آفاق المشروع الصهيوني في الشرق الاوسط

calendar icon 24 تشرين الثاني 2000 الكاتب:ابو القاسم قاسم زاده

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الجلسة الثالثة)

الإخوة والأخوات،

الحضور الكرام المشاركون في هذا الاجتماع التاريخي،

السلام عليكم ورحمة الله،

قبل أن أبدأ كلمتي بصفتي احد المدعوين لهذا الملتقى، اسمحوا لي أن أحيي ذكرى الامام موسى الصدر، وأن استهل حديثي بمقدمة توضح رؤية سماحته الى القضية الفلسطينية في فترة شبابه، باعتباره احد طلبة الحوزة  العلمية في مدينة قمّ.

منذ ما يقارب الأربعين عاماً، وحيث كانت الزعامة والمرجعية الدينية الشيعية ممثلة في آية الله العظمى السيد البروجردي، وكانت الدروس والبحوث في مدينة قم تتسم بنشاطها وتنوعها الكبيرين؛ كانت ثمة جماعة من طلبة الحوزة العلمية عُرفت بنشاطها الدؤوب في الدرس والتدريس، وفي مواظبتها على حضور دروس ومحاضرات كل من آية الله الصدر - والد الامام موسى الصدر - وآية الله حجت، وآية الله الخونساري، وآية الله البروجردي، وخاصة دروس آية الله الداماد ..

وكان افراد هذه الجماعة محطّ انظار حوزة قمّ العلمية بوصفهم من خيرة الطلبة المتفوقين الذين لا يألون جهداً في كسب العلم والنهل من حقول المعرفة .. كما أن الأجواء العلمية الحماسية التي كانت تسود اوساط حوزة قم الدينية واندفاعها الكبير في البحث وإثارة الاسئلة وتبادل وجهات النظر، كانت مدينة لنشاط هذه الجماعة.

إن هذه الجماعة، وفي ذات الوقت الذي انهمكت في تحصيل الدروس الحوزوية التقليدية، كالاصول والفقه والاخلاق وعلم الكلام والفلسفة ... الخ. بدقة متناهية وتقدمت في دراستها الى درجة "الاجتهاد"؛ إلاّ أنها لم تغفل عن متابعة انجازات العلوم الحديثة والإحاطة بمتغيرات عصرها، ولم تكن حساسة ازاء موضوعات نظير السياسة والدين، الحكومة والمجتمع، ومشكلات العالم الاسلامي فحسب؛ بل كانت تعتبر نفسها مسؤولة عن الاحاطة بمعاناته وابتكار الحلول العملية لها.

ومن هذه الجماعة انطلق طلبة مدرسة الامام الخميني الاوائل والمتميزون، ذلك أن الوجوه العلمائية البارزة التي تصدت للثورة الإسلامية كانت من افراد هذه المجموعة. إذ إن اشخاصاً نظير الشهيد مطهري، والشهيد بهشتي، والشهيد باهنر، والشهيد قدوسي، والشهيد مفتح، وآية الله مجد الدين محلاتي، وآية الله السيد عبد الكريم موسوي الأردبيلي، وآية الله السيد موسى موسوي الزنجاني، وآية الله مكارم الشيرازي، وآية الله نوري الهمداني، وآية الله فاضل اللنكراني، وآية الله السيد مهدي الروحاني، وآية الله آذري قمّي، وآية الله المشكيني، وآية الله احمدي ميانجي؛ كانوا من اعوان الامام موسى الصدر وزملاء دراسته. وكانوا محط الانظار في كل من دروس آية الله العظمى السيد البروجردي، ودروس آية الله السيد الداماد، وكان يشار اليهم بالبنان باعتبارهم من طلبة حوزة قم العلمية المتفوقين.

وكان الامام موسى الصدر من بين هذه الجماعة، الوجه العلمي والسياسي والاجتماعي الشاخص والبارز. وكان قد تم بناءً على اقتراحه وعدد من زملائه، اصدار مجلة باسم "المدرسة الاسلامية"، التي مثَّلت أول مجلة رسمية تصدر عن حوزة قم العلمية في وقت كان بعض علماء الحوزة يمتنعون عن قراءة الصحف وعن الاستماع الى المذياع.

منذ ما يقارب الأربعين عاماً، وحينما كان الامام موسى الصدر يتولى ادارة مجلة المدرسة الاسلامية، قامت المجلة بنشر موضوعات وتقارير وحوارات واخبار حول القضية الفلسطينية واسرائيل والصهاينة. فمنذ أعدادها الاولى الصادرة في عام 1378 هـ ومروراً بالأعوام 1380 و 1381و 1382و 1383و 1384، قامت المجلة بنشر عشرات الموضوعات واللقاءات والتقارير والمقالات والتحليلات حول القدس الشريف وفلسطين والضفة الغربية والصهاينة واسرائيل، والتحرك الاستعماري البريطاني من ثم الاميركي في المنطقة الفلسطينية.

وفي نظرة سريعة إلى أعداد المجلة التي صدرت في عهد إدارة الإمام موسى الصدر لها، أحد أكثر أعضائها المؤسسين نشاطاً، نلمس بوضوح اهتمامها بالمحاور التالية:

1- التعرف على العدوّ بشكل علمي وتحقيقي ( نقاط قوة وضعف العدو).

