الفكر المسيحي والاعلان العالمي

calendar icon 01 تشرين الأول 1998 الكاتب:روفائيل لطيف

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثالث: "بحثاً عن حق الإنسان"
(كلمات الجلسة الأولى)

باسم الله

في هذا المناخ العابق بروح الله وبذكرى الإمام الغائب الحاضر، يليق بنا ان نمجد الله في خصائص الكيان الأزلي لطبيعته ولا اشراك فيها.

الآب والابن والروح القدس الإله الواحد.

"به كان كل شيء وبغيره ما كان شيء. هو الحياة لكل موجود والحياة نور الناس. والنور يشرق في الظلمات". (يوحنا 1/3 - 6)

ويضيف الرسول يوحنا في رسالته الأولى فيقول:

"ان الله نور لا ظلام فيه. فإذا زعمنا أننا نشاركه ونحن نسير في الظلام كنا كاذبين ولم نعمل للحق. وأما إذا سرنا في النور كما انه في النور، فقد شارك بعضنا بعضاً ودمُ ابنه يسوع يطهرنا من كل خطيئة" (1يو5 – 7).

وعلى صعيد المحبة الشاملة والنابعة من الله الخالق، علم الرسول يوحنا:

"أيها الأحباء، فليحبّ بعضنا بعضاً لأن المحبة من الله...

من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة... فإذا أحب بعضنا بعضاً أقام الله فينا وتمت محبته فينا. إذا قال أحد: "اني احب الله" وهو لا يحب أخاه كان كاذباً لأن الذي لا يحب أخاه وهو يراه، لا يستطيع أن يحب الله وهو لا يراه" (1 يو 40/7 و2 و20).

والتعبير عن المحبة إنما يكون لا "بالكلام أو باللسان وإنما بالعمل والحق". وهكذا علم الرسول يوحنا: "من كانت له خيرات الدنيا ورأى بأخيه حاجة فاغلق أحشاءه دون أخيه فكيف تقيم محبة الله فيه؟ يا أبنائي الصغار، لا تكن محبتنا بالكلام أو باللسان، بل بالعمل والحق" (1 يو 3/17 18).

شخصية الإمام السيد موسى الصدر:

1 - إن هذا التنويه من الرسول يوحنا، وهو التلميذ الحبيب، يدخلنا فوراً إلى رحاب فكر وشخصية الرجل الإمام السيد موسى الصدر، الذي كان لي الحظ أن أعرفه وأتحادث وإياه واستمع إليه ومعاً نشترك في التحدث إلى الناس في بعض المناسبات. كنت آنذاك ولغاية الشرارة الأولى التي هددت سلامة الوطن والإنسان في لبنان، مسؤولاً مميزاً في الصف الرهباني. قدّرنا تلقائياً في شخصية الإمام، أنا وسواي، من أصحاب الفكر وبخاصة المعروفين منهم باختراق الحدود، لبنانياً وعالمياً، التفكير الصحيح والكلام الصريح البالغ الشفافية عن الله والاخوّة المنفتحة الشاملة للإنسان وكل إنسان. وكان رجل الدين، الذي أراح بالنا من أي موقف قد يكون غير منفتح، يضع أمامنا قوة الله الخالق وعمله الإبداعي في الكون فترى معه صورة الله معكوسة في جمال الطبيعة وأمانتها لنظام ربها وخالقها.

وبذات الوقت كان الإمام ينتقل بتسلسل منطقي ومفروض من صورة الله الخالق والمنظم لهذا الكون العجيب إلى الإنسان وإبداع الله للإنسان.

وكان الاستنتاج المفروض بأن تنتقل من تقديرك لجمال الله في جمال الطبيعة إلى تقدير إبداع الله في خلق الإنسان أي إنسان، إذا أكرمت الخليقة فأنت تكرم خالقها. وكنا نشعر تماماً بأن الإمام يمجد الله، سبحانه تعالى، من خلال إعجابه بخلق الله وأيضاً بتقديره ما للإنسان من كرامة وكرامة تحترم حقوقه وتصونها كاملة في الحياة.

إن الشباب اللبناني أصبح يرى في شخصية الإمام الصدر صورة بعض الملهمين من أمثال الأنبياء أصحاب الرؤيا لعهد لبناني من نوع آخر. وبمناسبة ذكرى غياب الشيخ موريس الجميل، التي احتفلت بها جماعة من شابات وشباب كسروان في جونيه، وكنت المتكلم إلى جانب السيد الصدر، أكد لي العديد من المشاركين عن مشاعرهم فقالوا بأنه يتحتم على رجل الدين في لبنان ان يكون "لبنانياً، لا بل وعالمياً، قبل أن يكون مسلماً أو مسيحياً".

وبنظري، كما في رأي عارفي الإمام الصدر، لم تكن قناعتنا بشخصه مرتكزة فقط على أقواله أو ما يقال فيه وعنه، وإنما على أصالته الشخصية التي كانت تظهر عليه وهو يعيش ما يقول ويقول ما يعيش في الباطن والعلن. وإذا فرض على لبنان غياب الإمام، فإن شهادة حياته لا شك خالدة.

2 - وعندما ندخل في عمق العلاقة مع الرب فنحن نتبين الله الخالق، على غرار الإمام الغائب، في الكون المنظور العجيب التناغم، وفي أخينا  الإنسان وكل إنسان. ومن ثم فإننا نستوحي كلام السيد المسيح وتعليم كنيسته عن الإنسان وحقوقه الأساسية في الشأن الحياتي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، على قدم المساواة بين الأفراد وتجمعات الأسرة البشرية، على أية رقعة وجدوا من بقاع الأرض، وننطلق من قاعدة عامة طبعت الجماعة المسيحية منذ بدايتها.

علم السيد المسيح بأن قريبك هو أمسهم حاجة إليك ولو كان "عدوك أو سامرياً" (لوقا 10/25 - 37).

إن كنيسة السيد المسيح رافقت حاجة الجماعة المسيحية منذ نشأتها دون إهمال أي صاحب حاجة (اعمال الرسل 4/22 - 25).

وعبر الأجيال توقفت الكنيسة، خاصة بلسان الأحبار الأعظمين، على حاجة البشرية جمعاء، وفق تطور الأحوال والظروف الزمنية، الإقليمية والعالمية.

- إن التطور الاقتصادي والاجتماعي، عبر الجيل التاسع عشر، خلق تفاوتاً صارخاً بين أرباب العمل والعمال. نشأ عن هذا التفاوت تيار فكري مساند للعمال وللظلم الاقتصادي والاجتماعي المسيطر عليهم.

إن الثورة الصناعية حولت المجتمع الزراعي المرتاح في "محيطه الريفي"، إلى "تجمع بشري وعمالي تراكمي، في جوار المصانع". ان التنافس في الإنتاج بين المصانع، بناء لقاعدة العرض والطلب، كان له أثره المباشر في تخفيض أجور العمال على حساب الإفادة من إنتاجهم. إن العديد من أرباب العمل كانوا يدفعون أجوراً زهيدة جداً، سميت "أجر الجوع" (le salaire de la famine) حتى قيل: "ان يعيش العامل يعني فقط لا يموت من الجوع".

إن مأساة اليد العاملة أخذت حجماً جماعياً فتوحدت القاعدة العمالية في إنكلترا ثم في فرنسا وألمانيا وسائر بلدان أوروبا الغربية. وظهر سنة 1848 "بيان الحزب الشيوعي" الذي وضعه ماركس وانكلز
مع دعوة عمّال العالم إلى الاتحاد والتضامن فيما بينهم، حسب ندائه الشهير: "يا عمال العالم اتحدوا".

3 - إن الكنيسة تنبهت لهذه الحركة العمالية، وهي عادلة في جذورها، ولكنها تهدد تقويض المجتمع إذا استمر إغفال الرأسمالية عن المطاليب المحقة وتُرك المجال لسيطرة المبادئ التي أطلقها ماركس القائلة بالنتيجة بإلغاء الرأسمالية واستبدالها بالماركسية انطلاقاً من "الصراع والتحاذف المتبادل" بين طبقات المجتمع.

