شرعية المقاومة

calendar icon 24 تشرين الثاني 2000 الكاتب:حسين الحسيني

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الجلسة الثانية)



بسم الله، ايها السيدات والسادة،

المقاومة قد انتصرت، والعدو المحتل قد انهزم.

ما زال الحدث قريباً حتى يكون لنا أن نترك الفرح به، أو أن يترك المراقب القريب والبعيد دهشته لذلك الحدث.

لكنّ الحدث نفسه ما زال في سياق صراع أعمّ، وأطول.

لهذا، ربما قد يكون من واجبنا أن ندع المشاعر جانباً، حتى نفهم ذلك الانتصار، بهدف حفظه من جهة، وبهدف متابعته وتعميمه من جهة أخرى.

ليس في وسع صديق بل عدو، ولا في إمكان مشارك أو مساند بل محايد، إلاّ أن يرى في مقدّمة أسباب الانتصار، استبسال المقاومين وفداءهم.

لكن هذا السبب الأوّل، لا يمكن فهمه إلاَّ انطلاقاً من رفض الشعب الاحتلال، واستعداده للتضحية من أجل إزالته.

وما ظهور المقاومين واستبسالهم وفداؤهم، إلاّ من ذلك الرفض، ومن ذلك الاستعداد للتضحية.

ذلك، ولا شكّ سببٌ ثان.

السببان الأوَّل والثاني، قد يؤدّيان إلى ظهور البطولة، لا بالضرورة إلى انتصار المقاومة كما حدث.

السببان الأوَّل والثاني قد يؤدّيان إلى شهادة الشهداء، من اجل الحقَّ، لا بالضرورة إلى بقاء  من يشهد للحقّ، كما حدث، وكما نحن إليه في هذا اللقاء.

السببان الأوَّل والثاني يحتاجان في غايتهما إلى الأثر المطلوب منهما إلى تنظيم، يحتاجان في غايتهما إلى الأثر المطلوب منهما إلى دقَّة التصويب، ولهذه الحاجة، ظهر السبب الثالث الذي هو تنظيم المقاومة الفاعل، الذي هو قيادة المقاومة العاقلة المتوكّلة.

إعقلها وتوكّل.

أقول القيادة المتوكّلة، ولا أجدني محتاجاً إلى كثير من الشرح. لكنَّني أجد نفسي أيضاً مضطراً إلى التنبيه إلى أنَّ التوكّل لا يصحّ إلاّ في الحقّ، فلا محلَّ للتوكّل في شرّ أو تعدّ أو عبث.

أقول القيادة العاقلة، ولا أجدني محتاجاً إلى الكثير من الشرح.

لكنَّني أجد نفسي أيضاً مضطراً إلى التنبيه إلى أنَّ العقل لا يصحّ إلاّ في المصلحة، فلا محلّ لادّعاء العقل في مضرَّة النفس، مهما يكن الحقُّ حقاً، والتوكّل توكّلا، فالعقل المتوجّب إنما هو متوجّب عن المسؤولية، هذه المسؤولية التي هي متوجبة عن إمرة النفس.

ولولا ذلك لما كانت مسؤولية العقل، ولكان اكتفاء بالتوكّل، وإلاَّ كان تحميل فوق الطاقة. وهذا ما لا يكون من عادل خيّر.

لدينا الآن، إذاً، أسباب ثلاثة، هي بحسب الظهور:

أولاً: استبسال وفداء وهما من عمل المقاومين.

ثانياً: صمود واستعداد للتضحية وهما من إباء الشعب.

ثالثاً: تنظيم فاعل وتصويب دقيق وهما من قيادة عاقلة متوكّلة.

هذه الأسباب الثلاثة على ما فيها من القوة لتحقيق الانتصار، والفرح به، ليست كافيةً لإزالة الدهشة منه، أي في فهمه، خصوصاً في الجهة التي تنبعث عنها الدهشة، أعني لجهة عدم التوازن في القوة العسكرية لصالح العدوّ المنهزم.

قد نجد سبباً رابعاً، وهو سببٌ حقيقيّ، هو الدعم الذي نالته المقاومة من محيطها المباشر، أي من سوريا، ومن محيطها الأوسع، أي من إيران.

