دور لجنة حقوق الإنسان

calendar icon 02 تشرين الأول 1998 الكاتب:فادي مغيزل

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثالث: "بحثاً عن حق الإنسان"
(كلمات الجلسة الثالثة)


اسمحوا لي أن أبدأ ببعض التساؤلات: ما الفائدة العملية للمواثيق والشرع والاعلانات والاتفاقيات والتوصيات الخاصة بحقوق الإنسان ان لم تسهر على حسن تطبيقها منظمات دولية واقليمية ووطنية؟

وأخيراً، ماذا عساها تكون فعالية هذه وتلك من المنظمات والنظم ان لم يعرفها المعنيون بها اساساً، عنيت الحكومات والمجموعات والأفراد؟

سأحاول التطرق بإيجاز إلى بعض الأجهزة الدولية التابعة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان.

الأجهزة الدولية المعنية بحقوق الإنسان:

يمكن اعتبار معظم الأجهزة الرئيسية في منظمة الأمم المتحدة معنية بشكل أو بآخر بحقوق الإنسان، ابتداءاً من الجمعية العامة للأمم المتحدة مروراً بمجلس الأمن، ومجلس الوصاية، ومحكمة العدل الدولية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وصولاً إلى لجان حقوق الإنسان.

فبحسب ميثاق الأمم المتحدة، يناط بالجمعية العامة الشروع في اجراء الدراسات وتقديم التوصيات في ما يتعلق باقرار حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع.

ومنذ صدور الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، في عام 1948، اعتمدت الجمعية العامة ما يقارب 60 إعلاناً واتفاقية تعنى بحقوق الإنسان، وهذه الاعلانات والاتفاقيات تتناول إبادة الأجناس، والتمييز العنصري، والفصل العنصري، والأشخاص عديمي الجنسية، وحقوق المرأة، والرق، والزواج، والشباب، والأجانب، واللاجئين، والمعوقين، والتعذيب، والتنمية، والتقدم الاجتماعي، وتتمتع الاتفاقيات بقوة القانون الدولي الملزم بالنسبة للدول التي اصبحت أطرافاً فيها.

ويتحمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي مسؤولية خاصة في هذا الصدد، بوصفه جهازاً مفوضاً بـ"تقديم التوصيات اللازمة من أجل تشجيع احترام ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية بالنسبة للجميع". وهذا المجلس هو الذي أنشأ لجنة حقوق الإنسان ولجنة مركز المرأة.

وثمة أجهزة ولجان عديدة، انشأتها الجمعية العامة، تتناول الحالات المتعلقة بحقوق الإنسان، فيما يتصل بالمجالات المحددة التي أنشئت هذه الأجهزة واللجان من أجل مراقبتها. ومن هذه الهيئات اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ اعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، واللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري، واللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الاسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.

وهناك لجان من الخبراء تم انشاؤها بموجب معاهدات معينة تتعلق بحقوق الإنسان وتعنى كل منها بالحقوق الواردة في المعاهدة المنشئة لها. من هذه اللجان اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التي شكلت بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، ولجنة القضاء على التمييز العنصري (التي شكلت بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري)، ولجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

بالاضافة إلى ذلك، انشئت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية  من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لمناقشة تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أن اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة قد نصت على انشاء لجنة لمناهضة التعذيب".

لجنة حقوق الإنسان:

هي الهيئة الرئيسية في الأمم المتحدة التي تعنى بحقوق الإنسان. وقد نص ميثاق الأمم المتحدة نفسه على انشائها بموجب المادة 68 منه التي ورد فيها: "ينشيء المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجاناً للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ولتعزيز حقوق الإنسان، كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه".

وفي عام 1946، قامت اللجنة لكي تعاون المجلس في المسائل المتصلة بحقوق الإنسان، ولا سيما في شأن وضع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وقد تطورت اللجنة على مر السنين من جهاز للصياغة حتى أصبحت اليوم تتناول جوانب قضايا حقوق الإنسان المختلفة، وتواكب أعمالها مشاركة نشطة من جانب معظم قطاعات المجتمع الدولي.

