خطاب المقاومة والحرمان عند الإمام الصدر وتعبيراته الاعلامية

calendar icon 24 تشرين الثاني 2000 الكاتب:أسعد النادري

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الجلسة الثانية)


دولة الرئيس، ايها السادة،

اسمحوا لي بدايةً أن أتقدم من السيدة الجليلة السيدة رباب الصدر شرف الدين ومن القيمين على مركز الإمام الصدر للابحاث والدراسات بأطيب التحيات وخالص الشكر بتشريفهم اياي بالمثول امامكم.

ليس من الغلو في شيء أن يقال أن سماحة الإمام السيد موسى الصدر يعتبر بحق مؤسس الحالة الجهادية الجنوبية المعاصرة، التي تُوّجت بتحرير الجنوب في الرابع والعشرين من أيار 2000، وتحقيق انتصار تاريخي للمقاومة الإسلامية والوطنية اللبنانية في مواجهة أحد أقوى الجيوش في العالم وهو الجيش الإسرائيلي المزود بأحدث الأسلحة والتقنيات الحربية الأميركية.

ويكتسب نفيُ الغلوِّ عن هذه المقولةِ مضمونَهُ من حقيقة أن فَصيلي المقاومة الرئيسيين وهما حزب الله وحركة أمل يتفقان على المرجعية الجهادية التي يمثلها بالنسبة إليهما سماحة الإمام الصدر.

وإنما احترزنا بوصف الحالة الجهادية الجنوبية بالمعاصرة لئلا يتبادر إلى أذهان البعض أن هذه الحالة الجهادية الجنوبية أمر طارئ. ذلك أن تاريخ الجنوب قديماً وحديثاً مليء بنماذج المقاومة والممانعة التي اضطلع فيها رجال الدين على وجه الخصوص بأدوار طليعية مرموقة.

مهما يكن، فإن من الملاحظ أن الحركة السياسية التي نهض بها الإمام الصدر منذ عودته إلى أرض الوطن، أرض الآباء والأجداد قد تمحورت حول هدفين رئيسين متلازمين، أحدهما مقاومة العدو الصهيوني، والتصدي بالوسائل السياسية والإعلامية المتاحة لاعتداءاته المستمرة على الأرض اللبنانية، وفضح مطامعه في أرض لبنان ومياهه، والثاني تسليط الضوء على حرمان مناطق وشرائح واسعة من اللبنانيين من خدمات الدولة ومن أبسط مقومات العيش الإنساني الكريم، فضلاً عن مقومات الصمود في مواجهة العدوان الصهيوني اليومي.

وتحت هذين الهدفين اندرجت سلسلةٌ من القضايا والمواقف التي عمل الإمام من أجلها. ومن أجـل هذين الهدفين كان تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سنة 1967، ليتولى شؤون الطائفة، ويدافع عن حقوقها، ويحافظ على مصالحها، ويسهر على مؤسساتها،  ويعمل على رفع مستواها، ولينصّ  برنامج عمله، الذي أعلنه الإمام الصدر عقب انتخابه في 23  أيار 1969 رئيساً لهذا المجلس، على جملة أهداف، كان منها ممارسة المسؤوليات الوطنية والقومية، والحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه، ومحاربة الجهل والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد الخلقي، ودعم المقاومة الفلسطينية، والمشاركة الفعلية مع الدول العربية الشقيقة لتحرير الأراضي المغتصبة.

ومن أجل هذين الهدفين أيضاً كان تأسيس حركة أمل سنة 1975 تأسيساً ممهوراً بإعلان الإمام الصدر أن هذه الحركة الوطنية الشريفة أخذت على عاتقها تقديم كل ما يملك أعضاؤها في سبيل صون كرامة الوطن، ومنع إسرائيل من الاعتداءات السهلة. ومن أجلها كانت مواقف الإمام المشهورة في دعم المقاومة الفلسطينية والدفاع عنها، وفي الدفاع عن الوحدة الوطنية والوفاق الوطني، وفي الاهتمام بالشأن الاجتماعي الإنمائي وتأسيس العديد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية والثقافية كترجمة عملية لهذا الاهتمام.

أولاً : خطاب المقاومة

منذ البداية اهتم الإمام بتأكيد شرعية المقاومة من الناحية الدينية معتبراً أنها لا تحتاج إلى بحث أبداً ذلك أن أفرادها هم الذين يطبقون شرعة الإنسان ويؤتمنون على صيانة الأخلاق والمثل وينفذون إرادة المسيح وإرادة محمد، وهم الذين يطبقون إرادة الله التي تعبر عنها الآية الكريمة{ضربت عليهم الذلة والمسكنة}[البقرة، الآية16] ويعتبر الإمام أن ما يقوم به المقاومون إنما هو تنفيذ للإرادة السماوية (1). ومن الملاحظ أن الإمام الصدر في إسباغه للشرعية السماوية على العمل المقاوم، غالباً ما يستحضر الرسالتين الإسلامية والمسيحية كمصدر لهذه الشرعية، متشبثاً بالوحدة الوطنية الإسلامية - المسيحية كضمان أساسي من ضمانات استمرار المقاومة وانتصارها. ولذلك، يؤكد الإمام أنَّ يد الله ويد المسيح ويد محمد ويد القيم تخرج من كف هؤلاء الذين ينفذون هذه الإرادات السماوية - ويعني بهم المقاومين - وتتمثل في سلاحهم وفي ودمهم وفي جهادهم، لأجل تنفيذ هذه الأحكام السماوية"(2).

وعلى هذا النحو يتجلى أن محاربة إسرائيل ليست مجرد موقف سياسي، بل هي تكليف شرعي. "إنها ليست محاربة للإنسان، وإنما هي محاربة للفساد والانحراف والظلم ولفكرة التفريق العنصرية. الأنبياء أنذرونا: أخرجوا اليهود من الجزيرة العربية. ولكننا لم نسمع حينما لم يكن لهم قاعدة، فكيف بنا في هذا اليوم وأمامنا هذا الخطر المتجسّم؟ (3)"

وإنما اعتبرت محاربة إسرائيل تكليفاً شرعياً لأن الإيمان،كما يرى الإمام، ليس بالدعوة ولا بالحضور في المساجد والكنائس ولا بالتسجيل وبالهويات، وإنما الدين هو الموقف، والإيمان هو الحزم في الوقفة والإرادة، والوعي في السلوك والتصرف (4).

وهذه المحاربة إنما هي جهاد لتحرير القدس يشارك فيه المسيحيون الذين أمروا أن " لا تعطوا القدس للكلاب والخنازير "، ويشارك فيه المسلمون، حرباً لأن القدس التي هي عاصمة الفلسطينيين - كما يقول الإمام - هي قبلتنا وملتقى قيمنا وتجسيد وحدتنا ومعراج رسالتنا. إنها قدسنا وقضيتنا، وجهادهم في سبيل تحريرها جهادنا ومسؤوليتنا (5).

ولأن للقدس هذه المكانة العظيمة لدى المسلمين والمسيحيين جميعاً، يخاطب الإمام أبا عمار قائلاً: "يا أبا عمار، إن شرف القدس يأبى أن تتحرر إلا على يد المؤمنين".  وينبه سماحته باكراً إلى محاولات الصهاينة تهويد القدس، وهو يرى أن " هذا التهويد وإهانة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وانتشار الفساد والسياسات في القدس، تتعارض مع الإسلام في أعماقه، وتستلزم دائماً السعي المستميت، وبذلك لا يمكن إحلال السلام في العالم طالما يوجد مسلم ملتزم واحد "(6).

ويدعو الإمام الدولة اللبنانية إلى إقرار التدريب العسكري وتسليح الناس وإقرار التجنيد الإجباري وبناء الملاجئ وتعزيز الجيش اللبناني وتجهيزه بالأسلحة الحديثة من أجل الدفاع عن الوطن والمشاركة في تحرير الأراضي المقدسة مع الدول العربية الشقيقة، ولدعم المقاومة الفلسطينية العادلة.

