الميثاق العربي لحقوق الإنسان وسبل تفعيله

calendar icon 02 تشرين الأول 1998 الكاتب:إبراهيم العبدالله

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثالث: "بحثاً عن حق الإنسان"
(كلمات الجلسة السادسة)


انني أشعر بالحرج الشديد والأسف البالغ أن أبدأ مداخلتي هذه بالاشارة إلى الحساسية المفرطة التي تتعامل بها السلطات الحاكمة في معظم الدول العربية مع مبادئ ومفاهيم حقوق الإنسان، ليس فقط من الناحية العملية والتطبيقية وإنما أيضاً من الناحية الفكرية والنظرية.

ان هذه الحكومات باكثريتها ان لم يكن جميعها ترتكب العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان أو تغض النظر عن ارتكابها أو أنها لا تقوم بالحماية الكافية لها وتسهيل ممارستها.

واذا كانت انتهاكات حقوق الإنسان من الوجهة العملية أمراً شائعاً في جميع الدول العربية وان بنسب مختلفة من دولة إلى أخرى فان المصادقة على المواثيق والمعاهدات الدولية والانضمام اليها لا يزال متخلفاً، فليس هناك دولة عربية واحدة قد صادقت وبدون تحفظ على جميع هذه المواثيق والمعاهدات وان أكثر من ثلث الدول العربية لم ينضم بعد إلى محور هذا المواثيق الدولية الا وهو الشرعية الدولية لحقوق الإنسان.

وان جامعة الدول العربية التي علق على قيامها المواطنون العرب الآمال العريضة بتحقيق غد أفضل يتمتع فيه الإنسان بالحرية والكرامة كان تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان انعكاساً لمواقف دولها بالنسبة لحقوق الإنسان والمواضيع المشابهة ولهذا السبب وغيره الكثير أخذت الآمال المعلقة عليها بالتراجع والضمور.

ان حكاية جامعة الدول العربية مع حقوق الإنسان هي حكاية تروى نظراً لغرابتها وألغازها وخاصة فيما يتعلق بالولادة القيصرية للميثاق العربي لحقوق الإنسان وما جابهها من عقوبات وصعوبات ومن ثم إلى المصير المجهول الذي انتهى اليه هذا الميثاق رغم تواضعه الجم وقصوره الفاضح.

ومن العودة إلى ميثاق جامعة الدول العربية الذي رافق الاعلان عن ولادتها نجد أن هذا الميثاق لم يتناول موضوع حقوق الإنسان ولو بالاشارة .. وهو أمر مستغرب والتفسير الذي يعطيه البعض لذلك هو ان ميثاق جامعة الدول العربية قد جرت صياغته والاعلان عنه قبل ولادة الأمم المتحدة وصياغة ميثاقها وطبعاً قبل صدور الاعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ان هذا التفسير أو التبريد هو أكثر استغراباً ذلك أن مبادئ حقوق الإنسان ضاربة في أعماق التاريخ وخاصة التاريخ العربي ويكفي الاشارة إلى حلف الفضول الذي انعقد في الجزيرة العربية قبيل الاسلام ثم إلى المبادئ الراقية والسامية التي أتى بها الاسلام والتي تحث بشكل واضح وصريح على عالمية حقوق الإنسان وتدعو إلى احترامها.

كما أن السنين العديدة التي سبقت ولادة جامعة الدول العربية كانت حافلة بالعديد من الثورات والحركات والاعلانات والمعاهدات التي تتناول مواضيع حقوق الإنسان ولا سيما الثورة الفرنسية والدستور الأمريكي وتطور شرعة الحقوق في انجلترا وولادة الصليب الأحمر الدولي والاتفاقيات المتعلقة بتخفيف معاناة الإنسان أثناء الحروب والضمانات التي توفرها للمقاتلين والسكان المدنيين.

ان هذه الثغرة البارزة في ميثاق جامعة الدول العربية لم يجر تداركها حتى اليوم رغم الأصوات العديدة التي ارتفعت مطالبة بتعديل الميثاق وتلافي هذا الخطأ، وقد تم وضع العديد من مشاريع التعديل ولكن لم يقر أي منها وكان أحدها يتضمن بشكل واضح وصريح على ان أحد أهداف جامعة الدول العربية هو احترام حقوق الإنسان التي أعطو حمايتها.

واذا تجاوزنا موضوع ميثاق الجامعة وقصوره وقبلنا على مضض بالتفسيرات فإن مسيرة الجامعة فيما بعد تثير القلق حيث رافق نمو واتساع حركة حقوق الإنسان في العالم المزيد من التهرب والتجاهل من قبل جامعة الدول العربية حتى ان الخطوات التي اضطرت لاتخاذها تحت ضغط الأمم المتحدة والرأي العام العربي جرت محاولات عديدة لمحاصرتها وعرقلتها ولنا في المصير الذي آل اليه الميثاق العربي لحقوق الإنسان رغم تواضعه وكما سنرى خير شاهد وانصع بيان.

ان أول تعاطي للجامعة مع حقوق الإنسان جاءت متأخرة وبدائية كان ذلك في العام 1966 عندما تلقت دعوة من الأمم المتحدة للمشاركة في السنة الدولية لحقوق الإنسان فألفت لجنة خاصة مهمتها التحضير لهذه المشاركة أعقب ذلك في العام 1967 تشكيل لجنة أخرى للتعاون مع اللجنة الأولى.

وهكذا يتبين لنا أن هذا التعاطي كان رد فعل لطلب معين ولم يكن بمبادرة من الجامعة نفسها.

ثم جاءت الخطوة الأهم والأبرز عندما تلقت جامعة الدول العربية من الأمين العام للأمم المتحدة استفساراً حول امكانية انشاء لجنة دائمة لحقوق الإنسان تعمل ضمن الجامعة.