إن البابا بيوس التاسع تدخل برسائله التوجيهية خلال السنوات 1846 و1849 وبخاصة 1864 محذراً من خطر الصراع والعنف والدخول في مجهول الثورة إذا لم يتحسس أرباب رأس المال حاجة أخوتهم العمال.(1)

إن نداء البابا لاوون الثالث عشر في رسالته خلال سنة 1878 وهي الأولى لحبريته، تميز أيضاً بالجرأة المحفوظة لرسالته الأخرى والأساسية الصادرة عنه بتاريخ الخامس عشر من أيار 1891، تحت هذا العنوان الواضح جداً، "في الشؤون الحديثة أو "Rerum Novarum".

إن هذه الرسالة العامة في "قضية العمال" أصبحت الدستور الأساسي لنشاط ورسالة الكنيسة على الصعيد الاجتماعي من جملة نواحيه الاقتصادية والثقافية والحضارية والعائلية بما فيه كرامة الشخص البشري والحرية الشخصية والدينية ودور المسيحيين في قلب نظام اجتماعي سليم وعادل تتعهد الدولة حمايته.(2)

إن الأحبار الأعظمين اعتبروا هذه الرسالة الحبرية الأولى بمثابة دستور أساسي للقضية الاجتماعية مع حرصهم على مواصلة التأقلم في الشأن الاجتماعي والاقتصادي والتوجيه المتلائم والظروف الدولية، خاصة بعد الحرب العالمية الأولى.

إن البابا بيوس الحادي عشر في ذكرى الأربعين لرسالة "الشؤون الحديثة سنة 1931 أصدر رسالة عامة بعنوان "أربعون سنة" (Quadragesimo anno) وفيها تركيز خاص على الأزمة والأحوال الاقتصادية والاجتماعية العاصفة في السنوات الثلاثين بالمجتمع البشري والأوروبي والمهددة بحرب عالمية أخرى.

إن البابا بيوس الثاني عشر اكتفى سنة 1941 برسالة إذاعية في ذكرى السنة الخمسين "للشؤون الحديثة" وبقيت هذه الرسالة، على أهميتها في شأن الصراع الدولي وحرب الجميع ضد الجميع وهدم كرامة الإنسان والشخص البشري، دون إمكانية الانتشار الجدير بمضمونها. وتمر عشرون سنة فنعود ونلتقي سنة 1961، أي في ذكرى السبعين للشؤون الحديثة، مع بابا الشعوب وصديق الشرق والغرب، يوحنا الثالث والعشرين، الذي صافحت ابنة خروشيف يد والدها الفلاح بيده، هو ربيب عائلة مزارعين قريين، يحدث العالم برسالته الحبرية أم ومعلمة (Mater et Magistra) حول "التطورات الحديثة للقضية الاجتماعية على نور العقيدة المسيحية".

وعندما نذكر البابا يوحنا الثالث والعشرين، الذي شرع، من خلال الفاتيكاني الثاني، أبواب الكنيسة على مصراعيها ليدخل الى رحابها كل مؤمن بالله وبالإنسان، نتوقف على رسالته العامة الأخرى والشهيرة جداً بعنوانها "السلام في الأرض بين الأمم كلها، ولا سلام غير مرتكز على دعائم الحقيقة والعدالة والمحبة والحرية" (3)

4 - إن بولس السادس الذي رسخ الفاتيكاني الثاني في أعماق جذوره العالمية، راعوياً ولاهوتياً اجتماعياً، احتفل بذكرى الثمانين عاماً (1971) لرسالة الشؤون الحديثة، دون أن يهتم البتة بما تعرض له من اتهامات باتجاه الشيوعية بخاصة في رسالته السابقة تاريخ 26 آذار 1967 بموضوع "ترقي الشعوب" (Populorum progressio) وقد جاء في بعض خلاصتها:

"نتوجه إلى جميع الناس ذوي الإرادة الطيبة المدركين ان درب السلام يمر بالترقي... أيها المربون، إياكم يعني أن توقظوا منذ الطفولة في القلوب حب الشعوب الحاضرة. أيها الصحفيون، عليكم أن تضعوا مضرب أعيننا المَجَاهدَ المبذولة تنشيطاً لتعاون الشعوب، ومشاهد البؤس التي يحاول الناس تناسيها تخدّراً لضمائرهم: ليعلم الأغنياء على الأقل أن الفقراء على أبوابهم يرصدون فضلات ولائمهم"(عدد 83)

5 - إنه حفظ للحبر الأعظم المالك سعيداً، يوحنا بولس الثاني، البابا والرسول العالمي المتجول، أن يحتفل في الذكرى التسعين (1981) لرسالة الشؤون الحديثة برسالته العامة "العمل البشري" Humanus Labor وأيضاً في الذكرى المئوية الأولى كانت رسالته "السنة المئة" (1991) وهي موجهة للمسيحيين وكل ذوي النوايا الصالحة. وحول موضوع العنف والسلام علم الباب قيماً تتعلق بأوروبا والعالم. فقال ما معناه: لا شك أن الأسلحة في القارة الأوروبية تلازم الصمت منذ 1945. ولكن علينا أن نتذكر أن السلام لن يكون يوماً نتيجة انتصار عسكري، بل يفترض استئصال دواعي الحرب (وتحقيق) المصالحة الصادقة بين الشعوب". ويواصل الحبر الأعظم فيقول: "ولكن في المقابل، ومدة طويلة، سادت أوروبا والعالم" حالة لا حرب (و) حالة لا سلام راهن".

إن نصف هذه القارة وقع تحت حكم الديكتاتورية الشيوعية، بينما الشطر الآخر بات يتأهب لمواجهة هذا الخطر. ثمة شعوب كثيرة فقدت قدرة التصرف بمصيرها، محتجزة ضمن حدود هيمنة ضاغطة، ومعرّضة لانتهاب ذاكرتها التاريخية واستئصال جذور حضارتها العريقة. قبل هذا الفرز العنيف يلجأ الملايين من الناس الى هجر أرضهم والنزوح قسراً عن موطنهم" (السنة المئة، عدد 18).

وفي مكان آخر، يعترف الحبر الأعظم بدور "منظمة الأمم المتحدة" فيقول:

"لا بد من التذكير... بما انتشر، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفي شبه انتفاضة على أهوالها، من تحسس أعمق لحقوق الإنسان كرسته وثائق دولية (4)، نال شبه اعتراف عبر الصيغة الجديدة "لحق الشعوب" الذي لم يتخلف الكرسي الرسولي عن المساهمة فيه. هذا التطور كان محوره منظمة الأمم المتحدة، ولم يتحقق فقط على صعيد وعي حقوق الفرد، بل حقوق الشعوب أيضاً، يواكبه ادراك أعمق لضرورة العمل على معالجة الاختلالات الفادحة بين مختلف البقع الجغرافية في العالم وما نجم عنها، نوعاً ما، من انتقال نقطة الثقل في القضية الاجتماعية من إطارها القومي الى مستواها الدولي (5).

ويضيف البابا هذه الملاحظة:

"هذا التطور الذي نلحظه باغتباط لا يُلهينا عن أن الرصيد العام لمختلف سياسات الدعم الإنمائي لا يفي دائماً بالغرض المطلوب. هذا، عدا عن أن الأمم المتحدة لم تفلح، حتى الآن، في إحلال طرق ناجعة محل الحرب، لحل النزاعات الدولية وتلك - على ما يبدو - هي المعضلة الألح التي يجب على الأسرة الدولية أن تلقى لها حلاً (السنة المئة، عدد 21).