وغير خافٍ ما في هذه الدعوة من مواجهة مع المنطق السياسي القائل بأن قوة لبنان في ضعفه، وهو المنطق الذي حكم سياسة لبنان زمناً طويلاً، وفُرض على الجيش اللبناني أن يتأقلم معه قبل أن يطويه الطائف دستورياً، وتطويه قيادة الجيش الوطنية بعد الطائف.

ويؤكد الإمام الصدر معارضته لهذا المنطق السياسي في أكثر من مناسبـة، فيصرح بأن "الدولة لم تتصرف على أساس أننا مجتمع حرب، حتى ولا مجتمع دفاع، فالمجتمع اللبناني بحاجة لأن يصبح مجتمع حرب لمواجهة المعركة المصيرية التي يواجهها. وعلى الأقل دعوا الجنوب الذي يواجه الحرب أن يكوِّن هذا المجتمع ليتمكن من مواجهة العدو على الوجه الذي تفرضه المصلحة القومية وواقع المعركة"(7).

أما الترجمة العملية لهذه الدعوة إلى بناء مجتمع الحرب فهي كما يراها الإمام في تسليح الرجال وتدريبهم وتأمين سلامة الأطفال والنساء وتأمين وسائل العيش. وهي أيضاً في بناء قرى محصنة ومسلحة في الخطوط الخلفية تدعم الخطوط الأمامية في مواجهة أي عدوان.

وبنظرة ثاقبة، هي نظرة المسؤول الواعي الحصيف المدبر، يرى الإمام أن " أي حركة عمرانية من تحصين وبناء وتنمية سوف تحدث حركة اقتصادية في الجنوب تضع حداً لمأساة الجوع المسيطر على أبناء المنطقة، وبالتالي تعطيهم الأمل وتسدد عزيمتهم من أجل البقاء والصمود في وجه أي عدوان "(8).

وفي ظل تقاعس الدولة عن أداء واجبها في حماية أبناء الجنوب والدفاع عن حدود الوطن والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية، كان من الطبيعي أن يجد الإمام في المقاومة الفلسطينية تجسيداً لمعتقده الجهادي وموقفه السياسي الذي يرى المقاومة قدراً لا مفر منه تصدياً للقضية العربية الكبرى قضية فلسطين. ولذلك نراه يؤكد أن اللبنانيين سوف يسعون إلى تجنيد طاقاتهم كافة لخدمة هذه القضية.

إنه يرى بوضوح أن " قضية المقاومة الفلسطينية قضية شعب كامل تشرد من أرضه التي عاش فيها آلاف السنين "(9).

بل إنه يرى بحسم أن الصراع مع إسرائيل إنما هو صراع وجود، فإسرائيل تهدد العرب والفلسطينيين واللبنانيين، كما يرى الإمام. و"الحل هو إزالة الوجود الإسرائيلي من فلسطين، وإن الحل الوحيد الذي يبرز إلى الوجود هو المقاومة الفلسطينية. وعلى هذه أن تتصاعد لتكون نواة الحرب الشعبية الشاملة "(10).

ويتكرر هذا الموقف الحاسم في جواب الإمام عن سؤال صحافي وجه إليه : " لو كنت في مكان المطران كبوجي، وطنك محتل أسير، ماذا تفعل؟ " ويؤكد الإمام أعرف مثل كل الناس أن إسرائيل هي العدو للعرب وللمسلمين وللمسيحيين وللإنسانية ولله سبحانه وتعالى، ولا أعتقد أنه في التاريخ يمكن الإنسان أن يجد موقفاً أوضح مما يجب اتخاذه إزاء إسرائيل.  ولعل الذين يتمنون الشهادة في سبيل الله لا يمكنهم أن يبحثوا عن موقف أشرف من هذا الموقف، ولذلك فإنني في لبنان، وفي أي مكان - بما في ذلك الضفة الغربية، أرى من واجبي بذل كل ما أملك، بما فيه حياتي، في محاربة إسرائيل، مع التأكيد بأن هذه المحاربة هي خدمة كبرى لليهود أيضاً الذين تشكّل الصهيونية، وبالتالي الحكم العنصري الصهيوني، أشد الأخطار وأقوى الصدمات عليهم".

والمعركة ضد إسرائيل، كما يرى الإمام، معركة حضارية طويلة الأمد متعددة الجهات: وطنية قومية دينية. إنها معركة الماضي والمستقبل ومعركة المصير. وهذا يعني أن المطلوب منا الاستعداد ليس لأجل الأيام والأسابيع القادمة فقط، ولكن لسنوات ولعشرات السنين، وعلى جميع الجبهات، وبكل المستويات، ومع جميع الطاقات (11).

وإنما كانت المعركة على هذا المستوى من الشمول والاتساع لأنها في حقيقتهـا معركة ضد الشر الذي تجسّده إسرائيل، ولذلك يطلق الإمـام كلمته المـأثورة: " إن إسرائيـل شر مطـلق وخطر على العرب إسلامـاً ومسيحيين وعلى الحريـة والكرامة "... ويردف الإمام قائلاً:" وهذا المنطق يجعل من الثورة الفلسطينية خيراً مطلقاً، ودعمها واجب مطلق، ونحن مسؤولون عن حمايتها مهما كان الثمن"(12).

ومن هنا وعى الإمام باكراً مخاطر التسلل الإسرائيلي إلى ساح الجنوب، فحذر من التعامل مع العدو، ونبّه إلى أن كل قطرة من أدوية إسرائيل هي سم زعاف يسمم أجسامنا  وأجسام أولادنا، وأن كل من يذهب إلى مستوصفاتها إنما يذهب إلى وكر الأفاعي والحيات، وأن كل خدمة تقدمها لنا إسرائيل، وكل بضاعة نشتريها، وكل رحلة توفرها لنا، هي ضربة قاضية على وطننا وتاريخنا وكرامتنا. ثم أطلق شعاره الشهير: إن التعامل مع إسرائيل والاستعانة بها بأي صورة وبأي حجم حرام وغدر وخيانة"(13).

ويحذر الإمام من مخاطر انقطاع القرى الحدودية عن العمق اللبناني، الأمر الذي قد يدفع المواطن، اضطراراً، إلى التعامل مع إسرائيل.

وما دامت المقاومة تكليفاً شرعياً وموقفاً استراتيجياً لا يقبل المناورة عند الإمام الصدر، فقد كان من الطبيعي أن يسخّر كل طاقاته وإمكانياته في سبيلها ساعياً إلى إيجاد الظروف الملائمة لانتصارها.

فهو قد استطاع منذ البداية أن ينسج أفضل العلاقات مع الثورة الفلسطينية. وجنَّد في سبيلها مكانته الكبيرة في الجنوب وفي لبنان والعالم بشكل عام، وهو يحذر أبا عمار ممن يضعون جهدهم بتصرف الثورة ليكسبوا شرفاً ومجداً، إنهم كانوا قبل ذلك يحاولون شرذمة الثورة الفلسطينية، وما إن برزت الثورة وارتسمت على أفق الدهر من دماء المجاهدين في فلسطين حتى هبّوا لاحتضانها ليكسبوا البراءة منها، ولينتقلوا من خلالها إلى ضمير الأحرار في العالم. ثم يخاطبه قائلاً: "إن السند الحقيقي للثورة هو عمامتي ومحرابي ومنبري (14)" ثم يؤكد هذا المعنى بقوله : "بحول الله وقوته نحن حماة المقاومة ومانعو التقسيم "(15).

ويتركز خطاب الإمام الصدر في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية على اعتبارها قضية حق وعدالة، واعتبار أن مأساة فلسطين لطخة سوداء في الضمير العالمي. وهو يرى أن نضال الشعب الفلسطيني تصحيح لحدث تاريخي خطير، فهو يتعدى نطاق فلسطين، بل هو دفاع عن الأديان وعن قداسة القدس"(16).

ولذلك يؤكد الإمام الصدر أنه دائماً وأبداً مع استمرار الوجود الفلسطيني المسلح، وأنه سيبقى مع المقاومة في خندق واحد · وكذلك يتركز خطاب الإمام في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية على ترسيخ التلاحم بين الشعب اللبناني والثورة الفلسطينية، فيعتبر أن هذا التلاحم تزاوج بين أقدس قضيتين للعرب هما قضية التعايش وقضية فلسطين (17).