صلاحيات اللجنة واسعة النطاق، فلها أن تتناول أي مسألة متصلة بحقوق الإنسان. وهي تضطلع بالقيام بدراسات عن المشاكل التي تعتري تطبيق حقوق الإنسان، وتعد توصيات لاتخاذ اجراءات مناسبة، وتصوغ صكوك الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان، كما تتولى مهام خاصة بناء على تكليف الجمعية العامة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك التحقق في الادعاءات القائلة بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان. وتقوم أيضاً بمساعدة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بوصفه الهيئة المنشئة لها، في مجال تنسيق الأنشطة المتصلة بحقوق الانسان.

وفي علم 1947، قامت لجنة حقوق الإنسان هذه بإنشاء لجنة فرعية لمنع التمييز وحماية الاقليات، لكي تختص بالمشاكل المستجدة في ميدان حقوق الإنسان، وتتألف اللجنة الفرعية من خبراء مستقلين يجري انتخابهم من قبل لجنة حقوق الإنسان. وهي  مفوضة باجراء دراسات وتقديم توصيات بشأن سبل منع التمييز وحماية الأقليات وحرياتهم الأساسية.

وكثيراً ما تعين اللجنة الفرعية مقررين خاصين، أو تشكل فرق عمل لتناول مواضيع خاصة، مثل: التمييز في التعليم أو الدين، وحقوق الأقليات العرقية والدينية واللغوية، والقضايا المتعلقة بتقرير المصير، واقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق السكان الأصليين، والنظام الاقتصادي الدولي الجديد وتعزيز حقوق الانسان، والحق في الحصول على غذاء كاف ومسألة استغلال الأطفال في العمل. وتشكل هذه الدراسات أساساً لإعداد مشاريع صكوك ما، أو لصياغة مباديء عامة تتعلق بالمسائل التي جرت دراستها.

دور لجنة حقوق الإنسان في وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان:

في عامي 1966 و1967، أولت لجنة حقوق الإنسان انتباهاً شديداً بطرق ووسائل وقف الانتهاكات لحقوق الإنسان، ومنذ ذلك الحين، أخذت الأمم المتحدة تستحدث باطراد مجموعة متنوعة من وسائل تسليط الضوء على هذه الانتهاكات بغية احداث تغييرات في سياسة الحكومات، ولقد قررت الأمم المتحدة أن تعطي الأولوية في هذا المجال، لمكافحة الانتهاك الصارخ والجسيم لحقوق الإنسان.

وفي كل عام، تتولى اللجنة ولجنتها الفرعية، في جلسات مفتوحة للجمهور وللصحافة، مناقشة انتهاكات حقوق الإنسان، أينما وقعت في العالم، وتقدم الحكومات والمنظمات الأهلية غير الحكومية معلومات تتصل بهذه الانتهاكات، وكثيراً ما تدعو اللجنة لحضور هذه الاجتماعات ممثلون عن الحكومات موضع الانتقاد ليتولوا تقديم الايضاحات والردود اللازمة.

كذلك، تقوم اللجنة ولجنتها الفرعية بعقد اجتماعات مغلقة مع مسؤولي الحكومات لمناقشة الانتهاكات. وتستند عادة المناقشات إلى معلومات مكتوبة مقدمة من المنظمات غير الحكومية ومن الأفراد.

وعندما تكون الانتهاكات خطيرة، يجوز للجنة ان تجري تحقيقاً يقوم به خبراء محايدون، ولها أن تسعى إلى اقامة حوار مع الحكومة المعنية، كما تسعى اللجنة، حيثما أمكن، إلى توفير مساعدات، بشكل ايفاد واستشارين أو تقديم منح مدرسية أو دورات تدريبية إلى الحكومات التي ترغب في العمل على الالتزام الكامل بحقوق الإنسان.

وتضطلع اللجنة بدراسة انتهاكات حقوق الإنسان، لا لوقوعها في بلدان معينة فحسب، وانما لكونها ظاهرة عالمية، أي أن اللجنة تدرس انتهاكات حقوق الإنسان التي تتسم بخطورة خاصة والتي تثبت وقوعها في كثير من انحاء العالم. وفي هذا الصدد قامت اللجنة، مثلاً، بإنشاء فريق يتولى دراسة "حالات الاختفاء" القسري، كما قامت بتعيين مقررين خاصين لتقصي حالات الاعدام التعسفي أو الاعدام بدون محاكمة وحالات ممارسة التعذيب.