6 - إن هذا الاستكشاف السريع لمهمة الكنيسة في مرافقتها لقضية الانسان والمجتمع تضعنا في مناخ مؤسسة عالمية عبر الحدود تخترق كل الحواجز الجغرافية والأيديولوجية فتطال لا الإنسان المسيحي وحسب وإنما كل إنسان. إن التوقف على مضمون رسائل الأحبار الأعظمين العامة، ابتداءً من رسالة "الشؤون الحديثة" (1891) لغاية رسالة "السنة المئة" (1991) إنما يضعنا فوراً في صميم الفكر المسيحي الذي يتجاوز تلقائياً، وبحكم دعوته العالمية، ظروف الإنسان في الزمان والمكان ليخاطب الإنسان وكل إنسان حيثما وجد.

التطور العالمي توصلا الى ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان

7 - إن أي تجمع دولي حاول، على غرار الكنيسة، الكلام الى العالم بخصوص قضية الإنسان وسلامة حقوقه الأساسية اقتضى له تأهيب طويل من المآسي وويلات الحروب حتى كان النزاع عالمياً، على دفعتين. فحان الوقت، آنذاك، للمواثيق الدولية الهادفة الى إنقاذ السلام وصون حقوق الإنسان الأساسية.

إن تاريخ البشرية أثبت بأن الألم هو طريق العودة الى الصواب. وإذا اجتاح الألم جماعة في إطار جغرافي متجاور مع التهديد بسوء مصير حياتي مشترك، فالعودة الى الصواب تكون بمستوى تفكير العقلاء وأصحاب الرأي الحكيم، وذلك لا باستمرار التحدي في إبادة الآخر وحسب وإنما بإرساء القواعد التي تبدو مفيدة من أجل إبعاد التصادم، أو بالأفضل أسباب التصادم. إن الثورة الفرنسية نشأ عنها إعلان حقوق الإنسان والمواطن (1789) تحت الشعر المثلث: "حرية، مساواة، أخوة".

إن إعلان هذه الحقوق كان له أثره في تسليط الأضواء على البحث في حرية الأفراد والجماعات وتحديد مواضيعها، من حيث النصوص وكيفية حماية ممارستها، انطلاقاً من القانون الأساسي، أو الدستور الخاص بكل بلد وأمة (6).

وساد التمييز بين حقوق المواطن التي يحميها الدستور والقانون الوضعي، وحقوق الإنسان التي اعتبرت، مرتبطة بعلاقاته ومصالحه عبر الحدود، بانتظار تشريع من نوع آخر على مستوى القانون الدولي الخاص أو القانون الدولي العام بالنظر للعلاقات الدولية.

إن الثورة الفرنسية، التي أرسلت الى المقصلة لا أرباب المتهمين باغتيال "مصالح الجماهير" وحسب وإنما عادت وتحدت بعض رجال الثورة أنفسهم. إن الثورة أصبحت "تبلع الثورة". ولم يكن إعلان حقوق الإنسان المدنية التي دخلت في صلب الدستور الأول للجمهورية سنة 1791، التي تحولت الى امبراطورية، قادراً على تحقيق المساواة والأخوة وبقيت ممارسة الحريات خاضعة لفروقات الملكية والطاقة المالية والمركز الاجتماعي. "ان الثورة لم تقض على أسباب ودوافع الثورة".

8 - وإذا انتقلنا على صعيد الدول ومآسيها التصادمية نلاحظ بأن الحلول الناتجة عن انتصار فريق على آخر إنما كانت تبقى محصورة بين فريقي أو فرقاء النزاع، بما أمكن من التسويات المتبادلة. وعندما تجاوز النزاع المسلح أكثر من فريق، لا بل واشتعلت دول أوروبا بمناسبة الحرب العالمية الأولى دون أن تتمكن الولايات المتحدة من المحافظة على حيادها على قاعدة: "أميركا للأميركيين"، تبين للمتحاربين أنه لا بد من الاتفاق على مرجعية دولية تتعهد رعاية السلام بين الدول. فكانت المؤسسة الدولية المعروفة بهيئة الأمم (Société des Nations). إن هذه الهيئة قيل فيها بأنها لم تكن مزودة بقوة عسكرية رادعة من أجل التدخل المفيد وإبعاد النزاع المسلح وهكذا كانت الحرب العالمية الثانية.

إن هذه الحرب التي سيطر عليها تدريجياً "حرب الجميع ضد الجميع" انتهت بكارثة هيروشيما وحلول خطر إبادة البشرية، من على سطح المعمور. ومن أجل هذه الإبادة، كان يكفي للإنسان، الفرد الواحد، الواضع إصبعه على زناد المحرك لاشتعال الحرب النووية على اختلاف فعالياتها، لكي يسود ذعر البقاء، شرقاً وغرباً، والله هو العليم بما قد تخلفه الحرب النووية الطاحنة من أمل البقاء على الحياة المرشحة للاستمرار، على صعيد الجماعات والأفراد على السواء.

9 - إن الحرارة التي سبقت ورافقت عطش الدول العظمى إلى الاستقرار والسلام دفعت ببعض الدول إلى تعبيد الطريق بهدف إعادة تنظيم "جمعية الأمم" وخلق مؤسسة عالمية ترعى السلام بين الدول، دون ما تفرقة بين كبيرها وصغيرها، متمتعة باستقلالها الذاتي أو بحاجة إلى هيئة وصاية من أجل تحقيق استقلاليتها. وفي غمرة هذه الانشغالات الدولية، وقد انقشع فجر السلام العالمي، تعززت النداءات الصادرة عن الرئيس روزفلت بتاريخ 26 كانون الثاني 1941 وتم ما سمي بميثاق الاطلنتيك بين روزفلت وتشرشل بتاريخ 14 آب 1941. إن مضمون هذا الميثاق تبنته الأمم المتحدة بتاريخ الأول من كانون الثاني 1942. واقترنت هذه المراحل التمهيدية بإقدام الحلقة الدولية المجتمعة خلال شهر تشرين الأول 1944 في دمبارتون أواكس (Dumbarton Oaks) على إعداد تنظيم دولي جديد يعمّد بلقب "ميثاق الأمم المتحدة".

إن اجتماع نيسان 1945 في سان فرنسيسكو بين الدول الأربعة العظمى (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفياتي، فرنسا وانكلترا) مهد الى الاتفاق النهائي على نصوص هذا الميثاق الدولي في السادس والعشرين من حزيران 1945 في سان فرنسيسكو إحدى وخمسين دولة. والبرلمان اللبناني صدق هذا الميثاق ونشره رئيس الجمهورية بتاريخ تصديقه في 25 أيلول 1945، وكان لبنان صدق ميثاق جامعة الدول العربية الموقع في القاهرة بتاريخ 22 آذار 1945.

ونشره رئيس الجمهورية بتاريخ التاسع من نيسان 1945.

10 - إن ميثاق الأمم المتحدة أكد بصورة صارخة مقاصد الأمم المتحدة في إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي، في خلال جيل واحد، جلبت على الإنسان مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف. فأكدت الأمم المتحدة إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء وللأمم، كبيرها وصغيرها، من حقوق متساوية، يعبّر عنها في احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً دون أي تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.

يكفي الاطلاع بأن ميثاق الأمم المتحدة حرص على احترام استقلالية أعضاء الأسرة الدولية وسيادتها ضمن الحدود المعترف بها دولياً، وكذلك العمل، من خلال هيئة وصاية دولية، على تأمين استقلال ناجز للبلدان التي، لسبب أو لآخر، لا تزال محرومة منه.

