نظرية المقاومة عند الإمام الصدر

calendar icon 23 تشرين الثاني 2000 الكاتب:أديب حيدر

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الجلسة الأولى)


بسم الله الرحمن الرحيم  والحمد لله رب العالمين.

السلام عليكم أيها السادة الذين أجمعتم على إمامة الإمام موسى الصدر، مسلمين ومسيحيين، ولأول مرة في هذا البلد يكون هذا الامام مورد إمامة في حضوره وفي غيابه· هذا الاجتماع وهذا الحضور الذي نستحضر فيه روح السيد المسيح الحاضر مع إمامنا الحاضر والراعي لإمامنا السجين.
أريد أن اختصر في الوقت، كانت مسألة المداخلة غير التعقيب، المداخلة تقدم بحثاً، والتعقيب أن يكون هناك بعض من الافكار حول ما طرح في المداخلات ولذلك أترك قراءة المداخلة لما طبع بعنوان نظرية المقاومة عند الإمام الصدر ورؤية الإمام الصدر لأخطار المشروع الصهيوني، واستخلص خلاصة من روح هذه المداخلة بعد ان سمعت المداخلة التي تتعلق برؤية الإمام الصدر لمخاطر المشروع الصهيوني.

هناك نقطتان: النقطة الاولى أن هناك مقاومة عسكرية ومقاومة عقائدية إيمانية، لا أقصد بالعقائدية وفْقَ ما نعتقد نحن بخاصة الديانة العقائدية أي المبنية على الايمان، المقاومة العسكرية هي رد فعل على فعل، المقاومة العقائدية هي مقاومة تنشأ بأساس فلسفي ونظريات وشعارات وتاريخ ممتد، هذه المقاومة تكون متعددة الجوانب. لهذا فالامام الصدر يعتبر رائداً في هذه المقاومة وهو الذي انشأ المقاومة العقائدية النابعة من عمق التاريخ في رؤيته لمعنى الظلم العام، الذي أحدُ أبعاده المشروعُ الصهيوني، وأحدُ فروعِ مخاطرِ المشروعِ الصهيوني هو اسرائيلُ.

لذلك، هذه المسألة تنبع من هذا البعد. فالامام الصدر ليس مقاوماً عسكرياً دفاعاً بردّ الفعل عن لبنان. ونشأت المقاومة عند الإمام الصدر بفعل وجود اسرائيل على ارض لبنان وكان رد الفعل مقاومة، هذا الموضوع كتبت فيه بشكل مطول، لكن الفكرة ان الامام الصدر لم ينشىء مقاومة عسكرية كرد فعل على احتلال دولة لدولة اخرى، وتنتهي هذه المقاومة العسكرية بخروج الدولة المحتلة من الأراضي التي احتلتها وينتهي الامر، فلذلك المقاومة عند الإمام الصدر أشمل وأبعد في معركته الحضارية مع الظلم. وابرز عناوين حملة الظلم هو المشروع الصهيوني، اسرائيل. اسرائيل بوجودها وبما لَها من أهداف تشكل خطراً علينا محدقاً الآن وفي المستقبل وفي المنطقة، وان معركتنا هذه ذات وجوه كثيرة فهي معركة حضارية طويلة الأمد متعددة الجهات وطنية قومية دينية. إذن، الامام الصدر، لم يكن في معركته فدائياً حمل السلاح ليُخرج اسرائيل من أرض لبنان كي تبدأ صيغة السلام وصيغة التعايش، وتنتهي المشكلة، إنها معركة أعمق وأكبر من هذا الأمر.

كيف أدرك الامام الصدر خطر الصهيونية؟ أدركها من خلال أمرين:

الأمر الاول: أن الامام الصدر هو أحد أبرز تلامذة المدرسة الاسلامية التي درست الخطر الصهيوني منذ نشوء الصهيونية. طبعاً اسم صهيوني جديد، لكن الحركة الصهيونية نشأت عندما ذهب موسى عليه السلام وعاد، في عودته كانت هناك حركة تمرد وحركة ردة في المجتمع، وأنشأوا لهم إلهاً له خوار - القرآن الكريم - من أراد فليراجعه - لا يتسع الوقت الآن لكي أبحث في هذه المسألة، يراجع الخطاب التوبيخي والتهديدي ووصفهم بالقلوب القاسية، ومثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها، هو تنظير قرآني شامل وكامل لطبيعة هذه الحركة التي بدأت جذورها منذ ذلك التاريخ وكانت هذه الحركة هي الأطول في الاخطار لأنها لم تُواجَهُ بمشروع مقابل يتصدى لها، إلا هذا البيان وهذا الخطاب الذي بَيَّنَهُ الاسلام.

