قراءة باسم الله

calendar icon 01 تشرين الأول 1998 الكاتب:محمد رشيد قباني، شيخ

مثله القاضي الشيخ محمد دالي بلطة

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثالث: "بحثاً عن حق الإنسان"
(كلمات الافتتاح)

الإنسان محور الوجود ومركز الوعي فيه خلقه اليه عزيزاً كريماً. وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً.

لقد كانت مظاهر التفضيل والتكريم إرادة أزلية إلهية أظهرها الله سبحانه وتعالى قبل أن يوجد الإنسان في الأرض عندما اخبر ملائكته عنه قائلاً: "إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويفسك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لاتعلمون".

فإنه تعالى قد خلق الكثير من الخلق ولم يردنا نص انه اخبر احد بهذه الإرادة وفي ذلك اشارة واضحة الى كرامة القادم وخطورة منزلته عند خالقه الذي ما كاد ان يخلقه وينفخ فيه  من روحه حتى امر ملائكته "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين" ولم يتركه هكذا بل علمه تعالى بنفسه وأظهر شرفه امام الملائكة مرة ثانية  حين لم يعلموا وهو قد علم واجاب على كل سؤال "وعلم آدم الأسماء  كلها  ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلاما علمتنا انك أنت العلي الحكيم قال يا آدم ابنئهن بإسمائهن فلما انبأهم بأسمائهم قال  الم أقل لكم  اعلم غيب السموات والأرض "لهذا كان في علم الله وهكذا بقي وكأنه لم يكرم إلا عنده تباركت قدرته وعند من ادرك هذه الحقيقة فإذا بنا نحن اليوم نحاول البدء من جديد باحثين عن حق الإنسان ونحن نستقبل القرن الواحد  والعشرين تاركين وراءنا صيداً انسانياً مهماً في المجالات الإستكشافية ملايين الكليومترات  فيها الإنسان في الأرض لم يفارقها لذلك ارى اننا امام صراع بين انسان الله وإنسان المادة.

انسان الله حامل القيم والخلق والمثل، وانسان الله المادة الذي لم تسعفه كل الإستكشافات والإنجازات التي حققها فإذا به في محنة قاسية ليس تغيب الإمام السيد موسى الصدر عنوانها الوحيد بل لعله أقساها وأشدها وطأ على النفس لقد افتقد الإنسان قيمة مهمة في اساس وجوده ألا وهي الأخلاق التي لا ينفع مع فقدانها شيء آخر لا من القانون ولا من القوة لأن الإنسان استطاع ان يطوع القانون وان يستفيد من القوة بعد ان حل  في نفسه شغف يلعبه المصالح الخاصة والمنافع الذاتية بدلاً من الأخلاق التي يأخذ بها الإنسان من نفسه لغيره ومن نفسه لنفسه فالقيم قوة القانون العظمى، هذه الأخلاق والقيم التي نستمدها من علاقتنا بالله اولاً واخيراً لذلك نجد عظمة الخطاب الإلهي "واقرأ باسم ربك الذي خلق".

فليس هذه الخطاب امراً بالقراءة فقط كما يفهم  الكثيرون، ولكنه امر بالقراءة باسم ربك وهنا النقطة الجوهرية العظمى، فالقراءة باسم الله الذي خلق ليس فيها اخفاء ولا تغيب ولا تقتيل ولا تشريد.

وليس فيها تجويع ولا تنكيل ولا سلب للحقوق بل فيها خدمة ومنفعة وتآخي بين خلق الله في الكون كله، ان الكلام عن القيم والأخلاق بات شعاراً لكل خطيب، ومادة تنساب من أقلام الكتاب، وحديثاً روتينياً مملاً يكرره ذووا السلطة وإذا بهم مثقلون بالفضائح المخزية والعلاقات المشبوهة وهنا يحق لنا ان نبحث عن حق الإنسان لأنه قطعاً سيضيع ولن نجده إلا بنهج تربوي يعيد المفهوم الخلقي إلى موقعه الطبيعي اولاً واخراً بدلاً من ترسيخ مفهوم المنافع والمصالح وهنا نجد اهمية للخطاب الإلهي وليس للخطاب الطائفي فبينهما بون شاسع، فالخطاب الطائفي هو صورة من صور لعبة المصالح بينما الخطاب الإلهي خطاب واع عاقل ينمي الخلق ويهذب النفس ومن هنا نجد اهمية عظمى للتعليم الديني بمفهوم الخطاب الإلهي وليس بالمفهوم الطائفي، ونشكر كل الخطوات الإيجابية من جانب المسؤولين لجهة إعادتها الى التعليم الأسبوعي ونطالب بالإهتمام بها اكثر فأكثر حرصاً على سلامة بنيتنا ومستقبلنا.

source