أحباب الكلمة السواء... سلاماً

calendar icon 23 تشرين الثاني 2000 الكاتب:بهجت غيث

(مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الافتتاح)


بسمه تعالى نبدأ، وبه نستعين، والحمد والشكر له وحده في كل وقت وحين، والصلاة والسلام على أنبيائه المرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين.

السلام عليكم أيها الإخوة الحضور الكرام، أصحاب السماحة والسيادة والسعادة، طابت أوقاتكم وطاب اجتماعكم في المؤتمر الخامس للكلمة السواء تلبية للدعوة المشكورة من القيمين والمسؤولين عن مركز الإمام الصدر للبحوث والدراسات، الذي يواكب مسيرة حياة هذه الامة الحية بأرواح قادتها العظام وأئمتها الكبار. وإن غابت أشخاصهم تبقى صورهم مشرقة في ذاكرة المجتمع المقاوم تضيء له السبيل، وتبقى له الهادي والدليل، وتلهمه الإرادة والعزم والقوة، وتثّبت مقاومته وتعززّها بروح الإيمان والصمود والصبر، حتى تحقيق النصر، وهذا ما تؤكده القراءات في مسيرة الإمام الصدر.

فتحية لكم يا أحباب الكلمة السواء أينما كنتم، هنا وهناك، وفي كل مكان نخاطبكم بلغتنا التوحيدية الأخوية بأمة الإخوان وأخوّة الإيمان، ولا نقف عند تنوع انتماءاتكم لمختلف الطوائف والمذاهب والأديان فكلها مظاهر متعددة لحقيقة واحدة، وقد أخذت تتبلور تلك الحقيقة وتعلن عن ذاتها بذاتها في ذروة تطوّر حضارة العولمة المتآكلة، وسقوط الحواجز والحدود والفواصل، وانفتاح أحياء القرية الكونية على بعضها وتحكم الأقوياء بالضعفاء وانقسام العالم من حيث الهوية الأصلية الحقيقية إلى قسمين لا ثالث لهما، كما كان في البدء حق وباطل، خير وشر، ونور وظلمة، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين {كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء، الآية 104]. فأبناء النور عبر الدهور والعصور هم السابقون السابقون، {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} [الواقعة، الآية 13] أحباب الحق وثمرة الحقيقة الثابتة على غصن الشجرة الكونية، وهم صفوة الخليقة المتجذرين في كل أمة وشعب ودين، وهم أينما كانوا روح المقاومة وقوة المجتمع المقاوم وبذرة الخير المغروسة في الأرض الطيبة وسر الأسرار في نعمة الأديان لإظهار العبر وتحقيق الوعد المنتظر، وإظهار قدرة الحق وعزته وعظمته وإرادته، إعزازاً للمؤمنين المحقين وإذلالاً للمتكبرين المعتدين في نهاية دورة الزمان لإعادة ما كان في نفس المكان، ليعلم كل البشر بأن قوة الشر بدأت تتلاشى وتذوب أمام صمود المؤمنين بالحق، المتشبثين به والمدافعين عنه دون خوف أو تراجع أو مساومة حتى تحقيقه، ولو كره الظالمون.

إنها حكاية المقاومة والمجتمع اللبناني المقاوم رغم كل المعاناة والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، ورغم تفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية والسياسية التي تشد الخناق على هذا المجتمع الفريد بتنوعه بتركيبته الحضارية الدينية والاجتماعية والسياسية، وكأنه نموذج مصغر عن هذا العالم الأكبر. رغم كل ذلك استطاع هذا المجتمع أن يقفز فوق كل الحواجز ويتجاوز كل المطباّت والعقبات، ويتمسك بوحدته الوطنية، ويلتف حول مقاومته وجيشه وقيادته الملتزمة بالمسار الموحد، والمصير الوطني القومي الواحد مع القيادة السورية. ولا قيمة للضجة المفتعلة لفك هذا المسار التاريخي تحت ذرائع وأعذار قاصرة عن الرؤية الصحيحة للخطر المحدق بالجميع،  فالمجتمع المقاوم كان، وسيبقى دائماً، سلاح الإرادة والتصميم وصدق الإيمان ودعم المقاومة لإكمال هزيمة العدو المحتل، وتطهير الأرض من رجسه، لإعطاء العالم العربي، بل العالم بأسره المثل والبرهان. "إن النصر في النهاية لمن أعانه الله"، وليس لمن تمادى في الشر والعدوان واستكبر على الحق، ولو تلقّى الدعم والإعانة والمساندة من كل قوى الغرور والاستكبار والطغيان.