الأمر الثاني هو الجانب العملي. هل بدأ الإمام الصدر بالمقاومة في لبنان؟ أو قبل قدومه إلى لبنان؟ هذا الذي، اتمنى على الاخوة  إن شاء الله أن يضعوا بين أيدي الخاص - العام لا يعرف شيئاً - حتى الخاص يعرف القليل عما تكفل به مؤتمر "قم" لبيان مكانة الإمام الذي نحن نراه هنا كبيراً ولكن كان هناك أكبر مما نحن نراه هنا كبيراً، أكبر مما نحن نرى في كبر الإمام في مسألة تأسيسه وريادته لمقاومة الخطر الصهيوني وادراكه لأهمية لبنان في هذه المعركة وفي حمل طموحات رسالته الانسانية في الساحة اللبنانية. هذا أيضاً جانب مهم جداً ولذلك أول ايراني حمل البندقية في مواجهة اسرائيل جاء مع الامام الصدر وهو الدكتور مصطفى شمران والثاني هو المرحوم السيد أحمد الخميني الذي حمل بندقية في معسكر التدريب لأفواج المقاومة، قبل أن يسقط الشاه، إحدى ركائز حماية المشروع الصهيوني في العالم، ولذلك كان الامام الصدر هو سفير المقاومة وحاضن المقاومة في ايران وعندما جاء إلى لبنان استمر يقوم بهذا الدور أيضاً، هو الحاضن والحامي ولا استطيع أن أفصّل لأن الوقت لا يتسع لهذا الموضوع.

هذا التعقيب الآن على ما تفضل به الوزير إده أقول إن ما ورد في المداخلة أعطى الامام ما يستحق، والوزير إده من المحبين وليس من المتملقين، من العارفين بقيمة وعظمة الامام موسى الصدر فيما قدّمه للبنان ولشعب لبنان بكل أبنائه وبكل طوائفه، وما قدمه للمجتمع الانساني من خلال استنقاذ لبنان الصيغة، التي يمكن أن تكون مفتاحاً حضارياً في العالم، وهو النصر البكر في عالمنا على اسرائيل، كان بفضل موسى الصدر، وهو الابن البكر للانتصار، ان شاء الله سيكون له ولد ثانٍ وثالث حتى زوال اسرائيل من الوجود·

من هنا أيها الاخوة أقول: إن الحركة الصهيونية ليست خطراً على العرب فنحن ننظر إلى اسرائيل، مرة على أن صراعنا معها صراع دولة مع دولة، وتحكمها الأطر الدبلوماسية والحقوق، ومرة ننظر  إلى اسرائيل على أنها مشروع خطر عالمي وانساني على كل البشرية· نقول اليوم، الخطر الصهيوني على اميركا أكبر بكثير من الخطر الصهيوني الذي تمثله اسرائيل في ساحتنا هذه، هنا يجب أن نعيد دراسة المشكلة مع الصهيونية التي لا تبدأ مع اسرائيل ولا تنتهي مع اسرائيل، مشكلتنا مع الصهيونية· يجب أن تشكل مقاومة عالمية انسانية يكون فيها الاسلام والمسلمون والمسيحية والمسيحيون في مواجهة المشروع الصهيوني وأخطر ما فيه  أن يحتمي بستار المسيحية، وان يجعل السيف الصهيوني الذي يذبح به المسيحي ويذبح به المسلم يحمل شعار المسيحية، أو أنه وهمٌ يقول للناس ان السيف الذي يذبح هو مسيحي، وحتى أقول إن اليهود الذين قتلوا- لان ليس كل اليهود صهاينة - في العالم ثلاثون ألف يهودي ليسوا بصهاينة وبقية اليهود صاروا صهاينة بفضل الحركة الصهيونية. ان الكثير من اليهود الذين قتلوا في اوروبا كانوا بفعل الحركة الصهيونية ليستفيدوا من دمائهم في نقطتين:

أولاً : أن لا يبقى يهودي خارج المشروع الصهيوني، والامر الثاني أن يستغلوا هذا الامر، كقميص عثمان، في معركتهم مع المجتمع الانساني، مع مجتمع الحق· لذلك كنت أتمنى من مداخلة الوزير إده أن يطرح لنا رؤية الإمام في هذا الجانب. إن الامام لم ير فقط الخطر الصهيوني على ساحة لبنان بفعل المحاددة أو بفعل طبيعة لبنان الرسالية مع طبيعة اسرائيل العنصرية. رأى الإمام الخطر الصهيوني بشموليته أحد أبرز مصاديق خطر اسرائيل، عندما ننتهي من وجود اسرائيل يجب ان نتصدى، مسلمين ومسيحيين، لنخلّص المجتمع الانساني من خطر الصهيونية العالمية، التي ما زلنا في بداية تأسيس الطريق لمقاومتها بكل اشكال المقاومة.