وعلى صعيد الأمن الدولي إن مهمة مجلس الأمن معروفة ولها علاقتها المباشرة في صون السلام. والمجلس الاقتصادي والاجتماعي مدعو ليلعب دوراً أساسياً في تحقيق أهداف الأسرة الدولية في أمور الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتعليم والصحة مع عرض توصياته "بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها"، وقد تواردت التوصية في صميم الميثاق الدولي بإعداد دستور/خاص بإعلان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

إن الوثيقة الدولية المنتظرة والمعتبرة الركن لميثاق الأمم المتحدة تم إعلانها من الجمعية العمومية للأمم المتحدة تحت شعار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في قصر شايو في باريس، العاشر من كانون الأول 1948، وقد تولى صياغتها الأخيرة والناجزة كل من لبنان بواسطة مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة السفير شارل مالك، وفرنسا بواسطة الأستاذ رينه كاسان René Cassin، الحائز على جائزة نوبل للسلام والولايات المتحدة بواسطة اليونور روزفلت.

11 - إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أثار اهتماماً عالمياً من التجاوب والترحيب بقواعده الموزعة على ثلاثين مادة كأنها خشبة الخلاص الناجزة للأفراد والجماعات بفضل دعم الأسرة الدولية. وتبين للأسرة الدولية بأن هذه الآمال تبقى مجرد تمنيات إذا لم تقترن بمواثيق فرعية تلتزم بها الدول من خلال "صميم تشريعها". وهكذا كان، حيث تم خلال سنة 1966 تحقيق وثيقتين متكاملتين أقرتهما الجمعية العمومية تحت عنوان "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" وأيضاً "العهد الدولية الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" مع ملحق بهذا العهد الأخير تحت عنوان "البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (7)

إنه يعنينا بدرجة أولى في المقارنة بين كل من عهد "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" وعهد "الحقوق المدنية والسياسية"... "لا بد أن نتوافق مع نتائج الحلقة الدولية لحقوق الإنسان، التي دعت إليها الجمعية العمومية في طهران (من 22 نيسان إلى 13 أيار 1968) من أجل البحث في موضوع الركائز الاقتصادية لحقوق الإنسان (8).

إن هذه الحلقة تبنت الخلاصة السابعة عشرة وموضوعها "التنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان"، والتي تؤكد النتائج التالية:

- لا معنى للحقوق السياسية والمدنية إذا بقيت مجردة عن التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية مع التركيز على العلاقة المتلاصقة بين التمتع بحقوق الإنسان الأساسية والتنمية الاقتصادية،

- وأيضاً نظراً لوجود القسم الأكبر من البشرية في حالات العوز والسّأم والمرض والجهل وهي منساقة الى العيش في حالة منحطة متنافية مع الكرامة الإنسانية،

- وبسبب هذا القلق الناتج عن الفروقات التصاعدية بين مستوى حياة الشعوب النامية والشعوب في طور التنمية أو المتخلفة عن أي سلوك معتبر بهدف التنمية،

وبالتالي إن الإفادة من حقوق الإنسان الأساسية تبقى في مستوى التمنيات (Vertueux idéal) إذا لم تتوصل الأسرة الدولية الى ردم أو ترميم معتبر بين فروقات الدول النامية والأخرى في طريق النمو.

وكان من جملة المقاصد التي توجت ختام حلقة طهران:

- إن الفروقات التصاعدية بين الدول النامية والأخرى المتخلفة هي عائق في تحقيق الاحترام الفعلي لحقوق الإنسان في صميم الأسرة الدولية.

- إن حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي متجانسة ومتداخلة دون أي انفصال. ومن ثم فإن التمتع الكافي بالحقوق المدنية أو السياسية يبقى مستحيلاً دون توفير التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن التقدم الملحوظ في تطبيق حقوق الإنسان يفترض سلوك سياسة وطنية ودولية، علمية وفاعلة، لمصلحة التنمية الاقتصادية والاجتماعية (9).

12 - الفكر المسيحي مباشرة في صميم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

إن الانتقال مجدداً إلى رحاب الفكر المسيحي يضعنا في صميم مواثيق الفاتيكاني الثاني بمواجهة واضحة بين الكنيسة وعالم اليوم. أنه ورد في مقدمة الدستور الراعوي "الكنيسة في عالم اليوم" الذي أثبته آباء المجمع برئاسة البابا بولس السادس، بتاريخ السابع من كانون الأول 1965، تحت عنوان "تضامن وثيق بين الكنيسة والعائلة البشرية بأسرها" حرفياً ما يلي:

"إن آمال البشر وأفراحهم، في زمننا هذا، إن أحزانهم وضيقاتهم لاسيما الفقراء منهم والمعذبين جميعاً، هي أفراح تلاميذ المسيح وآمالهم، هي أحزانهم وضيقاتهم. وهل من شيء إنساني حق إلا وله صداه في قلوبهم؟ فجماعتهم تتألف من بشر يجمعهم المسيح ويقودهم الروح القدس في مسيرتهم نحو ملكوت الآب. إنهم يحملون رسالة خلاص عليهم أن يعرضوها على الجميع. ولذلك تعترف جماعة المسيحيين بتضامنها الحق والوثيق مع الجنس البشري وتاريخه" (عدد1).

إن الكنيسة "الأم والمعلمة" تتجه، بأشخاص القادرين من أبنائها، نحو المستضعفين والفقراء والمساجين والمصابين بشتى الأمراض المستعصية شأن صنيع الأم الراحلة تريزا "ده كالكوتا" التي انترعت إعجاب العالم وبخاصة الهند، التي رفعتها الى مقام "بطل قومي". فاتجاه الكنيسة نحو فئات المعوزين ومنهم ربما المساجين المسلوبة حريتهم بدافع الغنى والثروات والمقامات الاجتماعية، والمدعوين الى التعالي فوق الأنا والخصوصيات، إنما يحثهم على أن يتحلوا بروح الخدمة وتعزيز كرامة الشخص البشري حتى يتجه الإنسان بملء حريته نحو الخير. والدستور الراعوي حدد قواعد الحرية الصحيحة فقال:

"هذه الحرية... يعتبرها معاصرونا اعتباراً عظيماً ويبحثون عنها وهم في ذلك على حق. ولكن غالباً ما يعززونها بطريقة منحرفة إذ يعتقدون أنها استباحة لكل شيء يجلب السرور حتى وإن كان شراً.

"إن كرامة الإنسان تتطلب منه أن يتصرف استناداً الى اختبار حر وواع مدفوعاً باقتناع شخصي يحدد موقفه، لا تحت الدوافع الغريزية أو الضغط الخارجي. ويحصل الإنسان على هذه الكرامة عندما يتخلص من عبودية الأهواء، إذ يختار الخير حراً، فيسير نحو مصيره ويسعى حثيثاً مرتكزاً على مهارته، ليؤمن فعلاً الوسائل لتحقيقه" (دستور راعوي عدد 17، عظمة الحرية).

إن هذه الحرية تدعو كل إنسان ابتداء من الإنسان المسيحي، لكي يحقق في شخصه مواصفات الشخص البشري، التي لم يحددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إن الكنيسة حددتها في الدستور الراعوي حيث ورد: "... الإنسان هو الذي يجب أن يخلّص والجماعة البشرية هي التي يجب أن تجدّد. ولذلك فالإنسان الذي سيكون محور عرضنا هذا، هو الإنسان الواحد والكل، النفس والجسم، القلب والوجدان، الفكر والإرادة". (العدد 3).

وكيف يتفاعل هذا الإنسان التعددي الأركان والمواصفات، مع ذاته ومع الغير انطلاقاً من شخصيته وهي عطية من الله؟

إن الجواب ورد في تعليم الفاتيكاني الثاني: "الواجب يفرض على كل إنسان المحافظة على شخصيته بتمامها حيث تسود القيم من ذكاء وإرادة وضمير وأخوة، تلك القيم التي تجد أساسها في الله الخالق، قيم تعافت بالمسيح وبه تسامت بطريقة عجيبة" (دستور راعوي عدد 61 رقم 1).

إن التفتح على الأخوة الشاملة من قبل كل إنسان تجاه الإنسان الآخر، دون ما تفرقة بين "الجنس واللون والعرق والوضع الاجتماعي أو اللغة، أو الدين" إنما هو واجب متبادل بين جميع الناس (10).