ولقد أجابت الأمانة العامة للجامعة على هذا الطلب بأنها تتشاور مع الدول الأعضاء حول هذا الموضوع مؤكدة على ضرورة ان يمثل أعضاء هذه اللجنة الأعضاء في الجامعة .. هكذا؟ ثم قامت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية باعداد تقرير حول انشاء لجنة عربية دائمة لحقوق الإنسان وعرضته على لجنة الشؤون السياسية التي أوصت مجلس الجامعة بالموافقة عليه.

وبالفعل فقد أقر مجلس الجامعة التوصية بموجب قراره 2443 تاريخ 3/9/196.

وتم تأسيس اللجنة العربية الدائمة لحقوق الانسان التي عقدت اول اجتماعها في شهر آذار /مارس 1969.

تتألف اللجنة من ممثلي الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ويطبق عليها النظام الداخلي للجان الفنية في الجامعة وان مركزها القاهرة وتجتمع بدعوة من الأمين العام وحتى تصبح اجتماعتها قانونية يجب أن يحضر غالبية الدول الأعضاء ويمكن دعوة بعض الهيئات غير الحكومية للحضور كمراقبين.

نظريا تختص هذه اللجنة بكل المسائل التي تتعلق بحقوق الانسان وتدرس التبليغات التي تصلها وتحاول حل المسائل المعروضة عليها واصدار توصيات إلى الدول الأعضاء.

كما تحتفل كل عام باليوم المخصص لحقوق الانسان وعلى المستوى الخارجي تشارك في المؤتمرات والاجتماعات الدولية مع إعطاء اهمية خاصة لإنتهاكات اسرائيل لحقوق الانسان وخاصة في الاراضي العربية المحتلة.

ولكن عمليا فان اهم ما قامت به هذه اللجنة هو تحضيرها لمشروع الميثاق العربي لحقوق الانسان الذي اعتمده مجلس جامعة الدول العربية في 14/9/1994.

ان تشكيل هذه اللجنة من ممثلي الدول العربية قد انعكس على عملها سلبا فتدنت فعاليتها واصبحت مصداقيتها موضع شك وكذلك فان افتقارها إلى نظام خاص بها قلل من اهميتها.

وهكذا نرى ان مهمة هذه اللجنة تقتصر فقط على التشجيع الخجول دون الحماية الجدية التي تشكل المبرر الرئيسي لوجودها ومن ثم جاء الميثاق العربي لحقوق الانسان ليزيد في تقزيم هذه اللجنة حيث لم يوكل اليها اي مهمة فعلية.

ايها الحفل الكريم,

مع قيام الامم المتحدة جاء اصدار الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومن بعده العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وملحقه الذي اتاح –وضمن شروط محددة- للأفراد الذين يدعون انهم ضحايا اي انتهاك لأي حق من الحقوق المقررة في العهد التقدم بشكواهم إلى لجنة حقوق الإنسان، وقد جرى اطلاق اسم الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على هذه المجموعة واعتبرت محور حقوق الإنسان في الوقت الحاضر.

ومع الابقاء على هذه الشرعة التي تمثل القاعدة والأساس جرى في نطاق الأمم المتحدة اصدار عدد من الاعلانات والتوقيع على عدد من الاتفاقيات التي تتناول جانباً من الحقوق الواردة في الشرعة من أجل المزيد من التركيز عليها وابراز أهميتها.

وبعد أن قامت الأمم المتحدة بهذا الدور بحيث أعطت لمبادئ حقوق الإنسان بعدها العالمي وجعلتها تتناول الإنسان اي انسان بغض النظر عن جنسه أو دينه أو لونه أو انتمائه أو غير ذلك، إذ أنها تتحدث عن الإنسان بصفته انساناً فقط.

لقد كان من الطبيعي والمنطقي أن يتمحور نشاط الدول حول ما تقوم به الأمم المتحدة ويجري العمل على تأصيله وتعميقه وتطبيقه على الناس جميعاً أينما وجدوا في هذا العالم.

ولكن ما حدث مع نشوء التكتلات الاقليمية ان اخذت هذه التكتلات باصدار اعلان أو اتفاق يتناول موضوع حقوق الإنسان وذلك تحت تأثير عدة عوامل أبرزها:

1-  اعطاء مسألة حقوق الإنسان أهمية خاصة عن قناعة بذلك فعلية أو شكلية.

2-  التوسع في مفاهيم حقوق الإنسان عن طريق التركيز على حقوق معينة أو تطويرها.

3-  التهرب من بعض الحقوق عن طريق طمسها أو اهمالها.

4-  ايجاد آلية أكثر فعالية لحماية حقوق الإنسان.

خاصة وأن الأمم المتحدة قد شجعت على قيام تنظيمات اقليمية كما شجعت على عقد اتفاقيات اقليمية لحقوق الإنسان وكانت هذه التكتلات تلجأ إلى استحداث معاهدة لحقوق الإنسان فيما بين دولها مؤكدة على مفهومين ظاهرهما التناقض وهما:

اولاً: عالمية حقوق الإنسان عن طريق التأكيد على الايمان بالاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يهدف إلى ضمان العالمية وعن طريق الاقرار بأن حقوق الإنسان الأساسية تستند إلى الصفات المميزة للشخصية البشرية وليس من كونه مواطناً في دولة ما وهذا يستدعي وجود حمايته دولية لهذا الإنسان.

ثانياً: اقليمية حقوق الإنسان باعتبار أن الدول الموقعة على اتفاقية خاصة بحقوق الإنسان تبعاً لاتفاقية بين هذه الدول للتعاون الاقليمي مبررها وجود وحدة فكرية وتراث مشترك وتقاليد اساسية هذا بالنسبة للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان مثلاً، والانماء لقارة واحدة بالنسبة للاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان، أما الدول الافريقية فقد بررت ذلك في ديباجة الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب بقولها "اذ تدرك فضائل تقاليدنا التاريخية وقيم الحضارة الافريقية التي ينبغي أن تنبع منها وتتسم بها أفكارها حول مفهوم حقوق الإنسان والشعوب".