النصر على إسرائيل حدث طريف، وطرافته أنه الوحيد في ساحة مواجهة إسرائيل منذ قيامها. وفريدٌ لأنه استدعى أن يوجه أسئلة كبيرة وضخمة على كل الصعد، مما أدى إلى استنفار كل دوائر البحث والتحقيق وفي كل معاهد المراقبة والدراسة. وهذه الظاهرة أدت إلى عودة الباحث إلى الأوليات، حيث أخذت كلمات الشكر والثناء توجه إلى عوامل النصر: منهم من شكر المقاومة الإسلامية وقيادتها الشجاعة وقائدها المظفر، ومنهم من شكر الدولة اللبنانية في التفافها الأخير، ومنهم شكر الاحتضان الشعبي في لبنان للمقاومة، ومنهم من نوَّهَ معترفاً بدور القوى الإقليمية، كسوريا وإيران، وهكذا إلى الاعتراف بدور الإمام الصدر التأسيسي للمقاومة. مع هذا لم ندخل في معرفة مُعَمقة لهذه الظاهرة التي حققت ما يشبه الإعجاز، وقلبت النظريات العسكرية في عالمنا المعاصر، وجعلت الشعوب والأمم التي تواجه ما واجهه لبنان من احتلال عنصري وقمع عسكري وأطماع تجد في التجربة اللبنانية محطة نظر وموضع اقتباس ودحض حجة كل من تسلح بمنطق الضعف وعمل بمظاهر القوة المادية.

وهنا لا بد لنا أن نقدم جواباً عن سؤال: ما هي المقاومة؟ هل المقاومة مقولة عسكرية؟ هل المقاومة مقولة عقائدية؟

فالمقاومة العسكرية تختلف بالتأسيس عن المقاومة في المقوله العقائدية، لأن المقاومة العسكرية هي رد فعل على فعل، وهذا الرد يتنامى بتنامي الفعل ويتطور في كل الاتجاهات المتاحة له، كما هو في المقاومة العسكرية في فرنسا ضد الاحتلال الالماني، وكما حدثت المقاومة العسكرية في فلسطين عبر مراحل متعددة وأشكال مختلفة للاحتلال الصهيوني، وهذا الشكل من المقاومة تكتمل عناصره أثناء العمل، ثم يصبح لها كينونة وقيادة وجهاز وغير ذلك.

أما المقاومة العقائدية فهي مقاومة مختزنة وموجودة في مشروع فلسفي وعقائدي وفكري وتنظيمي، حيث لها شعارات، وعناوين حتى عسكرية، وتصبح فيما بعد مجرد إجراء فعلي عندما تكون مواجهة. ومن مفارقات الأمر:

أولا: المقاومة العسكرية تنشأ فوراً من دون مقدمات كرد فعل للحدث، قد تكون عفوية، أو تحركاً عاطفياً، أو تحركاً غير منظم، أو مجموعات ،أو جماعة أو حزب أو دولة، ولذلك تطرح هذه المقاومة وجودها وشعاراتها أثناء المواجهة، وتتحرك مع حركة الساحة السياسية المؤثرة في قوة المقاومة، وبذلك تصبح المقاومة ورقة مساومة سياسية أو عسكرية عند اطراف النزاع.

ثانيا: تكون عناصر هذه المقاومة محصورة في دائرة صغيرة، وعليه، يكون لتحركها  حدود المكان والزمان والشكل والآلية، بينما المقاومة العقائدية لا تنحصر في مكان ولا زمان، كما هو شعار كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.

ثالثا: تنتهي المقاومة العسكرية بدون مفاعيل كما تنحل أي فرقة عسكرية، وبالتالي ومع مرور الزمن، لا يبقى لهذه المقاومة إلا الأطلال من الذكريات والبطولات، بينما تبقى المقاومة العقائدية حيةً متفاعلة متجددةً في الأطر التي تعيش فيها مادام المجتمع المتقدم في عمر المسيرة التاريخية.

من هذه الإضاءة البسيطة ندخل إلى عنوان المقاومة في لبنان لنعود إلى أصولها ومنابعها وعناوينها وشعاراتها وقادتها.

وحيث ان الإمام الصدر هو المدخل والباب الذي ندخل منه إلى عالم المقاومة فهنا لا بد لنا أن نعود إليه، لأن الذي لا يفهم الإمام الصدر لا يستطيع أن يحدد نظرة أو نظرية عن سر الانتصار في المقاومة العقائدية.

والسؤال الذي لا بد أن نجد الجواب عنه في هذا الموضوع هو: هل بدأ الإمام الصدر معرفة المشكل بعد قدومه إلى لبنان أو قبل قدومه إليه؟

نحن نعلم أن المشكلة الصهيونية لم تحدث عام 1948، بل المشكلة الصهيونية كانت في التاريخ في مواجهة قبل الإسلام وبعده، مع السيد المسيح وقبله، حتى مع موسى (ع) وما عاناه منهم. ولكن بعد الإسلام ترسخ الفكر الصهيوني وظهر بكل خطره عندما بدأت بروتوكلات صهيون تفتش عن وطن قومي لها في العالم، وبعد أخذ وردّ قرروا أن تكون فلسطين هي الهدف. والعالم يعيش اليوم كياناً صهيونياً متحكماً بالعالم من خلال تحكمه بدول كبرى في العالم. وكيان إسرائيل على أرض فلسطين يمثل نقطة ارتكاز. من هنا حدث مفهوم الاحتلال وأعطى مصطلحات الاغتصاب والمستعمرات والهجرة اليهودية والتوسع والاحتلال والتقسيم والحروب العربية  - الإسرائيلية، حتى أصبح العنوان لهذا القاموس مشكلة الشرق الأوسط.