إن الفوارق من المواهب الطبيعية مدعوة للتفاعل والتكامل، لارتباطها بحقوق الإنسان الأساسية، التي لم "تحترم بعد في كل مكان" وأيضاً بسبب "مساواة البشر في الكرامة (11).

13 - إن آباء المجمع حذروا من نتائج عدم المساواة "الاقتصادية والاجتماعية الجسيمة، بين أعضاء العائلة البشرية الواحدة أو بين شعوبها" لأنها "تثير الشك وتقف عقبة في وجه العدالة الاجتماعية والإنصاف وكرامة الإنسان وفي وجه السلام الاجتماعي والدولي".

وتوقف الآباء على بعض النواحي البناءة لشخصية الإنسان في عالمنا المعاصر فقالوا: "فهناك أشخاص يعلنون أفكاراً سامية تنم عن قيم مثالية ولكنهم يتبعون في الواقع نهج حياة وكأنهم لا يأبهون أبداً للتضامن الاجتماعي". وهناك عدد كبير لا يخافون أن يتخلصوا، بحيل وألاعيب مختلفة، من دفع الضرائب العادلة ومن سائر وجوه الدين الاجتماعي. وهناك آخرون يهملون بعض قواعد الحياة في المجتمع، كالأنظمة التي تهدف الى الحفاظ على الصحة أو الى قيادة السيارات، جاهلين أن بإهمالهم هذا، يعرضون حياتهم وحياة الآخرين للخطر" (عدد 30، رقم 1).

إن خطر وقوع الإنسان مسلوب الحرية بسبب ضعف شخصيته يترصده في أهم شؤونه الحياتية ... يجب التأكيد، مع آباء المجمع، بأن شخصية الانسان تتقوى عندما يقبل المضايقات التي لا مفر منها الناتجة عن التضامن الإنساني ويتعهد بالخدمة في الحياة الاجتماعية آخذاً على عاتقه مقتضيات الجماعة البشرية المتعددة دون تتميز أو تفضيل (العدد 31 الرقمان أو2).

14 - محتوى الدستور الراعوي بعلاقته مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

إن هذا الدستور عالج مشكلة الإنسانية جمعاء من خلال مجموعة تساؤلات أساسية مرتبطة بطبيعة الإنسان، منفرداً ومجتمعاً، ثم من خلال تحقيق دعوته الإنسانية ضمن عائلة، في محيط ثقافي واقتصادي واجتماعي وسياسي. إن طبيعة الجماعة السياسية تضع الكنيسة في صميم العلاقات الدولية، على صعيد المنطقة أو على الصعيد العالمي. إن الكرسي الرسولي هو دائم الحضور بصفة مراقب ومتدخل في أهم المسائل الدولية والإقليمية وهي قيد الدرس، أو في طريقها الى الجمعية العمومية. إن الجمعية العمومية استمعت الى بولس السادس وإلى يوحنا الثاني في ظروف عالمية خاصة. إن الدستور الراعوي "الكنيسة في عالم اليوم" أثبته البابا بولس السادس وآباء المجمع بتاريخ السابع من كانون الأول 1965. إن التوقف على أهم نصوص الوثيقة الفاتيكانية العالمية (الكنيسة في عالم اليوم) يدخلنا مجدداً، بالكثير من التفاصيل، في صلب مواضيع الحقوق الأساسية· نتوقف على موضوع الثقافة التي تصقل شخصية الإنسان من الداخل. حرص المجمع الفاتيكاني الثاني على التوصية توفير دروس عالية للقادرين عليها حتى "يتسلموا الوظائف ويلعبوا دوراً" في الحياة الاجتماعية ويؤدوا خدمات تتفق ومؤهلاتهم أو مع الجدارة التي اكتسبوها (12)

وهكذا يتمكن كل إنسان، وكل فئة اجتماعية من كل شعب، بلوغ الازدهار الثقافي الكامل وفقاً لمواهبهم وتقاليدهم" (ذات المرجع، عدد 60، رقم 2).

وفي مجال الثقافة والتثقيف يجب أن توفر للمزارعين والعمّال أوضاع عمل لا تعيقهم عن تثقيف ذواتهم. وتوقف آباء المجمع على واجب الجميع في أن يعترفوا بضرورة اشتراك النساء اشتراكاً مميزاً في الحياة الثقافية، لكي يلعبن دورهن وفقاً لمؤهلاتهن الخاصة". (ذات المرجع عدد 60 رقم 3).

إن الآباء توقفوا بالأخص على ضرورة تأمين تثقيف الإنسان "تثقيفاً شاملاً، يأخذ بالاعتبار أركان مقومات شخصيته الإنسانية المنتظر أن تنعم بكامل التفتح والأخوة والاستقلالية مع الذات ومع الغير، ودون إهمال النشاط الفني على أنواعه ولغاية الحرص في العالم المعاصر على "التمارين الجسدية والأعمال الرياضية التي تساعد على حفظ توازن نفسي جيد، فردي وجماعي، ولقيام علاقات أخوية بين البشر مهما تباينت أوضاعهم وأممهم وأجناسهم" (عدد 61، رقم 2).

الحياة الاقتصادية والاجتماعية

إن الأحبار الأعظمين بدءً من لاوون الثالث عشر (الشؤون الحديثة 1891) لغاية يوحنا بولس الثاني في رسالته "السنة المئة" (1991) كانوا أبداً في مقدمة المطالبين بتأمين خيور الأرض لجميع أهل الأرض.

إن النصوص تبقى جامدة تجاه حيوية الأحبار الأعظمين، بعلاقتهم العالمية والمباشرة مع المشكلة الآنية والعالمية: مشكلة السلام العالمي أو الإقليمي، مشكلة انتهاك حقوق الإنسان، ابتداء من رفض تشريع "الطلاق المدني مثلاً (بولس السادس بالنسبة لإيطاليا) أو الإجهاض الوقائي أو الصحي الذي قال فيه يوحنا بولس الثاني بأنه جريمة "القتل عمداً" بالتعدي على مدخل أساسي لحقوق إنسان عاجز عن الدفاع عن النفس".

الباب في ضيافة "الأمم المتحدة"

15- وكان البابا بولس السادس أطلق بتاريخ الخامس من كانون الأول 1964 نداءً عالمياً من أجل السلام بمناسبة زيارته الحبرية الى بومباي "Bombay" وتمنى على الأمم المتحدة أن تتبنى ما ورد فيه من اقتراحات جديرة بالاعتبار. إن الأمين العام للأمم المتحدة السيد "تانت Thant" كتب إلى قداسة البابا بتاريخ عشرين كانون الثاني 1965 معبراً عن تقديره لندائه المخلص جداً لخير السلام، مبدياً استعداده الى دعوة قداسته، باسم الأمم المتحدة، لكي يخاطب الجمعية العمومية في دورتها الرسمية بشأن السلام وأي شأن عالمي آخر.

وفي اليوم الرابع من كانون الأول 1965 كانت الساعة الثامنة والربع (حسب التوقيت الأوروبي) عندما دخل البابا بولس السادس قاعة الأمم المتحدة الكبرى، يرافقه الأمين العام، السيد تانت (Thant) ورئيس الجمعية آنذاك السيد فانفاني (Amintore Fanfani). وبعد تمنيات الاستقبال الحارة، التي لفظها فانفاني بالفرنسية "وتانت" بالإنكليزية، خاطب البابا الأمم المتحدة الحاضرة في القاعة بممثليها قاطبة، باستثناء ممثلي البانيا، وبالفرنسية التي يجيدها شأن سواها من اللغات الغربية.

كانت المناسبة الخاصة بالاحتفال بذكرى مرور العشرين عاماً على خلق هذه "المؤسسة العالمية من أجل السلام والتعاون بين شعوب الأرض كلها".