يتبين من مراجعة الأسباب الموجبة لقيام اتفاقيات اقليمية لحقوق الإنسان ان سببها يعود إلى ايمان الدول الاقليمية بمفاهيم وتقاليد وايديولوجية تتميز عن غيرها من التكتلات الاقليمية الأخرى وهو على الأغلب ذات السبب الذي دعا إلى قيام هذه التكتلات.

وكان من الطبيعي ان تبادر الدول العربية إلى التكتل والاتحاد وخاصة وان بين دولها من وشائج القربى أكبر وأعمق من أي تكتل آخر وهو الأمر الذي استدعى قيام جامعة الدول العربية والاعلان عن ميثاقها.

ومع قيام جامعة الدول العربية ونمو حركة القومية العربية والدعوات إلى نوع من الوحدة أو الاتحاد بين الدول العربية نما تيار عربي للمطالبة بميثاق عربي لحقوق الإنسان وايجاد محكمة عدل عربية يجري اللجوء اليها عند الحاجة وذلك كضمان لحقوق الإنسان العربي من اي اضطهاد خاصة وأن بعض الدول العربية ليس لديه دستور دائم يحمي حرية وحقوق الافراد أو لديه دستور مؤقت لا يفي بالحاجة.

ونظراً لتعدد التكتلات الاقليمية وتنوع الأفكار والتقاليد فيما بينها وتطلعها إلى ميثاق اقليمي لحقوق الإنسان فقد اصدرت الأمم المتحدة عام 1967 قراراً دعت فيه الدول الأعضاء لانشاء لجان اقليمية لحقوق الإنسان وهو الأمر الذي أشرنا اليه في مطلع هذه المداخلة.

وكما ذكرنا فقد تجاوبت جامعة الدول العربية مع هذا النداء فانشأت لجنة اقليمية عربية دائمة لحقوق الإنسان وحددت مهمتها بالعمل على حماية حقوق الإنسان العربية خاصة وان ميثاق الجامعة العربية لم يتناول موضوع حقوق الإنسان لجهله أو تجاهله لها خاصة وان صدور هذا الميثاق جاء قبل صدور ميثاق الأمم المتحدة بعدة أشهر وكذلك بسبب حالة الضعف وقلة الوعي والادراك لحقائق العصر لدى الحكومات العربية في ذلك الحين.

ولقد اصبحت هذه اللجنة من اللجان الدائمة التي لحظها ميثاق الجامعة أي انها تمثل الدول العربية الموقعة على الميثاق وقرراتها بمثابة توصيات ترفع إلى مجلس الجامعة لإتخاذ القرار بشأنها.

وفي عام 1970 اصدر مجلس الجامعة العربية قراراً بتشكيل لجنة من الخبراء لوضع مشروع اعلان عربي لحقوق الإنسان كمقدمة لصياغة ميثاق عربي لحقوق الإنسان فيما بعد.

ولقد وضعت هذه اللجنة بالفعل مشروعاً بعنوان:

"اعلان حقوق الإنسان المواطن في الدول والبلاد العربية"

ولقد تضاربت مواقف الدول العربية حول هذا المشروع تبعاً لنظمها السياسية ومدى قربها من مفاهيم الحضارة السائدة ونظرتها إلى العالمية والخصوصية ومدى تمسكها بالتراث الديني ولقد ادى هذا التضارب في المواقف إلى تجميد مشروع الاعلان هذا ووضعه على الرف.

ثم مرت سنوات عديدة قاربت العشر لم يصدر خلالها عن الجامعة العربية اية قرارات تتعلق بحقوق الإنسان.

وفي عام 1979 انعقدت ندوة لاتحاد الحقوقيين العرب حول حقوق الإنسان في الوطن العربي صدر عنها مشروع اتفاقية عربية لحقوق الإنسان ونداء إلى الجامعة العربية لتنشيط اللجنة العربية لحقوق الإنسان.

وبعد ذلك عهدت الجامعة العربية إلى لجنة أخرى مؤلفة من خبيرين آخرين بوضع مشروع ميثاق لحقوق الإنسان العربي وهنا دار نقاش واسع حول هذا الميثاق وهل هو مجرد تأكيد لما ورد في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتبار ان هذا الاعلان يمثل خلاصة الفكر البشري وتراثاً مشتركاً لشعوب العالم وحضاراته.

أما ان المشروع المطلوب يجب أن يكون عربي السمات ويمثل المفهوم العربي لحقوق الإنسان ويعكس الفكر العربي والذي تكون عبر العصور.

ولقد وضع الخبيران عام 1982 مشروع ميثاق عربي لحقوق الإنسان جرى عرضه ومناقشته داخل اللجنة العربية لحقوق الإنسان خلال عام 1982.

وفي عام 1983 اتخذ مجلس الجامعة قراراً باحالة مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان إلى الدول العربية الاعضاء لابداء ملاحظاتها عليه تمهيداً لاتخاذ قرار بشأنه فيما بعد.

ولقد جرى تقديم عدة مقترحات وملاحظات على هذا المشروع قامت اللجنة بدراستها وادخلت بناءً عليها بعض التعديلات على المشروع ولقد بحث مجلس الجامعة المشروع خلال عامي 1984 و1985، إلا ان مجلس الجامعة لم يتخذ قراراً بشأنه بسبب معارضته من عدد من الدول العربية.

وبناءً على توصية من مؤتمر علماء القانون العرب بأن يقوم "المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية" بالدعوة إلى عقد مؤتمر للنظر في وضع مشروع لميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي فقد انعقد في مدينة سيراكوزا بايطاليا مؤتمر الخبراء العرب وذلك خلال شهر ديسمبر من عام 1986 لوضع مشروع الميثاق المطلوب حضره خبراء قانونيين ومفكرون من عدد من الدول العربية كما حضره ممثلو بعض المنظمات الدولية ومركز حقوق الإنسان بجنيف التابع للأمم المتحدة.