ومن هنا نقول إن الإمام الصدر قبل قدومه إلى لبنان عايش قيام دولة اسرائيل وعدوانها على العرب حتى العام 1959 وكان قبل هذا التاريخ في صلب ودائرة المشكلة حيث كانت العراق وإيران في معركة مع المستعمر والنافذ والحكام المفروضين· لذلك، الإمام الصدر من مدرسة واجهت الإسرائيليات الفكرية والاطماع الصهيونية وتدرك أبعادها وأخطارها قبل احتلال فلسطين وبعد احتلال فلسطين، وكانت تعلم الخطر المهدد لكيان الأمة العربية والإسلامية، وكانت تدرك بالأخص الخطر المهدد لحاضرة التشيع في تاريخ جبل عامل المتاخم لحدود فلسطين المحتلة. وهناك كان الإمام الصدر أحد أبرز رواد الحركة الإسلامية النامية والناشئة على الرغم من كل الأثقال والقيود. وقد قدم مؤتمر دراسة فكر الإمام الصدر في "قم" هذه المسألة التي لا يعلم الكثير الخاص عنه. فبمقدار ما كان الإمام كبيراً في لبنان كان كذلك قبل قدومه، ولذلك من الخطأ الفادح أن نُعرِّف الإمام الصدر بترجمة قدومه إلى لبنان أنه جاء بناءً لرغبة القرابة من الإمام شرف الدين (قدس)، أو لمجرد العرف القائم ان رجل الدين هو وكيل شرعي للمرجع والقيام بأمر الموتى والزواج والعيد والطلاق. وأيضاً لم يأتِ الإمام الصدر بالمصادفة، إن قدوم الإمام إلى لبنان جاء ليعبّر عما حمله الإمام الصدر في قلبه وعقله من طموح الرسالة التي نذر نفسه لها في بيت كان، ولازال، منبعاً من ينابيع القيادة الرائدة، القيادة الشاهدة والشهيدة لهذه الرسالة· كان الإمام يدرك خطر الصهيونية وخطر إسرائيل على الأمة وعلى لبنان، ولذلك اعتبر الإمام أن لبنان هو الثغر المواجه والمفتوح، الذي لم يكن في حينها موضع اهتمام لأن لبنان مضمون في حياده مع العدو لضعفه ولعدم قدرته على المواجهة ولعدم وجود قابلية العداء لإسرائيل صنيعة الغرب المحب للبنان أيضاً. قدم الإمام الصدر إلى لبنان، ثم استقدم الدكتور شمران ليطبق ما آمن به وعاشه من نظريات إيمانية وعقائدية في مواجهة المشروع الصهيوني الخطير.

بعد قدوم الإمام الصدر إلى لبنان، ومنذ اليوم الأول، عمل على تكوين الأسس التي من خلالها قرر مقاومة إسرائيل ودفع خطرها عن لبنان، وقرر تحويل لبنان إلى ساحة قوة وممانعة، وخصوصاً أن الساحة اللبنانية كانت الساحة المفتوحة أمام الكل في ساحة المواجهة العربية لبعضها تحت شعار القضية. وتكونت جبهات ومنظمات عنوانها الظاهر مقاومة إسرائيل وحمل قضية فلسطين في خطابها وحركتها السياسية، وانتهت هذه العناوين في فخ الصراع البعيد عن القضية، وتوجه سلاحها خارج ساحة المواجهة، وقسم منها تحول إلى حوار السلام الذي بدأ بالتساقط العربي أمام هذا العنوان وهذا السلام، وتحول إلى استسلام. من هنا نجد أن حركة الإمام الصدر على الساحة اللبنانية تحركت ضمن إيمانه بأن مقاومة الصهيونية ليس بفعل الاحتلال للأرض، أو لأنها أقامت وجوداً على أرض فلسطين وحسب، بل من خلال ما تقدم. إن للصهيونية مع الإسلام مشكلة قديمة فكرية ووجودية، حيث تعايش الإسلام مع المسيحية في الوقت الذي لم يتعايش مع اليهودية والصهيونية. وقامت معركة إجلاء اليهود من الجزيرة العربية وخارج النظام الإسلامي وقيام حركة مقاومة دس الفكر الإسرائيلي في التراث الإسلامي، ولهذا كان الإمام الصدر في امتداد هذه المعركة، وعرّف الخطر الصهيوني عندما قال:

إن إسرائيل بوجودها وبما لها من أهداف تشكل خطراً علينا محدقاً الآن وفي المستقبل وفي المنطقة. وقال أيضاً: إن معركتنا هذه ذات وجوه كثيرة فهي معركة حضارية طويلة الأمد متعددة الجهات: وطنية قومية دينية.

كان هذا المسار والفهم التاريخي لمسار الحركة الصهيونية في بعدها الديني مرتكزاً على نظرية الإمام الصدر في المقاومة، وعليه وضع كل الشعارات والأقوال والتحذيرات وأدرك أن المعركة مع الصهيونية مسؤولية كل فرد في المجتمع الإنساني انطلاقاً من لبنان إلى العرب، إلى المسلمين والمسيحيين. ولهذا تفصيل كبير لا يتسع المجال لعرضه. وحركة الإمام في دعمه للمقاومة الفلسطينية على الرغم من الأخطاء الفادحة التي قامت ضد حركة الإمام تجاوزها بصبر وايمان، بأن بقاء المقاومة الفلسطينية ولو شكلاً من الاشكال الانتمائية - أمر مفيد في مستقبل المعركة.