وفي مثل هذه الحالات، تستطيع الأمم المتحدة، عند توافر معلومات موثوقة، أن تتدخل على نحو عاجل لدى الحكومة المعنية، طلباً لتقديم المعلومات اللازمة عن حالات الاختفاء، أو حالات الاعدام رهن التنفيذ، عندما يبدو ان المعايير الدنيا غير معمول بها. وقد لقيت مثل هذه المناشدات العاجلة، ردوداً ايجابية من الحكومات في كثير من الحالات.

الاجراءات الأخرى التي اتخذتها  لجنة حقوق الإنسان بالنسبة لعمليات انتهاك حقوق الإنسان:

على مدى عدة سنوات ماضية، اثارت الأجهزة التابعة للأمم المتحدة والمتخصصة في قضايا حقوق الإنسان، مسألة الاختفاء القسري لعديد من الاشخاص بالاستناد إلى آلاف من الأدلة والشواهد في هذا الشأن التي قدمت إلى هذه الأجهزة. كما تبين أن عمليات الاختفاء هذه منتشرة في معظم انحاء العالم، الأمر الذي أوجب اتخاذ اجراءات عاجلة لمواجهتها منها: تأليف مجموعات عمل لبحث حالات الاختفاء القسري واستقصاء أية معلومات عن الحكومات المعنية، ومن ثم اعداد التقارير اللازمة بالاستناد إلى المعلومات الرسمية من هذه الحكومات ومن المنظمات غير الحكومية (أو شبه الحكومية)، ومن اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان ...

كذلك، يتم تعيين مراقب خاص لبحث عمليات الاعدام العشوائية (اول مراقب خاص: عام 1992)، بحيث يتم اعداد تقرير سنوي عن هذه العمليات، ويتضمن قرار تفويض هذا المراقب، قيامه ببحث الادعاءات الخاصة بعمليات الاعدام العشوائية، سواء ما تم منها فعلاً، أو ما هو على وشك الحدوث، وعمليات الاعدام التي تتم بدون محاكمة، أو بمحاكمة لا تتضمن الاجراءات أو الضمانات القانونية الواجبة، بالاضافة إلى بحث حالات الوفاة نتيجة للتعذيب أو استخدام القوة التي قد تؤدي بطبيعتها إلى حدوث الموت، سواء اتمت هذه العمليات بواسطة القوات العسكرية أو الجهات الحكومية أو شبه الحكومية.

وقد تم تعيين مراقب خاص آخر لبحث عمليات التعذيب، وآخر لبحث عمليات العنف الديني.

في ميدان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

تقوم لجنة حقوق الإنسان، سنوياً، باستعراض العقبات التي تعيق التطبيق الأفضل لتلك الحقوق، مع اقتراح الطرق المناسبة للتغلب عليها. ولقد اضطلعت اللجنة بالنظر في العديد من التقارير التي قدمتها منظمة العمل الدولية، ومنظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومنظمة الصحة العالمية. دارت هذه التقارير حول حالة تنفيذ حقوق الإنسان في مجالات الغذاء والصحة والتعليم والعمل على ضوئها طلبت لجنة حقوق الإنسان إلى لجنتها الفرعية، أن تضطلع بمزيد من العمل بشأن تطبيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لجنة حقوق الإنسان المعنية بالحقوق المدنية والسياسية:

أنشأ العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية "هيئة ابلاغ محدودة" يجب ان تقدم إليها الدول الأطراف تقارير دورية بشأن احترام حقوق الإنسان في اقاليمها. وتقوم هذه اللجنة باستعراض التقارير ومناقشتها مع الدولة الطرف المعينة، ثم توجه ملاحظات عامة إلى الدول وإلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي وقد عقدت اللجنة أول اجتماع لها في عام 1977.

وفي حالة اختلاف دولتين من الأطراف في العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حول ما إذا كانت احداهما تفي بالتزاماتها بموجب العهد، يجوز للجنة أن تنظر في هذه المسألة. وتعمل اللجنة، حينئذ على تحقيق تسوية تقوم على احترام الحقوق المعترف بها في العهد. وإذ تعذر ذلك يجوز للجنة، بموافقة الطرفين المعنيين، أن تعين لجنة توفيق لمساعدة الدولتين على التوصل إلى هذا الحل.

