شروط المجتمع المقاوم عند الإمام الصدر

calendar icon 24 تشرين الثاني 2000 الكاتب:غسان تويني

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الجلسة الثانية)

يطيب لي أن أبدأ مداخلتي في هذا اللقاء الذي شرفتموني بالدعوة للمشاركة فيه، وبرئاسة رفيق العمر، رفيق الإمام، الأخ الرئيس السيد حسين، يسرني أن أبدأ باستذكار بعض الكلمات المغمورة لسماحة السيد موسى الصدر، الذي سعدت ونعمت بصداقته العطوفة حتى وهو في طريقه إلى ليبيا، فوجَّة إليََّ - وكنت في نيويورك رسالة - أحفظها إلى أن يقرر سواي نشرها.

سأبدأ مداخلتي، في موضوع ثقافة المجتمع، باستشهادات - وكدت أقول: بشهادات- من سماحة الإمام، استشهاداته لن يفوتكم مغزاها، ولا المغزى من اختيارها.

"هناك، في عيتا الشعب، في القرية الجنوبية الصامدة، في الليل المظلم المدلهمّ بالظلم والظلام.

هناك، حيث تمطر الأجواء رعباً وإذلالاً وموتاً وأطماعاً.

هناك ... شموع ثلاث أضيئت بدماء ثلاثة شبان في عمر الورود، أحمد بليبل من الهرمل، فائز سلامة من البسطة، وعادل بجاني من الأشرفية، انتقلوا من أحضان الأمهات إلى مواجهة الموت المحتوم، على رغم كل الأعراف.

هناك كانت هذه الشموع مع رفاق لها كالنجوم واحترقت فأضاءت الليل وطلع الفجر.

لقد طلع الفجر، فليرفع الموذِّن أذانه  ولتقرع الأجراس إعلاماً لصلاة الصباح.

"إن الفجر طلع من الجنوب... هناك يُكتب التاريخ بأشرف دم وأصدق نية وأخلد كلمة.

هناك تتجسد الوحدة الوطنية الحقيقية لا المنافع والأسلوب والمغانم.

هناك في رميش وفي كفرشوبا، طلع الفجر. فلنرحل من ليل العاصمة الأليم إلى هناك وننقل المدافع والهواوين والصواريخ والمتاريس إلى هناك، ولنحول جرائمنا هنا إلى بطولات هناك وتشتتنا إلى اتفاق، وأطفالنا إلى رجال، ولنرفع شعار الوطنية بالسلوك لا بالأقلام والصرخات."

كتب الإمام ذلك في 27 ايار 1975، مقالاً افتتاحياً في النهار، وكانت الحرب نفسها ... "الحرب من أجل الآخرين" بالكاد بدأت. وسارع إلى إدانتها، ثم اعتصم كما تعلمون في الكلية العاملية، حيث اعتصم معه المطران جورج خضر وآخرون.

لم ينتظر الإمام موسى الصدر "حروب الآخرين" في بيروت، وهي بمثابة انتقال العدوان الإسرائيلي من الجنوب إلى العاصمة - ولا هو انتظر الاجتياح الأول عام 1978 ليدعو إلى تحصين الجنوب.

من الاستشهاد الذي تلوته أيها السادة، تظهر لنا جلية المعادلة المفارَقة: إننا، كدولة وكأمة، لم نتحصن كفيّاً في الجنوب لنقاوم الاجتياح، فجاءت الحرب نفسها، لتشغلنا عن الجنوب ... أتت الحرب إلى العاصمة بيروت، فدمرتها ثم دمرت كل لبنان! قبل الدخول في صلب موضوعنا، أريد البوح بسر، هو، كالأسرار الهامة حقاً، سر معروف، من احدٍ على الأقل لا يزال حياً، وهو بيننا: عنيت السيد حسين.

كنا مجموعة ملتفة حول سماحة الإمام في الفترة التي تعاظمت فيها الاعتداءات الإسرائيلية قبل الاجتياح 1978.

كنا نبحث في كيفية تحويل الجنوب إلى "مجتمع مقاوم".

وقد وضعت وقت ذاك ورقة مفصلة بما آلت اليه تأملاتنا، ولم نكن كلنا من الجنوب بالذات، ولو كنا بالروح جنوبيين - وقداستضافنا، في معظم الاجتماعات، مؤسس الندوة اللبنانية، ميشال اسمر، بخصوص فريق من أركانها.