والمرتكز الثاني، أن لبنان لا يمكن أن يكون بلداً قادراً على أن يكون في معركة المواجهة أو أن يحمي نفسه منها إلا عندما يتحول فيه من بلد الضعف والتقسيم والحرمان والتفاوت والامتياز الطائفي، الذي ينفتح على امتيازات أجنبية ترعاه وتحميه. من هنا تحرك الإمام في صرخة رسالية أيضاً من صلب الرسالة التي حملها وآمن بها من المساواة والعدل وبسط الخُلق واحترام الإنسان وانمائه، فتحرك من هذا الموقع ليحارب كل المسلّمات التي زرعت في لبنان وجُعلت حقولَ ألغامٍ تُفجّر عند الطلب. ومن هنا حدد الإمام برنامج تحركه السياسي على الساحة اللبنانية لتسير في خط متوازن، المقاومة في الجنوب، وتحصينه من العدوان والاحتلال· لأن الامام تحرك قبل قيام اسرائيل باحتلال لبنان الاحتلال الكبير مع تحسن مسيرة رفع الحرمان عن المناطق وخصوصاً الجنوب، الذي كان مع البقاع والشمال مناطق ملحقة بالدولة بحكم الجغرافية وليس بحكم الإنماء والاعمار والإدارة.

وتحرك الإمام في الخطين بزخم كبير دون أن يأخذ أحدهما من وقت وعناية الإمام على الآخر، وبذلك قدّم الإمام نظرية أن المقاومة ليست محصورة بالعمل العسكري فقط بل مقاومة اسرائيل أوسع وأشمل، وأحد وجوهها الدفاع العسكري· ومن هنا اهتمام الإمام بالحركة الإسلامية في إيران واحتضان روادها وقادتها المشردين والمبعدين، وكان لسانها في الخارج. كان من ضمن نظريتة في المقاومة أن مقاومة الاستكبار والصهيونية التي تشكل فريقاً واحداً والانتصار عليها في كل مكان، هو انتصار لوحدة المجتمع الإنساني. ومن هنا كانت نظريته متعددة الاتجاهات مع وحدة الهدف، ولذلك ترى تحرك الإمام في مسار المقاومة يهدف إلى تحصين الساحة اللبنانية من خلال محاولة توحيد المجتمع حول هذا الهدف، وهذا كان له قدرة كبيرة على تذويب الكثير من الحساسيات الطائفية ومحاولة توحيد الطاقات في مواجهة العدو الخارجي وعدم التوجه إلى الاختلاف في الداخل. وعندما كان يتحرك في مواقع الداخل كان يحاول أن يجعل القوة للجميع دون إشعار أحد بالخوف، وتحرك في منطقة المحرومين بغضّ النظر عن طائفتهم.

نظرية الإمام الصدر تتلخص من خلال رؤيته التاريخية والمعمقة لخطر الصهيونية، التي كانت معركة غير متكافئة، لأن الصهيونية واليهود كانوا في حالة الاستنفار الكامل عبر كل مراحل التاريخ، ومشروعهم لم يمرّ في مرحلة إهمال بل كان اليهود يحشدون كل ما يمكن لهم لإنجاحه، في الوقت الذي لم يواجه هذا المشروع من قبل الأمة الإسلامية، بل إن الأمة لم تدرك خطره. وكما ان اليهود استطاعوا أن ينصبوا جهلاء وسذَّجاً  وعملاء عملوا على قمع كل محاولة لمواجهة هذا المشروع. وكان تصدي العلماء عبر التاريخ لهذه الصهيونية عملاً فردياً ليس  له مشروع يحميه وتشارك فيه الأمة.

من هنا يعتبر الإمام الصدر الرائد الأول في الساحة الحديثة، الذي ادرك وبيّن الخطر الصهيوني، وعمل على أن يكون هذا ليس مجرد ادراك فرد أو مقاومة فرد. وعليه، اعتبر أن مقاومة هذا الوجود لا تتم إلا عبر تعريف الأمة وتحريرها من القيود المفروضة واخراجه من مسألة الندم القسري وكسر كل حواجز الخوف واليأس من فشل المحاولة الأولى، واعتبر أن مواجهة اسرائيل ليست مجرد مواجهة قوة عسكرية، بل مواجهة مشروع.

ومن هنا كان الإمام الصدر أول من طرح المقاومة العقائدية الايمانية القائمة على رفض الأديان السماوية لعنصرية الحركة الصهيونية، في الوقت الذي كان السلاح والمقاومات تملأ الفضاء ضجيجاً وعجيجاً، إلا أنها لم تنطلق من نظرية العداء العقائدي بين خطّي الإيمان والكفر.

