لقاء الحق والخير

calendar icon 25 تشرين الثاني 2000 الكاتب:عبد الأمير قبلان

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الجلسة الختامية)

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف خلقه سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الميامين وعلى كافة الانبياء والمرسلين ·

أيها الأخوة الكرام ، في هذا اليوم المبارك الذي يجمعنا في هذا المكان الشريف ، نوجه تحيتنا وسلامنا ونقدم احترامنا ودعاءنا إلى سماحة آية الله الإمام محمد مهدي شمس الدين، وإننا وإذ كنا نتمنى حضوره في هذا اللقاء المبارك والميمون فإننا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يشمله برحمته وعنايته ورعايته وعافيته·

أيها الاخوة،

السلام على الغائب الحاضر الإمام السيد موسى الصدر أعاده الله إلينا مع رفيقيه من سجن أهل الردة والنفاق·

إن هذا اللقاء يتسم بطابع الحق والخير، فهو يشكل وحدة كريمة ولقاء يشدنا إليه، فهو سبيلٌ لوحدة الصف ووحدة الطريق ووحدة الهدف. ان الامام الصدر صاحب المواقف الوطنية المشهود لها، وعندما نتلاقى في مناسبة ذكراه أو إذا دعينا إلى لقاء نتكلم فيه عن مواقف الإمام الصدر، فإن هذا اللقاء يوقد في نفوسنا شعلة الحنين والشوق الى هذا الرجل الطموح، رجل الاصلاح والجهاد والعمل الدؤوب.

إلى الإمام الصدر الذي كان همه الوحيد حماية هذا الوطن وصيانته ووحدة بنيه، وتشهد جولاته في أرجاء الوطن وصولاته في بقاعه على حبه للوطن· لقد كان له في قلوب أبناء الوطن كامل المحبة والتقدير وكان مثال القائد العظيم الذي يختزن في داخله وأعماله القيم الدينية والاخلاقية والانسانية زيادة لما يتمتع به من فكر عميق ونهج قويم ورؤى نيرة وصوابية في القراءات والمواقف الوطنية.

أيها الاخوة، عندما نتحدث عن المقاومة وما يندرج في سياقها من مجتمع مقاوم أو أمة مقاومة، يكون الامام الصدر في صميم هذا السياق المقاوم بل هو من دعائمه الاساسية، لدرجة أن المعادلة أصبحت: موسى الصدر يساوي المقاومة والمقاومة تساوي موسى الصدر.

فهي منه وهو منها متكاملان، متلازمان متواصلان تواصل الليل بالنهار. وحكايته مع المقاومة قضية تبدأ ولا تنتهي لأنها تشكل كل كيانه وعقيدته الاسلامية والايمانية، التي ترفض الظلم والهيمنة والتعدي ، فهو المسلم الذي عاهد الله ورسوله والمؤمنين وهو العربي الحر واللبناني الوطني بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عيش مشترك إسلامي مسيحي في اطار الوحدة والوفاق وتحت رعاية الدولة العادلة القادرة دولة القانون والمؤسسات. والذين عايشوا الامام الصدر وحاوروه وناقشوه لمسوا، بالتأكيد مدى حرصه الدقيق على لبنان وعلى صيغة لبنان بحيث كان يقول دائماً الطوائف في لبنان نعمة ولكن الطائفية نقمة. كما لمسوا سعيه الحثيث والدؤوب والدائم من أجل لبنان وسلامة لبنان وقد يكون دفع حياته ثمن حبه لهذا الوطن وثمن حرصه على مستقبل أبنائه الذي كان يراه الامام الصدر مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر ومهدداً بالتقسيم وبالتوطين.لكن ايمانه بالله وبشعبه وبدينه دفعه إلى ركوب المخاطر والمغامرات وإقامة الاعتصامات وإلقاء المحاضرات، داعياً ومنبهاً ومحذراً من مغبة تغليف العقول والقلوب بصدأ الجهل سراب الرهانات الخاطئة ولكن للأسف الشديد كانت المكافأة باستدراجه والتآمر عليه وتغييبه من قبل النظام الليبي،هذا النظام الذي ولد في رحم المؤامرات ليس ضد الامة العربية فحسب إنما ضد الامة الاسلامية بأسرها، فهو المسؤول الاول والاخير عن هذه الجريمة النكراء بحق الامام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والاستاذ عباس بدر الدين، وهو المسؤول عن هذه الجريمة بحق الشرفاء والاحرار والمناضلين، فالامام هو أبو المقاومين وكل المجاهدين في العالم ، ولكن مهما يكن من أمر فإن حسابنا مع هؤلاء الظلمة سيبقى قائماً وملف هذه الجريمة لن يطوى، ولن نساوم عليه مهما طال الزمن، حتى تنكشف الحقائق وتنجلي الملابسات.