المشروع الذي انتهينا إليه وليصحح السيد الرئيس اذا خانتني الذاكرة - يقوم على عناصر ثلاثة:

أولا: تحصين القرى الأمامية، تحصيناً حقيقياً، على نسق الكولخوزات الإسرائيلية في الجانب الآخر من الحدود، وبالذات القرى التي كانت مستهدفة، ويهاجر منها أهلها، على أمل ان يعودوا اذا تحصنت.

ما ذكر أننا بحثنا في مصير راشيا الفخار كنموذج· وكان الإمام قد قال عنها في تصريح له في 24 ايلول عام 1974. "كان يسكنها 11 ألف نسمة ويسكنها اليوم 100 شخص فقط.

هل تركها أهلها بإرادتهم؟ هل يفضلون بيروت وبيوت التنك فيها على بلدتهم؟ 100 شخص يسكنون كنيسة راشيا الفخار. الفرشات فيها تمتد حتى المذبح.

زرتهم وتحدثت معهم. وجوههم مصفرة، عيونهم قلقة. أطفال وعجائز يسمعون القصف كل يوم" ويستطرد الإمام قائلاً: "هؤلاء الناس ما هو مصيرهم؟"

"إن المشكلة التي نعانيها وتهدد شعبنا بالتمزق هي مشكلة الخبز والأمن والماء والغلاء. المشكلة ليست الطائفية، فالمسلمون والمسيحيون إخوان (...) هنالك فقط طائفة الطغاة والمحتكرين، وهؤلاء موجودون عند السنة والشيعة والموارنة والارثوذكس والدروز وغيرهم. هؤلاء يشكلون طائفة واحدة ضد كل الناس"

هنا - حاشية شخصية تسمحون لي بها: استشهدت طويلاً بكلام الإمام عن راشيا الفخار ولأنه يطيب لي ان اتذكر انني كنت، قبل عام أو عامين، قد امضيت عيد الاستقلال في كنيستها حيث افترشنا الارض ونمنا مع الاهالي، ثم كتبت بعد ذلك ان الاحتفال بعيد الاستقلال يجب أن يجري، مع الجيش، نعم، مع الجيش، أي في حضوره.. في القرى الامامية ... لساحات بيروت! وكتبت بعدها، اشياء اخرى كثيرة، الكثير منها مستوحى من كلام الإمام عن الجنوب والحرمان، فانتهى بي الامر إلى السجن بعد ايام... انما طبعا بحجة أخرى وتهم أخرى! انتهت  الحاشية .... ونعود إلى الخطة:

ثانيا: تسليح الأهالي فرداً فرداً، وتدريبهم عسكرياً، وبإشراف الجيش، على استعمال الأسلحة الفردية المتطورة· ثم تشجيعهم على حمل الأسلحة خلال قيامهم بأعمالهم نهاراً في الحقول والمصانع.

ثالثا: تشجيع طلاب الجامعات ومن يريد من الشباب، للتطوع في الخدمة العسكرية و"المدنية" هناك لفترات. أي للمشاركة في العمل، مسلحاً، في الحقول والمصانع، بل والمتجر، نهاراً، وللمشاركة في الحراسة ليلاً. واستطراداً:

تشغيل عناصر الجيش، من نظاميين ومجندين. لماذا الجيش اذاً؟ فليشتغل بالتعمير والمشاريع التنموية، كما في تجهيز الجنوب بما يحتاج اليه لواء الهندسة مثلاً كمنطقة محرومة، من طرقات ومبَانٍ ومياه ... الخ.

رابعا: إرسال عناصر من الجيش، خصوصاً من صف الضباط، لتدريب الأهالي والمتطوعين،  ولتولي مسؤوليات قيادية في الحراسة، إلى جانب المشاركة في التطوع للمعاونة في النشاطات الاقتصادية.

خامسا: حشد ما يمكن من قوى الجيش في الثكنات والمراكز الجنوبية، من صور وصولاً إلى مرجعيون، فجزين ... الخ، على أن تكون القطع العسكرية في حالة تأهب دائم ومدربة ومنظمة على نحو يجعلها سريعة التحرك عند الحاجة، مجهزة للتدخل الفوري في حال الاعتداء، من غير حاجة إلى انتظار أوامر السلطات السياسية.