الأمور تسير كما يريد العزيز القدير لا كما تريد أميركا وإسرائيل أو هذا أو ذاك مهما كان كبيراً أو صغيراً، وإنّ لكل شيء غاية، ولكل حكاية نهاية، ولا بد للزمان مع اكتمال دورته الألفية من إظهار ما يخبىء من أسراره الملكوتية ليتعظ الإنسان ويعلم أن الإرادة الإلهية والعزة الكونية لا بد أن تتدخل في النهاية لتنصر المحقّين وتهزم المعتدين، ولا بد أن تساعد المؤمنين الصابرين الصامدين المناضلين لتحرير قدس الأديان وتخليصها من فم الذئب الصهيوني المقنّع بلباس الحملان، ليخدع بعض النوّام الغافلين، والحكّام والمسؤولين المتآمرين على شعوبهم وأمتهم. ومن نعمة القدر أن كل من طلب الحق وثبت معه وصبر، انتصر، وقد بدأت الشعوب والأنظمة العربية والعالمية تراجع حساباتها وتستيقظ من سباتها.

وهكذا أيها الإخوة المؤمنون، رغم كل الغيوم السوداء التي تغطي أفق عالمنا العربي، ورغم بركان الغضب المتفجر في وجه الإجرام الصهيوني الذي يقتل ويدمر ويسفك الدماء ويحاول جاهداً إخماد انتفاضة الشعب الفلسطيني المدافع عن أرضه ومقدساته وكرامته الوطنية، لن تتمكن تلك الآلة العسكرية الجهنمية من تحطيم إرادة الشعب الفلسطيني المقاوم، المسلّح بقوة الإيمان والصمود والصبر حتى تحقيق النصر، ولا بد بعد ظلمة آخر الليل من بزوغ الفجر، وستتحطم تلك الآلة الغاشمة أمام قوة الإرادة المعززة بروح المقاومة الصامدة، كما تحطمت في جنوب لبنان، ستتحطم، بإذنه تعالى، في الجولان وفي القدس وفلسطين وفي كل مكان، لأن قوة الشر موهومة ومعدومة أمام قوة الحق، ولكنها تحاول دائما زرع الخوف والرعب في قلب المؤمنين المحقين ليتراجعوا عن المطالبة بحقهم ويضعف إيمانهم به، ويترددوا في الدفاع عنه، ويخشوا شبح الباطل، فيتسلط عليهم كما تتسلط الظلمة على النور الضعيف وتخمده. أما النور القوي فلا تستطيع الصمود أمامه، بل يلاحقها ويمزقها ويبددها بأشعته ويحرقها. وهكذا انتصرت المقاومة المسلحة بنور الإيمان وقوة تحقيق الحق المعزز بالدلائل والبرهان لأن سعادة النفوس في إدراك المحسوس والفوز في الامتحان الأخير واجتياز مضيق العبور في زمن التفرقة بين أبناء الظلمة وأبناء النور، والعبرة ليست بالكثرة والكمية، بل بالنوعية في المجتمع المقاوم المشبع بروح الثقة والثبات والصدق والإخلاص في العمل حتى تحقيق الأمل.