ولأن خطاب الإمام فلسطينياً كان خطاباً مرتكزاً إلى موقف عقلاني واع يأخذ في الاعتبار حقائق الواقع والتاريخ والجغرافيا والقومية، فقد راح ينبه إلى أن سوريا هي رئة الثورة الفلسطينية ومنبتها وحضنها وأمّها، وأن بعض حلفاء الثورة الفلسطينية كانوا يؤججون نار الخلاف مع سوريا، بمقدار ما كان خصومها يساهمون في تصعيد الخلاف (18).

وانطلاقاً من هذا الموقف سخّر الإمام جزءاً كبيراً من وقته وجهده للتوسط بين القيادتين العربيتين السورية والفلسطينية.

وانطلاقاً من هذا الموقف أيضاً راح يدعو الفلسطينيين إلى الانضباط وتسهيل دخول الجيش إلى الجنوب في شباط 1978 لئلا يتحملوا هم مسؤولية ما يجري، رافضاً الاصطدام المسلح، معتبراً أنه مطلب إسرائيلي.

وانطلاقاً من هذا الموقف أيضاً وأيضاً، كشف الإمام باكراً المخطط الإسرائيلي القاضي بتوطين الفلسطينيين في الجنوب، ذلك أن إسرائيل تطمع في تحجيم الوطن الفلسطيني المرتقب العتيد - الضفة الغربية وقطاع غزة. وإذ أكد أن المخلصين من قادة الفلسطينيين لم يكونوا يوماً ليقبلوا بالوطن البديل، راح يدعو، مع رفض الاستيطان، إلى ضرورة تنظيم العلاقات اللبنانية -الفلسطينية، وتنظيم الوجود الفلسطيني ضمن الاتفاقات الموجودة، وبسط السيادة اللبنانية على الجنوب ووصول الجيش إلى الحدود (19).

وبموازاة هذا الموقف الثوري العقلاني القائم على احتضان المقاومة الفلسطينية ودعمها والتنبيه إلى المخاطر التي تستهدف قضيتها فوضى أو توطيناً أو زجاً في صراعات جانبية لا تفيد القضية في شيء، كان للإمام الصدر موقف إنساني راق رافض لأوضاع المخيمات الفلسطينية التي تشبه أوضاع الأحياء المحرومة. وبالتالي، يجب - في رأي الإمام - تصحيح هذه الأوضاع الحياتية، وتزويد المخيمات بجميع ضرورات المعيشة (20).

ولم تقتصر حركة الإمام الصدر  في مقاومة إسرائيل على الجانب السياسي المتجلي في دعم الثورة الفلسطينية وبناء أفضل العلاقات مع سوريا، قلعة النضال العربي، والسند الأساسي الداعم للبنانيين والفلسطينيين في مواجهة العدوان الصهيوني، بل تجاوزت هذه الحركة الجانب السياسي إلى الجانب العسكري المباشر الذي تجلى في تأسيس أفواج المقاومة اللبنانية "أمل". يقول الإمام :" واجب كل مواطن - وأقولها بلسان الحسين - أن يقاتل. واجبنا أن نكون مقاومة لبنانية قبل أن نشرد من أراضينا. على كل شاب أن يتدرب ويحمل السلاح لتأسيس مقاومة لبنانية تلقّن العدو درساً. وإذا مات منا عشرة ومنهم واحد فهذا عظيم".

ويلح على ضرورة الاستعداد والتدريب على السلاح معتبراً ذلك واجباً مثل الصلاة ومعتبراً اقتناء السلاح واجباً كاقتناء القرآن، مؤكداً في الوقت نفسه أن " السلاح ليس لعبة  بل علينا تجهيزه لمواجهة العدو واستعماله عند الحاجة لمواجهة الطغاة "(21).

ولا يتوانى الإمام عن التأكيد على أن أول رصاصة تنطلق من بنادقنا ستغير المعادلات الداخلية والخارجية. فلنقف على أرجلنا ونتسلح. ونشكل مقاومة لبنانية (22).

إنها واحدة من أروع نبوءات الإمام. نبوءة بما ستحققه المقاومة اللبنانية يطلقها الإمام الصدر قبل ولادة هذه المقاومة التي غيرت حقاً كل المعادلات.

لقد كان الإمام يرى الخطر الصهيوني الداهم يتهدد الجنوب. وها هو يتنبأ في آذار 1978 بالاجتياح الصهيوني قبل حصوله بأسبوع. ثم ها هو يتنبأ بأن "مسؤولية تحرير الأرض وإزالة العدو وإرهاقه، إذا لم يخرج من الجنوب، هي مسؤوليتنا وحدنا. لا نريد من أحد من الأشقاء، ولا نريد من المقاومة الفلسطينية أيضاً، أن يساهموا في معالجة هذا الأمر. إن إسرائيل تتذرع إذا دخل غير اللبنانيين في سبيل تحرير أرضهم. نحن سنتكفل بذلك وسنتحدى العالم بذلك"(23). لقد كان الإمام يقرأ في كتاب المستقبل. كان يرى إلى ما بعد اثنين وعشرين عاماً. كان يدرك أن هذه المقاومة اللبنانية التي كانت آنئذ في طور التأسيس ستتمكن عاجلاً أو آجلاً من إنجاز هدف التحرير وتحقيق النصر على رابع أقوى جيش في العالم.

ولا يكتمل الكلام على خطاب المقاومة عند الإمام الصدر إلا بالكلام على الوضع الجنوبي وعلاقته بهذا الخطاب. صحيح أن زعامة الإمام الصدر ومكانته الوطنية الكبرى قد انطلقت في الأساس من الجنوب، من جبل عامل الذي ينتسب إليه الإمام وتضرب فيه جذوره، وصحيح أن مسؤولية الإمام الدينية تستدعي العمل الدؤوب لخدمة أبنائه ومريديه من أبناء الطائفة الشيعية، ولكن الباحث في فكر الإمام ومواقفه حيال الجنوب يستطيع أن يتبين بوضوح أن للمسألة الجنوبية عنده بعداً يتجاوز الحرمان الذي سنعرض له ولموقف الإمام منه بعد قليل، ليصل إلى الاتحاد في المسألة الوطنية والقومية والشرعية الكبرى والأساسية، وهي مسألة مواجهة العدو الصهيوني وتأمين مقومات هذه المواجهة. منذ البداية يقرر الإمام أن محنة الجنوب هي محنة لبنان كله (24). هي محنة العرب جميعاً. هي محنة فلسطين الجريحة. وهي محنة الإنسانية في كل زمان ومكان. ومنذ البداية يرى أن الجنوب القوي إنما هو سياج لبنان واللبنانيين وسلاح العرب والحق، ومصلحة عاجلة وعميقة لكل إنسان في الشرق وفي كل مكان (25).

ولذلك رأيناه -كما مرّ معنا سابقاً - يدعو إلى تدريب أبناء الجنوب على السلاح لمساعدة الجيش (26)، ولذلك أيضاً راح ينتقد سياسة الدولة التي لم تتصرف على أساس أننا مجتمع حرب، ولا حتى مجتمع دفاع، وراح يدعو إلى تأمين مقومات الصمود للجنوبيين وإلى إعطاء الأفضلية للجنوب في الموازنة العامة سنة أو سنتين بعد أن عاش في أفضلية الحرمان منها عشرات السنين (27).

ومما يؤكد هذا الفهم أيضاً تصريحه بأن قضية الجنوب كقضية فلسطين لا تنفصلان. ولذلك فقد دعا الملوك والرؤساء العرب الذين اجتمعوا في قمة القاهرة إلى أن يجعلوا قضية الجنوب اللبناني قضية كل العرب، مثل قضية فلسطين، لأنهما لا تنفصلان، ولا نجاح للثورة الفلسطينية من دون جنوب لبنان.