وكل ما عدا ذلك أصبح تفاصيل لهذه النظرية القائلة:

"الايمان مقابل الحديد، والحق مقابل الباطل، والحقوق الإنسانية مقابل العنصرية".

ومن هذا ندرك رؤية الإمام الصدر لمخاطر المشروع الصهيوني.

عين بصيرة ورؤية متميزة غاصت في الماضي الصهيوني وواجهت آثار العدوان الصهيوني. ومن هنا نرى رؤية الإمام الصدر تنقسم إلى بعدين: الخطر الصهيوني من خلال الحركة الصهيونية العامة، والخطر الصهيوني بما يعني قيام اسرائيل على أرض فلسطين، لأن قيام اسرائيل هو أحد المخاطر للحركة الصهيونية وليست كل أخطارها. والكثير خلط بين الخطر الصهيوني العام، والخطر الإسرائيلي، أحد مخاطر الصهيونية العالمية.

وهذا يعني أن تاريخ الحركة الصهيونية - في مرحلة التأسيس، هو التاريخ الأطول في سجلها المخزي - والتي استمرت حركة منظمة، تحركت كمشروع متخفٍ ومستتر، إلا عن  الأعين الخبيرة القليلة· ولذلك لم تواجه الحركة الصهيونية بمشروع منظم، لأن الساحة العالمية التي تسلل إليها الصهاينة كانت تضج بالصخب، وفي غفلة عن مكائد الصهاينة وما تعرض له اليهود كان رد فعل على استفحال تآمرهم.  لذلك كانت الصهيونية تستفيد من هذا الاضطهاد لليهود، وقد يكون اليهود ايضاً ضحايا الصهيونية التي كانت تريد أن تحتضن كل اليهود، لأنه من غير الثابت أن كل اليهود كانوا صهاينة، عكس الحال اليوم، اصبح الكل صهاينة عبر توجيه الحركة الصهيونية التي وزعت مآسيها في أكثر بقاع الأرض· والإمام الصدر من العيون الخبيرة التي ادركت الخطر الصهيوني على المسيرة الحضارية "اسرائيل هي خطر فعلي ومستقبلي على لبنان والعرب والإنسانية".

وقد أدرك الإمام الصدر خطر الصهيونية من خلال أمرين:

الأول: أن الإمام - من خلال الإسلام الذي تصدى إلى الإسرائيلية الصهيونية، التي خاطبها القرآن وبيَّن الكثير من ملامحها وفكرها وسلوكها ونظرتها، برسالة السماء إلى  موسى، وأيضاً بما يعني نظرة الصهيونية إلى المجتمع غير الصهيوني، وبيّن تاريخ ومسيرة هذه الحركة العدائية للنبي موسى (ع)، الرمز الكبير لليهود الذي كان في الواقع العدو الباطن لليهود الصهاينة، وهذا ما نبه القرآن الكريم إليه عندما غاب موسى كيف ارتدوا وتمردوا، والخطاب الاستنكاري والتحقيري لهم، والتهديد بالعقاب، ووصفهم بالمغضوب عليهم وذووي القلوب القاسية، واظهار مسيرتهم المعادية لمسيرة المؤمنين {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود} [المائدة، الآية 82] . والذي يريد أن يعرف التعريف المفصل والرسم الدقيق لهوية الصهاينة يجدها في القرآن ظاهرة، وليس مجالها.

ولذلك، الإمام الصدر خبير كبير ومجتهد، عليم بكل خصائص هذه الحركة، وبالإضافة إلى تدخل هذه الحركة متنكرةً باسماء ولبوس في الخلافات التي تعرضت لها مسيرة الإسلام بالخلافة والمذاهب والأفكار، وشكّلت بين المسلمين ثغرات، وقامت ببناء حواجز، وعمّمت الشك بينهم، حتى في معتقداتهم  - بما عرف بالإسرائيليات- هذا نبع غزير لمن أراد أن يعرف جذرور هذا الوباء الخبيث وأصوله.

ثانياً، الجانب العملي: عايش الإمام الصدر مرحلة تكوين إسرائيل في غفلة من العالم العربي والمجتمع الإنساني، وذلك قبل قدومه إلى الساحة اللبنانية، وعاصر مرحلة الهجرة اليهودية والتقسيم بعد الوعد المشؤوم، والعدوان الثلاثي على مصر، وعاصر الحروب العربية والمقاومة الفردية لبعض الأبطال. وكان الإمام في ايران الشاه، التي كانت أحد المراكز الأساسية لحماية الأهداف المعادية لأمتنا وفي خدمة صنّاع إسرائيل، وكان الإمام في باكورة شبابه يحمل مقاومة هذا الوجود، وعندما قدم إلى لبنان كان يدرك الخطر الصهيوني على جبل عامل وما يحمل من رمزية ومكانة في تاريخ الشيعة الفكري والعقائدي، وهي أرض أجداده ووطنه، بكل شموخه الفكري والديني والعلمي وغناه في خيراته ومياهه، فلم يكن لبنان المتاخم الجغرافي للكيان المحتل لأرض فلسطين الشمالية بعيداً عن نظر الإمام، أن يكون ساحة جهاد وأداء رسالة، لذلك لم يكن قدوم الإمام الصدر إلى لبنان بدافع مقاومة إسرائيل فقط، بل من أجل الحفاظ على لبنان، بما يمثل من تاريخ وكيان حر ومتنفس للحرية التي كانت مخنوقة. وهذا ما تحسسه الإمام من زيارته الأولى، فأدرك أن لبنان بحاجة إليه، ذلك أن الإمام أدرك الخطر الإسرائيلي، وخطر الحرمان والبؤس السياسي لبلد يشكل فريسه سهلة للمشروع الصهيوني.