وبالفعل فقد تم وضع "مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي ولقد جرى ارسال نسخة منه إلى كل من رؤساء الدول العربية وإلى الامين العام لجامعة الدول العربية، كما جرى ارسال خمسماية نسخة إلى أكثر من خمسماية شخصية على صعيد العالم العربي ولقد لقي هذا المشروع القبول والتأييد من اتحاد المحامين العرب في دورته المنعقدة عام 1987.

ومن أهم التوجهات التي ظهرت اثناء نقاش المشروع تقديم حقوق الإنسان أولاً لانها الضمان لحقوق الشعوب وان الحقوق الفردية تأتي قبل الحقوق السياسية ونص على حق الأبناء في الجنسية دون تمييز بين الرجل والمرأة وكذلك على حظر التعذيب وحق المواطن في التعويض إذ جرى توقيفه بغير سند قانوني.

كذلك فقد جرى التركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة حق التعليم.

ولكن المفاجأة الكبرى كانت في شهر ايلول من عام 1994 عندما اقر مجلس الجامعة العربية مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي كان قد جرى وضعه في صياغته النهائية قبل سنتين من اقراره، ولقد جرى الاقرار رغم تحفظات سبع دول عربية ولقد تم ذلك بجو من التكتم وبقي بعيداً عن الاضواء ولم يعط حقه في الاعلان والنشر.

ان الميثاق العربي لحقوق الإنسان ... والذي بدأ بذكر الدول العربية الاثنتين والعشرين جميعها يتألف من ديباجة واربعة أقسام.

-       تتميز الديباجة بابراز خصوصيته بالتأكيد على الأمور التالية:

-       الأمة العربية تؤمن بكرامة الإنسان

-       الوطن العربي مهد الديانات وموطن الحضارات

-       المبادئ الخالدة التي أرستها الشريعة الإسلامية

-       رفض العنصرية والصهيونية

-       اعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام

إذن فالديباجة تحدد ماهية هذا الميثاق وهويته فهو ميثاق قومي عربي متأثر بالإسلام ومعاد للصهيونية.

أما القسم الأول من الميثاق فهو يؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها والسيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، ويعتبر الصهيونية والاحتلال تحد للكرامة الإنسانية وعائق اساسي يحول دون الحقوق الاساسية للشعوب.

والقسم الثاني يشكل اساس الميثاق وهي يشدد على المساواة وعدم التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد مع تعهد الدولة بكفالة ذلك لكل انسان موجود على اراضيها.

ويجوز للدول في أوقات الطوارئ التي تهدد حياة الأمة أن تفرض بعض الاجراءات والقيود بشرط الا يمس ذلك: (1) حظر التعذيب والاهانة. (2) العودة إلى الوطن. (3) اللجوء السياسي. (4) والمحاكمة وعدم جواز تكرارها لذات الفعل.

ثم يتناول هذا القسم تعداد الحقوق وهو بشكل عام مقتبسة مما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

والبارز والمستجد في هذا التعداد:

1.    عدم جواز الحكم بعقوبة الاعدام في جريمة سياسية.

2.    لا يجوز حبس انسان ثبت اعساره عن الوفاء بدين مدني.

3.    حماية الدولة لكل انسان يقيم على ارضها من التعذيب.

4.    الحق في طلب اللجوء السياسي وعدم جواز تسليم اللاجئين السياسيين.

5.    تجريم المساس بحرية الحياة الخاصة بما في ذلك خصوصيات الاسرة والمسكن وسرية المراسلات وغيرها.

6.    يجب معاملة المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية معاملة انسانية.

7.    لا يجوز نفي المواطن من بلده أو منعه من العودة إليه.

8.    حرية العقيدة والفكر والرأي مكفولة لكل فرد.

9.    للمواطنين حرية العمل الاجتماعي وحرية التجمع بصورة سلمية.

10.                       تكفل الدولة الحق في تشكيل النقابات والحق في الاضراب.

11.                       للمواطنين الحق في الحياة في مناخ فكري وثقافي يعتز بالقومية العربية.

12.                       تكافؤ الفرص في العلم والحق في شغل الوظائف العامة.

13.                       محو الامية التزاماً واجباً والتعليم الابتدائي الزامياً كحد ادنى وبالمجان.

14.                       لا يجوز حرمان الاقليات من حقها في التمتع بثقافتها او اتباع تعاليم دياناتها.

أما القسم الثالث فهو يتناول تشكيل لجنة الخبراء وهي مؤلفة من سبعة أعضاء وتنتخب بالاقتراع السري من بين مرشحي الدول على ان يكونوا من ذوي الخبرة والكفاءة العالية ويعمل هؤلاء بصفتهم الشخصية وبكل تجرد ونزاهة.

وعلى الدول الاطراف تقديم تقاريرها إلى اللجنة التي تقوم بدراستها ومن ثم ترفع تقريراً مشفوعاً بآراء الدول وملاحظاتها إلى اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في الجامعة العربية.

والقسم الرابع يتناول اجراءات دخول الميثاق حيز التنفيذ وذلك بعد شهرين من تاريخ ايداع وثيقة التصديق أو الانضمام السابعة لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

ومن الملاحظ ان هذا العدد لم يتوفر حتى الآن وبالتالي ان هذا الميثاق لم يدخل حيز التنفيذ بعد ويبدو أنه لن يدخله ضمن الظروف العربية الحالية.