لجنة حقوق الإنسان المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

تتولى لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية رصد تقيد الدول الأطراف بالتزاماتها بموجب العهد ودرجة تنفيذ الحقوق والواجبات الواردة فيها.

وتعتمد اللجنة في عملها على عدد كبير من مصادر المعلومات، بما فيها التقارير المقدمة من الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة كمنظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، ومن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومن مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل)، ومن جهات أخرى، كذلك، تحصل اللجنة على معلومات من المنظمات غير الحكومية والمنظمات المحلية العاملة في الدول المصدقة على العهد، ومن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات غير الحكومية، ومن هيئات الأمم المتحدة الأخرى المنشأة بموجب معاهدات.

انشاء اللجنة وتشكيلها:

خلافاً للهيئات الأخرى المنشأة بموجب معاهدات حقوق الإنسان، لم تنشأ لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بموجب الصك المتصل بها. فعلى عكس ذلك، لقد أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللجنة بعد الاداء غير النموذجي للهيئات الأخرى.

وقد أنشئت اللجنة في عام 1985، واجتمعت للمرة الأولى في عام 1987.

وتتألف اللجنة من خبراء معترف بكفاءاتهم في ميدان حقوق الإنسان، واعضاء اللجنة مستقلون ويعملون بها بصفتهم الشخصية لا كممثلين للحكومات، وتضم اللجنة الآن 18 عضواً.

عمل اللجنة:

تتمثل الوظيفة الرئيسية للجنة في رصد تنفيذ الدول الأطراف للعهد، وتسعى إلى إقامة حوار بناء مع الدول الأطراف وتحاول، عبر استخدام مجموعة متنوعة من الوسائل، تحديد ما إذا كانت المعايير الواردة في العهد تطبق بشكل ملائم في الدول الأطرف، كما تحدد الوسائل التي يمكن اتباعها لتحسين تطبيق العهد.

وتستطيع اللجنة أيضاً، بالاعتماد على خبرة اعضائها القانونية والعملية، أن تساعد الحكومات على اداء التزاماتها بموجب العهد عبر تقديم اقتراحات وتوصيات محددة بشأن التشريعات والسياسات العامة وغير ذلك من المجالات بغية زيادة فعالية ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

كيفية تقديم الدول الأطراف تقاريرها إلى اللجنة:

بموجب المادتين 16 و17 من العهد، تتعهد الدول الأطراف بتقديم تقارير دورية إلى اللجنة في غضون عامين من بدء نفاذ العهد بالنسبة لكل دولة طرف، ثم مرة كل خمسة أعوام مع بيان التدابير التشريعية والقضائية والتدابير بالسياسات وغير ذلك من التدابير التي اتخذتها لضمان التمتع بالحقوق الواردة في العهد. كذلك، على الدول الأطراف أن تقدم تقارير تفصيلية عن مدى تطبيق الحقوق وعن المجالات التي واجهت فيها صعوبات خاصة في هذا الصدد.

وقد ساعدت اللجنة، في عملية اعداد التقارير، بموافاة الدول الأطراف بمجموعة مبادئ توجيهية مفصلة لإعداد التقارير تحدد أنواع المعلومات التي تحتاج إليها اللجنة لرصد الالتزام بالعهد رصداً فعالاً.

ومطلب تقديم التقارير ليس مجرد التزام شكلي وإنما يتجاوز ذلك بكثير، ورغم ان عملية تقديم التقارير يكتنفها عدد من الصعوبات (ليس أقلها عدم ورود تقارير من عدد كبير من الدول الأطراف) فإن لهذه الآلية عدداً من الوظائف الهامة، ومنها: "الاستعراض الدولي"،

وظيفة الرصيد ووظيفة رسم السياسات،

وظيفة الرقابة العامة ووظيفة التقييم،

وظيفة الاقرار بوجود المشاكل،

ووظيفة تبادل المعلومات.