حدد الإمام الخطر بمساحة الأطماع الصهيونية:

إسرائيل الصغرى تعني الخطر على فلسطين والدول المجاورة.

إسرائيل الكبرى تعني الخطر على العرب والشرق الإسلامي.

إسرائيل العالمية تعني الخطر على المجتمع البشري.

مع ملاحظة أن إسرائيل الصغرى والكبرى مشروع جغرافي، وأما إسرائيل العالمية فتعني النفوذ خارج الجغرافية التوراتية. ولذلك نسمي هذه المراحل الثلاث المرحلة التنفيذية لمرحلة التأسيس، وقد بدأ عملياً بقيام إسرائيل على أرض فلسطين، التي أعطيت غطاء دينياً على أنها أرض الميعاد، وبعد قيامها لم تواجَه إسرائيل من الفلسطينيين ولا العرب والمسلمين إلا برفض بائس ويائس، وكانت الاعتراضات استعراضية من الحكام العرب والدول الإسلامية، فقط لامتصاص غضب الشعوب التي صدمتها الجريمة والمجازر، وبدأت التراكمات نجاحاً إسرائيلياً مدعوماً دولياً، وهزائم عربية مصطنعة ومرعية بكل الدعم، لإثباتها وإشاعة اليأس والإحباط. ومن هذا التكوين الموجز، ادرك الإمام الصدر عند قدومه إلى لبنان أن العالم في غفلة عن خطر زرع إسرائيل في فلسطين، وأن التنبه إلى الخطر القادم يستدعي القيام بشكل قوي وسريع. لذلك كانت صيحة وحركة الإمام الصدر في مقاومة الخطر الصهيوني رائدة وسط هذا السُبات العميق كانت الريادة متميزة بعمق الفهم والخوف من الخطر، مما دفع الإمام لأن يقاوم بعزيمة وقوة وإيمان صلب تميز به الإمام.

فالإمام الصدر انطلق من فهمه التاريخي لجذور الحركة الصهيونية في مواجهة إسرائيل ولذلك فإن المقاومة التي أرادها الإمام الصدر معركة طويلة الأمد. من هنا نرى أموراً منها:

أولاً: ليس كل العالم يقاوم الحركة الصهيونية ويدرك خطرها، بل يعتبرها حالة يمكن التعايش معها والتفاهم معها وقيام كيان سياسي لها قد يخدم الكثير من المصالح، وهذا تيار الغرب وحلفائه وصنّاعه، وعليه، يمكن إنشاء صيغ سياسية تحدد العلاقة وتحل المشاكل.

ثانياً: هناك من يعتبر الخطر الصهيوني خطراً وجودياً وعنصرياً وعدوانياً والمواجهة يجب أن تكون شاملة ويجب أن تنتهي إلاّ بعد زوال هذا الخطر الوبائي والخبيث، وان المكونات الفكرية للصهاينة تناقض مكونات الامة العربية، الإسلامية منها والمسيحية، والمشاكل مع الصهيونية يجب أن تحل بشكل جذري يؤدي إلى إلغائها أو إقصائها عن دائرة الاحتكاك.

فالإمام الصدر ينطلق في مواجهة اسرائيل من منطلق شامل وليس من المنطلق المتعايش مع اسرائيل. هناك نظريتان لقيام إسرائيل في فلسطين واحتلالها لأراضٍ عربية:

النظرية الأولى، تعتبر أنه خلاف سياسي يحل بالطرق السياسية، واللبنانيون لم ينظروا إلى إسرائيل وخطرها بمنظار واحد، بل اعتبر بعض اللبنانيين أن إسرائيل عدوة ما دامت محتلة لأرض لبنان، وعلينا الاعتراف بها والتعايش معها، كما هي نظرة معظم الحكام العرب، وان المشكلة مع إسرائيل تُحل بمعاهدة سلام. والبعض الآخر انطلق من أن إسرائيل شر مطلق، ومشروع عنصري، خطير لا يؤمن بالمواثيق، ولا بالتعايش. وكل مظاهر السلام والتحبب خداع مؤقت، ولذلك التعايش والاعتراف بها يشكل وهماً كبيراً وسراباً قاتلاً وهذا ما انطلق منه الإمام الصدر بفهمه للخطر الصهيوني، وأسّس شعارات المقاومة وعقيدتها وأهدافها وأعطاها بعداً إيمانياً اعتبر التعامل مع إسرائيل حراماً.