وحسب المعلومات المتوافرة فان الدولة الوحيدة التي صادقت على الميثاق حتى اليوم هي العراق، وان سبعة دول عربية أوردت تحفظات على الميثاق وهي الامارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان والكويت والمملكة العربية السعودية والسودان واليمن وان اسباب التحفظ حسب ادعائها تعود بشكل اساسي إلى ارتباطاتها الإسلامية التي توفر هذه الحقوق وتغني عن الميثاق.

أيها السادة،

بالرغم من جميع التحفظات فاننا نرحب بصدور الميثاق العربي لحقوق الإنسان ونعتبر ذلك خطوة ايجابية في الاتجاه الصحيح.

إننا نرحب بصدوره رغم قصوره الفاضح وتخلفه وتراجعه عن المرتبة التي وصلت إليها حركة حقوق الإنسان في العالم.

ان يكون لنا ميثاق عربي لحقوق الإنسان افضل من الا يكون لنا ميثاق بالمرة .. اذ بالامكان مواصلة العمل والنضال من اجل تطوير هذا الميثاق وتعديله والاضافة إليه ليصبح أكثر تقدماً ويعكس مبادئ حقوق الإنسان بشكل أفضل.

إن صدور هذا الميثاق ينقلنا إلى قلب المعركة بعد أن كنا ندور حولها ولا نعرف كيف نلج اليها.

ان بعض ما ورد في الميثاق يشكل في حالة تنفيذه انقلاباً حقيقياً في توجهات وسياسة العديد من الدول العربية.

ويبدو ان الميثاق قد صدر لحظة يقظة وفي غفلة من أكثرية الدول العربية التي كانت تعرقل صدوره بشتى الأساليب الظاهرة والمستترة.

وعلى الرغم من الأهمية البالغة لهذا الحدث فقد جرى التعتيم عليه بدلاً من ان أن يبرز وتسلط عليه الأضواء باعتباره من أهم منجزات جامعة الدول العربية إن لم يكن أهمها على الاطلاق.

ان تسجيلنا لايجابية هذه الخطوة لا يمكن أن ينسينا عيوب ومثالب الميثاق ونواقصه وفي طليعتها الصياغة والأسلوب التي تم فيها سرد الحقوق.

فبدلاً من أن يرد النص مقرراً للحق ومعترفاً به كحق طبيعي للإنسان ملتصقاً بشخصه ومصاحباً لوجوده وذلك بالقول مثلاً: لكل فرد الحق بكذا .. الخ لكل إنسان الحق بكذا .. الخ وهو الأسلوب الذي اعتمده الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في معظم مواده.

جاء أسلوب الميثاق العربي لحقوق الإنسان وكأن حقوق الإنسان منة أو عطاء من الحاكم للرعية حيث تمت صياغة معظم المواد بشكل يعبر عن هذا التوجه الخاطئ حيث نبدأ بالقول مثلاً: لا يجوز كذا .. او تختم بالقول: طبقاً للقانون. وكأن مهمة القانون هي محاصرة المبدأ وتجريده من معناه بدلاً أن يكون تأكيداً للمبدأ وتسهيلاً لتنفيذه وحمايته.

ثم يأتي بعد ذلك تعداد الحقوق والنص عليها والذي جاء مشوهاً ودون المستوى الذي بلغه التعداد الوارد في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر قبل عشرات السنين من صدور الميثاق وحظي يومذاك بموافقة الدول العربية عليه.

والثغرة الكبرى في تجاهل عدد من الحقوق وعدم النص عليها وايرادها على الرغم من أهميتها العظمى وهو تجاهل يبدو أنه مقصود وليس مجرد هفوة ومن بين هذه الحقوق التي جرى اسقاطها:

1-  حظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما.

2-  الحقوق المتساوية للرجل والمرأة عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله.

3-  حق كل شخص في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.

4-  حق كل شخص في حرية الرأي والتعبير واعتناق الآراء دون أي تدخل.

5- حق كل فرد في الاشتراك في ادارة الشؤون العامة لبلاده عن طريق انتخابات نزيهة ودورية وبذلك يجري تداول السلطة بصورة طبيعية وسلمية.

6-  الحق في الضمانة الاجتماعية.

7-  الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية للانتاج العالمي أو الأدبي أو الفني.

واذا كان سرد الحقوق من حيث المعنى والعدد يشكل ثغرة كبرى للميثاق فان القسم المتعلق بالحماية والمتمثل بلجنة الخبراء يشكل ثغرة أكبر وأخطر.

وإذا كان مشروع الميثاق في نصه السابق لم يتطرق إلى لجنة الخبراء ولم يقرر قيامها فان النص عليها لاحقاً وكما وردت في الصياغة الأخيرة التي تم اقرارها جاءت عملية بحت شكلية ومجردة من أي قيمة فعلية ومؤثرة.

تنص المادة 40 من الميثاق على قيام دول مجلس الجامعة بانتخاب لجنة خبراء حقوق الإنسان بالاقتراع السري على أن تتألف من سبعة أعضاء من مرشحي الدول الأعضاء بعد ستة أشهر من دخول الميثاق حيز التنفيذ.

وتنص المادة 41 على ان تقوم الدول الأطراف بتقديم تقارير إلى لجنة الخبراء، تقرير أولي بعد سنة من تاريخ نفاذ الميثاق وتقارير دورية كل ثلاث سنوات وتقارير تتضمن اجابات الدول على استفسارات اللجنة.

تدرس اللجنة التقارير وترفع تقريراً مشفوعاً بآراء وملاحظاتها إلى اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في الجامعة العربية.

ومن الملاحظ أن اللجنة المؤلفة من خبراء ترشحهم الدول الأعضاء صلاحياتها محصورة بتلقي تقارير واجوبة الاعضاء وتدرسها وترفع ملخصاً عنها إلى اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان المؤلفة من ممثلي الدول العربية الرسميين.

ان واقع ومهمة لجنة الخبراء هي بحت شكلية وقد يتساوى وجودها مع عدمه.