هذه الخطرات هي من الذاكرة طبعاً، ولا أتمكن أن اقول أكثر... قد تسألون: محورها اذاً التسلح؟ نعم، أجيب ... مردداً قول الإمام الذي تعرفون،"إن السلاح زينة الرجال، شرط ألا يرفع إلا في وجه العدو." واستطرد مستشهداً بهذا القول والأكثر بلاغة وهو يلخص فلسفة المقاومة بكلام قليل: "نريد ان نحمي انفسنا حتى لا تتحكم بنا أحقر الشعوب - الشعب الصهيوني- وحتى لا تهدم بيوتنا، نريد أن يكون لبنان حقيقة هو الصخرة التي تتحطم عليها مطامع الصهيونية"...

واستطرد كذلك مستشهداً: "إن الخطر الكبير على لبنان يأتي من عدم الدفاع الذي يصور للعالم أن الجنوب أرض سائبة لا مانع من أن تحتلها اسرائيل".

هنا ملاحظة: لا مانع من ان تحتلها اسرائيل ... وقد احتلتها فيما بعد، فلم تمانع الدولة ولم تدافع.

وأستمر استشهد: "أدعو المواطنين شباباً وشيوخا، تجاراً وفلاحين، إلى التدرب على الحضور وحمل السلاح والمرابطة في الجنوب، فإذا التقيتم العدو اقتلوه، حتى لو قتلتم بدوركم، فإن قدرنا هو شرفنا واستشهادنا، وليس قدرنا الذل وتحمل الاعتداءات".

وأستشهد أخيراً، من حيث يذهب الإمام أبعد فأبعد، مطالباً باستخدام الجيش يقول: "يجب تصدي الجيش للدوريات الإسرائيلية على الحدود الأمامية حتى تعود ثقة الشعب بالسلطة، خصوصا ثقة الدول العربية التي لم تساعد حتى الآن، لأنها لا تجد ارادة جدية في الدفاع، فإذا اتخذت القرارات بالتصدي للعدوّ، فإن أول طلقة حقيقية وأول بيان صادق يصدران عن الجيش سيؤديان إلى التفاف شعبي وفلسطيني وعربي لمساندة الجيش". وفي هذا البيان الذي أستشهد بعبارات منه، يختم الإمام كلامه بما يلخص جوهر خطته: "كل حل يجب ان يستهدف الصد عن النزوح، لأن النزوح سيحوّل البلاد إلى جحيم متفجر. المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لا حل إلا بالدفاع، لأن أبرز علائم المخلوق الحي هو الدفاع!"

أيها السادة،

هل أنا بحاجة للاعتذار لأنني أسرفتُ في الاستشهاد؟ لا اظن، أعود فأقول: هذه خلاصة الخطة، من الذاكرة طبعاً. ولا أملك ان أقول أكثر. أما منطلقها النظري، أي ثقافتها، بل فلسفتها، فمزدوجة:

أولاً : جنوبياً.

1- الحؤول دون قيام "الأرض السائبة" أو البيت"البلا سقف" وفهمكم كفاية. مثلاً : [الدعوة الى الرجوع الى عيتا الشعب، ورميش، وكفرشوبا. وتشجير القرى المتاخمة للحدود حتى لا تظل فلسطين المحتلة خضراء، والجنوب أجرد بل مصحراً فيحسد الجنوبيون الاسرائيليين!

2- إعادة المهاجرين والمهجّرين الى الجنوب، ليس فقط بتوفير الحماية العسكرية ووسائل الدفاع عن النفس، انما بإطلاق النشاطات الاقتصادية وإعادة الثقة بالأرض وبالمجتمع، وتوزيع الأشتال، والقيام بالتشجير المثمر ... الخ . وصولاً الى توزيع قوافير النحل لإنتاج العسل. [ وهذا ما فعلتُه شخصياً، في جولة في الجنوب بمشاورة سماحة الإمام، لما توليتُ وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة تموز 1975. وحاول الجيش مع الأسف ردعي عن الجولة على قرى الحدود الامامية، بموازاة الشريط، خوفاً على سلامتي "، قالوا!  فلم ارتدع.. ولا ازال حياً.

3- تأمين جميع الخدمات الاجتماعية والصحية، وإحياء المدارس وكل مؤسسات الحياة المنتظمة.

4- إيجاد شبكات تسويق تعاوني للمنتجات الجنوبية، وخصوصاً لتشجيع  المنتجات الحرفية كالفخار في "راشيا الفخار"، مثلاً...

5- في مرحلة لاحقة، تشجيع إقامة صناعات كبرى في الجنوب، وانشاء مناطق صناعية وشبكات نقل عمومية رسمية تخدم هذه المناطق.