ولقد كان من نتائج الحملة الدائمة التي قام بها الإمام الصدر للتوعية بأبعاد المسألة الجنوبية ولمطالبة الدولة بتحصين القرى الحدودية، وتدريب الجنوبيين على السلاح، ولإقرار قانون خدمة العلم، والقيام بمشاريع إنمائية في مناطق الجنوب، أن اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً في 22/1/1970 بوضع خطة عامة لتقرير أوضاع المنطقة الحدودية في الجنوب. وكان من أساليب الدعم السياسي الذي قاده الإمام جنوباً تأسيس "هيئة نصره الجنوب" بمبادرة منه وبتعاون الرؤساء الدينيين من مختلف الطوائف في الجنوب. وكان من هذه الأسباب أيضاً الإضراب الوطني السلمي الشهير الذي دعا إليه الإمام وتجاوب معه لبنان كله بتاريخ 26/5/1970 وكان من نتائجه إقرار مجلس النواب إنشاء مجلس الجنوب تلبية لحاجات هذه المنطقة وتوفيراً لأسباب السلامة والطمأنينة لها.

ثانياً : خطاب الحرمان:

من المؤكد أن مسألة العدالة الاجتماعية وإزالة التفاوت الاجتماعي المسيطر لا في لبنان وحده وإنما في مختلف أرجاء العالم الإسلامي  شكلت محور اهتمامات الإمام السيد موسى الصدر على الصعيدين النظري والعملي، حتى ليصعب أن نجد، على الأقل في لبنان، رجل دين عني بهذه المسألة عنايته بها. فقد لاحظ الإمام أن المحرومين من الحياة الكريمة ومن العدالة يزداد عددهم باستمرار داخل المجتمعات الإسلامية، ويتعمق إحساسهم بالحرمان بصورة متزايدة، نتيجة لوجود البذخ والتظاهر بالغنى والترف فيما بينهم.

ولاحظ أن الشعوب الإسلامية تعيش اليوم في البلاد المختلفة بأقصى أنواع التفاوت بين مستويات الحياة، بعد بروز الثروات الطبيعية وارتفاع أسعار المواد الأولية في البلاد، فقد زاد فقر الشعوب الكثيرة وزاد غنى الآخرين.

ويصرح الإمام بأن مسؤولية علماء الدين في هذا الميدان كبيرة ودقيقة وعاجلة، لأنهم أمناء على خدمة الأمة وأبنائها، ولا سيما المحرومين منهم. ولأنهم وحدهم يتمكنون من إعطاء صورة صحيحة عن نضال المحرومين والمظلومين داخل المجتمعات، ومن إبعاد صفة التطرف والإلحاد عنهم (28).

ويرى الإمام الصدر أن ثمة ترابطاً وثيقاً بين مسؤولية الفرد ومسؤولية الجماعة لأجل تحقيق العدالة. وكثيرة هي النصوص المقتبسة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، التي تلحّ على مفهوم العدالة الاجتماعية في الإسلام وتحض على تطبيقه، فيستشهد بها الإمام في محاضراته ومقابلاته وخطبه التي راح يدعو فيها بلا هوادة وبلا كلل إلى تصحيح الأوضاع الاجتماعية في لبنان، وإزالة الحرمان اللاحق بقطاعات واسعة من اللبنانيين، وخصوصاً بالطائفة الشيعية في الجنوب والبقاع وفي ضاحية بيروت الجنوبية.

وهو يرى أن مئات الأحكام الإسلامية التي تُدخل العدالةَ الاجتماعية والاقتصادية في صميم العبادات وضمن شروط صحتها، تعكس بوضوح أن هذين المبدأين ليسا حكمين فرعيين ولا واجبين عاديين، بل إنهما مبنيان على أصول العقيدة والإيمان، لا ينفصلان عنها. وهو يؤكد أن الإسلام لا يعترف بوجود إيمان لا يثمر العدالة في حياة الفرد (29).

وإذا كان الإمام قد طالب في بعض المؤتمرات الإسلامية بإصدار توصية لجميع علماء الدين في العالم  الإسلامي وإلى جميع المؤمنين الذين يرغبون في تحقيق الأهداف الإسلامية بأن يضعوا في طليعة واجباتهم الوقوف إلى جانب المحرومين والمظلومين وتبني قضاياهم حسب ظروف بلادهم، وأن يناضلوا من أجل تحقيق العدالة مهما كلفهم ذلك من ثمن وتضحيات، فإنه في لبنان قرنَ الفعل َبالقولِ فقاد حملة اجتماعية لتحقيق العدالة وإزالة الحرمان لعلها الأكبر والأوسع في تاريخ لبنان كله إلى جانب حركة طانيوس شاهين. وقد رفع مطالبه في وجه السلطة اللبنانية داعياً إياها إلى تنمية المناطق المحرومة وإلغاء التمييز الطائفي وإنصاف الطائفة الإسلامية الشيعية في المناصب الوزارية والوظائف العامة وموازنات مشاريع الإنماء.

وكان طبيعياً أن تصطدم حركة الإمام الصدر هذه بجدار النظام اللبناني السميك القائم على الامتيازات وتقاسم المغانم، وكان طبيعياً أيضاً أن يعلن الإمام معارضته لسياسة المسؤولين في لبنان لأنهم يتجاهلون حقوق المحرومين وواجب تعمير المناطق اللبنانية ويهددون بسلوكهم أمن الوطن و كيانه (30). ومع أن الإمام لا ينكر مسؤولية الزعماء والنواب الشيعة عن الحرمان المسيطر في المناطق الشيعية، فإنه يؤكد أننا نعيش في بلد ديمقراطي، وبالتالي، فالدولة مسؤولة ببعض أجهزتها عن العمران والإنماء، وبالبعض الآخر عن العدالة وتوفير الفرص، ولاسيما إذا عرفنـا أن السلطة المركزية هي التي تفرض بشكل غير مباشر بعض النواب على تلك المناطق (31).

وفي موضع آخر يؤكد أن الحرمان ناتج عن سوء الممارسة، والمسؤولية على الجميع (32). وتتصاعد حملة الإمام دفاعاً عن المحرومين من خطبة إلى خطبة، ومن مقابلة صحافية إلى أخرى، ومن مؤتمر إلى مؤتمر، ومن مظاهرة إلى مظاهرة، ومن مهرجان إلى مهرجان، وكان أضخم هذه المهرجانات مهرجان بعلبك بتاريخ 17/3/1974، وصور بتاريخ 5/5/74 اللذان ضم كل منهما أكثر من مائة ألف مواطن أقسموا مع الإمام على أن يتابعوا الحملة وأن لا يهدأوا حتى لا يبقى محروم ولا منطقة محرومة في لبنان (33).

ولعل ولادة حركة أمل - حركة المحرومين وظهورها إلى العلن عام 1975 بعد مخاض غير معلن قد شكلت أبلغ مظاهر الإصرار على المضي في معركة العدالة الاجتماعية حتى النهاية. ذلك أن في طليعة مبادئ هذه الحركة - كما حددها الإمام الصدر - الإيمان الحقيقي وحريته الكاملة، وكرامته. وهي - أي الحركة- ترفض الظلم الاجتماعي ونظام الطائفية السياسية، وتحارب بلا هوادة الاستبداد والإقطاع والتسلط وتصنيف المواطنين. وهي حركة وطنية تتمسك بالسيادة الوطنية وبسلامة أرض الوطن، وتحارب الاستعمار والاعتداءات والمطامع التي يتعرض لها لبنان.

وكان طبيعياً، ما دامت هذه الحركة تقرن المطلب الاجتماعي بالمطلب السياسي والتحرري، أن تتحرك المصالح المهدَّدة، وهي كثيرة، لمواجهتها ومواجهة قائدها واتهامه بأنه يسعى إلى تغيير النظام. ولا يتراجع الإمام، بل يؤكد أنه بطبيعة موقفه الاجتماعي وللمحافظة على الأمانة التي هي حاجات الناس ومصالحهم لا بد من وضع اليد على  الجرح والإصرار على دفع الحرمان وتحقيق المطالب التي نادى بها في مذكراته، فإذا لم يتمكن النظام الحالي من تحقيقها فقد أدان نفسه وحكم على نفسه بالسقوط (34).