وأكدت اللجنة أن التزامات تقديم التقارير بموجب العهد تخدم سبعة أهداف رئيسية، وحددت اللجنة، في تعليقها العام رقم 1/1989، هذه الأهداف كما يلي:

1- ضمان اضطلاع الدولة الطرف باستعراض شامل للتشريع الوطني والقواعد والاجراءات الادارية والممارسات من أجل تأمين أقصى التزام ممكن بالعهد،

2- ضمان اجراء الدولة الطرف رصد فعلي ومنتظم في ما يتعلق بكل من الحقوق بغية تقييم مدى تمتع جميع الأفراد بمختلف الحقوق داخل البلد،

3-  توفير أساس تستند إليه الحكومات في رسم سياسات محددة بوضوح لتنفيذ العهد،

4- تسهيل مراقبة الجمهور للسياسات الحكومية في ما يتعلق بتنفيذ العهد وتشجيع مشاركة مختلف قطاعات المجتمع في رسم السياسات المتصلة بذلك وتنفيذها واستعراضها.

5- توفير اساس يتيح لكل من الدولة الطرف واللجنة اجراء تقييم فعال للتقدم المحرز على مستوى الالتزامات الواردة في العهد،

6- تمكين الدولة الطرف من التوصل إلى فهم أفضل للمشاكل وأوجه التقصير التي تعيق تطبيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،

7- تسهيل تبادل المعلومات في ما بين الدول الأطراف، وإتاحة تقييم أفضل للمشاكل المشتركة والحلول الممكنة في مجال تطبيق كل حق من الحقوق الواردة في العهد.

وإذا سعت دولة مقدمة لتقرير من المزمع أن تنظر فيه اللجنة إلى إرجاء عرضه في اللحظة الأخيرة، فإن اللجنة لا توافق على هذا الطلب وتباشر النظر في التقرير، حتى في حالة عدم وجود ممثل للدولة الطرف.

وكان على اللجنة أن تجاهد في حل المشاكل المتعلقة بعدم تقديم التقارير وبالتقارير التي فات موعد تقديمها منذ فترة طويلة، وفي مواجهة هذه الحالات، تحظر اللجنة الدول الأطراف التي فات موعد تقديم تقاريرها منذ فترة طويلة بعزمها على النظر في هذه التقارير في دورات مقبلة محددة. وفي حالة عدم توافر التقرير، تباشر اللجنة النظر في حالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدول المعنية في ضوء جميع المعلومات المتاحة.

قرارات اللجنة:

بعد انتهاء اللجنة من تحليل التقارير ومثول الدول الأطراف، تختتم اللجنة النظر في تقارير الدول الأطراف بإصدار "ملاحظات ختامية" تشكل قرار اللجنة، وتنقسم الملاحظات الختامية إلى خمسة فروع هي:

·        مقدمة،

·        الجوانب الايجابية،

·        العوامل والصعوبات المعوقة لتنفيذ العهد،

·        دواعي القلق الرئيسية،

·        الاقتراحات والتوصيات.

وفي عدد من المناسبات، خلصت اللجنة إلى كشف وقوع مخالفات للعهد وحثت الدول الأطراف على الامتناع عن أي انتهاك آخر للحقوق الواردة فيه. فحقوق الإنسان جميعها معرضة للانتهاك ولا تستثنى من ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعدد مباديء (لمبرغ) بشأن تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحالات التي تعتبر انتهاكات ارتكبتها دولة طرف، كما يلي:

(أ‌)    تقاعسها عن اتخاذ اجراء يتطلبه العهد،

(ب‌)                       تقاعسها عن الازالة الفورية للعقبات التي يقع عليها التزام بإزالتها،

(ج‌) تقاعسها عن ان تنفذ دون إبطاء حقا يقتضي منها العهد توفيره على الفور،

(د) تعمد عدم الوفاء بمعيار دولي متفق عليه،

(هـ) فرضها قيود على حق معترف به في العهد،

(و) تعمد تأخير أو ايقاف التطبيق التدريجي لحق معين، ما لم تكن تتصرف في حدود يسمح بها العهد أو تفعل ذلك بسبب نقص الموارد المتاحة،

(ز) تقاعسها عن تقديم التقارير وفقاً لما يقتضيه العهد.

ورغم ان الملاحظات الختامية للجنة، وبخاصة الاقتراحات والتوصيات، قد لا تكون ملزمة من الناحية القانونية، فإنها مؤشر لرأي هيئة الخبراء الوحيدة الموكل إليهم تقديم هذه الآراء والقادرة على ذلك. من ثم فان تجاهل الدول الأطراف لهذه الآراء قد يدل على سوء نية في الوفاء بالإلتزامات المستندة الى العهد. وفي عدد من الحالات، سجلت تغييرات في السياسات والممارسات والقوانين، حدثت، ولو بصورة جزئية، كاستجابة للملاحظات الختامية التي ابدتها اللجنة.