2- الإحاطة الدقيقة بتاريخ فلسطين، وكتابته بأسلوب بسيط يدركه الشباب، ذلك أن من أول اهتمامات الصهاينة يتمثل في محو التاريخ الفلسطيني وإلغائه بدافع عنصري.

3- التعرف على الصهيونية وتعريفها باعتبارها فكراً عنصرياً، الى شعوب العالم كافة بما فيها المسلم والمسيحي واليهودي.

4- الإرهاب و"العسكرتاريا" اللذان يمثلان جوهر الكيان الصهيوني.

5- "الصهيونية" باعتبارها فكراً دخيلاً الى الشرق الاوسط وليست لها أية ضرورة تاريخية في هذه المنطقة.

6- الدور الاستعماري للغرب والشرق في ترسيخ الكيان الصهيوني.

7- التعريف بمقاومة ومظلومية الشعب الفلسطيني وظاهرة المشردين.

8- البحث عن سبل تقديم المساعدات للمشردين والمهجرين وايجاد وسائل الدعم المادي للحيلولة دون تركهم الارض بسبب الضغوط المعيشية.

9- تحقيق الوحدة بين شعوب الامة العربية والاسلامية.

10- تقريب وجهات نظر الحكومات في البلدان الاسلامية بما يحقق اهداف الشعب الفلسطيني.

11- الإبقاء على أخبار المقاومة والجهاد حيّة فاعلة في مقابل مساعي وسائل الاعلام الصهيونية.

12- بذل الجهود في الأمم المتحدة على الصعيد الإعلامي للاستحواذ على دعم للفلسطينيين المظلومين.

13- ابتكار وتبليغ أسلوب التعايش بين الاتباع الحقيقيين للأديان التوحيدية كالإسلام والمسيحية واليهودية، والتعريف بالنماذج التاريخية في هذا المجال، ونبذ التعايش مع الصهاينة.

14- التأكيد على قدسية القدس وارتباطها المصيري بالقضية الفلسطينية.

15- اقتراح حلول للاختلافات بين الحكومات الإسلامية وتشكيل جبهة موحّدة حيال النزعة السلطوية للصهاينة.

إن الموضوعات والمحاور التي اهتمت بها مجلة المدرسة الاسلامية في السنوات الأولى من صدورها، قبل ما يقارب الأربعين عاماً، والتي كان الامام موسى الصدر من مؤسسيها، خير شاهد على عظمة هذه الشخصية المجاهدة والمناضلة في تاريخ الثورة الاسلامية في إيران، وكذلك في نضال الشعب اللبناني (1)..

ففي تلك الايام، وحيثما كان حديث عن وحدة الامة الإسلامية ونضالها من اجل الاستقلال، كان اسم الإمام موسى الصدر في الطليعة .. وفي لبنان، حيث أرسى دعائم حركة المقاومة، وجوهرتها" حركة المحرومين.

ليس هذا فحسب، بل وقبل ذلك حمل مشعل القضية الفلسطينية أينما حل وعمل على حشد الدعم والتأييد لها. ففي فرنسا، وخلال جولة على العواصم الاوروبية لدعم القضية الفلسطينية قال في مؤتمر صحفي وامام وسائل الاعلام العالمية:

إن هذا الشعب قد طرد من وطنه بالقوة، وسلبت منه جميع أمواله وحقوقه في الحياة. ثم انتظر عشرين عاماً لكي يأخذ حقه من الذين جاؤوا من أقطار الأرض ومن أوطان مختلفة، لكي يأخذ حقه منهم بالطرق الدولية. وقد خاب ظنه، فاضطر لحمل السلاح من أجل الدفاع عن كرامته وحياته والعودة لوطنه.

إن قضية الشعب الفلسطيني قضية حق وعدالة، ومأساة فلسطين لطخة سوداء في الضمير العالمي.

ولذلك فلا يمكن لأي إنسان إلا أن يقدر نضال هذا الشعب، وأن يتأكد من أن تجاهل حقه يؤدي إلى صعوبات بالغة ومشاكل غير متصورة.

إن نضال الشعب الفلسطيني تصحيح لحدث تاريخي خطير، فهو يتعدى نطاق فلسطين، بل هو دفاع عن الأديان وعن قداسة القدس وعن تشويه لوعد الله الذي تدّعي إسرائيل اختصاصه بها وتريد تنفيذه "بالنابالم".

(لاكروا، 1970)

بعد هذه المقدمة الموجزة، انتقل للخوض في موضوع بحثي الذي يحمل عنوان "آفاق المشروع الصهيوني في الشرق الاوسط".

للرئيس الاميركي الأسبق، ريتشارد نيكسون، كتاب يعتبره بمثابة وصيته السياسية. الكتاب يحمل عنوان "الفرصة السانحة"، ويتحدث عن التحديات التي تواجه اميركا في عالم  ليس فيه إلاّ قوة عظمى واحدة ..

صنّف الكتاب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء حرب الخليج الفارسي، وبدء مرحلة جديدة من معاهدة كامب ديفيد؛ من قبل شخص يعد أحد الشخصيات الاساسية على الصعيد السياسي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف التسعينيات.