ثانياً : على المستوى السياسي العام:

إقامة حكم، أو توجه الحكم القائم، وفق المبادئ التالية:

1- الجنوب ليس قضية شيعية، وحرب الجنوب ليست قضية جنوبية معزولة. كل اللبنانيين، من كل الطوائف، يجب أن يُبنى فيهم الوعيُ الجنوبي ذاته، تجاه العدو الوحيد، العدو المشترك. [ وأن ينمو الوعي في اتجاه قتالي مقاوم، يرافقه التجذر الخلاّق في الأرض، ولا هجرة، ولا من يرحلون الى المدن وبيروت... او الى جنوب الجنوب [ لا طلباً للرزق، ولا هرباً من الخوف].

2- قيام حملات دبلوماسية - هذا كله نقلاً عن كلام لسماحة الإمام - واعلامية دولية لتوعية العالم حول قضية الجنوب، ثم تأمين انعكاس هذه الحملات على الداخل اللبناني وفي ضمير جميع اللبنانيين من دون تمييز.

3- إرسال الجيش الى الجنوب ومشاركته في المقاومة، دفاعاً وقتالاً، واحاطة العمل العسكري - المدني المشترك بهالة دبلوماسية وإعلامية لفرض كرامة الدولة وثقة العالم بجدية الحكم والأمة، وكذلك بتمسك لبنان باستقلاله الناجز ووحدته، وجنوبه وبقاعه وجبله وكل أرضه، ثم إبراز تجذُّرِ الجنوبيين في أرضهم وانتمائهم الوحدوي الى لبنان الممارس سيادته على كامل ترابه.

4- احتضان المقاومة الفلسطينية في العقيدة السياسية اللبنانية. اي الحؤول دون قيام متناقضات. بين المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية المقاومة الفلسطينية، المثالية، بالنسبة إلى الإمام هي ما يجب توجهها صوب فلسطين، بغية محاربة اسرائيل وتأكيد حق العودة ].

في حين أن المقاومة اللبنانية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن الدفاع عن الأرض اللبنانية وصد العدوان الإسرائيلي، ولو متذرعاً بالنشاط الفدائي الفلسطيني. علماً بأن هدف المقاومة الأبعد - حيث هي مستقلة كلياً عن العمل الفدائي- هو الحؤول دون قيام ظروف موضوعية سياسية وحزبية وأمنية تذوب بنتيجتها الصلة الرحمية (كعضوية)  بين الدولة والقرى الجنوبية، بحيث تتوقف الدولة عن تعزيز قدرة الجنوب على المقاومة، فلا تجد القرى الحدودية، ولنقل الأمامية، لدى الدولة في الجنوب تجاوباً مع حاجاتها الحياتية.

أيها السادة،

أظنني تجاوزت الوقت المخصص لموضوعي. حسبي معذرة انني آثرت الأسلوب المسمى "وضعيّ" على التحليل النظري، فزرعت الشروط في أرضها بدلاً من أن أمضي في ما نسميه ازدراءً: التنظير ... وبئس ما أورثنا !!!

ايها السادة،

ختاماً إذاً، هذه الخلاصة:

إن البرهان على صحة شروط "المجتمع المقاوم" الثقافية، بالمعنى الأعم، تبعاً لنظرة الإمام موسى الصدر، هو أن عدم اتباع هداها أدى الى ضياع الدولة في تحمل مسؤولياتها، ولا يزال يهددنا بالضياع...  يهددنا بضياع الجنوب وتفككه رغم التحرير! فاستباقاً لما يمكن ان تستتبعه ملاحظاتي من مقارنة بين المجتمع المقاوم في نظرة الإمام الصدر والمقاومة كما تدرّجت منذ الاحتلال، حتى سقوطه، لا بد من الاشارة الى الواقع الآتي:

اولاً : المقاومة الإسلامية نجحت رغم غياب الدولة، فهي تتحرك الآن في فراغ "دَوْلي" [نسبة الى الدولة، لا الى الدول والعلاقات الخارجية ( أي في فراغٍ من مؤسسات الدولة وشرائعها) لا يعيق حرية تحرُّكِها - خصوصاً والدولة تؤيدها - غياب الدولة وفراغها، فليست هي المسؤولة عنه ... انما المقاومة هي ان الدولة ظلت غريبة  عن ثقافة مجتمع المقاومة، و مع ذلك ترفع علم تأييدها [... ترفعه بديلاً عن مساعدتها والتنسيق معها ].