توفير الوضوح في التفسير:

(أ‌)    التعليقات العامة:

قررت اللجنة في عام 1988 أن تبدأ في اعداد "تعليقات عامة" بشأن الحقوق والأحكام الواردة في العهد بغية مساعدة الدول الأطراف في الوفاء بالتزاماتها الخاصة بإعداد التقارير وتوفير مزيد من الوضوح في ما يتعلق بهدف العهد ومضمونه. وتعتبر اللجنة أيضاً اعتماد التعليقات العامة وسيلة لتعزيز وتنفيذ العهد باسترعاء انتباه الدول الأطراف إلى أوجه التقصير التي كشف عنها عدد كبير من تقاريرها، وبحث الدول الأطراف ووكالات الأمم المتحدة والجهات الأخرى على تجديد الاهتمام بأحكام معينة من العهد حتى يمكنها أن تصل تدريجياً إلى التطبيق الكامل للحقوق المحددة بموجب العهد.

وتشكل التعليقات العامة وسيلة بالغة الأهمية لايجاد أسلوب محدد يسمح لأعضاء اللجنة بالتوصل إلى اتفاق بتوافق الآراء في ما يتعلق بتفسير المعايير التي يجسدها العهد.

وقد اعتمدت اللجنة تعليقات عديدة، أبرزها حول الحق في السكن الملائم، والمعوقين، والمسنين، وغيرها من المواضيع.

(ب‌)                       المناقشات العامة:

تعقد اللجنة، في كل دورة من دوراتها، يوماً خاصاً للمناقشة العامة بشأن أحكام معينة من العهد أو مواضيع أخرى تهم اللجنة مباشرة بغية تعميق فهمها لهذه المسائل، منها حول:

الحق في الغذاء،

الحق في السكن،

المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية،

الحق في المشاركة في الحياة الثقافية،

حقوق المسنين،

الحق في الصحة،

دور شبكات الأمان الاجتماعي بوصفها وسيلة لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع ايلاء عناية خاصة للحالات التي تنطوي على تكيف هيكلي و/او انتقال إلى اقتصاد السوق الحرة،

التثقيف في مجال حقوق الإنسان،

تفسير الالتزامات الملقاة على عاتق الدول الأطراف وتطبيقها العملي.

المجتمع المدني وعمل اللجنة:

تقرر اللجنة منذ فترة طويلة بأهمية دور المجتمع المدني في توفير المعلومات المتعلقة بتطبيق أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية داخل الدول الأطراف، وكانت أول هيئة منشأة توفر للمنظمات غير الحكومية فرصة لتقديم تقارير مكتوبة واجراء عروض شفوية تعالج المسائل المتعلقة بالتمتع بالحقوق الواردة في العهد في بلدان محددة.

وفي اليوم الأول من كل دورة من دورات اللجنة، تخصص لإعطاء المنظمات الدولية والوطنية غير الحكومية فرصة للتعبير عن آرائها بشأن كيفية قيام الدول الأطراف بتنفيذ العهد، وفي السنوات الأخيرة، استفادت المنظمات غير الحكومية بشكل متزايد من هذا الاجراء ووفرت للجنة مواداً مكتوبة وسمعية ومرئية حول عدم التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدول الأطراف.

واشارت اللجنة إلى ان الاجراء الخاص  بالمنظمات غير الحكومية يهدف إلى تمكينها من الحصول على أقصى قدر ممكن من المعلومات، وبحث مدى دقة وملاءمة المعلومات التي ستتوافر لها، ووضع عملية تلقي المعلومات من المنظمات غير الحكومية على أسس أكثر شفافية.

ويجوز للمنظمات غير الحكومية الراغبة في موافاة اللجنة بمعلومات جديدة ان تكتب إلى أمانة اللجنة قبل بضعة أشهر من بدء دورة معينة، ويجوز للمنظمات التي لديها مواد مكتوبة ان ترسل أيضاً هذه المعلومات إلى الأمانة ويجوز لها ان تحضر دورات اللجنة، ويجوز للمنظمات غير الحكومية المتمتعة بمركز استشاري وفقاً لقرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي ذات الصلة، أن تقدم عروضاً مكتوبة إلى اللجنة في أي وقت، وتكون جلسات اللجنة علنية عموماً، باستثناء تلك الجلسات التي تعد اثناءها ملاحظاتها الختامية والتي تكون سرية.

