من أهداف الإسلام: حفظ كرامة الإنسان

calendar icon 02 تشرين الأول 1998 الكاتب:عدنان السيد حسين

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثالث: "بحثاً عن حق الإنسان"
(كلمات الجلسة الرابعة)


إذا أردنا تحديد حقوق الإنسان وحرياته الأساسية من خلال مضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) يمكن العثور على مجموعة محددات أساسية، مهّدت لاحقاً لصدور مواثيق دولية فرعية، وتفصيلية. فبعد التأكد على المساواة بين الناس في الكرامة والحقوق، نجد رفض التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي أو الأصل الوطني أو الثروة أو المولد.. ونجد تأكيدات صريحة على حقوق الإنسان في: الحياة، والحرية، والأمان الشخصي وحماية الحياة الشخصية، والتمتع بالشخصية القانونية والجنسية، والمحاكمة العادلة، واللجوء إلى بلد آخر، والملكيّة، والعمل، والتعلّم، والمشاركة في الإدارة والحكم والحياة الثقافية... هذا فضلاً عن حريات أساسية - يمكن اعتبارها جرءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان - كالزواج، والرأي والتعبير والتنقّل والإقامة، والمعتقد، بالإضافة إلى رفض الرق والتعذيب والاعتقال والنفي..

هذه هي أبرز محدّدات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي مهّدت لصدور مواثيق أساسية متعلقة بحقوق الإنسان، كالعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية (1966)، والاتفاقية الدولية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979)، واتفاقية مناهضة التعذيب (1984)، واتفاقية حقوق الطفل (1989)، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (1990)... هذا بالإضافة إلى الصكوك الإقليمية في ميدان حقوق الإنسان، وإنشاء أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، كلجان حقوق الإنسان، ومنع التمييز وحماية الاقليات، ومركز المرأة، وهي تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي..

إذاً، ثمة تراث عالمي على مدى خمسين سنة في حقوق الإنسان بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة التي أشارت في ديباجة ميثاقها وبعض المواد إلى الإيمان بحقوق الشعوب والأمم كبيرها وصغيرها، والى المساواة في الحقوق بين النساء والرجال. ولا شك بأن هذا التراث آخذ بالتعاظم - من الناحية النظرية - بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانقضاء الحرب الباردة. فلم تخلُ تقارير الأمم المتحدة في التسعينات من القرن العشرين من الإشارة إلى حقوق الإنسان، كما قام مركز حقوق الإنسان في مدينة جنيف - التابع للأمم المتحدة - بأنشطة مكثّفة، وأصدر مجموعة مواقف ومنشورات تبرز التطور العالمي لقضية حقوق الإنسان.

بيد أن هذه المسيرة العالمية لحقوق الإنسان اصطدمت بالسياسة الدولية، التي طالما عكست موازين القوى الدولية في كل عصر. فغدا القانون الدولي العام أسير السياسة الدولية، وغير فاعلٍ على اكثر من صعيد. وبدت التطبيقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان مختلفة، وأحياناً متناقضة، بين دولة ودولة، وبين منطقة ومنطقة في العالم. مما قاد إلى طرح فكرة "ازدواجية المعايير" الدولية عند التعامل مع حقوق الإنسان وغيرها من القضايا التي تهم الأمم والشعوب، وتتصل بحياة الإنسان ومستقبله. كيف ذلك؟

لم تعد قضية حقوق الإنسان محصورة في إطار القوانين الوطنية وإنما اتخذت طابعاً قانونياً دولياً عندما جرى التدخل في شؤون بعض الدول بحجة حماية هذه الحقوق· واتخذ هذا التدخل طابع الشرعية الدولية، استناداً إلى قرارات صادرة عن مجلس الأمن وتتعلق بالعراق والصومال والسودان وكوبا وليبيا ورواندا وبوروندي وغيرها من الدول. بيد أن هذا التدخل الذي حصل باسم الأمم المتحدة شابته التباسات كثيرة واجتهادات مختلفة عند فقهاء العلاقات الدولية. فالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن بين آب/أغسطس 1990 ونيسان. ابريل 1991، المتعلقة بالغزو العراقي للكويت، جاءت من دون اعتراض دولة من الدول الدائمة العضوية، فعكست بذلك إرادة الولايات المتحدة بمفردها. وكثيراً ما كانت تأتي هذه القرارات لتضفي الشرعية الدولية على عمل عسكري، أو استعدادٍ لعمل عسكري تنفّذه الإدارة الأميركية. وبعد ثمان سنوات على الحصار الاقتصادي المضروب على العراق، تحت شعار الشرعية الدولية، نسأل: هل حوصر نظام الحكم العراقي أم حوصر الشعب العراقي بعد مقتل نحو مليون طفل، والأضرار البيولوجي بملايين العراقيين، حتى ليمكن القول ان نتيجة حصار العراق فاقت بمخاطرها الإنسانية القنبلة النووية الأميركية على هيروشيما؟