وأكد البابا شكره للأمين العام ولرئيس الجمعية العمومية ولكل ممثل لبلاده، ناقلاً لهم جميعاً تحيات آباء الفاتيكاني الثاني وهو في حالة انعقاد، يمثلهم أصحاب النيافة الكرادلة من مرافقي قداسته. خاطب البابا الأمم المتحدة بالكثير من البساطة، من "أخ الى أخوته"... لا بل ومن أخ لا يمثل إلا دولة وضيعة تكفيه لممارسة رسالته الروحية والكونية بحرية، ويعرف كل أصحاب الشأن من الذين تربطهم أية علاقة مع البابا بأنه حر ومستقل تماماً عن أي سلطان في هذا العالم.

إن البابا لا يطمع إلا بتقديم ما لديه من خدمات، بناء لاختصاصه بتجرد وتواضع ومحبة (avec désintéressement, humilité et amour). إن هذا الاقتراح قد يبدو "دون أي بالغ أهمية حيال مستوى المشاكل الدولية المعروضة على وجدان الأمم المتحدة".

إن البابا انتقل للحال الى "الأهمية الكبرى" المعلقة على رسالته، كحبر روماني تجاه البشرية جمعاء، وبخاصة لا كاثوليك العالم وحسب وإنما كل الأخوة المسيحيين، ولهم ممثلون في المجمع المسكوني، حيث طلبوا بأجمعهم الى الحبر الأعظم ليخاطب الأمم المتحدة عنهم وباسمهم.

وفي هذه اللحظة التاريخية أصبح انتباه الأمم المتحدة معلقاً على المفاجأة التي أهب لها البابا، الذي قال ما معناه (13).

"إن رسالتنا إليكم، بوصفنا خبير "القضية البشرية" وممثلاً لأقرب سلسلة خلفائنا في الحبرية وللجسم الأسقفي الكاثوليكي في العالم إنما تعني تثبيتاً معنوياً وعلنياً لهذه المؤسسة التي تمثل الطريق "الإلزامية للمدنية المعاصرة وللسلام العالمي".

وإن كلامنا هذا يعني بأن نتبنى صوت الأموات والأحياء على السواء:

- صوت الأموات الذين كانوا ضحية الحروب البشعة وهم يحلمون في تحقيق الاستقرار والسلام،

- وصوت الأحياء الذين نجوا من الموت وهم يتنكرون في وجدانهم للجهات التي تحاول تجديد اشعال الحروب.

- وهناك أيضاً أحياء آخرون الذين يمثلون الشبيبة العالمية الناشئة والواثقة بأنها ملتقية وبحق مع "إنسانية متجددة".

وتكلم البابا باسم "الفقراء والمعدومين والبؤساء والذين يتوقون الى العدل والى العيش الكريم بكرامة وحرية والى التطور والطمأنينة والتقدم. إن الشعوب تتجه نحو الأمم المتحدة متخذينها بمثابة الأمل النهائي للاستقرار والسلام..." وطالب البابا أعضاء الأسرة الدولية بضرورة الانسجام والتعاون بهدف مواصلة الإصغاء لمتطلبات العالم الدائمة التطور، وذلك تحت طائلة "انهيار بناء الأمم المتحدة" إذا لا يستقيم "التناغم" أو ما يسمى في زماننا المعاصر، "العيش المشترك" تحت "مظلة الأمم المتحدة". وطالب البابا بإدخال الشعوب الأخرى في الحظيرة الدولية وكان يعني الصين في المقدمة دون أن يسميها.

وأما بناء السلام فانه لا يتحقق فقط بالسياسة الدبلوماسية وبتوازن القوى، وإنما بالتربية والروحانية والأفكار الصحيحة، وكلها هادفة الى تغيير الذهنيات الموروثة والتي من شأنها مواصلة إشعال الفتنة.

ومما قاله البابا بخصوص التسلح:

"Si vous voulez être frères laissez tomber les armes de vos mains" (ibid. col. 1735)

"إذا شئتم أن تكونوا إخوة اتركوا الأسلحة تسقط من أيديكم".

ونعود مع البابا بولس السادس مرة أخرى عندما لبى الدعوة ليلقي خطابه بموضوع نزع التسلح الذي خصصت له دورة خارقة العادة للأمم المتحدة امتدت من الثالث والعشرين من أيار لغاية الثامن والعشرين من حزيران 1978.

إن خطاب البابا قرأه باسمه المونسنيور كازارولي (Casaroli) يوم السادس من حزيران.

رحب البابا مهنئاً بادرة الأمم المتحدة في مواصلة السعي الملح من أجل نزع التسلح أو أقله وضع حد للسباق المتبادل في تأمين المزيد من الوسائل النووية الهدامة والقادرة على إبادة "كل حياة على وجه الأرض" (العدد 4).

فباستثناء حق الدفاع المشروع، الواجب تأمينه بالتعادل ضمن الكرامة ودون إعطاء المجال لأي استغلال من قبل أصحاب النوايا الملتوية، يؤكد البابا على ضرورة استبدال الاستقرار المبني على "توازن التهديد" بالاستقرار المبني على "توازن الثقة" إن مشكلة "نزع السلاح هي بجوهرها مشكلة ثقة متبادلة" (14).

ورحب البابا بمبادرات جديدة وجريئة بهدف خلق نظام دولي من أجل تأمين الثقة المتبادلة بخاصة بين اقطاب ترسانة الأجهزة النووية. وتوقف على مخاطر الأسلحة التقليدية والمنوعة التي تستعمل في تغذية اشتعال الحرب من منطقة إلى اخرى على أرضنا.

وتمنى البابا مجدداً، وهو يذكّر الدول بندائه التاريخي من بومباي (Bombay)، وذلك من أجل قضية ولا أعدل وهي أن تخصص الدول النامية معدلاً مئوياً من إنفاقها على التسلّح في سبيل تنمية الشعوب المتخلفة والتي تقاسي "الجوع والمرض والأمية". واستحلف البابا أعضاء الأمم المتحدة على عدم الانفصال قبل التوصل الى إرساء القواعد الصالحة لحل المشكلة التي بررت هذه الدورة الاستثنائية، خوفاً من فوات الأوان في اليوم الغد:

"Demain il pourrait être trop tard"

16 - إن البابا يوحنا بولس الثاني استلم من سالفه بادرة الكلام المناسب في "قلب الأمم المتحدة". ففي الثاني من تشرين الأول، الألف والتسعمائة والتاسعة والتسعين، تركز حديثه على الحرية "الفائقة التقدير" ولها أساسها في حقوق الإنسان الأساسية، وفقاً للإعلان العالمي الذي رحب ويرحب به "الضمير العالمي" "هناك شريعة أخلاقية طبيعية، متجذرة في قلب الانسان، لمصلحة حرية الأفراد والجماعات في تقرير المصير الشخصي والجماعي".

وتوسع البابا يوحنا بولس الثاني في وصف "الحرية الجماعية" عندما لبى، مرة أخرى دعوة الأمين العام السيد بطرس غالي لكي يتكلم في حلبة الأمم المتحدة في دورة تشرين الأول 1995 والمخصصة للاحتفاء بالعام الخمسيني لتأسيس هيئة الأمم.

إن خطاب البابا، صباح الخامس من تشرين الأول، استعاد فحوى حديثه السابق لدورة سنة 1979 وركز في مجال السعي العام والمشترك للتعبير عن الحرية التي تحققت باسمها الديناميكية الأدبية بطريقة واضحة في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية من خلال الثورات غير العنيفة، أو بالأحرى غير (الدموية) لسنة 1989. إن هذه الثورات غير الدموية "Révolutions non violentes"، التي كانت أمثولة كبرى تجاوزت إطارها الجغرافي، برهنت بأن الحق في تحقيق الحرية هو غير قابل المساومة وأنه ينبثق من كرامة وقيمة الشخص البشري فوق أي اعتبار آخر وهو متلازم مع انتفاضة الدفاع عن الحرية، على غرار ما حققته بنجاح خبرة "التضامن الاجتماعي". إن ميثاق الأمم المتحدة يوحي بتحقيق تطور اجتماعي وإرساء أفضل لظروف حياتية في ظل حرية معززة بالاحترام. إن الدول الواحدة والخمسين التي أقرت هذه المؤسسة الدولية سنة 1945 أضاءت مشعل الحرية الذي يبدد ظلمات الاستبداد وينير الطريق المؤدية الى الحرية والسلام والتضامن".