جاء في جانب من هذا الكتاب تحت عنوان "العالم الاسلامي": "إن اكثر ما يهمنا في الشرق الاوسط هو البترول واسرائيل، ولو أنهما لا يسيران دائماً في اتجاه واحد ... فالتزاماتنا نحو إسرائيل تجعلنا نتحمل مصاريف باهظة في بترول الخليج الفارسي طبقاً لأسعار السوق الحرة.. إن التزاماتنا نحو اسرائيل عميقة جداً .. إن كثيرين من اصدقاء اسرائيل ينادون بضرورة مساندة حكومة الولايات المتحدة حزب الليكود الحاكم في اسرائيل الى اقصى مدى. ويصرّون على أن اسرائيل لا تستطيع أن تعيد للعرب الاراضي التي احتلتها - الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان - دون أن يهدد ذلك أمنها واستقرارها. وبعضهم يزيد على ذلك بقوله إن هذه الاراضي أصلاً اسرائيلية وكان اسمها في الماضي "يهودا والسامرا" .. وعلى الرغم من أننا على حق في الحفاظ على أمن وسلامة اسرائيل، إلاّ أننا نخطئ اذا وافقنا على طلبات الحكومة الاسرائيلية المبالغ فيها".

ثم يشير نيكسون الى ثلاثة اسباب تؤيد مساندة الولايات المتحدة المفاوضات على اساس مبدأ الارض مقابل السلام، ويدعو بلاده للالتزام بها من اجل مستقبلها ومستقبل اسرائيل في الشرق الاوسط.

السبب الأول، يتمثل في التأثير الباهظ الذي تتركه على ميزانية المعونات الخارجية الاميركية. يقول نيكسون:

"في عام 1991، حصلت كل من مصر واسرائيل، اللتين تشكلان مجتمعتين 60 مليون نسمة، على اكثر من 40% من المعونات الخارجية الاميركية التي بلغت مليار دولار .. ومنذ اوائل السبعينات وحتى نهاية الثمانينات دفعت الحكومة الاميركية الى اسرائيل حوالي 49 مليون دولار في صورة معونات مباشرة وغير مباشرة. كما أنها حصلت على 16،4 مليار دولار على هيئة قروض في الاعوام ما بين 1974 الى 1989، ثم تحولت هذه القروض بعد ذلك الى منح لا تُرَد .. ولكي تتوازن المنطقة، قامت الولايات المتحدة بدفع مبلغ 28 مليار دولار كمعونة الى مصر في الفترة من 1980 الى عام 1991. وقمنا بإلغاء 6،8 مليار دولار من الديون الحربية التي عليها".

السبب الثاني، يقول نيكسون: "يتسبب الصراع العربي - الاسرائيلي في تسميم علاقتنا بالعالم الاسلامي، ويقلل من قدراتنا على التعاون مع الدول المعتدلة المتعاطفة مع الغرب .. إن احتلال اسرائيل للأرض العربية وسوء معاملتها للشعب الفلسطيني التي تزداد عنفاً يوماً بعد آخر؛ يزيد من قطبية العالم الاسلامي، ويوطد أقدام الاصوليين، كما ينقص من قدر المعتدلين امثال الرئيس مبارك .. إن جميع المسلمين ينادون بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وينظرون الى "الانتفاضة" - التي تزيد من صعوبة مهمة الجيش الاسرائيلي - باعتبارها دفاعاً مسلحاً مشروعاً وليست عمليات ارهابية".

ويذكر نيكسون السبب الثالث بالقول: "إن الصراع العربي - الاسرائيلي قد يؤدي - دون اي صراع آخر في أية نقطة من العالم - الى دخول الولايات المتحدة في حرب نووية"(2).

بعد سنوات من صدور كتاب نيكسون، نشر شيمون بيريز كتابه ومشروعه المعنون "الشرق الاوسط الجديد"(3)، الذي بحث فيه " توسيع الارض" من جديد ونظّر لـ "اتساع النفوذ".

ومع اطروحة "الشرق الاوسط الجديد"، وتحرك "اسحاق رابين" والتوقيع على اتفاق اوسلو، والاجتماعات المتعددة التي عقدت في الفترة ما بين 1991 الى عام 2000، جعلت منطقة الشرق الاوسط في حالة من اللاحرب واللاسلم.

ورغم أن اغتيال اسحاق رابين وانتقال الحكومة من حزب العمل الى حزب الليكود، وتشدد (نتنياهو)، والصراعات الفئوية داخل الاحزاب الاسرائيلية؛ قد جعل من مشروع مبدأ الارض مقابل السلام يراوح في مكانه، وفي حالة من اليأس والأمل، انتهز الاسرائيليون الفرصة لتعزيز الاستقرار السياسي للكيان الصهيوني.

ففي الاعوام العشرة الماضية، تبدُّل مبدأ الاعتراف الرسمي لأية دولة بالكيان الصهيوني، كان سيعرضّها الى المقاطعة والانزواء السياسي والاقتصادي من قبل الدول العربية والإسلامية؛ تبدل إلى مباراة للاعتراف بدولة اسرائيل واقامة العلاقات معها.