ومن هنا وتحت عنوان "كلمة سواء" نطالب الدولة اللبنانية ان يكون لها موقف واضح وصريح تجاه هذه القضية الوطنية الكبرى وأن لا تؤخذ بالتهديدات، فنحن شعب لا نخاف لا التهديد ولا الوعيد وتاريخ المقاومة في الجنوب وفي البقاع الغربي، وكل لبنان يشهد على هذه الحقيقة. كما نسأل الدولة لماذا هذا القلق من قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام الليبي؟ وهل هذا الملف مصدره الخوف من وقف المساعدات الليبية إلى لبنان؟ ومتى كانت هذه المساعدات؟ نعم، كانت عندما كان الاقتتال قائماً في لبنان ، نعم كانت عندما كانت الفتنة ، ولكن عندما بدأ عصر المقاومة في لبنان ضد اسرائيل، أين أصبحت هذه المساعدات؟ إنه سؤال كبير نطرحه برسم المسؤولين ونأمل أن يكون الموقف سوياً·

أيها الاخوة والاخوات،

إن الحديث عن الامام الصدر طويل وطويل جداً لدرجة يحار معها المرء من أين يبدأ من صراع الامام الصدر المرير مع السلطة والحكام في لبنان، حيث النظام الفاسد وحيث الكيان المزرعة؟ فلبنان الذي اعتبره الامام الصدر واقعاً تاريخياً يمتد إلى أقدم العصور، ويحمل في طياته الكثير من الحضارات والامجاد والرسالات والثقافات، بمقدوره أن يلعب دوراً رسالياً كبيراً في العالم، فهو يمتلك من الطاقات الفكرية والثروات الحضارية والثقافية ما يؤهله للقيام بهذا الدور ، فلا يجوز هدرها بالغرائز والعصبيات، ولا يجوز الفتك بها بنزاعات طائفية وحسابات مذهبية. ومن الممكن، بل من الضروري جدا،ً تثميرها والافادة منها كمنطلقات للتعاون والتلاقي والتكامل من أجل تكوين حضارة إنسانية رسالية ترفدها خلاصة التجارب وصفوة الاكتسابات·

إن الامام الصدر، أيها الاخوة، كان يرى أن امكانية بناء حضارة إنسانية رسالية في لبنان نواتها الافكار والتجارب والحرية ليست بالمهمة المستحيلة إذا تحقق الاحترام المتبادل بين اللبنانيين، وتعززت الثقة فيما بينهم، وانتفت عوامل الخوف والغبن من النفوس، من خلال حركة وطنية جريئة، تخرجنا من ذهنية التصنيف والتمييز، وتحررنا من الاستهدافات التي تسعى إلى تحويلنا ى مجرد فئات منعزلة وكتل بشرية متطيفة ومتمذهبة،تتناحر فيما بينها·

إن الإمام الصدر كان لا يخشى أي خطر خارجي على لبنان وهذا لا يعني أن لا أخطار خارجية تهدد لبنان، فالأخطار موجودة،وكل دولة في العالم تعيش هذا الهاجس، فكيف الحال معنا وعلى حدودنا يتمركز كيان صهيوني غاصب وغادر ومحتل؟ ولكنه كان يرى أن الخطر الداخلي أشد وأدهى وأن ما يعيشه لبنان من انقسامات داخلية ونزاعات طائفية من شأنها تشجيع الأعداء على الاستغلال والتوظيف، فهناك وطن مسيّب، وشعب مفتت، وتناحر وتضارب في الآراء والمواقف، هناك أمراض طائفية وعصبية ومذهبية.

نعم، من الطبيعي جداً، أن هذا العدو عندما وجد فرصة في لبنان لعب لعبته وارتكب فعلته،وللأسف حدث الذي حدث، وكان الثمن غالياً وما معاناة اليوم إلا نتيجة من نتائج واقع مرير طالما حذّر منه الإمام الصدر، وطالما دعا إلى عدم الانزلاق في متاهاته. ولكن الآن نأمل أن نكون قد بلغنا من الرشد ما يمكننا من طي الماضي إلى الابد، لأن الخطر الذي يهدد كيان أمة أو كيان وطن أو كيان شعب هو الخطر المميت، الذي يقوّض كل المقومات، ويقتل كل الآمال والطموحات، وما هي إلا الفتنة العمياء التي تصيب الوطن في الصميم.