وإذ يؤخذ على الإمام أنه دعا المحرومين إلى احتلال القصور، يوضح سنة 1975 أن "ذلك الشعار إنما كان في سنة 1970 عندما نزح عشرات الألوف من أبناء الجنوب باتجاه العاصمة، وهم مواطنون مشاركون في خيرات الوطن وليسوا لاجئين. ثم انهم نزحوا لغياب الحماية الرسمية لا لتقصير منهم في واجباتهم الوطنية. لذلك فمن حقهم مشاركة الناس في إمكانياتهم الحياتية· ومن جهة أخرى، فإنني وضعت موضوع الاحتلال في الدرجات المتأخرة، حيث طالبت الحكومة بمعالجة شؤونهم، وإلا فسنقوم بمظاهرة. ويأتي احتلال القصور في الدرجة الثالثة، مع العلم أن السلطة حينئذ مسؤولة عن دفع ثمن وبدل الإيجارات، ولا سيما  وأنه كان عندي معلومات تؤكد وجود ستين ألف شقة شاغرة في بيروت والجبل، فهل يعقل بعد ذلك إعطاء خيم لهؤلاء واعتبارهم لاجئين؟ (35).

وإذ يفسر البعض شعار الإمــام الشهير " السلاح زينة الرجال " على أنه دعوة إلـى الثورة المسلحة وتغيير النظام، يوضح الإمام أن هذا حديث وارد عن الرسول صلّى الله عليه وسلمّ في تفسير الآية الكريمة:{يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الاعراف، الآية 13] ، مؤداه أن الزينة المطلوب أخذها في حالات الصلاة والسجود هي السلاح. والمفهوم من الآية أن اقتناء السلاح في حالات الدفاع مشروع، بل واجب· فهل يمكن بعد ذلك التردد في وجوب التسلح للدفاع عن الوطن وعن المواطن أمام إسرائيل بحجج واهية، طالما أن الصلاة والتواجد في المسجد لا يمنعان حمل السلاح؟

ولئلا يبقى شك حول سلمية الدعوة إلى التغيير ورفع الحرمان التي قادها الإمام، فإنه يوضح أن الظروف المحلية المعقدة والأخطار المتربصة بلبنان وبالمقاومة تحول دون إمكانية استعمال العنف للتغيير، لا سيما أن التغيير أصبح مطلباً وطنياً عاماً، فلا بدّ من تصحيح وسائل التعبير، أي قانون الانتخابات، ثم التغيير. ومع ذلك، فلا يمكن أن نمنع التغيير بقوة السلاح، فالتاريخ لا يهدأ والزمن لا يقف (36). والعنف، كما سمعنا، في سبيل الإنسان، وبقدر الحاجة، وشريطة عدم الخروج على إنسانية الإنسان، مسموح بنص الكلمات (37).

ويدحض الإمام الصدر تهمة مؤداها أن إنشاء حركة المحرومين هو لامتصاص النقمة وسحب البساط من تحت أقدام اليسار، فيؤكد أن حركة المحرومين كانت قبله وستكون بعده وأنها تبدو أحياناً أكثر تطرفاً من اليسار، كما هو الحال في قضية الجنوب والدفاع عنه، وحمل السلاح لأجله، والبقاء في القرى الأمامية مهما تكاثرت الأخطار، وفي البعض الآخر تبدو الحركة معتدلة، ولعلها في مواقف ثالثة تبدو وكأنها محافظة· إنها معنى الأصالة. ثم يؤكد أنه لا يحمل طموحاً سياسياً لكي يفتش عن الجماهير، بل إنه يكره العمل السياسي، لكنه وقع فيه بمقتضى وجوب الوقوف مع المحرومين وبمقتضى الظروف اللبنانية الخاصة التي تربط بين هذا الهدف وبين العمل السياسي (38).

خلاصة القول في هذا المجال انه مثلما ترابطت مسألتا المقاومة والجنوب في فكر الإمام الصدر وعمله ونضاله السياسي ترابطت هاتان المسألتان أيضاً مع مسألة الحرمان، ذلك أن الفئات المحرومة والمهمشة في المجتمع اللبناني هي بأكثريتها الساحقة التي تتحمل وزر القضية الوطنية وأعباء الصمود والمواجهة مع العدو الصهيوني في ظل ظروف غير مناسبة لا للصمود ولا للمواجهة، وفي ظل تخلّي الدولة عن واجباتها تجاه المسألة الوطنية مسألة المقاومة وصمود الجنوب، وتجاه المسألة الاجتماعية، مسألة رفع الغبن والحرمان الذي يستهدف الشريحة الشعبية نفسها التي يستهدفها العدوان الإسرائيلي.

ثالثاً : التعبيرات الإعلامية

للكلمة في الإسلام مكانة تصل إلى حد القداسة ،كما يرى الإمام الصدر. وقد وردت  تعاليم كثيرة تعتمد على تكريم ما يتلفظ به الإنسان باعتباره جزءاً منه، ولذا أوجب صيانة القول وجعل تسديده مفتاحاً لجلب كل خير ولدفع كل شر. وقد فسر تسديد القول  على أنه منع عن الكذب والاغتياب والتهمة والنميمة والبذاءة والفحش واللهو وحتى اللغو في القول. بل إن اللفظ يُحترم في الإسلام إلى حد أنه جُعل سبيلاً للدخول في الدين، فيكفي الإدلاء بالشهادة لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة ليتحقق الانتماء إلى الإسلام. وحتى الوعد اللفظي يعتبر محترماً كما يقول الإمام الصدر، وقد عبّر عنه الحديث الشريف " عِدة المؤمنِ دينهُ " وقد جعل للكتابة ما للفظ في أكثر الأحيان (39).

وما دامت الرسالة الإعلامية مؤداة في أكثر الأحيان بواسطة الكلمة المكتوبة أو الملفوظة. فقد كان من الطبيعي أن يعوّل الإمام الصدر على المسألة الإعلامية ودور الإعلام في نشر أفكاره وآرائه، ويعقد عليها أملاً كبيراً، مثلما كان من الطبيعي أن تقوم علاقته بوسائل الإعلام وبالإعلاميين على قاعدة احترام الكلمة وصدقها وقدسيتها.

وللرأي والعقيدة مكانة عظيمة في الإسلام، كما يرى الإمام الصدر، فهما ثمرة تفكير الإنسان ونتيجة الجانب الاشرف من وجوده، ولذلك كرمهما الإسلام  وحاول أن يحافظ على حريتهما، فترك أمر التفكير والاجتهاد لمعرفة العقيدة الصحيحة، تركه للإنسان وأعلن أن العقيدة التي لا ترتكز على مبادئ التفكير لا اعتبار لها. ولا يعذر الإنسان إلاّ إذا لم يتمكن من الوصول إلى العقيدة الصحيحة على الرغم من التفكير والسعي (40).

فإذا أخذنا في الاعتبار أن الدعوة إنما هي إعلام إلهي، دعوة إلى رسالة واحدة هي رسالة الله، وأن النبي هو الذي يحمل رسالة الله فلا ينطق عن الهوى، ولا يقول شيئاً للناس من نفسه ومن مدركاته، بل ينقل ما يوحى إليه بحرفيته من دون أي تحريف أو انحراف وإلا يتعرض للانتقام الإلهي، فهمنا لماذا كان ابتعاد بعض وسائل الإعلام عن مفهوم الصدق والأمانة الإعلامية أمراً مرفوضاً ومستهجناً في تصور الإمام الصدر.

بعد هذه المقدمة الضرورية لفهم نظرة الإمام الصدر إلى الإعلام ودوره، يمكن ملاحظة أن التعبيرات الإعلامية للخطاب الصدري حيال مسألتي المقاومة والحرمان راوحت بين حدّين، أحدهما: نقد الإعلام المعادي وإدانة ممارساته، والثاني: الدعوة إلى حسن استخدام الإعلام كوسيلة ناجعة وقوية من وسائل المقاومة والدفاع عن القضيتين الوطنية والاجتماعية.

أ- في الحدّ الأول :

يسهل أن نلاحظ أن الإمام الصدر عانى في مرحلة أولى من مواقف الإعلام الرسمي وبعض الإعلام الخاص تجاهه· وهو يصرح بنقده لهذا الإعلام فيؤكد أن الإعلام الرسمي يضلل ويضلل ويريد أن يلقي الحجب على أعينكم (41).