فالصهاينة لم ينسحبوا من الارض، ولن ينشدوا سلاماً حقيقياً، إلاّ أنهم وعبر اطروحة  "شرق اوسط جديد"، وشعار  " الارض مقابل السلام"؛ عملوا خلال الفترة ما بين 1990 الى عام 2000، وفي عالم سمّي ببداية النهاية لمرحلة الحرب الباردة وانهيار مفهوم النظام العالمي ثنائي القطب؛ عملوا على ترسيخ اركان كيانهم بمثابة نظام سياسي طبيعي ومقبول. وقد لعب تسابق بعض الحكومات العربية والدول الاسلامية للاعتراف بالصهاينة واقامة علاقات اقتصادية وسياسية وامنية معهم، دوراً مؤثراً في هذا الترسيخ.

لقد تغير المناخ السياسي والطموحات المستقبلية على نحو أضحت إقامة علاقات مع إسرائيل إلى درجة أن يشترط زعماء كل من العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في ايران - كحدّ أعلى - لمشاركتهم في مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في الدوحة، أن تقوم دولة قطر بإغلاق المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة وقطع علاقاتها!

إن التأمل في مفاد مثل هذا الطلب من دولة قطر، وتحول المناخ السياسي وتغيير المفاهيم في أقل من عقد من الزمن في منطقة الشرق الأوسط، مدعاة "للعبرة".

لقد عمل الإسرائيليون في التسعينات كل ما في وسعهم لإعداد أنفسهم لولوج القرن الجديد. واذا أردنا أن نعي الآفاق المستقبلية للصهيونية في الشرق الاوسط، ينبغي لنا إعادة النظر في حصيلة نشاط الكيان الصهيوني على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي خلال العقد الماضي. وفي هذا البحث الموجز سنشير إلى المحاور الاصلية التي تمركز حولها نشاط الإسرائيليين:

أولاً: الكشف عن الأبعاد النظرية والعملية للتحالف الاستراتيجي الاميركي (بشكل خاص) والغربي (بشكل عام) مع إسرائيل.

ثانياً: تنظيم وتنمية مجموعات الضغط الصهيونية وإيجاد منظمات أهلية N.G.Os  مختلفة ومتنوعة في معظم دول العالم.

ثالثاً: إعداد الارضية المناسبة لهجرة يهود الاتحاد السوفياتي السابق، وتوفير الاجواء للاستفادة من علومهم وتخصصاتهم والاستحواذ على الامكانات الواسعة والضخمة للاتحاد السوفياتي السابق.

رابعاً: تعليم وتدريب بعض اليهود المهاجرين من الاتحاد السوفياتي داخل إسرائيل وإعادتهم ثانية إلى الاراضي الروسية المترامية الاطراف، بدءاً من روسيا البيضاء وحتى منطقة القوقاز وأنحاء آسيا الوسطى.

خامساً: التبليغ الإعلامي- السياسي الدائم والمستمر لترسيخ حالة اللاحرب واللاسلم مع الدول العربية، وتبيين مفهوم انتهاء الحرب الشاملة إلى غير رجعة، وعجز الحرب التقليدية للدول العربية في مواجهة إسرائيل. (إن هذا المفهوم بات اليوم بمثابة اعتقاد راسخ لدى دول المنطقة).

سادسا: الامتناع عن التوقيع على أية اتفاقية لحظر استخدام الاسلحة النووية والبيولوجية واسلحة الدمار الشامل، واطلاق الشائعات والمزاعم المتعلقة بامتلاك اسرائيل للأسلحة المتطورة والصواريخ ذات الرؤوس النووية.

سابعاً: ايجاد مظلة أمنية تهديدية في مقابل ايران وسوريا عن طريق الاتفاقيات العسكرية - الامنية والتجسسية مع تركيا، وجعل تركيا جسراً للنفوذ إلى منطقة القوقاز، ولا سيما منطقة آذربيجان المحاذية لإيران.

ثامناً: الحصول على قروض بلا عوض من اميركا ومعظم الدول الاوروبية، والابقاء على أوضاع اقتصادية مقبولة في مواجهة أنواع الازمات.

تاسعا: استكشاف اسواق العمل والسلع في دول المنطقة، خاصة في منطقة غرب آسيا الواسعة.

عاشراً: التخطيط والبرمجة لتطوير المعرفة الهندسية والعلمية والعملية، ومن ثم المتاجرة بها في اسواق دول المنطقة.

حادي عشر: إدغام "توسيع الارض" في "اتساع النفوذ" من خلال وعيها لهذه المعادلة، وهي أنه مع إرساء "اتساع النفوذ" يبقى "توسيع الارض" بتصرفها واختيارها.

إن كل محور من هذه المحاور يمكن تناوله بالبحث والنقد سواء من الناحية العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، لاستيعاب وتقييم "آفاق المشروع الصهيوني في الشرق الاوسط" بصورة دقيقة ومثمرة.

وفي ختام هذا البحث الموجز، نلفت الأنظار الى مسارين (نهجين) في اتجاهين متباينين، سياسي وفكري، ماثلين في الدول العربية، ولا سيما في أوساط المثقفين وحكومات منطقة الشرق الاوسط، بما فيها العربية وغير العربية؛ حيث سيكون مستقبل الكيان الصهيوني رهناً بالتبيين والتنفيذ الناجح لكل منهما. ذلك أن مستقبل الكيان الصهيوني في الشرق الاوسط سيكون منوطاً - فضلاً عن تحولاته الداخلية - بنوعية التحولات وانعكاسات الداخل الاسرائيلي في اوساط الدول المجاورة وفي منطقة الشرق الاوسط عموماً بدءاً من الخليج الفارسي وحتى شمال افريقيا.