ولاحظ البابا بأن الإعلان العالمي كان كثير الوضوح لمصلحة حقوق الإنسان. غير أنه ينقص أي اتفاق دولي آخر مماثل، يعالج حقوق الأمم بحد ذاتها. إن هذه القضية طرحت على وجدان البشرية في القديم والحديث. ان البابا بناديكتوس الخامس عشر ذكر العالم خلال الحرب الكونية الأولى بأن "الأمم لا تموت" وطلب أن تدرس بصفاء ذهن حقوق الشعوب وطموحاتها العادلة (خطابه بتاريخ 23 تموز 1915).

إن البابا يوحنا بولس الثاني كان واضحاً وشفافاً على عادته، بكشف الانسجام الواجب أن يسود بين احترام حقوق الأفراد مع حقوق الجماعة، بما فيه من تكامل بين الشخص والجماعة، والتسليم الإلزامي باحترام الفروقات على كل صعيد ثقافي وحضاري وديني، وكلها من المعطيات التي تحترم الحرية وتعزيزها.

إن استيعاب الآخر، الشخص والجماعة، في كل مميزاته الحضارية والدينية، يلتقي مع الحق الأساسي الذي أشاعه الإعلان العالمي في حرية المعتقد وحرية الضمير ووصفهما البابا بأنهما "الركيزتان الجوهريتان وعليهما يقوم بناء الحقوق الإنسانية وأساس كل جماعة حرة معاً" (15).

- يجب تجاوز الخوف واستبداله في بناء مدنية المحبة (الإعداد 16 - 18).

17 - إن هذا العرض البانورامي والأفقي تخلله ولاشك أكثر من دلالة على جماعتنا التعددية في لبنان. إن جماعتنا التعددية في لبنان هي جماعة مؤمنة بالله والحساب والثواب. إن رؤساء الطوائف عندنا يخاطبون رعاياهم باسم الله والدين دون أية شارة البتة، أو أية إشارة تذكر الى الرعايا المنتسبة الى الدين الآخر، لغاية أنه يمكن لأي رئيس دين عندنا أن يقول لرعاياه. "لنا ألهنا ولهم إلههم أو ربهم". وبذات الوقت نعلن بأجمعنا بأن "الله هو واحد". إن المسيحية تعلن، بتواضع، الحقيقة التي استلمتها من الرب المتجسد، الأقنوم الثاني الإلهي، بأن الله الواحد يعكس محبة مجانية على الخلائق المنظورة وغير المنظورة، من فيض ورمز المحبة الإلهية المشتعلة أزلياً وأبداً في سر العلاقة بين الآب والابن والروح القدس.

إن التعددية عندنا، التي توزعنا الى طوائف، لا يجوز أن توزع الألهة وجميعها جديرة بالإكرام. وبسبب إكرامنا لها يجب أن نحترم الذين يحترمونها ويعبدونها. هذا هو أسلوب الغائب الحاضر الإمام موسى الصدر.

إن رؤساء الطوائف المسيحية لا يسمح لهم واجبهم الراعوي إهمال نداء المحبة الى كل المواطنين، مع التركيز على الدور البناء العائد للمسيحيين. وإذا اكتفينا بالتوقف على رسائل البطاركة الموارنة ابتداء من عهد المعوشي لغاية الكردينال والبطريرك صفير، نجد بعض العناوين الكافية للتعبير عن المضمون من أمثال "محبة الوطن" (1959) والقضية الاجتماعية (1962) للبطريرك المعوشي. أو رسالة "أمثولة الأحداث" للبطريرك خريش (1976) أو، له أيضاً، "واجب تثقيف الضمير" (1981).

إن البطريرك الكاردينال صفير، إضافة الى دوره الفاعل مع الآخرين في تأهيب الاحتفال بالسينودس من أجل لبنان، كان صريحاً وعادلاً على عمق من الحكمة، في رسالته الرعوية بعنوان "الكنيسة والسياسة".

18 - وتبقى كلمة الساعة محفوظة لما ورد  في "الإرشاد الرسولي رجاء جديد للبنان"، وهو قيد التداول، من تعليم وتوجيه بموضوع حقوق الإنسان واحترامها في لبنان.

وجميعنا نعرف وعارفون وقادرون فضل أسرة الزوجين مغيزل والأعضاء الآخرين من سادة وسيدات وكلهم فعلة جادون، من خلال جمعية حقوق الإنسان، لغاية خلق لجنة برلمانية وذلك في مواصلة إثارة حماية الحقوق المقررة شرعاً وتطوير ما أمكن تطويره من مضمون الوثائق الدولية.

إن الإرشاد الرسولي أكد أنه "من بين العناصر الأساسية لقيام دولة القانون، تبرز صيانة حقوق الإنسان، أي احترام كل شخص وكل جماعة. لأن الإنسان الذي يحيا، في آن معاً، في دائرة القيم المادية والقيم الروحية، يفوق كل نظام اجتماعي وهو القيمة الأساسية... إن الدولة، لما تتمتع به من صلاحيات ووظائف هي الضامنة الأولى لحريات الشخص البشري وحقوقه". (الأعداد 114 - 116).

"بعد سنين من الآلام وفترة الحرب الطويلة التي عرفها لبنان، يدعى شعبه وسلطاته الحاكمة الى القيام بمبادرات شجاعة ونبوية في سبيل الغفران وتنقية الذاكرة. من المؤكد أنه يجب إبقاء ذكرى ما حدث حية، كي لا يتكرر ذلك أبداً...".

"··· وعلى الحكام، بصفتهم مواطنين يؤدون خدمة عامة، أن يبذلوا جهدهم ليسلكوا مسلكاً مستقيماً يتميز بما يجب من تواضع، لخدمة الاخوة، ليعطوهم مثالاً في الصدق والنزاهة".

ونسجل معاً لقداسة البابا، الذي تعرف على وجوه لبنانية، إسلامية ودرزية ومسيحية، وكان موضوع ترحيب وحماس في صفوفنا، بخاصة من الشبيبة في لبنان، هذه الصرخة الأبوية والرعوية النابعة من القلب المتسع لجميع اللبنانيين، حيث ألح على وجوب احترام حقوق الإنسان "كل احترام"، بهذا الكلام الصريح جداً:

"من أجل أن يسود السلام في لبنان وفي المنطقة ويتمكن الجميع من الإفادة من التقدّم، أحث السلطات وجميع المواطنين اللبنانيين على أن يعملوا بكل قواهم كي تحترم حقوق الإنسان كل الاحترام، وهي العناصر الجوهرية للشرع الطبيعي، السابقة لكل دستور وكل تشريع دولة، وأن تُحترم خاصة في "توزيع العدالة، وفي الضمانات التي تحق شرعاً للمتَّهمين أو المسجونين".

"ومن بين الحقوق الجوهرية، أيضاً الحرية الدينية· فيجب ألا يخضع أحد للإكراه سواء أكان من قبل أفراد، أم من جماعات، أم من سلطات اجتماعية، وإلاّ يلاحق ويُبعد عن الحياة الاجتماعية بسبب آرائه، وإلاّ يمنع من ممارسة حياته الروحية أو عبادته، >بحيث، في أمور الدين، لا يجوز لأحد أن يُكره على عمل يخالف ضميره، ولا يُمنع من العمل، في نطاق المقبول، وفاقاً لضميره، سواء كان عمله في السر أو في العلانية، وسواء كان فردياً أم جماعياً (الفاتيكاني الثاني، البيان في الحرية الدينية، الفقرة 2).