ويقول في مناسبة أخرى " بدأ إعلامهم الرسمي وبعض الإعلام الخاص الذي يدفعون له، يقولان إن هذه الحركة وراءها دول أجنبية. لم يبق لنا سوى بعض الإعلام الخاص الوطني الشريف. فهذا صوتنا الحقيقي الذي يوصلنا إلى العالم. قالوا : إن مطالبنا  وراءها دول أجنبية لها مخططــات سياسية. إن الذين يصفون مطالبنا بذلك هم غارقون في العمالة للأجنبي حتى رؤوسهم (42).

ومعانـاة الإمام الصدر الكبرى إعلامياً إنما كانت من الهجمات التي يطلقها من سماهم الإمام " بالصهيونيين الجدد، حلفاء حزب راكاح الشيوعي الإسرائيلي، مهما كانوا متخفين في ثوب الوطنية والتقدمية (43).

وواضح أنه يعني بهذا النقد الشيوعيين اللبنانيين الذين ميزوا في تعاطيهم مع الكيان الصهيوني بين ما هو تقدمي من هذا الكيان وما هو رجعي، فصادقوا الأول وعادوا الثاني، بخلاف الإمام الصدر الذي كان جذرياً في رفضه للكيان الصهيوني بقضّه وقضيضه، ورفضه بالتالي أي شكل من أشكال التعاطي مع مؤسساته السياسية وغيرها. والإمام ينتقد خصوصاً سيطرة الشيوعيين على الإعلام الفلسطيني وشنهم الحملات ضده وضد قمة عرمون بشكل عام، واتهامهم إياه بالانصياع لرأي سوريا بعد اتهام سوريا بخصومة المقاومة (44).

وهو يرى أن اليسار المتطرف حاول من خلال حلفائه الفلسطينيين أن يتسلل إلى حركة المقاومة ويسيطر على بعض أجهزتها وخصوصاً جهاز الإعلام الفاعل المنتشر في العالم، وأنه تمكن من استغلال المقاومة والمرور بواسطتها إلى الإعلام العربي كافة وإلى الإعلام العالمي حتى في الغرب وإلى ضمائر الجماهير في العالم  (45).

في مقابل ذلك، لم يكن نقد الإمام للإعلام اليميني أقل حدة، وقد لاحظ خصوصاً دور الشحن الإعلامي المستمر ضد الفلسطينيين في الحرب اللبنانية، كما لاحظ قيام بعض وسائل الإعلام بتشويه دور سوريا في لبنان، حتى لقد كاد أن يجعل منه خيانة عظمى لا يمكن الدفاع عنها، وانتقد، خصوصاً، نقل الإعلام أحداث لبنان بصورة مضخمة واختلاق الأحداث في بعض الأحيان، وأدان اللون الاستفزازي التحريضي للإعلام الذي كان يمس الأشخاص والرؤساء بالتحديد، حتى يقطع الطريق على أي تقارب أو تفاهم (46).

وأدان، كذلك، الطابع اللاأخلاقي للأزمة اللبنانية، المتجلي في التصعيد الإعلامـي المستمر المعتمد على المعلومات المضخمة والمبالغات، وعلى الشائعات المثيرة والاستفزازية، مشيراً إلى أن أخبار الانتصارات كانت تصدر قبل حدوثها، بل قبل الشروع في المعارك، وكأن المطلوب إيقاظ الخصم وبذل المزيد من الضحايا، أو أن المسألة هي الحرب الإعلامية وخلق مناخ المعركة فقط.

وفي موضع آخر يشير إلى المعارك والأحداث الكثيرة التي كانت تتصدر أخبار الإذاعات وصفحات الصحف. ثم كانت تنتقل إلى الإذاعات الخارجية ووكالات الأنباء العالمية، التي بدورها كانت تخلق أصداء وأبعاداً جديدة للأحداث، وتنعكس على الداخل من جديد. ومن الأساليب الإعلامية غير الأخلاقية التي يشير إليها الإمام أن الصحف كثيراً ما كانت تنقل أخباراً عن المعارك المتوقعة، وكأنها تخبر الجهة الأخرى بالخطة لكي تستعد للتصدي. وهكذا كانت الدماء الزكية للمقاتلين الشرفاء تراق دون أي تأثير أو تغيير في الأحداث (47).

بعبارة أخرى، كان الإمام دائماً متوجّساً من الحرب الإعلامية المستمرة. ولم تقف ملاحظاته السلبية حول دور بعض وسائل الإعلام عند الإعلام اللبناني، وإنما طاولت الإعلام العربي والدولي. فإلى جانب نقده للإعلام الفلسطيني الذي سمح بسيطرة الشيوعيين عليه والوصول من خلاله إلى العرب والعالم، شكا من حملات التشكيك والتجريح التي شنت ضده في الإعلام اللبناني، اليساري منه واليميني، وفي الإعلام العربي والدولي أيضاً، وذلك لسبب واضح هو أن الهدف الأول من المؤامرة كان ضرب صيغة -التعايش اللبناني وإثبات صحة النظرية الصهيونية من استحالة التعايش بين الأديان. لذلك، فمن الطبيعي أن توجه عناصر المؤامرة والإعلام همها ضد رموز الوحدة الوطنية لتحطيمها وإخراجها عن ساحة التحدي (48).

ويستمد الإمام وصفاً قرآنياً للإعلام المعادي عندما يصفه بالإعلام الطاغي والتضليل الذي يحرف الكلمة عن مواضعها مما يؤكد أنه كان يستمد تصوره للإعلام من مفهوم الإسلام للكلمة ودورها في حياة الإنسان والمجتمع.

ويتبرم الإمام خصوصاً من اتخاذ القتال الدائر في الحرب اللبنانية طابعاً طائفياً، ومن أن الصحف العالمية، التي كانت طوال المعركة ترفض الطرح العنصري لها، بدأت تتحدث عنها بشكل مثير، وتنشر الصور الاستفزازية وتحرض المسيحيين والمسلمين معاً (49).

ويدين الإمـام الصدر خصوصاً ذلك الدور السلبي الذي تلعبه بعض وسائل الإعلام في التفلت الأخلاقي، فالجنس تبالغ الحضارة المادية فيه وتَستعمل في خدمته جميع وسائل الإعلام التجارية والأسباب السمعية والبصرية. وتستغله التجارة من خلال الأزياء والإعلانات والأفلام ووسائل الاجتذاب للبيع والنشر وغيره، حتى أصبح ينمو باستمرار على حساب كفاءات الإنسان الأخرى ومشاعره.

أما البديل عند الإمام الصدر عن هذا الفساد الإعلامي فيكون بوضع أفلام وقصص ومسرحيات ووسائل تسلية مهذبة، بالإضافة إلى المحاضرات والأحاديث في الصحف والإذاعة والتلفزيون والمساجد والكنائس والأندية. ولم تقتصر شكوى الإمام من الممارسات الإعلامية على نقد حملات التشكيك والتجريح والتضليل، وإنما ركزت خصوصاً على إدانة اللامبالاة والصمت الإعلامي حيال اعتداءات إسرائيل على الجنوب.

وفي مقابل كل هذه الشكاوى من الأدوار السلبية للإعلام يطرح الإمام تصوراً متقدماً لما ينبغي أن يكون عليه دور الإعلام العربي بعد مرور سنة ونصف على اندلاع الأحداث اللبنانية، وهو تصور قدمه إلى قمة القاهرة سنة 1976 طلب فيه وضع الإعلام العربي في خدمة حل  الأزمة اللبنانية، معرباً عن قناعته بأن دور الإعلام لا يقل عن دور قوات الردع العربية أو دور صندوق التنمية.

