليوم حقيقة ومثالاً نراه في أطفال الحجارة وفي انتفاضة الأقصى المباركة.

وفقكم الله ورعاكم أيها الإخوة والأخوات، والحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

source