كلمة سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الدكتور الشيخ محمد رشيد قباني

calendar icon 11 كانون الأول 2003 الكاتب:محمد رشيد قباني

* مثلة سماحة الشيخ محمد دالي بلطه

* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثامن: "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر"






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ورسل الله أجمعين

رئيس الجمهورية ـ رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ دولة رئيس مجلس النواب ـ دولة رئيس مجلس الوزراء ـ أصحاب المعالي والسعادة والسماحة والسيادة والفضيلة ـ أيها الحفل الكريم ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فإننا عندما نجتمع لنتكلم عن الإمام السيد موسى الصدر فإننا لا نتكلم عن إنسان وإنما نتكلم عن قضية وعقيدة وجهاد، نجتمع لنتكلم عن ظاهرة بشرية استثنائية لا تتكرر دوماً مع تعداد البشر الذين يجوبون هذه الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، إننا لم نجتمع لنتحدث عن شخص وُلد كما يولد البشر ونشأ كما نشؤوا، ولا نتكلم عنه لأنه توجه إلى النجف الأشرف أو توّج رأسه بعمامة الإرث النبوي فكل هؤلاء كثر ولم تكن كثرتهم سبباً يدفعنا لنتحلق حولهم ونستذكرَ حياتهم بل إننا نقوم بكل ذلك مع الإمام السيد موسى الصدر لأنه قفز فوق المشهد البشري المعتاد محلياً ودولياً إلى مستوى الإنسان الذي حمل الأمانة بحق فراح يصول ويجول ليسد الخلل في مجمل نواحي الحياة الإنسانية التي تحيط به فأعلى الصوت خطيباً ومناظراً وداعياً وموجهاًَ ومحذراً وحمل سلاح الجهاد وحض عليه واعتصم عندما كان الاعتصام أشد موقفاً وأنشأ المؤسسات لتكون الأطر الإنسانية الفاعلة وكان ركناً من أركان الوحدة الوطنية فكان التغييب على مستوى القضية التي قامت بشخصه في ذلك الوقت لم تكن ساحة تتسع لرجل يناضل ليبنيَ بل كانت لكل من يحسن القتل ويتفنن فيه، لم تكن الساحة وقتئذ تتسع لمن يعرقل عمل المتآمرين على الوطن من الداخل والخارج بل كانت لمن يسهل عمل أولئك ويقدمُ كشف حساب آخر اليوم بكميات الدم التي سفكها وأعداد القذائف التي أطلقها والبيوتِ التي دمرها والعائلاتِ التي شردها لذلك أيها الأخوة لم تكن الساحة تتسع للإمامِ السيد موسى الصدر الذي يقف بالمرصاد لكل أولئك فغيبوه معتقدين بذلك أنهم قادرون على إطقاء نور الحق وإخماد صوتهِ غيرَ مدركين أن قضايا الإنسان ليست أشخاصاً تنتهي بإبعادهم أو باغتيالهم بل إن هذه القضايا تتفجر أكثر فأكثر بمثل تلك التصرفات الساقطة التي اعتاد عليها أعداء القضايا الإنسانية فهذا هو التاريخ ماثل أمامنا فلنقرأه جيداً وليقرأه أولئك المعاندون المتغطرسون فها هو الوطن قد قام من بين الركام والأنقاض وهاهم أبناؤه يلتقون حوله مع كل اختلافاتهم وتنوعاتهم فهزموا المؤامرة واقتلعوا المتآمرين وما كان للباطل ان يقضي على الحق يوماً.

أيها الأخوة:

إن قضية الإمام موسى الصدر تتسع اليوم فقد خرجت عن إطارها الوطني إلى المنطقة بأسرها بل إلى العالم كله ففي فلسطين قضية وفي العراق قضية، قضية الإنسان والأرض وتآمرِ المتآمرين عليهما بين فلسطين المغتصبة والعراق المستباح والإمام هنا وهنالك جهاد يقاوم وسيخرج كل من هذا المأزق الرهيب والتاريخ لم يحدثنا عن محتل بقي احتلاله حتى يومنا هذا كي يبقى احتلال اليوم إلى الأجيال الآتية في فلسطين شعب ملتصقٌ بأرضه يرويها بدمه يدرك انه لم يعد بين خيار الموت أو الحياة وإنما هو بين خيار الموت أو الموت موت العز والكرامة وموت الذل والاستسلام فاختار موت العز والكرامة فسلك طريق الشهادة فإذا الصهاينة في مأزق يخبطون فيه خبط عشواء فلا الأمن أدركوا ولا الاستقرارَ عرفوا.