وأخيراً لا آخراً، ذكّرنا البابا في الإرشاد الرسولي:

"... إن صيانة حقوق الإنسان شأن ملح. فالأمر يتعلق بمستقبل أمة، بل مستقبل البشرية جمعاء، لأنّ ما دام كائن بشري يُمتهن في أعمق حقوقه الأساسية كانت البشرية كلها مثخنة بالجراح".

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

دير مار اشعيا - الخامس عشر من أيلول 1998.

___________________________

(1) - رسائل بيوس التاسع "العنوان باللاتينية".

- "الذي بشؤون شتى" "Qui pluribus"، 1846

- أنكم مشمولون معنا" "Nostis nobiscum"، 1849

- "الكثير من العناية" "Quod Apostolici muneris"، 1864

ورسالة لاوون الثالث عشر فيما يختص بمهمتنا الرسولية 1878 "Quod Apostolici muneris"

(2) أهم العناوين البارزة في هذه الرسالة"

الوضع الاجتماعي المأساوي الملكية الخاصة حق طبيعي للانسان وهذا الحق سابق لقيام الدولة: لا تناقض بين الملكية الخاصة ومشاعية الخيرات. الروابط بين الملكية والعمل وأيضاً بين الملكية والحياة العائلية، الأرث ضمانة لمستقبل العائلة - على السلطة المدنية أن تحمي العائلة.

للنظرية الاشتراكية عواقب وخيمة: لا مفر من الفوارق: في الذكاء والمهارة والبراعة والصحة والقوة ... هذه الفروقات نافعة للجميع، مجتمعاً وأفراداً، لأن العيش المشترك يستلزم مقدرة متنوعة على تدبير الأمور ووظائف متعددة. وما يجعل الناس يتقاسمون تلك الوظائف هو بالضبط، ذاك الفرق بين أوضاعهم الخاصة. إذاً: لا لصراع الطبقات - احترام العدالة - الأجر العادل: الكنيسة تعلّم وتعمل:

- دعم الطبقات المحرومة بمؤسسات المحبة

- وتنادي الدولة من أجل:

- تأمين المنفعة العامة، ترسيخ أسس المواطنية المشتركة، حماية الجماعات والأفراد، تطبيق النظام على الجميع فيسود "السلام الاجتماعي. احترام كرامة الإنسان. تحديد شروط العمل. تحديد الأجر العادل - تشجيع الرغبة في التملك.

دور الجمعيات المهنية: حقها في الوجود بعلاقتها مع الدولة - أثرها النافع في المجتمع. عمل أبناء الكنيسة الايجابي، ودعوة الجميع الى العمل: "وليعملوا ما في وسعهم لخلاص الشعوب وليجتهدوا فوق كل شيء، في أن يغذوا في نفوسهم تلك المحبة، التي هي ملكة كل الفضائل وسيدتها، وأن يغرسوها في نفوس الآخرين، عظماء كانوا أو من عامة الشعب" (عدد 44/3).

(3) Lettre Encyclique "Pacem in terries" sur la paix entre toutes les nations, fondée sur la vérité, la justice, la  charité et la liberté

(4) الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، 8491 "السلام بين الأمم" (Pacem in terris) يوحنا الثالث والعشرون 11/4/36، ج 4، أعمال الكرسي الرسولي 55 (1963) ص 291 - 296 - البيان الختامي في المؤتمر الختامي الأمن والتعاون في أوروبا هلنسكي 1975.

(5) "ترقي الشعوب" رسالة عامة للبابا بولس السادس (26/3/1967 عدد 61 - 75، أعمال الكرسي الرسولي 59 (1967) ص 287 - 289).

(6) Fondements historiques et développement des droits de; Ime Szabo in les dimensions  intenationales des droits de lصhomme, p. 16, 17. Constitution française de 1791.

(7) وبتاريخ 1/9/1972، صدق لبنان على كل من العهدين باستثناء البروتوكول الاختياري الذي يعطي الحق لكل مواطن وكل مقيم على أرض الوطن، كان ضحية خرق لحقوقه الشخصية والأساسية ان يلتجئ إلى المرجع الدولي المختص، من أجل انصافه.

(8) les fondements économiques des droits de l'homme résolution(28?)

(9) Les dimensions internationales des droits de l'homme, S.P Marks, in Principes et normes de  droits de l'homme en période d'exception p. 202-203, édition UNESCO.

(10) أن جميع البشر الذين خلقوا على صورة اللَّه وتزينوا بنفس عاقلة ينتمون إلى الطبيعة نفسها ويتحدرون من الأصل ذاته. انهم ينعمون جميعاً بالدعوة ذاتها وبالمصير الالهي ذاته لأن المسيح افتداهم. فيجب إذا أن نعترف دائماً بالمساواة الجوهرية فيما بينهم وبمزيد من التعمق" (دستور راعوي، عدد 29، رقم 1).

(11) من المؤكد أن كل الناس ليسوا بمتساوين بقواهم الجسدية المختلفة، ولا بقواهم العقلية والأدبية المتنوعة. غير أن كل نوع من التمييز يتناول حقوق الانسان الأساسية، اجتماعية كانت أم ثقافية... يجب أن يتعدى ويلغي لأنه منافٍ لتصميم اللَّه. والحق يقال أنه لمن المحزن أن نتأكد أن هذه الحقوق الأساسية، حقوق الإنسان، لم تحترم بعد في كل مكان. أليست هي الحل عندما تحرم المرأة حق اختيار زوجها بملء حريتها، أو تختار طريقة حياتها أو أن تحصل على تربية وثقافة تشبهان التربية والثقافة المعترف بهما للرجل؟ (المرجع ذاته عدد 92، رقم 2).

(12) رسالة يوحنا الثالث والعشرين "السلام في الأرض" أعمال الكرسي الرسولي 55 (163) صفحة 260.

(13) ينقل النص الفرنسي الوارد تحت العدد 1/ص 1732.

(14) Le problème du désarmement est substantiellement un problème de confiance mutuelle (No5).

Notre Message veut être tout d'abord une ratification morale et solennelle de cette institution. Ce message vient de Notre expérience historique.

C'est comme "expert en humanité" que Nous apportons à cette Organisation le suffrage de nos derniers prédécesseurs, celui de tout l'épiscopat catholique et le nôtre, convaincu comme nous le sommes que cette Organisation représente le chemin obligé de la civilisation moderne et de la paix mondiale.

En disant cela, Nous avons conscience de faire nôtre aussi bien la voix des morts que celle des vivants: des morts tombés dans les terribles guerres du passé en rêvant à la concorde et à la paix du monde; des vivants qui y ont survécu et qui condamnent d'avance dans leur cœur ceux qui tenteraient de les renouveler: d'autres vivants encore: les jeunes générations d'aujourd'hui, qui s'avancent confiantes, attendant à bon droit une humanité meilleure.

Nous faisons nôtre aussi la voix des pauvres, des déshérités, des malheureux, de ceux qui aspirent à la justice, à la dignité de vivre, à la liberté, au bien-être et au progrès. Les peuples se tournent vers les nations Unies comme vers l'ultime espoir de la concorde et de la paix: Nous osons apporter ici, avec le nôtre, leur tribut d'honneur et d'espérance.

Et voilà pourquoi pour vous aussi ce moment est grand. (cf. Documentation Catholique Octobre 1965, Col, 1732.)

(15) Dans cette perspective, il nous est possible de reconnaître importance de préserver le droit  fondamental à la liberté de religion et à la liberté de conscience, colonnes essentielles sur lesquelles repose la structure des droits humains et fondement de toute société réellement libre (No 10; Documentation Catholique 1995, N 19; p.920

source