الرؤية الأولى: مسار "التعديل" و"التمكين" الذي تحمل لواءه الان حكومة السيد حسني مبارك .. "تعديل" المقاومة وأي نوع من أنواع "الانتفاضة" و"تمكين" الفلسطينيين في مقابل الحد الادنى من الامتيازات الممنوحة من قبل اميركا وإسرائيل.

ويتلخص المنطق الاصلي لهذا المسار الفكري في إنهاء "التضاد"، والحصول والاقتناع بالحد  الادنى من الامتيازات. ولا يخفى أن ثمة تبايناً كبيراً  في وادي السياسة بين مفهوم "الامتياز" و"الحق"..

إذا أردنا تقييم مستقبل الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط استناداً إلى هذه الرؤية، ينبغي لنا أن نتصور ملامح مشروع شامل، يتطلع فضلاً عن "التمكين" في مقابل استراتيجية "اتساع النفوذ" للإسرائيليين - لأن يتخذ مبدأ التعايش السلمي" مفهومه وإطاره في المستقبل، في ضوء التعاريف الإسرائيلية أيضاً. وعلى حد تعبير المثل الايراني، يقدم "الحساء مع الإناء" بالإجبار في مثل هذه الصفقة!!

في مقابل هذه الرؤية يقف نهج المقاومة.

الرؤية الثانية: وتتمثل في المسار (النهج) الذي تبلورت أبعاده في لبنان عبر الإمام موسى الصدر والشهيد جمران، وفي مواصلة هذا المسير من خلال تضحيات آلاف الشهداء من حزب الله وحركة أمل ومجموعة المقاومة الإسلامية، واللبنانيين جميعهم، وخاصة المسيحيين الأوفياء للحفاظ على استقلال ووحدة الأراضي اللبنانية.

ويتجلى هذا النهج اليوم في "الانتفاضة"- الانفجار العظيم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة - التي اقترنت بالفلسطينيين.

ان هذا المسار والنهج يمثل العقبة أمام نزعة التسلط الصهيونية واستباحة القدس الشريف.

إن نهج المقاومة - وليس مسار "التعديل" ولا قبول مشروع "التمكين" - هو الذي لا يرى في المطالب الفلسطينية مجرد "امتياز" ويصر على استرجاع "الحق" الضائع.

وبناءً على ذلك، فان معضلة الصهاينة الاساسية في المستقبل - سواء داخل الأراضي المحتلة أو في انحاء المنطقة، حتى في دول مثل مصر وتركيا - تكمن في المواجهة مع مسار المقاومة ونهجها. ذلك أن مسار المقاومة الآن لم يعد مجرد نشاط عسكري، بل تبدل إلى ثقافة عامة. ثقافة ترفض التعايش مع الصهيونية باعتبارها فكراً عنصرياً وآخر حلقة من سلسلة هذا التفكير المشؤوم في العالم.

ومع اتساع هذا النهج واستمراره، سيواجه الإسرائيليون تضادين اساسيين. التضاد في الداخل، حيث إن الجيل الثالث من الإسرائيليين يرفض حياة المعسكرات ويشكك في كل لحظة بالهوية القومية الصهيونية، خاصة بالنسبة للغالبية من العلمانيين واللادينيين، وقد عبّروا عن شكوكهم وقلقهم في مؤتمرهم الأخير أيضاً إزاء المستقبل الغامض، وعدم تحقق الدولة المرفهة والتمييز العنصري بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين.

أما التضاد الخارجي فيكمن في أن الكيان الصهيوني سيعاني في المستقبل انعدام الامن وانحسار حجم مقبوليته في اوساط مجتمعات الشرق الاوسط العربية وغير العربية.

فالإسرائيليون، ورغم كل المساعي التي بذلوها خلال العقد الاخير، لم يتمكنوا حتى الآن من إيجاد موطىء قدم لهم ثابت في السوق الاقتصادية والتجارية للشرق الاوسط، ومازالوا يخوضون في صراع وسجال حول مسألة الطاقة والمياه من أجل مستقبل حياتهم في الشرق الاوسط.

إن مستقبل الصهاينة منوط بثلاث مفردات: الطاقة، والمياه، والأمن. وعليه، فقد قرن الصهاينة- في مواجهة نهج الانتفاضة - رؤيتهم إلى المستقبل في الشرق الاوسط بالرؤية الاميركية، خاصة في تمادي واشنطن وإصرارها على التصرف كقوة عظمى، كي يتسنى لهم،- ومن خلال نفوذ الاستراتيجية الاميركية- ايجاد كيان يرى مفهوم التعايش تحت المظلة الامنية الاميركية ممكناً.

ولكن، هل ستتوفر الارضية، في ظل موازين القوى والتعددية القطبية المقبلة، والطوفان الجارف لمفهوم "العولمة"، لأن تمارس مثل هذه القوة دورها كقوة اميركية عظمى؟

سؤال تكمن اجابته في مستقبل الكيان الصهيوني.