أما اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التي تشكلت عام 1969 من ممثلي الدول الأعضاء فهي تمثل الدول الأعضاء وتعبر عن آرائهم وتوجهاتهم.

أيها السيدات والسادة

بعد هذا العرض للميثاق العربي لحقوق الإنسان والاشارة إلى العيوب والنواقص اللاحقة به ننتقل إلى البحث في الأمور التي تساعد على رفع العيوب وسد النواقص وبالتالي إلى تفعيل هذا الميثاق واطلاقه ليلعب دوره بصورة أفضل وأكمل.

أولاً وقبل كل شيء نلاحظ أنه بعد مرور أكثر من أربع سنوات على اقرار مجلس جامعة الدول العربية لهذا الميثاق لم يوضع موضع التنفيذ بسبب تمنع الدول العربية جميعها – ربما باستثناء دولة أو اثنتين – من التوقيع والتصديق عليه علماً بأنه يحتاج إلى تصديق سبع دول عربية على الأقل ليدخل حيز التنفيذ.

وان الخطوة الأولى لاطلاق الميثاق كمقدمة لتطويره وتفعيله تتمثل بالعمل على انضمام الدول العربية اليه ليصبح نافذاً مع الاشارة إلى أن الميثاق لا يصبح نافذاً بالنسبة لأي دولة إلا بعد مرور شهرين على انضمامها وايداعها وثيقة تصديقها هي نفسها وذلك لدى الأمانة العامة، وهذا الأمر يشكل استثناء وعقبه .. اذ أن العادة والعرف أن الميثاق يصبح نافذاً بحق جميع الدول الأطراف عند التصديق عليه من العدد المحدد فيه ليصبح نافذاً وهو في حالتنا هذه سبع دول. أما تعليق نفاذ الميثاق على أن أحد اطراف المعاهدة معلق إلى حيث تصديقها بالذات يعتبر ثغرة كبرى في تعاون ونشاط الدول المؤتلفة.

وعليه فاننا على الرغم من تحفظاتنا على الميثاق وادراكنا للنواقص والهنات اللاحقة به ندعو إلى المصادقة عليه والانضمام اليه ونناشد الحكومة اللبنانية بصورة خاصة إلى المبادرة واتخاذ هذه الخطوة وتشجيع بقية الدول العربية إلى ذلك.

ان ميثاق حقوق الإنسان – أي ميثاق – يتضمن عادة قسمين رئيسيين .. القسم الأول يبين الحقوق ويعددها ويبرر أهميتها والقسم الثاني يتناول آلية تطبيقها أي تشجيعها وتعميمها وحمايتها.

وإذا كانت العادة أن يتم التركيز على القسم الثاني تصحيحاً وتطويراً باعتبار أن القسم الأول أصبح شبه راسخ ومعترف به بعد صدور الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وجملة الاعلانات والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان والتي صادقت عليها وصوتت إلى جانبها أكثرية دول العالم ان لم يكن جميعها وأصبحت جزءاً من ضمير العالم ومحور أدبياته بهذا الخصوص.

ومع ذلك نجد أن القسم الأول من الميثاق العربي لحقوق الإنسان يحتاج هو أيضاً للتعديل والاستكمال ان من حيث النص ليأتي مقراً بجميع هذه الحقوق باعتبارها حقوقاً طبيعية معترفاً بها لكل انسان ولصيقة به بغض النظر عن جنسيته وجنسه موقعه ولونه وانتمائه الديني والسياسي.

وهو يحتاج أيضاً للاستكمال اذ أن النص الحالي اغفل حقوقاً عديدة وبالغة الاهمية وفي طليعتها الحق في التعبير والحق في التجمع والاجتماع وغيرها مما يتوجب النص عليها.

ليس هذا فحسب وإنما يجب أيضاً أن تقوم الدول الأطراف في الميثاق باعلان التزامها بهذه المبادئ والأخذ بها وتعلن ذلك صراحة وتتعهد بتعديد قوانينها بحيث تأتي منسجمة ومتطابقة مع هذه المبادئ.

اما القسم الثاني وهو آلية العمل فانها تشكل الضمانة  لحماية حقوق الإنسان وحسن تطبيقها والعمل بموجبها.

نبادر أولاً إلى التأكيد على أن حماية حقوق الإنسان تتطلب نوعاً من القبول والتعاطي الايجابي من قبل الحكومات العربية مع مبادئ حقوق الإنسان والاستعداد للاعتراف بها والرغبة في صيانتها وهو الأمر غير المتوفر دائماً، ولعل قيام الميثاق العربي لحقوق الإنسان والضمانات على هزالها الواردة فيه هو المدخل إلى تجذير هذه الحقوق وايجاد المناخ المناسب لمزيد من الرعاية والحماية.

ان هذا التوجه السياسي هو أمر بالغ الأهمية ولكن وجود الاطار القانوني يعتبر عاملاً أساسياً يمهد لقيام هذا التوجه ويساعد على استمراره.

بما أن الدول العربية جميعها لم تصادق بعد على جميع المواثيق المتعلقة بحقوق الانسان وأن أكثرية هذه الدول لم تنضم بعد إلى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وعدد كبير منها أورد تحفظات على بعض جوانب الشرعة.

وحيث أن الواقع الفعلي للدول العربية يشير إلى غياب كامل للحياة الديمقراطية عند بعض الدول ونقص في التطبيق لديها جميعها.

وأن أكثر الحكام العرب ينظرون إلى الدستور والقوانين أنها وضعت لخدمتهم ولكي يطبقوها حسب رغبتهم ومصلحتهم وذلك وقت ما يشاؤا وحسب حاجاتهم.

وهكذا أصبح المواطنون العرب بأكثريتهم يعانون من غياب الديمقراطية ومن انتهاكات لحقوقهم الرئيسية ومن التضييق على حرياتهم الأساسية وهم أيضاً يفتقدون في معظم هذه الدول ان لم يكن فيها جميعها إلى الوسائل الداخلية الفعالة لحماية هذه الحقوق والحريات.