ثانياً: على المقاومة، التي تستمر تعلن أنها ليست بديلاً عن الدولة، أن تلح هي في طلب قيام الدولة بتحمّل تبعاتها وممارسة سيادتها، في الحقلين العسكري والاجتماعي، فضلاً عن الحقل السياسي، ثم فضلاً عن ضرورة نشر ثقافة المقاومة- وأقلها  آدابها - في كل فئات وطبقات المجتمع واحزابه وعائلاته الروحية. ونتذكّر، تأكيداً لهذه الدعوة، حديثاً للامام قال فيه: "في تصوّري أن قضية الدفاع عن الوطن كقضية الدفاع عن المواطن، لا تحتاج الى تخطيط، إن مجرّد التفكير والحيرة بين أن ندافع  أو لا ندافع لأمر في منتهى السخف، فهو تنكّر لواقع الوطن، وهو التخلّي عن المسؤوليات. نأخذ قراراً بالدفاع، ثم نفكر بدرس الإمكانيات والوسائل. أنا متأكد أنه عند اول طلقة تصدر عن الجيش اللبناني ستتغير ثقة الناس بالدولة، وستتغير العلاقات بين المواطنين في الجنوب ومناطق أخرى من لبنان، سيشعر جميع اللبنانيين بالمسؤولية ويدفعون الضرائب بكل حماس للدفاع عن الوطن".

ثالثاً : اذا لم تنسجم المقاومة مع المجتمع الجنوبي بكل فئاته ولم تحوّله الى " المحيط المائي الذي يسبح فيه سَمَكُها" - (تبعاً للمبدأ الذي كرّسه ماو تسي تونغ) فإن استمرار وجودها قد يصير عقدةً، يتوقف حلُّها - في لبنان المكتمل التحرير- على نجاح المقاومة، في التحوّل من منظمة عسكرية - اجتماعية دينية المنهل متشعبة الانتسابات، تحوِّلها الى قوة لبنانية فاعلة في الجسم السياسي، متسعة البث في الثقافة العامة، تساهم في تطوير النظرة الشعبية، وتطوير بنية المؤسسات السياسية والمجتمع المدني، صوب قيام متحد وطني مقاوم شامل لكل اللبنانيين، رافضٍ لكل انفصاليةٍ داخلية أياً كان الباعث اليها.

رابعاً : وأخيراً  يجب أن تعزز المقاومة جدياً توجهها الى جميع اللبنانيين وبنوع أخص الى المسيحيين، خارج الجنوب كما داخله، في عودةٍ منها الى استلهام الالتفاف الوطني، والمسيحي بالذات، حول حركة الإمام الصدر ودعوته منذ انطلاقها.

ولا اخالكم، ولا اخالنا، بحاجة الى من يعيد تلاوة آيات الامام في خطبته الفريدة في التاريخ، مفتتحاً شهر الصيام في كاتدرائية مار لويس للآباء الكبوشيين في شباط 1975.

فلا أحد منا ينسى. ولا أحد يجب أن ينسى أن قبل ذلك مرات، وبنوعٍ أخص في 24 أيلول 1974 جرى استقبال الإمام الصدر في عشقوت، البلدة الكسروانية المارونية، بقرع الأجراس. وناداه الشباب هاتفين: " لن نتخلى عنك يا إمامنا، يا قداسة الإمام، ما دُمتَ تنادي في كل زاوية من زوايا هذا الوطن بالمساواة والوحدة والتضامن".

وأستشهد - كدتُ أقول: أشهد - بقول سماحة الامام عن الشيعة، لمن يسألون او يتساءلون: " لا نريد هدماً ولا تخريباً، نريد الصلاح في أمتنا". " لبنان أفضل للشيعة وهم أفضل، وأحرى، لهذا البلد. لا يريدون الهدم، بل صيانة هذا الوطن عن طريق العدل. (···) نريد لبنان متكاملاً يسوده العدل ويكون فيه كل مواطن مكرَّماً". ثم قوله اخيراً  باسم كل اللبنانيين: " نحن لن نقبل الذل حتى لو اقتضى ذلك موتنا، لأن موتنا لن ينتهي ولن يريح الطغاة ، فليأخذوا علماً بذلك (...) اليومُ الموعودُ  ليس ببعيد. هو قريبٌ جداً، موعدُنا مع الصباح".

source