الإنسان هو القيمة الأساسية

calendar icon 01 تشرين الأول 1998 الكاتب:مار نصرالله بطرس صفير

مثله المطران نبيل العنداري

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثالث: "بحثاً عن حق الإنسان"
(كلمات الافتتاح
)


أيها السيدات والسادة،

يسعدنا أن نلبي دعوة مركز الصدر للأبحاث والدراسات إلى جلسة افتتاح هذا المؤتمر بمناسبة ذكرى السنة الخمسين للاعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي ذكرى السنة العشرين لغياب سماحة الإمام السيد موسى الصدر.

ويشرفنا أن نمثل بينكم صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الكلي الطوبى الموجود حالياً، كما تعلمون، في المدينة الخالدة، الذي حملنا إليكم تحياته العاطرة.

لقد شئتم أن تختاروا لمؤتمركم، هذا العام، موضوع "البحث عن حق الإنسان" وخيراً ما صنعتم متوخين وضع النقاط على الحروف في زحمة البحث عن ملامح غادرت وجه الحرية وحق الإنسان.

ايها السادة،

في مقدمة مقال عنوان "في حق الإنسان أن يكون إنساناً" نشر برعاية الأونيسكو سنة 1973، بمناسبة مرور خمس وعشرين سنة على إعلان شرعة حقوق الإنسان، قال رينه ماهو – المدير العام للمنظمة الدولية آنذاك، ما معناه: "لعل الإنسان أدرك بعضاً من طعم تاريخه العذب – المر، الرقيق – المريع، الرفيع – الخسيس، وقد خيل إليه في انطباع أولي أن كل شيء قد قيل عن الإنسان وحقوقه وعمل به عبر الأجيال، لكنه اكتشف، بعد التفكير ملياً، أن الدرب طويل رغم الجهود المبذولة، وأن الإنسان لم يؤد بعد كما يجب ثمن الحرية ولم يبين قيمتها الحقيقية، وان المهمة السامية والعريقة بهذا الصدد تقتضي الاستمرار بها في عالمنا حيث ينتظرنا الملايين من بني جنسنا، الرازحين والثائرين".

يختصر هذا القول المعضلة الأساسية لحقوق الإنسان التي يتجاذبها في أيامنا، تنازع التشجيع والتشويه لتظهر حيناً في موقع الانطلاق والنمو وأحياناً في أسوأ الانحراف والانتهاك.

لكن ما يهمنا اليوم، بعد مرور خمسين سنة على إعلان شرعة حقوق الإنسان والذي كان لمندوب لبنان آنذاك المرحوم شارل مالك مساهمة فضلى في صياغته، أن يترسخ في مجتمعنا الناهض مترنحاً، حرية الضمير والتدبير وحرية الممارسة الدينية والعمل السياسي، بمنأى عن كل تمييز في العرق والجنس واللغة والدين والانتماء.

أوليست هذه المبادئ وثوابت شرعة حقوق الإنسان التي أكد عليها بيان مؤتمر هلنسكي الختامي في الأول من شهر آب سنة 1975؟

إنه الاعلان – الرهان الذي أكد عليه، تكراراً، برنامج عمل منظمة حقوق الإنسان في المؤتمر الدولي الذي عقد في عاصمة النمسا في الخامس والعشرين من شهر حزيران سنة 1993.

وهذا ما ذكر به أيضاً قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في الخطاب الذي ألقاه من على منبر الأمم المتحدة في الخامس من تشرين الأول سنة 1995 حين قال: "على العالم ان يتعلم العيش في التنوع والتعدد ... لأن الحرية هي قياس الكرامة والعظمة" وأضاف: "إذا هجرت الحرية حقيقة الإنسان، تدهورت إلى مستوى التعسف والغطرسة".

أما عندنا، فقد تناول الارشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان" الذي وجهه قداسة البابا، بعد السينودس إلى جميع اللبنانيين، حقوق الإنسان في الفصل السادس والأخير مشدداً على صيانتها واحترامها: "أي احترام كل شخص وكل جماعة. لأن الإنسان الذي يحيا في دائرة القيم الروحية، يفوق كل نظام اجتماعي وهو القيمة الأساسية" (عدد 114). وتابع قداسته قائلاً: "إن حقوق الله وحقوق الإنسان مترابطه، وانتهاك حقوق الإنسان هو انتهاك لحقوق الله (عدد 115). وختم قوله بوجوب احترام هذه الحقوق خاصة "في توزيع العدالة، وفي الضمانات التي تحق شرعاً للمتهمين أو المسجونين ... فيجب ألا يخضع أحد للاكراه ... وألا يلاحق أو يقصى عن الحياة الاجتماعية بسبب ارائه ... ولا يجوز لأحد أن يكره على عمل يخالف ضميره... فالأمر يتعلق بمستقبل أمة، بل بمستقبل البشرية جمعاء، لأن ما دام كائن بشري يمتهن في أعمق حقوقه الأساسية كانت البشرية جمعاء كلها مثخنة بالجراح" (عدد 116).

أيها المؤتمرون،

إننا نشاطركم الدعوة اليوم إلى مواجهة المستقبل، مهما تشعبت وتضاربت مصالح الطامعين، بالتأكيد على هوية لبنان – الرسالة، بل العيش المشترك، وإلى العمل معاً على تبديد الخوف المتبادل على هذا الوطن وحقوق جميع أبنائه، وعلى تدعيم ما تزعزع من أركان قيم السلام والتضامن والعدالة والحرية.

فليشهد كل منا، أينما وجد، بروح الأخاء والمسؤولية والمواطنية دون محاباة، على تنمية بذور حضارة المحبة المغروسة في القلوب، كما أرادها الإمام المغيب والمخلصون لهذا الوطن.

عشتم، وعاش الإنسان في بلدنا موفور الحقوق والكرامة، وعاش لبنان.

source