فالدولة المفترض فيها أنها تحمي حقوق الإنسان قد تقوم هي نفسها بانتهاك هذه الحقوق.

وانطلاقاً من هذا الواقع المرير يصبح وجود اتفاقية عربية لها طابع دولي تنص على مبادئ حقوق الإنسان وآلية تطبيقها والوسائل الناجعة لحمايتها وفي طليعتها اللجنة العربية لحقوق الإنسان والمحكمة العربية لحقوق الإنسان، يصبح أمراً في غاية الأهمية والضرورة.

ان الميثاق العربي لحقوق الإنسان قد تجاهل هذه الآلية وعندما اضطر للنص عليها قام بذلك بصورة بحت شكلية وتفتقر إلى أي فعالية.

علماً ان حماية حقوق الإنسان يجب أن تكون محور الميثاق والهم الأساسي له.

فان أهمية أي ميثاق لحقوق الإنسان لا تقتصر على المبادئ التي يقرها وإنما يتجاوز ذلك إلى توفير امكانية التطبيق والحماية اذ ما نفع النصوص اذا افتقرت لامكانية العمل بها.

ان لجنة خبراء حقوق الإنسان المنصوص عليها في الميثاق العربي لحقوق الإنسان تحتاج إلى التعديل والتفعيل وتوسيع الصلاحيات وذلك حتى تستطيع القيام بدورها كحام لحقوق الإنسان.

ان انتخاب أعضاء اللجنة يجب أن يتم من بين قائمة تضم عدداً من المرشحين أصحاب الخبرة والتخصص والمؤهلين ذوي الكفاءة القانونية العالية والمشهود لهم بسمو الأخلاق والسمعة الطيبة على أن تشارك في وضع هذه القائمة الهيئات الأهلية وخاصة نقابات المحامين وأن لا يقتصر ترشيح الدولة على مواطنيها فقط وعلى العضو المنتخب الا يمارس أي عمل يتناقض مع عضويته في اللجنة أو أن يكون له مصلحة في أي قضية تعرض عليها.

ان اختصاصات اللجنة يجب أن تمتد إلى مراقبة حسن تنفيذ بنود الميثاق من قبل الدول المتعاقدة ودراسة مدى تطابق قوانين هذه الدول مع المبادئ الواردة في الاتفاقية.

ان النص على حماية حقوق الإنسان في الاتفاقية وايجاد آلية لها هي الضمانة الأهم والأشمل حيث تتلاعب أهواء بعض الحكومات في النص الصريح على حماية حقوق الإنسان في قوانينها الداخلية أو تسيء تطبيقها.

ويجب ان يتاح لكل دولة من الدول المتعاقدة بالتقدم بشكوى أو بلاغ إلى اللجنة ضد كل انتهاك لحقوق الإنسان يلحق بأحد مواطنيها أو أي شخص آخر لأن الغاية هو مراقبة حسن تطبيق الاتفاقية بغض النظر عن جنسية الشخص المنتهكة حقوقه أو مكان انتهاكها.

وكذلك يجب أن يتاح للأفراد أو الهيئات الأهلية غير الحكومية حق تقديم الشكاوى الفردية للنظر في الانتهاكات التي تكون قد ارتكبتها احدى الدول الأطراف في الميثاق بحق الشاكي مع دعوة الدول المتعاقدة إلى القبول عند الانضمام باختصاص اللجنة للنظر في هذه الشكاوي.

وان هذا الحق يعزز مكانة الفرد ويؤكد على حقوقه الانسانية ويرفعه إلى مصاف الأشخاص المحميين من القانون الدولي بغض النظر عن انتمائه إلى دولة من الدول المتعاقدة الأطراف وبذلك يصبح الانسان شخصية شبه عالمية له كيانه الخاص ويتمتع بنوع من الحصانة والحماية الدولية وليس فقط مواطن عادي يتبع احدى الدول وخاضع لسلطاتها.

ويكون من اختصاص اللجنة قبول أو عدم قبول الشكاوى المقدمة اليها سواء من قبل إحدى الدول المتعاقدة أو من قبل أحد الأفراد وذلك درءاً لتقديم الشكاوي الكيدية او التعسفية التي لا تتوفر فيها جميع الشروط المطلوبة وفي طليعتها استنفاد جميع طرق الطعن الداخلية، والتقيد بالمهل الزمنية المعقولة وتطبيق الشروط المحددة في الميثاق بعد تعديلها.

ولا يشترط ان يتقدم بالشكوى المشتكي نفسه بل يمكن ان يقدم الشكوى عنه إحدى الدول المتعاقدة أو محام أو منظمة غير حكومية اذ قد يكون المشتكي في وضع لا يمكنه معه تقديم الشكوى كأن يكون مسجوناً أو مخطوفاً أو مغيباً لأي سبب من الأسباب.

وعلى اللجنة ان تعالج هذه الشكوى بالعمل للوصول إلى حل ودي واذا لم تفلح بواسطة المساعي الخيرة تلجأ إلى التحقيق ووضع تقرير وتقديم مقترحات.

