شرعة حقوق الإنسان وإشكاليات التطبيق

calendar icon 02 تشرين الأول 1998 الكاتب:اسعد دياب

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثالث: "بحثاً عن حق الإنسان"
(كلمات الجلسة الثالثة)


أدّى قيام الامم المتحدة كمنظمة دولية إلى إعادة النظر بالعلاقات الدولية بصورة عامة، وبمسألة حقوق الإنسان والحريات الأساسية بشكل خاص بعد الحرب الكونية الثانية التي خلّفت دماراً رهيباً.

وحدّد ميثاق الأمم المتحدة، الذي يُعتبر بمثابة الدستور العالمي، واجبات الدول الأعضاء في ضوء ما توصّل إليه القانون الدولي العام.

وأشار إلى حقوق الإنسان، وكرامته، والتساوي في الحقوق الرجال والنساء. وقد جرى تفسير وشرح هذه الإشارات لاحقاً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي هو الشرعة العالمية لحقوق الإنسان (1948). ولبنان كان من الدول التي شاركت في وضع نصوص هذه الشرعة، ووافق على الإلتزام بمضمونها. وها هي مقدمة الدستور اللبناني تؤكد هذا الالتزام بصورة صريحة.

وعلى مدى خمسين سنة سعت الأمم المتحدة لتوسيع دائرة الاهتمام بحقوق الإنسان، ورعت المؤتمرات العالمية الخاصة بهذه القضية، وشكّلت لجان متخصصة تابعة  للمجلس الاقتصادي والاجتماعي معنيّة بالدفاع عن حقوق الإنسان على غير مستوى. ثم انبثقت لجنة حقوق الإنسان في جنيف كهيئة متخصصة بحقوق الإنسان، ومتابعة لها، وعاملة على إصدار النشرات والدراسات والتقارير ذات الصلة.

غير ان السؤال الملّح هو: هل ظلّت الأمم المتحدة منسجمة في أدائها مع المبادئ التي رفعتها؟ وهل ارتقت حقوق الإنسان بشكل متكافئ بين الأمم والشعوب، كبيرها وصغيرها، غنيّها وفقيرها؟ أم أن إشكاليات التطبيق اخرّت إعمال النصوص المتعلقة بحقوق الإنسان؟

يجدر التمييز بين مرحلتين من عمر الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية: مرحلة الحرب الباردة حيث طغى الاختلاف الإيديولوجي بين الشرق والغرب وفي صميمه النظرة إلى حقوق الإنسان، وهل أن الأولوية هي للحقوق السياسية أم أنها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟

والمرحلة الراهنة التي بدأت في مطلع التسعينات، والتي تشهد تراجع الصراع الأيديولوجي وتقدّم النفوذ الأميركي في العالم. إنها مرحلة جديدة تشهد تركيزاً شديداً على طرح مسألة حقوق الإنسان، حيث تُعتبر من الأولويات العالمية في القانون والسياسة ربطاً بمسائل أخرى مثل: التنمية والديمقراطية وحماية البيئة الطبيعية...

وعلى أن هذه الاندفاعية العالمية في مسيرة حقوق الإنسان لم تلغ معاناة أمم وشعوب فقيرة، ومضطهدة ومغلوبة على أمرها، وبينها شعوب العالم النامي أو عالم الجنوب الذي يشكو من عوامل التخلف وعوامل التبعيّة على اختلاف أشكالها. فهل ثمة توجه دولي عام تجاه حقوق الإنسان أم أن السياسة الدولية ما تزال تفعل فعلها في التمييز بين الدول على قاعدة المصالح المادية؟ بالطبع يبقى لهذه المصالح دور مهم، بل دور محوري في الصراع الدولي. إلا أن دور القانون الدولي هو التفتيش دائماً عن العدالة والأمن والسلام.

ثمة سباق مستمر بين لعبة المصالح الدولية وبين التنظيم الدولي في إطار القانون الدولي الذي يتطور في قواعده ومضمونه. غير ان الإشكاليات  النظرية والتطبيقية لا تزال قائمة. هذا ما سيتركز البحث حوله في لجنة حقوق الإنسان، وذلك في إطار الإشكاليات التي تعترض المسيرة العالمية لحقوق الإنسان ونحن على مشارف عصر جديد: أين تكمن هذه الإشكاليات؟ ما هي طبيعتها؟ وهل ثمة إمكانات لمعالجتها في إطارت التعاون الدولي الذي دعا إلى تحقيقه ميثاق الأمم المتحدة؟... هذه الأسئلة وغيرها ستكون في جوهر المحورين المذكورين في جلستنا هذه...

source