إن نتيجة حصار العراق هي الإبادة الجماعية على رغم احتجاجات منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والصليب الأحمر الدولي، ومنظمة الصحة العالمية.. والإبادة الجماعية هنا منافية للقانون الدولي، وخاصة ميثاق الإبادة الجماعية الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة وبدأ تنفيذه في العام 1951.

وفي الصومال نزل جنود "المارينز" قبل أية تغطية من مجلس الأمن، تحت اسم عملية "إعادة الأمل"، لوقف زحف المجاعة المتفشية هناك. ولما تدخل مجلس الأمن، وشكّل قوات لحفظ السلم في الصومال، انسحب الجيش الأميركي تدريجاً. وتُرك الجنود الباكستانيون يلاقون حتفهم، وسط فشل لدور الأمم المتحدة حيث بقي الانقسام والتناحر سمة الموقف في الصومال.

على صعيد آخر، سبّب خطر التجارة الأميركية المضروب على كوبا زيادة معدل الوفيات، وانتشار الأمراض التي تحملها المياه. حتى أن الجمعية الأميركية للصحة العامة (A A W H) نبّهت في آذار/مارس 1997 إلى خطورة هذا الخطر الذي يُعتبر بمثابة حرب بيولوجية ضد الشعب الكوبي. وهذا ما يتناقض مع البروتوكول الأول الخاص بحماية المدنيين الذي وُضع في العام 1997 ليكون ملحقاً باتفاقيات جنيف 1949.

وفي فلسطين كم من الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، بل إن وجود إسرائيل في حد ذاته هو مخالف للقواعد الدولية. أين أصبح مصير القرارات الدولية المتعلقة بحماية السكان المدنيين الرازحين تحت الاحتلال؟ من يدافع عن الحقوق الإنسانية للمساجين داخل السجون الإسرائيلية طالما أن الإدارة الأميركية تمنع حتى إدانة إسرائيل في مجلس الأمن؟ وكيف إذا كانت الحال إعمال الفصل السابع من الميثاق الأممي لإرغام إسرائيل على تنفيذ القرارات الدولية؟

وأخيراً، وليس أخراً، تضرب الطائرات الحربية الأميركية مصنعاً للأدوية في السودان، بحجة أنه ينتج أسلحة كيماوية· وعندما تطالب الحكومة السودانية بالتحقيق الدولي بالحادث، على أن يشارك الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في هذا التحقيق، لا من يردّ على هذا الطلب.

إن عالم اليوم يعيش في حالة ازدواجية المعايير الدولية، فالقانون مطبّق هنا وغير مطبّق هناك. حتى أن أصوات معارضة للحصار الاقتصادي ارتفعت في الكونغرس الأميركي والبرلمان البريطاني، ونبّهت من مخاطره على العلاقات السلمية بين الدول. ومن قال أن مسيرة حقوق الإنسان تسير بمعيار واحد تحت داخل الغرب؟

ثمة انتهاكات لحقوق الإنسان عند المواطنين السود في الولايات المتحدة. وثمة عنصرية ضد العرب والمسلمين في أواسط غربية، أوروبية وغير أوروبية. وهناك بون شاسع بين القانون الدولي في قواعده وجوهره وبين السياسة الدولية القائمة على سياسة القوة. لنتصور كيف أصبح حال مجلس الأمن بعدما غاب التوازن الدولي غداة انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي، وبعدما تجمّدت عضوية مجلس الأمن على أساس ما تقرر في مؤتمر يالطا (1945). هذا ما يُضفي مسؤوليات جديدة على الأسرة الدولية إذا أرادت تصحيح الخلل في مسار حقوق الإنسان، بل في مسار القانون الدولي العام.

أين نحن من هذه المسؤوليات؟ سؤال ملحّ يؤرّق المخلصين لأوطانهم، وقضايا شعوبهم، نرجو أن يرتقي المسؤولون الرسميون إلى ما يرتّبه من واجبات ووعي ومبادرة.

source