ان دور اللجنة العربية لحقوق الإنسان الذي يقتصر على التحقيق ومحاولة التوفيق والوصول إلى تسوية ودية الا وضع تقرير وتقديم مقترحات، ان هذا الدور على أهميته يبقى ضعيفاً وقاصراً لذلك يستدعي الأمر وجود جهة أخرى يناط بها تأمين تنفيذ نصوص الميثاق بصورة أكثر فعالية وتتمتع بالاستقلالية والحياد والمقدرة والمهابة اللازمة، وهكذا تصبح الحاجة ملحة إلى تشكيل هيئة قضائية عليا هي المحكمة العربية لحقوق الإنسان، تكون أحد مؤسسات الجامعة المستقلة، ويجري اختيار أعضائها من بين خيرة القضاة والمحامين في البلاد العربية ترشحهم الهيئات القضائية ونقابات المحامين على الا ينتخب من أي بلد عربي الا قاضياً واحداً ويجري انتخابهم من قبل مجلس الجامعة بالاقتراع السري وعلى أساس كفاءتهم وسمعتهم الشخصية ومدى قدرتهم ان يكونوا متجردين وغير متأثرين بحكوماتهم وخاضعين لضمائرهم فقط ومتمتعين بكافة الشروط والمؤهلات لتبؤ المناصب القضائية العليا.

وان تشكيل المحكمة العربية لحقوق الإنسان ليس بدعة عربية أو اختراع عربي، فقد سبق إلى ذلك المعاهدات الاقليمية الأخرى كالاتفاقية الأوروبية مثلاً فالحري بنا ان نسارع إلى تشكيل هذه المحكمة خاصة وان الدول العربية أشد حاجة لها لأن دولها لم تعترف جميعها وبشكل فعال بحق كل فرد بالتمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

تختص هذه المحكمة بتفسير وتطبيق الميثاق العربي لحقوق الإنسان وذلك بعد استكماله وتوسيعه، وكذلك البت في الشكاوي والمراجعات المرفوعة اليها من قبل اللجنة العربية لحقوق الإنسان عندما تفشل في الوصول إلى حل ودي، أو من الحكومات العربية، أو من الأفراد والهيئات غير الحكومية، مع التأكيد أكثر فأكثر على حق الفرد في التقدم بشكواه مباشرة دفاعاً عن حقوقه الإنسانية ضد أي انتهاك لها سواء من حكومته أو من أية حكومة أخرى طرفاً في الميثاق.

وللمحكمة الحق في رفض الشكاوى الخارجة عن اختصاصها وكذلك رفض الشكاوي الكيدية وغير المتوفرة فيها الشروط اللازمة. وان قرارات المحكمة وأحكامها يجب أن تكون دائماً شاملة الحيثيات والأسباب.

يجري وضع لائحة مفصلة بالأصول الاجرائية المتعلقة بعمل المحكمة وجلساتها وكيفية تقديم الشكوى وشروطها وطريقة النظر فيها والأحكام الصادرة عنها وتنفيذها.

تتعهد الدول الأطراف في الميثاق عند الانضمام اليه بالقبول بأحكام المحكمة وتتعهد بتنفيذها.

وبذلك لم تعد نتيجة الشكوى تقتصر على التوصيات التي توصى بها لجنة حقوق الإنسان وانما يمكن لمحكمة حقوق الإنسان اصدار احكام أشد وأفعل وقد تصل أحياناً إلى اسقاط عضوية الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان من المنظمة وذلك بصورة مؤقتة أو دائمة.

إن المحكمة العربية لحقوق الإنسان هي خير وسيلة لحماية الحقوق والحريات الأساسية للفرد العربي.

ان مبادة الدول الموقعة على الميثاق إلى رفع أي تناقض بين المبادئ الواردة في الميثاق ونصوص دستورها وقوانينها وكذلك موافقتها على نظام الرقابة المتمثل بلجنة حقوق الإنسان ومحكمة حقوق الإنسان وامتداد صلاحيتهما إلى قبول شكوى الأفراد .. ان ذلك يؤمن نجاح الميثاق وبالتالي يوفر الضمانات الحقيقة لحقوق الإنسان، وأن مبادرة كل دولة بابلاغ لجنة حقوق الإنسان بالمخالفات التي تقوم بها دولة أخرى يساعد على تحويل الأنظمة العربية من أنظمة تضطهد حقوق الإنسان إلى انظمة حضارية تحترم حقوق الإنسان.

وفي ختام هذه المرحلة اجد نفسي مساقاً إلى اقتباس أحد التعليقات علىالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وتحويرهاعربياً معلل النفس في أن تصبح حقيقة يوماً ما وشعاراً نرفعه ونعمل من أجل تحقيقه الا وهو كما يلي:

"اذا انتهكت حقوق الإنسان في مكان ما من الوطن العربي،"

"فإن العدوان يقع على العرب جميعاً، ولكوني عضواً في هذه"

"الجماعة أشعر بما نالني من عدوان وأطلب أن يعاقب مرتكب"

"الإنتهاك وأن يعوض على المعتدى عليه".

وخلاصة القول إن وجود ميثاق عربي لحقوق الإنسان هو مكسب يقتضي التمسك به والحفاظ عليه رغم النواقص والثغرات على أمل تطويره وتعديله وتفعيله.

وان التصديق على هذا الميثاق والإنضمام إليه هو واجب كل دولة عربية وعليها أن تبادر إلى ذلك فوراً.

وإن هذا الميثاق يحتاج إلى الاستكمال بالنص على الحقوق جميعها وبصورة أكثر وضوحاً وصراحة مع التأكيد على الالتزام بها من قبل الحكومات العربية، كما يحتاج إلى التركيز على وسائل الحماية انطلاقاً من تفعيل لجنة الخبراء وتوسيع صلاحياتها وصولاً إلى انشاء محكمة حقوق الانسان العربية التي تتيح للدول والأفراد حق اللجوء إليها لتقديم شكواهم وطلب رفع الحيف عنهم.

إن وجود ميثاق عربي لحقوق الإنسان وقيام محكمة عربية لحقوق الإنسان والتزام الدول العربية بهذه المبادئ واستعدادها لتنفيذ أحكام المحكمة يعتبر نقلة نوعية تضع جامعة الدولة العربية على درجات سلم الحضارة والرقي وتتيح للمواطن العربي أن ينعم بالحياة  الحرة الكريمة في مجتمع ديمقراطي متطور تصونه وسائل حماية ناجعة.

source