أيها الأخوة:

في لقائنا السابق كان الأمريكيون يقرعون طبول الحرب غير آبهين بنصح الناصحين وحكمة العقلاء مصرين مع حلفائهم على دخول الساحة العراقية تحت ذرائعَ غيرِ واضحة ومتغيرة لم تظهر الأيام صحةَ واحد منها. أين أسلحة الدمار الشامل؟ لماذا لم يعد أحد يتكلم عنها؟ أين هي الديمقراطية في كثير من دول العالم التي تحمي أنظمتها الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة؟ كنا نعتقد أن أمريكا دولةٌ عظمى تحكمها السياسة الواعية البعيدة النظر فإذا بنا نجدها محكومة بخفة الراي وتهور الفعل يحكمها مجموعات جنونِ العظمة والبحث عن الثروةِ والتعطشِ لسفكِ الدماءِ، فماذا حققت بعد دخولها العراق إلا مزيدا من الدمار والحقد. هاهي لا ترى إلا القوة والتهديد ولا تعرف سبيلاً للمنطق والحوار. نتكلم عن محاربة الإرهاب ولا تعرف أن تمارس إلا الإرهاب، فهل قانون محاسبة سوريا إلا صورة من صور الإرهاب الأمريكي للضغط على موقفها؟ لماذا تحاصر أمريكا سوريا؟ ألأنها متمسكة بالجولان وهي أرض اغتصبها الصهاينة بالقوة كما اغتصبوا فلسطين من قبل؟ الأن الشرعية الدولية قد حرمت اغتصاب الأرض بالقوة؟ الأن سوريا تتمسك بالحق العادل والشامل الذي لم يعرف طريقه إلى المنطقة حتى اليوم؟ ألأنها بعد كل ذلك مصممة على إبقاء باب الحوار والانفتاح مفتوحاً مع الأمريكيين؟ فمن هو إذاً الحضاري ومن هو الإرهابي؟ إن الأمريكيين بسياساتهم التي ينتهجونها يذهبون بالعالم إلى المجهول. إنهم يغيرون المفاهيم الثابتة ويقلبون الموازين العادلة، فكيف نقر لهم بذلك؟ فأيّ حق لهم ولحلفائهم في العراق حتى يأسفوا ويحزنوا على قتل جنودهم "الأبرياء" في العراق وحتى يكون أهل العراق "إرهابيين" في الدفاع عن حريتهم وكرامتهم تجاه هذا المحتل الذي حشد الأساطيل والطائرات والعتاد والرجال آتياً من وراء البحار البعيدة للدفاع عن نفسه في آخر حجة هزلية ابتدعها.

أيها الأخوة:

هل من الممكن أن يسترجع الأمريكيون كلام النصح من العقلاء الذي قيل لهم قبل خوض هذه التجربة الفاشلة التي تعود بنا إلى عصور شريعة الغاب ليوفّروا على أنفسهم أولاً مزيداً من القتلى والجرحى والخسائر؟ هل يمكن أن يختصروا الزمن بموقف جريء وواقعي كما فعلوا قبل ذلك في فيتنام بعد أن دفعوا فاتورة غالية جداً؟ وفاتورة اليوم يبدو أنها ستكون أغلى بكثير من تلك، فخروجهم من العراق أمر حتمي اليوم أو غداً، ولو استطاعوا أن يبقوا في فيتنام لأمكن أن يفكروا بالبقاء في العراق ففينا يولد كل يوم إمام وفينا يكبر كل يوم الجهاد ترويه دماء الشهداء يورق نصراً ويزهر عزة وحرية. وساحتنا لم تعد تتسع سوى للمجاهدين والمقاومين.

فتحية لكم أيها المجاهدون في فلسطين وفي العراق وفي كل مكان وتحية لك أيها الإمام حيث أنت.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

source