في خاتمة هذا الفصل من كتابه يستنتج نيكسون مستعيناً بعبارة قالها بن غوريون لرئيس الاستخبارات الاميركية فوستر دالاس: "إن افضل السبل للحفاظ على المصالح الاميركية والإسرائيلية هو سبيل الحل الذي يرتكز إلى مبدأ السلام مقابل الارض.

وإذا اصرت اسرائيل على الاحتفاظ بالاراضي المحتلة فسوف تُهدم مُثُلهم الاخلاقية". وقد قال بن غوريون احد مؤسسي إسرائيل، والذي لقبه جون فوستر دالاس بأنه "نبي العهد القديم": "إن المتطرفين الذين ينادون بضم الاراضي العربية المحتلة إلى إسرائيل، إنما يحولون دون أداء هذا البلد لرسالته. فلو تحقق ذلك، فان إسرائيل لن تصبح يهودية ولا ديمقراطية. وانما سوف يتزايد العرب في تعدادهم عنّا، وسوف نضطر لاستعمال طرق غير ديمقراطية للسيطرة عليهم"

الإمام ومصطلح الديمرقراطية الدينية: (تتمة للمداخلة مرتجلة)

السلام عليكم

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا وحبيب قلوبنا ابي القاسم وعلى آله الطيبين الطاهرين.

بما اني لا أجيد اللغة العربية تفضل الاستاذ السيد الدكتور مهتدي وهو من اعز اصدقائي، ومن اشهر الدارسين لفكر الإمام موسى الصدر وحياته بقبول ترجمة ملخص من كلمتي، وهنا أرى من واجبي أن أتقدم بالشكر إليه ...

في الواقع ان المشاركة في هذه الندوة التاريخية التي تقام هنا باسم سماحة الإمام موسى الصدر وباسم المقاومة بلا شك هي فخر وعزة.

ان موضوع حديثي وموضوع الورقة التي أعددتها هو مستقبل الصهيونية أو مستقبل اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط. والزملاء والاخوان تقبلوا عناء ترجمة هذه الورقة من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية والورقة موجودة هنا وستوزع على من يرغب في حيازتها.

وان شاء الله، في الفترة المخصصة للمناقشات والمداخلات سأكون حاضراً في خدمتكم اذا كان هناك اي سؤال بالنسبة للمواضيع التي وردت في الورقة.

الشعراء العرب الذين أجادوا اللغة الفارسية، اعتقدوا ان اللغة الفارسية لغة حلوة وسكر، هكذا يقولون: اللغة الفارسية سكر. انا اعتذر لأنني لم أتقن اللغة العربية ولكن هذه فرصة لكم كي تستمعوا إلى اللغة الفارسية ولو خلال دقائق.

لدي ملاحظات ونقاط أضفتها إلى ما ورد في الكلمة المترجمة حول شخصية الإمام موسى الصدر فأنا أقدم لكم هذه النقاط. كل من رأى أو شاهد سماحة الإمام موسى الصدر عن قرب، وكل من قرأ مقالاته واستمع إليه في احاديثه يرى بدون شك ويذعن انه يرى أمامه انساناً وشخصية فذة، يجمع في شخصيته أبعاداً متضاده ومتناقضة، أقول متناقضة كما ورد في أحاديثنا الدينية عن شخصية أمير المؤمنين علي عليه السلام، انه كان يجمع أبعاداً متناقضة في شخصيته، فالسيد الإمام موسى الصدر كأحد احفاد هذا الإمام الكبير ذلك يجمع في شخصيته وورث في شخصيته عن جده موضوع جمع التناقضات في هذه الشخصية.

فكما ذكرت، السيد الإمام موسى الصدر ورث رشحات وآثاراً من جده الإمام علي بن ابي طالب، فهو من ناحية: شخصية ثقافية كبيرة، وهو رجل دين وفقيه وأصولي يتحدث عن السلام والعدل كثيراً. وسيرة حياته مليئة بالحركة العملية في سبيل الإنماء الانساني والثقافي والفكري سواء في ايران قبل الثورة الاسلامية، وسواء في لبنان بين كل الطوائف اللبنانية من الطائفة الشيعية إلى السنية من المسلمين وحتى المسيحيين.. والإمام موسى الصدر، بالاضافة إلى كل هذه الحركة الثقافية والجهد الثقافي، نرى انه هو الذي يبني اسس الجهاد والحرب غير المنتظمة، أو حرب عصابات. ويربى مجاهدين مسلمين بقيادة الشهيد مصطفى چمران، ويحذر ويهيئ للمواجهة العسكرية ضد العدو الصهيوني جنباً إلى جنب مع حركته الثقافية، فهنا نرى الثقافة والفكر جنباً إلى جنب مع العنف والمقاومة المسلمة، وبنفس الوقت نرى ان الإمام موسى الصدر يعمل في سبيل البحث العلمي وتبادل الافكار والحوار الفكري والثقافي من أجل الوصول إلى الوحدة الفكرية والثقافية في المجتمع اللبناني.