ومن هنا  بدأ الإمام الصدر في مقاومة إسرائيل بالتدريج، حيث اعتبر إسرائيل عدوة ويجب مقاومتها، ولم يرفض أن يجتمع الجميع في المقاومة، سواء من اعتبر اسرائيل عدوة دائمة أو مؤقتة، وطرح لبنانية المقاومة كان من هذا التوجه، ومن هنا يسير اللبناني بكل  شرائحه مع الإمام لإخراج إسرائيل من الأرض، وبعد ذلك لا مانع أن تصبح إسرائيل حليفة أو صديقة أو جارة بحسب مقتضيات الحاجة، ويستمر البعض الأكبر منهم في متابعة مقاومة وجود اسرائيل، بمعنى إخراجها من وجودنا، ويجب أن نسعى لتبقى إسرائيل عدوّة.

ولذلك، فالإمام مؤسس ومقاوم ومتابع بحضوره القوي عندما كانت المقاومة محاولة في جو اليأس والتخلي والردة والتآمر، وبقي الإمام الصدر موجها الخطاب والعقيدة إلى حد إخراجها وإلى ما بعد إخراجها من لبنان وصولاً إلى القدس، قال: "خذ علماً يا أبا عمار أن شرف القدس يأبى أن تتحرر إلا على أيدي المؤمنين". ومن هنا كان الإمام مقاوماً لبنانياً مع المسلمين والمسيحيين وجعل من لبنان التعايش سلاح المقاومة واعتبر المعركة الداخلية من الحرمان والطائفية غير منفصلة عن المعركة مع إسرائيل.

ومن هنا كان الإمام مع لبنان لبنانياً، ومع العرب عربياً ومع المسلمين مسلماً، ومع المسيحي مؤمناً، ومع الغرب إنسانياً ليجمع الجميع في خدمة إنجاح المقاومة، وكل بالحد الذي يؤمن به، فالخطر الصهيوني عند الإمام لا ينتهي مع إسرائيل عند حدود لبنان، مع التأكيد أن المقاومة كانت لبنانية. ولم يعتبر المقاومة اللبنانية بديلا عن المقاومة الفلسطينية، فكان يرعاها ويدعمها ويُشرعنها كأنه فلسطيني، بل كان أحرص على فلسطينيتها من قادتها الذين واجههم الإمام بالنصح والتحذير والغضب عندما كانت المقاومه تنحرف عن وجهتها. يصوّب كل ما يخدم النصر، يتجاوز كل السلبيات الصادرة منها عليه. واذكر رحلة الإمام إلى النجف الاشرف عام (1969 - 1970) مع الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) ليدعمها من قبل المرجع الأعلى الإمام الحكيم، واستحصل إجازة شرعية لدعمها من الحقوق الشرعية والزكاة· وفي صور جمع الإمام التبرعات للمقاومة الفلسطينية واعتبر جهاد الشعب الفلسطيني أمراً مقدساً. والإمام لم يترك عنصر قوة إلا تتبّعه، ولا أمراً معوقاً إلا حاول إزالته، لأنه يدرك أن الحكام العرب في معظمهم كانوا عوائق امام الشعوب، وقد جعلوا القضية الفلسطينية متراساً لحروبهم وخلافاتهم. وكان الإمام يراهن على الشعوب، ولذلك كان  يتحرك في وسط هذا التناقض غير عابىء بما يحيط به من تآمر عليه.

ومن هنا نرى أن تغييب الإمام جاء في أجواء هذه المعركة التي ظهر فيها اليوم أن ساحة الإمام كانت الشعوب، وأن الحكام كانوا، ولا زالوا، أدوات المشروع الصهيوني بلبوس مختلف. والقذافي الهارب من القمة العربية والإسلامية، الذي لم يقدم لمواجهة إسرائيل ما قدمه في الشعوذة السياسية المصطنعة، ونرى رموز الاتهام والاستسلام اليوم في طمس الانتفاضة هم حلفاء الأمس، ونرى الإمام الصدر قبل تغيببه القائد الرائد والمنازل الأول من منطلق معركة الإيمان مع الشر المطلق (قول الإمام: اعلم يا أبا عمار)، واليوم تراه من وراء الحجب وتغييب القائد، الذي مازال قوله ومنهجه وممارسته ورؤيته ونبوءته لمستقبل الصراع هو الأمر اليومي والخطاب اليومي والممارسة العملية لكل من بنى المقاومة على طريق الإمام الصدر بداية أو استئنافاً أو صحوة، ويبقى الإمام الصدر، وسيبقى في لبنان والعالم أبجدية كتابة تاريخ الانتصار، ولوجه جلاء إسرائيل من الوجود، وسيبقى الإمام الصدر في لبنان صورة المسيح كما يريده ويفهمه المسيحي، وكما يحب المسلمون المسيح، وسيبقى قدوة المسلمين لأنه قدوة جدّه الأعظم محمد وأجداده الطاهرين النجباء والشهداء، وسيكون الإمام الصدر أجمل صورة تحتفظ بها البشرية عندما تقيم معرضها الخالي من الظلم والجور في ساحة القسط والعدل والسلام.

وشكراً.

source