ولا أجدني محتاجاً إلى شرح كثير، أو إلى تفصيل في الإثباتات.

فمسيرة المقاومة ليس من الممكن استعادة سيرتها من دون حافظ الأسد، ومسيرة المقاومة ليس من الممكن النظر في تواصلها من دون وجود الجمهورية الإسلامية الإيرانّية.

لكنّ هذا كلّه، مهما تكن مرتبته من الضرورة، يبقى غير كاف لإزالة الدهشة، هذه الدهشة التي قد تصبح خطراً إذا بقيت، فكانت سبيلاً إلى التفاخر فالاستكبار.

فالدعم قد يكون كبيراً من قوىً كبيرة، عدَّة وعدداً، ولا ثمرة له.

كان شيءٌ يتكامل.

كان شيء ٌيتجه إلى الظهور بطيئاً، إلى أن سطع سطوعه الكامل، في لحظة الانتصار.

كان شيٌ ينمو تارةً في النور وتارة في ظل الشدائد، ورغم الانحراف المؤقّت، عبر النصوص التي ظنَّ بعض الناس أنَّها مجرد حبر على ورق، الإعلانات التي ظنَّ بعض الناس أن صوتها الهادئ ليس شيئاً بالمقارنة مع ضجَّة الشقاق.

السيد موسى الصدر كان هناك، في بداية ذلك الشيء، وفي وسطه، وعند ذروته.

كان هناك عبر خطّ لم ينجح في طمسه قريب أو بعيد، ورغم غيابه كلَّ هذه السنوات،

هذا الشيء، هو شرعية المقاومة.

أقول شرعيَّة المقاومة، لا قانونيتها فحسب، هذه القانونيَّة التي هي شرطٌ من شروط الشرعيَّة، ولكنها شرط غير كاف.

أقول شرعيَّة المقاومة، وأعني بذلك ظهور الحق، لا ثبوته فقط.

من حق سامع هذا الكلام، أن يسأل تحديداً لظهور الحق، كما أعنيه.

قد لا أكون بليغاً في الإجابة، لكنَّني أجدني مضطراً إلى صياغة إجابة تتضمن تجربة، لي مباشرة، في مواقع مختلفة:

في وقت ما، شعر اللبنانيون باستجابة تلقائيَّة واحدة.

في وقت ما، شعر العدوّ باستكانة اضطرارية واحدة.

في وقت ما، شعر المقاومون، أنَّ الطريق قد صار سالكاً، فحرصوا على الطريق كما يحرصون على الغاية.

هذه الأوقات قد يسبق بعضها بعضاً، أو قد يتزامن بعضها، لكنها جميعاً ظواهر الحقّ، هذا الحقُّ الذي يظهر حقّاً بتكامل تلك الأوقات.

ليس من الممكن أن نتصور استجابة تلقائية واحدة عند اللبنانيين، من دون ما قد توَّفر للمقاومة من اتجاه،لأن تكون حريصة على وحدة اللبنانيين.

ليس من الممكن ان نتصور وحدة اللبنانيين، في مجتمعهم، من دون وحدة اللبنانيين في حكمهم.

ليس من الممكن أن نتصور شعور العدو بالهزيمة قبل وقوعها، من دون أن يكون في مقابله حقٌ ناصعٌ عند أصحابه وفي سلوكهم.

قد يظن بعض الناس أنَّ القوة كافية.

تجربتنا، في الأقلّ، تدفعنا إلى القول: لا. ليست كافية.

القدرة هي الكافية.

القدرة، التي هي اجتماع القوّة والشرعيّة في لحظة واحدة.

قد يظن بعض الناس، أنَّ بالإمكان الاحتفاظ بالقدرة بلا حفظ الشرعية.

تجربتنا، في الأقلّ، تدفعنا إلى القول: لا. لا يمكن الاحتفاظ بالقدرة احتفاظنا بالجنود في الثكنة. فالقدرة حتَّى تستمر، يلزمها الشرعية.

هذه الشرعية التي ظهرت لنا فانتصرنا، هذه الشرعية التي افتقدها العدوّ فانهزم.

السيد موسى الصدر كان إماماً هناك.

غسان تويني كان مناضلاً هناك.

source