وإذ يؤكد أنه لا يريد أن يوزع نصائح لرجال الإعلام ولا أن يكون واعظاً لمؤسساته، يشدد على أنه يخاطب ضمائرهم ويلفت عقولهم ومشاعرهم إلى الآلام البالغة التي  يعانيها الشعب اللبناني والمقاومة الفلسطينية على حد سواء· يقول الإمام: "أعتقد أنهم مقتنعون معي الآن في أن الفلسطينيين واللبنانيين كفاهم ألماً، وأنهم يستحقون الوقفة الأخوية إلى جانبهم لطرح مأساتهم بصورة صحيحة، نكرس وحدتهم الوطنية، نمسح غبار المأساة وجروح المحنة عن أجسادهم، نختصر فترة العلاج المضني في طريقهم، نواسيهم ونحن نتذكر انهم كانوا ملجأ الإعلام الحر، سند الفكر الصحيح، حامل الرأي الجديد البنّاء".

ويختم معبراً عن أمله في الأداء الإعلامي العربي الصحيح قائلاً : " إن عزة لبنان هي عزة الإعلام، وصحته صحته، لذلك فإن كل خدمة يقدمها الإعلام العربي للبنان هي خدمة للامة كلها، وبخاصة لإعلامها "(50).

ب- في الحد الثاني:

وعى الإمام منذ البداية أهمية الإعلام في خدمة حركته السياسة فركز منذ إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على إيجاد لجنة النشر والإعلام التابعة لهذا المجلس كي تتولى الجانب الإعلامي من نشاطاته.

وأكد سماحته أن الشيعة على استعداد لبذل النشاط  الإعلامي الكامل، وإرسال الوفود إلى أقطار العالم لشرح قضيتنا العادلة، وتعديات العدو وأطماعه أمام العالم.

كما أكد في أكثر من مناسبة دور الإعلام في محاربة الفساد والتحضير للصمود ومجتمع الحرب، ورأى أن التحرك الإعلامي الشامل يساهم في صيانة لبنان ويخدم العرب والقضية الفلسطينية.

ودعا إلى استعمال الإعلام وحرب الأعصاب في وجه العدو، كما دعا الصحف والمجلات ووكالات الأنباء إلى التحذير من الخطر الذي يداهم الجنوب (51).

ودعا العرب ولبنان الى القيام بجهود جبارة على صعيد الإعلام كي يرشدوا الرأي العام العالمي.

وهو في دعوته هذه كان ينطلق من إدراك عميق لخطورة الإعلام الصهيوني القوي والقادر والغني والمنظم والممتلك لشبكة واسعة من وسائل الإعلام والمتحالف مع قوى استعمارية ذات طموح إستراتيجي (52).

وإذ يؤكد الإمام أن الرأي العام العالمي، وعلى أوسع نطاق، مسمم بالدعاية الصهيونية، وبأن تغيير الاتجاه في هذا الرأي العام هو بمثابة النهاية لإسرائيل، يسوق مثلاً على سيطرة الإعلام الصهيوني في الغرب: فالمؤتمر الصحفي الذي عقده في مكتب الجامعة العربية في بون  وحضره ممثلو الصحافة والتلفزيون لم يعط أية نتيجة، ولم تلحظ وسائل الإعلام أية إشارة أو كلمة في مصادرها عن المؤتمر الصحفي والتزمت جميعها الصمت المتعمد. ويؤكد أنهم حاولوا أن يمنعوه من زيارة مكاتب مجلةDer Speigel  ولكنه نجح في إفساد كل مكائدهم·

ويؤكد الإمام أن الرأي العام في العالم الاشتراكي لا يقل خرافة أو وهماً عن الرأي العام في العالم الغربي. ومهما يكن من مواقف حكومات شعوب الشرق، فإنها ليست لصالحنا أكثر من مواقف شعوب الغرب.

بين هذين الحدّين: حد الشكوى من بعض الممارسات الإعلاميـة المعاديـة، إن على الصعيد المحلي أو الدولي، وحدّ فهم خطورة الإعلام ودوره في التغييرات السياسيـة الاجتماعية لم يتخلَّ الإمـام عن موقفه الثابت في التمسك بحريـة الصحافــة، فيصرخ بـأعلى صوت : " لا يمكنني كمواطن يعتز بوطنه وكأحد المسؤولين عن التربية الخلقية وعن الوقوف لمحاربة الظلم وتأييد العدالة في أي حقل وفي أية صورة أن أقف متفرجاً في معركة الحريات الصحفية، خصوصاً بعدما تخلى الإعلام الرسمي عن دوره العام المسؤول الذي يفرض فيه أن يكون لجميع المواطنين.

ولن أقف متفرجاً خصوصاً على ذلك الضغط الذي تتعرض له جريدة النهار، هذه الجريدة التي قدمت خدمات كبرى إلى الجنوب المهدد وإلى المظلومين في هذا الوطن. إني أعتبر أن هذا الضغط ظاهرة خطيرة تهدد كل وسائل الإعلام الحر وجميع المناضلين الذين لا يتاح لهم الاستعانة بوسائل الإعلام الرسمي. وأهيب بهم جميعاً أن يتداركوا الموقف قبل أن يأتي يوم يقولون فيه : " أُكلت يوم أكل الثور الأبيض".

ويؤكد الإمام أنه يريد الصحافة والمؤسسات اللبنانية رائدة ودورنا هو دور لبنان المشرق في الوطن العربي، ويعبّر عن إصراره على أن يبقى هذا الدور دوراً ريادياً، ويعتبر أن صحافة لبنان تعطي الصورة البارزة عن العالم العربي، ويجب أن تكون حرة.

ورغم الشكاوى العديدة التي أطلقها الإمام الصدر ضد بعض الممارسات الإعلامية وحملات التضليل والتجريح والتشكيك، فإنه قد استطاع أن ينسج أوثق العلاقات مع رجال الإعلام.

ومن مؤتمر صحافي لعرض الآلام ومظاهر الحرمان وشرح الوضع في الجنوب وتسليط الضوء على مأساته، إلى محاضرة أو ندوة أو اجتماع أو زيارة أو نداء، إلى مئات التصريحات والبيانات والمقابلات الصحافية، راح الإمام الصدر يرسم ملامح خطاب جديد لرجل الدين لم يعرفه المجتمع اللبناني أو المجتمع العربي الحديث قبل الإمام. إنه خطاب يتجاوز مألوفات الوعظ والإرشاد الديني إلى الاهتمام بشؤون المجتمع، والانخراط في النضال اليومي من موقع القيادة المتميزة، دفاعاً عن القضايا الوطنية والقومية الكبرى.

وبسبب الاقتناع العميق بأهمية الإعلام، والحرص على العلاقة الواضحة والحسنة بالصحافيين الذين كانوا شركاءَهُ دائماً في المعاناة حتى عند إخفائه ومعه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، صاحب وكالة أخبار لبنان، فإن قضية الإمام الصدر ذات الشقين: المقاومة والحرمان الجنوبي، أسست لعلاقة وثيقة بينه بين الصحافة التي تحملت دائماً مسؤوليات كبرى في تنوير الرأي العام بالقضيتين الوطنية والاجتماعية . وقد كان ذلك جديداً من ناحيتين: الأولى، أن الإمام الصدر كان رجل الدين الأول- إذا  صح التعبير- الذي يعطي الإعلام هذه الأولوية في نشر آرائه ذات الطابع الوطني والاجتماعي· والناحية الثانية، أنه كان أول رجال الدين اللبنانيين الذين تتوثق علاقتهم بالإعلام إلى هذا الحد، في وقت ما كان فيه رجال الدين ذوي شعبية كبرى - مثلما هم عليه اليوم - لدى الإعلاميين.

ويرجع ذلك إلى أن الإمام الصدر حمل قضايا كبرى ذات طابع عام، أو أنه حول الديني المتسم ببعض الخصوصية إلى حافز، أو أصل، لموضوعات وطنية كبرى تهم الصحافيين والمثقفين على اختلاف فئاتهم ومذاهبهم واهتماماتهم السياسية والثقافية.

على أن هذا الاهتمام من جانب الإعلام بالإمام الصدر والقضايا التي كان يحملها ما كان لأنها عامة وتهم الجميع وحسب، بل ولأن الإمام عرف كيف يخاطب الإعلام ويكسبه للقضايا التي كان يحملها. إذ لا يكفي -كما يرى الإمام - أن تكون القضية محقة لكي نكسبها، بل لا بد من سلوك أفضل الطرق وأيسرها وأسلسها لكسبها.