وقد اثبتت المشاركة الايجابية للمنظمات غير الحكومية في عمل اللجنة أهميتها الجوهرية في ضمان نشر المعلومات عن العهد واللجنة على نطاق واسع على المستوى المحلي، وفي حالات كثيرة، لاقت هذه المنظمات اهتماماً اعلامياً كبيراً في بلدانها بعد اعتماد الملاحظات الختامية المتعلقة بهذه الدول موضوع الدراسة.

اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان:

على سبيل المقارنة نذكر ان اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تنظر بالانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان والتي تتعارض مع أحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وتقدم الشكاوى إلى اللجنة من قبل الافراد أو الحكومات، الا أن الغالب هو تقديمها من الأفراد أو المجموعات والمنظمات غير الحكومية، وانما تشترط الموافقة الصريحة للدولة المعنية بحق تقديم الشكاوى من قبل الأفراد، هذا الحق المنصوص عليه في المادة /25/ من الاتفاقية والذي يمكن اعتباره خصوصية اوروبية قد لا تأتي عليها سائر المواثيق الدولية.

على اللجنة، بادئ ذي بدء، أن تعلن قبول المراجعة شكلاً، فمن عداد مئات الشكاوي والمراجعات الواردة سنوياً، يرفض حوالي 90% منها لعلة الشكل، ومن أجل قبول المراجعة، يقتضي على المستدعي:

اثبات لجوئه إلى كافة سبل المراجعة في بلاده

تقديم مراجعته إلى اللجنة في مدة وجيزة تلي الحكم المبرم الصادر عن السلطة القضائية في بلاده، أو القرار النهائي الصادر عن السلطات الادارية،

الا يكون قد سبق له أن تقدم بمراجعة شبيهة أمام اللجنة نفسها أو امام محكمة دولية أخرى، وان تقع المراجعة في ميدان تطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

فبل تقرير قبول المراجعة شكلاً، غالباً ما تطلب اللجنة من الحكومة المعنية معلومات خاصة بالحالة المذكورة، أما قرار القبول أو الرفض فهو مبرم غير قابل للمراجعة.

في حال قبول المراجعة، يطلب من الفرقاء تقديم وسائل اثبات اضافية، والاجابة على اسئلة اللجنة وتقديم ايضاحات مختلفة، كذلك، يمكن للجنة اجراء تحقيقات ميدانية يستمع خلالها إلى شهود ويستعان بخبراء.

بعدها، تسعى اللجنة إلى التوصل إلى التسوية بين الطرفين تتلاءم واحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وفي حال عدم التوصل إلى مثل هذا الحل التوافقي، تقوم اللجنة بإعداد تقرير مفصل حول ما اذا كانت وقائع القضية المعروضة أمامها تنافي أحكام الاتفاقية، ويحال النزاع إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

حقوق الإنسان، الديمقراطية، الحريات الشخصية والحريات العامة، مفاهيم ومبادئ تكون قابلة للتطبيق الفعلي والمنتظم بقدر ما تسهر على ضمان حسن تطبيقها منظمات رقابة محددة ومعروفة وآليات احتكام واضحة وفعالة.

ولا ينبغي الاعتقاد بأن مسؤولية مراقبة مدى تطبيق حقوق الإنسان تقع على عاتق المنظمات الدولية وحدها، وتحديداً أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، وإنما هذه المسؤولية هي جماعية، بقدر ما ينبغي أن يكون تطبيق الإنسان عالمياً وشاملاً وجماعياً.

فمسألة تطبيق حقوق الإنسان والسهر غلى ضمان احترامها تقع على السواء، على عاتق الحكومات والمنظمات الدولية والجمعيات المحلية والأفراد.

وبتعاون جميع أولئك وتآزرهم، تضحي سيادة حقوق الإنسان أقرب منالاً، وهي، دوماً، سوف تبقى هدفاً منشوداً، أشبه بمنارة تضيء الطريق.

source