في تاريخ لبنان الحديث أو المعاصر نرى ان الإمام موسى الصدر كان من الشخصيات الدينية والسياسية الأوائل في هذا البلد، الذي استخدم مصطلح العدالة الاجتماعية كمبدأ ومفهوم اساسي لقيادة المجتمع اللبناني. فبدل مصطلح الطائفية المتعصبة والعمياء التي لم تنتج في لبنان غير الدمار والخراب والعنف والقتل نرى انه استخدم مصطلح العدالة الاجتماعية كشعار للوحدة والبناء، ودعا جميع اللبنانيين من كل الطوائف ان يجتمعوا ويتكاتفوا تحت هذا الشعار، أي العدل الاجتماعي والوحدة، حتى ينتجوا سلاماً اجتماعياً، وحركة نحو عدلٍ منشود في المجتمع.

هناك قيادات دينية وسياسية واجتماعية يقبل بهم المجتمع بسبب الاستراتيجية المحددة التي يطرحونها أو بسبب بعض التكتيكات في اطار القضايا الاجتماعية، فهؤلاء يمكن ان نعتبرهم قيادات زمنية، اما بالنسبة للإمام موسى الصدر فهناك فرق كبير بين قيادة الإمام موسى الصدر والقيادات الزمنية. فنحن نرى اليوم المعنى الاستراتيجي لحركة الإمام الصدر وحتى التكتيكات العملية في مسيرته، نرى انه كان يطرح أفكاراً وأهدافاً قبل عقدين من الزمن، واليوم بعد هذه الفترة الزمنية الطويلة نرى أن هذه المفاهيم وهذه الاهداف هي مفاهيم حية وتشكل البرنامج العملي للمجتمعات، سواء في ايران أو في لبنان أو في أغلب الدول العربية والاسلامية. وفي مقدمة ورقتي وبحثي، تحدثت عن الحياة العملية للإمام موسى الصدر في أيام شبابه يوم كان طالباً للعلوم الدينية في الحوزة العلمية في مدينة قم، وذكرت في هذه الورقة بعضاً من كتابات أو محاضرات سماحة الإمام موسى الصدر في تلك الايام التي وردت في مجلة باسم مكتب اسلام أو المدرسة الاسلامية التي أصدرها الإمام موسى الصدر بالتعاون مع بعض زملائه في الحوزة العلمية في تلك الايام باللغة الفارسية بمدينة قم. واليوم بعد أربعين عاماً مضت على إصدار تلك المجلة، نرى أن ما طرحه من أفكار حول فلسطين واسرائيل والصهيونية في تلك الايام نرى أن هذه المفاهيم وهذه الافكار تبحث الآن في الاطار نفسه في يومنا هذا في لبنان وفي العالم الاسلامي. فهو قبل اربعين سنة كان يتحدث عن الصهيونية كمدرسة فكرية عنصرية، وحلل كيفية مناهضة الصهيونية ومجابهة هذه المدرسة الهدامة فكرياً وعسكرياً وسياسياً، ونرى أن كل هذه المحاور الفكرية والطروحات والاقتراحات ما زالت حية ومفيدة ويمكن ان يعمل بها.

نقطة هامة أخرى أريد أن أشير إليها وهي أننا اليوم في إيران، في عهد الرئيس محمد خاتمي كرئيس للجمهورية الاسلامية الايرانية، نتحدث في ايران عن مصطلح الديمقراطية الدينية، وكل المنظرين في اطار العلوم السياسية او الاجتماعية يتحدثون عن مغزى ومفهوم الديمقراطية الدينية. الإمام موسى الصدر قبل ثلاثين سنة قدم تعريفاً عن الانسان والمجتمع وكيفية إدارة المجتمع ويتحدث عن المصطلح نفسه، أي الديمقراطية الدينية. في الواقع ان الايمان أو العقيدة الدينية كإيديولوجية، أو الايمان، أو العقيدة القومية أو الوطنية يمكن ان تستخدم كأداة تنفير وتخريب في المجتمع. واذا أردنا أن نستغل هذه المفاهيم والمصطلحات في سبيل البناء والعمران والاستقلال والحرية في أي  مجتمع وفي اطار أي حكومة، فمن وجهة نظر الإمام موسى الصدر يجب ان ندخل هذه المفاهيم في التعريف الذي نقدم عن الديمقراطية والدين، فإيجاد الديمقراطية الدينية وحده يمكّننا من استخدام او استغلال كل هذه المفاهيم من القومية والوطنية في سبيل إسعاد المجتمع وإسعاد الانسان، وهذا هو نفس الكلام الذي يردده اليوم الرئيس خاتمي، فما يقوله الرئيس خاتمي اليوم في ايران كان يقوله الإمام الصدر بالأمس في لبنان.

هذه النقاط التي أشرت اليها لم تكن موجودة في الورقة. اما بالنسبة لبحثي أنا حول مستقبل الصهيونية ومستقبل اسرائيل، فنظراً لضيق الوقت أنا اختصر وأعطيكم ملخص هذه الورقة.

أولاً، حتى قبل انتفاضة الأقصى للشعب الفلسطيني، الإعلام الغربي والصهيوني كانوا يروجون ان اسرائيل هي قلعة محصنة في منطقة الشرق الاوسط، ودولة موفقة في جميع الميادين في حين ان بقية الدول الموجودة في المنطقة هي على وشك الانهيار، أو على وشك ان تواجه أزمات صعبة جداً، مثل سوريا وايران. كانوا يروجون ان سوريا بعد رحيل الرئيس حافظ الاسد ستواجه مشاكل ومعارك داخلية وان لبنان سيقدم على حرب أهلية جديدة بين الطوائف والفئات السياسية، وكذلك بالنسبة لإيران كانوا يروجون ان ايران ستشهد مواجهات بين من يسمّون بالمحافظين والاصلاحين، والنتيجة ستكون انهيارات في هذه الدول. اسرائيل فقط، هي القلعة المحصنة في المنطقة.