إنه أيها الأحبة زمن الامتحان وعقوبة الزمان لقليلي الإيمان الجاهلين لجوهر الكلمة السواء في نعمة الأديان وحتمية عودة ارتفاع راية الحق وتنكيس أعلام الباطل بإرادة العزيز القدير خالق الخلق.

كما جاء في وصية صاحب إشراق الشمس العيسوية: "اعرفوا الحق والحق يحرركم" وشفعتها من بعده آية صاحب إشراق الشمس المحمدية، {ولقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون} [الزخرف، الآية 78] إشارة إلى كثرة أرهاط الفساد والمفسدين الظالمين المتكبرين المغرورين المنافقين الذين إذا {قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} [البقرة، الآية 11] فنهايتهم أصبحت قريبة، ومصيرهم إلى السقوط والخيبة، وقد هجم القدر ليدمرهم ويمحو أثرهم.

كما أشارت إلى ذلك آيات الكتاب المبين {نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ} [لقمان، الآية 24].

{وإذا اردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً} [الإسراء، الآية 16].

إنها لعبة القدر انتهت، بإنسان هذا العصر بين فكيها، {فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها} [الأنعام، الآية 104] ومن واجبنا، أيها الإخوة الأحباء في المجتمع المقاوم، ألا نهمل أي مجال أو سلاح فعال، وسلاح قوة الإيمان بالحق والتحرر من الخوف، والثقة بالنصر هو سلاحنا المعنوي الأقوى والأفعل في معركة النهاية مع العدو الصهيوني المتفوق جداً بأسلحته المادية، والمخادع بلغة الشر المبطّن بشعارات السلام الكاذب، وحقوق الإنسان، وغير ذلك من الأقنعة التي سقطت، حيث اجتاح هذا العدو الغرب واستقوى به وهجم وإياه،  متوهماً أنه يستطيع تطويع الشرق وتحقيق أحلامه وأوهامه فسيخيب ظنه ويخسر سعيه، ويعلم هو ومن يدعمه أن مقود قيادة المسيرة الكونية مسير "بأصبع" القدرة الإلهية، فالقدر يدور ويدور ليثبت صحة آيات المستور، ولن تسير الأمور كما يريدها المتجبرون المغرورون المتكبرون على الحق، بل كما يريدها خالق الخلق، ومحقّ الحق ولو كره الظالمون.

نسأله تعالى تقويتنا وإلهامنا جميعاً - إخوة الأديان - صدق المحبة وصدق الاخلاص والصفاء، وأن يوفقكم في مؤتمر الكلمة السواء للتركيز على بث الروح المعنوية المعززة بصدق الإيمان وصدق الثقة بالحق وبقدرتنا على تحقيقه عند تعميق ثقتنا بأنفسنا وبالعزة الكونية والقدرة الإلهية فتجتمع عند ذلك قوى الخير في نفوس أبناء النور ويعرفون الحق بحقيقته، ويتحررون من الباطل وظلمته، فتتحقق بهم معجزة الإرادة الربانية، وتعلو راية الكلمة السواء الأزلية، ويعود صفاء الحق بنور الخلق ولو كره المعاندون الظالمون المعتدون، ويعلمو أي منقلب سينقلبون، وتنكشف آيات المستور ويظهر سر النور وتتصل الكاف بالنون ويدرك العالم حقيقة، {ألا فان حزب الله هم الغالبون} [المائدة، الآية 56 ].

والسلام عليكم أيها الإخوة. وفقكم الله في مؤتمركم وهداكم إلى كل ما فيه خير هذه الأمة وقوتها وعزتها ووحدتها بالاجتماع على الكلمة السواء لتعود إلى أصالتها وسلوك سيرة الصالحين ومسيرة أئمتها وقادتها المخلصين، ومسؤوليها في مواقع القرار، الملتزمين بخط مقاومتها ومجتمعها المقاوم، لتربح في النهاية معركتها وتنتصر على أعدائها بقوة نور معرفة الحق وصدق الإيمان في نعمة الأديان.

عشتم وعاش لبنان.

source