وهكذا، فكما عرف الإمام الصدر رسالة الإعلام معرفة صحيحة، وكما فهم هذه الرسالة فهما نابعاً من مبادئ الإسلام وأخلاقياته، عرف أيضاً كيف يوجه خطابه في الشأنين الوطني والاجتماعي بما يثير حوافز الإعلام واهتماماته، وعرف أيضاً كيف يجند كل الطاقات من حول القضايا التي أراد من الإعلام أن يحملها وان يكسبها.

الإمام الصدر، رجل القضايا الكبرى، هو أيضاً أفضل دعاة تلك القضايا.

نقف في ذكرى تغييبه فندرك حجم المؤامرة التي استُهدف لبنان والقضية الفلسطينية بها عبر هذا التغييب.

ومع اعترافنا بالحاجة الماسة إلى حكمته وبعد نظره ودعوته إلى التضامن والتعايش، ودعوته إلى الحوار، وعمله من أجل أن يبقى اللبنانيون للبنان بالفعل قبل القول كما هو وطن لهم قولاً وفعلاً، فإننا نحس أن مبادئه ونهجه وأفكاره لم تغب، بل لعلها كانت الأقوى حضوراً والأعظم انتصاراً، إن من خلال النصر التاريخي الذي حققته المقاومة الإسلامية والوطنية على العدو الإسرائيلي وإجباره على الانسحاب من الجنوب، وإن من خلال انتفاضة الأقصى التي يسطّر فيها أهلنا في فلسطين أروع ملاحم البطولة في مواجهة الغطرسة الصهيونية.

تحية للإمام الصدر غائباً حاضراً ساطعاً.

تحية لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش

(1) - كلمة الإمام في حفل إفطار لحركة فتح بتاريخ 26/12/1968 (26رمضان 1388هـ)، عن مجلة الأسبوع العربي في عددها الصادر بتاريخ 23/1/1969.

(2) – م.ن.

(3) -كلمة لسماحته في حفل إفطار لحركة فتح. مجلة الأسبوع العربي 23/2/1968.

(4) - خطبة لسماحته في مسجد صور بتاريخ 20/5/1973. عن صحيفة نداء الوطن تاريخ 21/5/73.

(5) - رسالة سماحته إلى اللبنانيين بتاريخ 10 محرم 1297 الموافق 31/12/1976 بمناسبة ذكرى عاشوراء.

(6) - بيان سماحته في مؤتمر صحفي بمدينة بون عن القضية الفلسطينية واطماع إسرائيل في لبنان بتاريخ 7 جمادي الثانية 1390هـ، 10 آب 1970م.

(7) - من حديث صحفي لسماحة الإمام منشور في جريدة المحرر بتاريخ 22/5/1970.

(8) – م.ن.

(9) - بيان لسماحة الإمام في مؤتمر صحفي في مدينة بون بألمانيا عن القضية الفلسطينية واطماع اسرائيل في لبنان، 7 جمادي الثانية1390هـ - 10 آب 1970م.

(10) - خطاب الإمام في يوم الإضراب الوطني العام الذي دعا إليه سماحته بتاريخ 26/5/1970.

(11) -  مؤتمر صحفي لسماحته بتاريخ 19/11/1969 نشرت وقائعه الصحف اللبنانية في اليوم التالي.

(12) - خطبة الإمام في نادي الإمام الصادق في صور بمناسبة ذكرى الغدير بتاريخ 21/12/1975.

(13) - نداء سماحته بمناسبة نتائج مؤتمر قمة الرياض وبدء المحنة الكبرى في الجنوب· أنظر: النهار عدد 22/10/1976.

(14و15) - من خطاب لسماحته في مهرجان حركة المحرومين ، قاعة الأونسكو بتاريخ 23/5/76 (يوم الشهيد).

(16) - لقاء صحفي لسماحته في صحيفة La Croix الباريسية عدد 26657 تاريخ 30/8/1970.

(17 و 18) - بيان صادر عن سماحته بمناسبة ذكرى موقعة بدر الكبرى بتاريخ 12/9/1976.

(19) - خطبة لسماحته في مسجد الصفا، صحيفة النهار العدد 13411 تاريخ 7/1/1978.

(20) - خطاب سماحته بتاريخ 15/6/75 في حفل مصالحة بين عشيرتين. أنظر النهار 16/6/1975.

(21) - خطاب في ذكرى المولد النبوي بتاريخ 25/3/1975.

(22) - خطاب سماحته في الكلية العاملية في بيروت في 20/1/1975 بمناسبة ذكرى عاشوراء.

(23) - خطبة الإمام في مسجد الصفا يوم الجمعة 31/3/1978. أنظر: النهار 1/4/1978.

(24) - بيان الإمام الصدر إلى اللبنانيين بتاريخ 10/6/1969.

(25) - رسالة الإمام إلى النواب اللبنانيين حول وضع منطقة الجنوب وحاجاته. انظر صحف 4/12/1969.

(26) - حديث صحفي عن الوضع في الجنوب. أنظر المحرر عدد 22/5/1970.

(27) - مؤتمر صحفي منشور في الصحف 20/11/1969

(28) - العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام وأوضاع الأمة الإسلامية اليوم، من محاضرات الملتقى التاسع للفكر الإسلامي، الجزائر، تلمسان، 1-15 رجب 1395هـ.ط. مركز الإمام الصدر للابحاث والدراسات ص 28.

(29) – م.ن ص 18.

(30) - حسين شرف الدين:الإمام السيد موسى الصدر، محطات تاريخية، دار الأرقم. ط. 1996. ص 133.

(31) -حوار تصادمي، مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات. ص 14(من مقابلة صحفية نشرتها مجلة الأسبوع العربي بتاريخ 29/9/75 مع الإمام).

(32) - من محاضرة ألقيت في كنيسة الكبوشية بتاريخ 18/2/1975.

(33) - محطات تاريخية، م.س. ص 134

(34) - حوار تصادمي. ص8، م.س.

(35) – م.ن: 8و9.

(36) – م.ن:ص 10.

(37) - من محاضرة ألقيت في كنيسة الكبوشية بتاريخ 18/2/75 ونشرت في كتاب "الإسلام عقيدة راسخة سنة 1979، انظر: أبجدية الحوار:175.

(38) - مقابلة مع الأسبوع العربي بتاريخ 29/9/75: انظر:"حوار تصادمي" ص 16.

(39) -الإسلام وكرامة الإنسان: مجلة أمل تاريخ 29 محرم 1399هـ الموافق 29كانون الأول 1978، أنظر أيضاً :كراساً بالعنوان نفسه صادراً عن مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات ص 16.

(41) - خطاب الإمام في قرية بدنايل بتاريخ 17/2/1974 بمناسبة الاحتفال بذكرى وفاة الإمام زين العابدين بن الحسين.

(42) - خطابه في مهرجان بعلبك· أنظر: النهار، العدد 12063 تاريخ 18/3/1974.

(43) - بيانه بمناسبة ذكرى موقعة بدر الكبرى بتاريخ 12/9/1976.

(44) - حديث لمجلة الصياد. تشرين الثاني 1976.

(45) - مقال افتتاحي للإمام في مجلة صوت المحرومين، عدد 1/12/1976.

(46) - حديثه بتاريخ 25/10/1976 إلى صحيفة القبس الكويتية.

(47) - مقال افتتاحي للإمام في مجلة صوت المحرومين عدد 1/12/1976

(48) - لقاء مع صحيفة البيرق منشور بتاريخ 17/1/1978.

(49) - بيانه بمناسبة مرور سنة على بدء الأحداث الدامية في لبنان- النهار: العدد 90821 تاريخ 17/4/1976·

(50)- حديث بتاريخ 25/10/ 1976 إلى صحيفة القبس الكويتية.

(15) - نداء سماحته بواسطة التلفزيون إلى اللبنانيين حول الخطر الذي يداهم الجنوب : 29/1/1970.

(52) - أنظر بيان سماحته في المؤتمر الصحفي بمدينة بون عن القضية الفلسطينية واطماع إسرائيل في لبنان 10/8/1970.

source