منذ عدة اشهر كنا نرى ان الدول في منطقة الشرق الاوسط تتسابق في طريق إيجاد علاقات مع الدولة العبرية الصهيونية، كانت هناك هرولة للاعتراف بالكيان الصهيوني وبالتعامل مع الكيان الصهيوني، اليوم نرى ان هذه الدول قد توقفت، وكثير من الانظمة في المنطقة ربما يشعرون بالندم والخجل من التصادق وفي الهرولة التي كانت موجودة قبل ذلك، حتى حينما نقول إن التعامل مع اسرائيل حرام، كما أفتى الإمام الصدر، بإمكاننا ان نثبت ان التجارب السابقة اثبتت ان أي تعامل مع الكيان الصهيوني لا ينتج غير الذل والخراب.

ان الشبان والاطفال والفتيات والنساء والرجال أي الجيل الثالث الفلسطيني في الاراضي المحتلة قد قاموا بانتفاضة عظيمة، هذه الانتفاضة التي اوجدت زلزالاً في المعادلات السياسية الموجودة في المنطقة، فهذا الزلزال غيّر الموازين وغيّر تعادل أو توازن الزمن في هذه المنطقة. هناك علامة استفهام كبيرة أمام مستقبل اسرائيل ومستقبل الصهيونية في المنطقة، وهناك شكوك كثيرة حول مستقبل الدولة الصهيونية، هذا من جهة أما من جهة اخرى، فنرى انه تكمن في داخل المجتمع الاسرائيلي تناقضات اجتماعية، لأن الجيل الثالث في هذا المجتمع لا يرضى بالحياة في الثكنات العسكرية مثل الجيل الاول أو الجيل الثاني، فهناك موضوع الهوية الوطنية للدولة الصهيونية، وموضوع من هو اليهودي. وكل هذه المواضيع تهدد المجتمع الصهيوني وتجعله أمام علامات استفهام كبيرة. مستقبل اسرائيل يرتبط بثلاثة مفاهيم: الطاقة والماء والأمن، اثبت الصهاينة ان المدرسة الفكرية الصهيونية مبنية على مبدأ العنصرية، فهم يعتقدون بالعنصر، بالشعب المختار وموضوع الشعب المختار يحتوي كذلك الدولة المختارة، فيعتبرون ان دولتهم هي الدولة المختارة في المنطقة. اذاً، لا يمكن ان نتصور انه ممكن ان يكون هناك أي تعايش بين الشعب المختار أو الدولة المختارة وبين الشعوب والدول الاخرى في المنطقة على أسس العدل، فهذا مستحيل وغير ممكن ولا يمكن ان نجمع بين مفهوم التعايش ومفهوم العنصرية والشعب المختار.

من جهة اخرى بالنسبة لخط المقاومة، أو أمام خط المقاومة، إن الصهاينة رسموا نظرتهم إلى مستقبل الشرق الاوسط في هذه الصورة، انه يمكن العيش في المنطقة تحت مظلة القوة الاميركية كقوة عظمى عالمية بمعنى أن كل الشعوب في المنطقة يجب ان يعيشوا جنباً إلى جنب مع الشعب الصيهوني، مع الدولة الصهيونية تحت المظلة الامنية الاميركية، هذا معناه أن شعوب المنطقة يجب ان يستسلموا ويعترفوا بالمظلة الامنية الاميركية من جهة، وبالسياسة التوسعية الصهيونية من جهة أخرى. كل ذلك تحت الأمن الاميركي.

أما النقطة الاخيرة بالنسبة لموضوع الشرق الاوسط الجديد الذي طرحه شمعون بيريز في كتابه المشهور والمعروف، فإن مستقبل الصهيونية والدولة الاسرائيلية في المنطقة مبني إلى حد كبير على ايجاد نوع من التوفيق بين مصطلح توسع النفوذ للدولة الصهيونية وتوسع الاراضي لنفس الدولة، فاذا استطاعت اسرائيل ان تجمع بين النفوذ في المنطقة والحفاظ على التوسع في الاراضي كذلك في فلسطين، فبامكانها ان تعيش وتفرض على شعوب المنطقة هذه المعادلة، فانا اعتقد ان اسرائيل في الوقت الحاضر تستخدم تكتيك الضربة، القوة العسكرية او الصاعقة العسكرية لإجبار كل شعوب المنطقة على الاستسلام لهذه الصاعقة العسكرية وللقوة التسلطية الاسرائيلية في المنطقة، من غير ذلك ليس هناك أي مستقبل للدولة الصهيونية في المنطقة العربية الاسلامية.

وشكراً. والسلام عليكم.

الهوامش

1- أعداد مجلة "المدرسة الإسلامية" من السنة الأولى إلى الخامسة.

2- كتاب Nixon, Richard: "Seize the Moment: America's Challenge in a One Super Power World". Simon and Schuster 1991.

3- كتاب "الشرق الاوسط الجديد" لمؤلفه شمعون بيرز.

source