أيها الاخوة،

ما مات شعب أو أمة في التاريخ نتيجة اضطهاد أو نتيجة غلبة خارجية إذا كان هذا الشعب أو هذه الامة متماسكة موحدة واعية لمسؤولياتها.وعندما نستذكر الامام الصدر، ايها الاخوة، نستذكر مواقفه ونصائحه للاشقاء الفلسطينيين، عندما كان يقول لابي عمار "إن شرف القدس يأبى أن تتحرر إلا على أيدي الشرفاء". نستذكره في لومه وعتبه الشديد على بعض القيادات التي انغمست في الرهان على اسرائيل وتنكرها لعروبتها ولمحيطها. نستذكره في مواقفه الثابتة من الشقيقة سوريا، والتي أكد ضرورة تدعيمها وتمتينها، فسوريا ولبنان يجب أن يكونا معا،ً وأن يستمرا معاً في السراء والضراء، فالمصير واحد، والخطر واحد وما يهدد لبنان يهدد سوريا والعكس صحيح، نستذكره في شعاره الشهير "اسرائيل شر مطلق والتعامل معها حرام وبأن مقاتلتها ومقاومتها واجب وطني وقومي".

نستذكره في نداءاته المتكرره إلى الرؤساء والملوك العرب ورسائله المتعدده التي تدعو إلى تحقيق التضامن العربي وتوحيد الصفوف ومواجهة العدو الاسرائيلي، الذي يهدد خطره ليس فلسطين ولبنان إنما الامة العربية بأسرها·

أيها الاخوة،

إنه غيض من فيض المواقف التي أطلقها الامام الصدر، والتي تؤكد في باطنها وفي ظاهرها على انه بالوحدة وبالصمود وبالمقاومة وبالصبر وكظم الغيظ تبنى الاوطان وتصان، وتصل الشعوب الى حقوقها وخير دليل على صوابية هذه المواقف ما تحقق في لبنان على أيدي المقاومين الابطال من انتصار مبين، ومن اندحار مشين لجنود الاحتلال الاسرائيلي بحيث بات محسوماً أمر التعاطي مع هذا العدو، الذي ينبغي أن يقوم أولاً وأخيراً على مبدأ المقاومة، المقاومة بكل شيء، بالموقف، بالنهج، بالممارسة بالحوار بالتعاون، بالوحدة فيما بيننا، وبهذا المنطق انتصر لبنان وانتصر جنوب لبنان، وبهذا المنطق اندحرت اسرائيل واعترفت بالقرار 425 وبهذا المنطق وحده سننتصر، وستنتصر فلسطين بإذنه تعالى، وسينتزع شعب فلسطين حقه السليب في إقامة دولته السيدة الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. بحجارة الاطفال ودماء الشهداء ستعود فلسطين حرة عربية "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون" (آل عمران الآية69)، فلا الأمم المتحدة ولا أميركا ولا روسيا ولا أوروبا ستعيد لنا حقوقنا وستحرر لنا أرضنا، وستنصرنا على هذا الباطل الذي زرعوه في قلب هذه الأمة وراحوا يراوغون وينافقون بالتباكي على حقوق الانسان وحقوق الشعوب·

أيها الاخوة،

وحده النضال هو الطريق الصحيح إلى الحرية والتحرير ووحدها كلمة السواء هي التي تسهم في بناء المجتمعات القوية القادرة على بناء المستقبل، فالمعركة طويلة الامد مع هذا العدو ومعركتنا معه معركة حضارية وطنية، قومية دينية، إنها معركة الماضي والحاضر والمستقبل، فلنستعد لها ولنتعامل معها بكل وعي وادراك وفكر نير وروح عالية من المسؤولية والتوكل على الله لأن من يتوكل على الله فهو حسبه ونصيره وعلى الله فليتوكل المتوكلون، نعم، هنيئاً لكم هذا الاجتماع هنيئاً لاجتماعكم، هنيئاً لوحدة صفكم، هنيئاً لتلاقيكم. نريد لكم أيها الاخوة أن تكونوا يداً واحدة: أمل وحزب الله والمجلس الشيعي وكل الطبقات الطائفية في لبنان أن تكون يداً واحدة لإنقاذ هذا الوطن ولإنقاذ هذا المجتمع من براثن الاعداء التي احتلت أرضنا، وتهددنا باستمرار·

والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته·

الشيخ عبد الأمير قبلان
نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى

source