الابعاد الانسانية والوطنية في قضية تغييب الإمام الصدر

calendar icon 11 كانون الأول 2003 الكاتب:ميشال إده

* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثامن: "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر"

تحية التقدير الكبير إلى الأوفياء لمسيرة الإمام السيد موسى الصدر الإيمانية الفكرية الوطنية المقاومة التي محضت هذه الشخصية المتألقة في لبناننا المعاصر حضوراً باهر الغنى، ورسخته منهلاً خصيباً لا ينضب معينه في معرفة الحقيقة اللبنانية، وفي مقاربة مسائل حاضرنا اللبناني، وفي استشراف مستقبل هذا اللبنان الذي اعتبره الإمام السيد "ضرورة حضارية قصوى للعالم" على حد تعبيره الحرفي في كانون الثاني 1977.

فهذا الوفاء الذي ينهض إليه بصورة دائمة "مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات"، بتعبيراته المتنوعة، والتي توقفت هذا العام عند "الابعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية تغييب الإمام الصدر"، بعدما توقفت من قبل عند البعد الثقافي لمسيرته، وعند رؤيته لمخاطر المشروع الصهيوني، وعند البعد المقاوم وحضور المقاومة في صلب مشروعه الوطني اللبناني.

إن المثابرة الخلاقة على هذا الوفاء لا يقتصر فضلها على إبقاء الريادة التي تطبع مسيرة هذا الإمام السيد في صلب ذاكرتنا اللبنانية. بل هي تجعلها ايضاً مصدر إيحاء واستلهام لإبداع أيامنا الآتيات.

فالذهنية التي أطل منها الإمام على وقائعنا اللبنانية تأسست اصلاً على الانفتاح الإيماني والديني والمعرفي والثقافي. إنها ذهنية الحوار بامتياز.

والقضية التي حركت كل طاقاته الخلاقة وحيويته المشعة في الرؤية وفي العمل معاً لم تكن أساساً غير "الدفاع عن صيغة مجتمعنا، أي التعايش في ظل الديمقراطية" وفق تعبيره الحرفي البليغ.

فما كان لشأن هذا المبتدى إلا ان يبلغ، بصورة منسقة، ذلك المنتهى التاريخي الطابع بأن "رسالة لبنان بالتعايش" وهو الاستنتاج – الدعوة – النداء التاريخي الذي خلص إليه قداسة الحبر الأعظم وخاطب به انتباه اللبنانيين إلى أن "لبنان أكثر من دولة، إلى أنه رسالة". وأن هذا البعد التاريخي لهذا الكيان الجغرافي الصغير إنما هو أمانة في يد اللبنانيين ومسؤوليتهم، ولكنه ليس حقهم وحدهم، ولا ملكاً حصرياً لهم، بل هو أفق للعالم بأسره. "ضرورة للشرق وللغرب" على حد قول قداسته في زيارته الرسولية للبنان.

وعلى هذا، فلبنان الذي اعتبره الإمام السيد "واحة نموذجية" لثقافة الحوار، ولتحاور الأديان والثقافات، لبنان هذا لا يملك إلا أن يظل وفياً إلى هذا الإنسان الكبير، ضنيناً بحضوره الذي أسهم بجعل جغرافيتنا تمثل التاريخ، واثقاً من بقائه نافذة لبنانية حضارية على العالم، عصياً على الغياب وهو الذي ما انفك يتطلع إلى عطف السماء بإزاء – ورغم – كل ما عاينه من مكاره ومن مكافر على الأرض.

القلم الذي لا يغرف إلا من حبر الحقيقة مهما كانت مرة، يهيب بنا أن نسعى دوماً إليها مهما كان هذا السعي مضنياً.

source