قضية الإمام الصدر في القانون الدولي

calendar icon 12 كانون الأول 2003 الكاتب:حسن الجوني

* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثامن: "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر"


أيها الحضور الكريم
إني اتوجه أولاً بالشكر الحميم إلى منظمي مؤتمر "كلمة سواء" الثامن على دعوتهم إليًّ للمشاركة في هذا المؤتمر القيم.

ليست الحالة الوحيدة في العالم التي يتم فيها خطف واخفاء اشخاص في دولة غير دولتهم، كما انها ليست الحالة الوحيدة التي يتم فيها خطف وإخفاء اشخاص يمثلون بلادههم في الخارج، سواء كانوا من الدبلوماسيين أو السياسيين.

إنها، دون شك، الحالة الوحيدة في العالم التي تم فيها خطف وإخفاء شخصٍ مدعوٍ بدعوةٍ رسميةٍ للقاءٍ أعلى سلطة وأهم شخصية في الدولة الداعية.

إنها الحالة الوحيدة ايضاً، التي يتم فيها اخفاء شخص، بوزن الإمام موسى الصدر، والذي كان يلعب دوراً سياسياً اساسياً في لبنان.

حصل ذلك، بينما كان لبنان يعاني نزاعات عسكرية داخلية، نتيجة مؤامرة صهيونية اميركية، ارادات لهذا الوطن ان يغرق في وحل الطائفية والمذهبية، ومن ثم تدميره وتدمير الانسان فيه.

كما انها هذا الخطف قد حصل في وقت كانت الاعتداءات الصهيونية في تصاعد مستمر، وكان الوضع العربي يعاني التحضير لما يسمى السلام مع العدو الصهيوني.

في هذه الاجواء حصلت عملية الخطف والاخفاء للإمام الصدر ورفيقيه.

لا وجود في القانون الدولي العام لأي وصف أو تعريف للتغييب: فعبارة التغييب تحمل طابعاً سياسياً أكثر منه قانونياً.

يبقى أن القانون الدولي العام يتناول قضيتي الخطف والإخفاء، لذلك سنتكلم:

أولاً: على الخطف في ضوء القانون الدولي العام.

ثانياً: على الاخفاء في ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان.

أولا: الخطف في ضوء القانون الدولي العام
اعتبرت المعاهدة المتعلقة بالارهاب والخطف المنبثقة عن الجمعية العامة لمنظمة الدول الاميركية عام 1971، في مادتها الثانية:

"ان الخطف والقتل وكل انتهاك للحياة، او لشخصية الأفراد الذين كان على الدولة ان تؤمن لهم حماية خاصة، عملاً بالقانون الدولي، وكذلك الابتزاز المرتبط بعملية الخطف، تشكل جريمة لها امتدادات دولية، مهما كانت اسبابها".

يأخذ القانون الدولي بعين الاعتبار ثلاثة اوضاع مختلفة قد يحصل فيها الخطف:

1- الوضع القانوني للشخص المخطوف في دولةٍ غير دولته الذي قد يكون دبلوماسياً أو قنصلياً او سياسياً او شخصاً عادياً.

2- طبيعة الجهة الخاطفة التي قد تكون:

أ‌- مجموعة متمردة

ب‌-بعض أجهزة الدولة.

ت‌- الدولة المضيفة.

3- الوضع الذي يحصل فيه الخطف:

أ‌- اثناء السلم

ب‌-اثناء الحروب والثوارت.



الوضع القانوني للإمام موسى الصدر

إن خطف الدبلوماسيين والقنصليين أو أي ممثل دولة، يشكل انتهاكاً لبعض المعاهدات الدولية، وكذلك لللقانون الدولي العرفي.

- فالمادة 29 من معاهدة فينيا 1961 حول العلاقات الدبلوماسية.

- والمادة 40 من معاهدة فينيا 1963 حول العلاقات القنصلية.

- والمادة 29 من معاهدة نيويورك المتعلقة بحماية الاشخاص في المهمات الخاصة.

تنص هذه المواد على أنه لا يجوز التعرض للشخص الدبلوماسي... ولا يمكن ان يتعرض للتوقيف والحجز، كما ان على دولة الاستقبال ان تقدم له كل الاحترام، وتتخذ كل الاجراءات اللازمة من اجل منع كل تعدٍ على شخصه وحريته وكرامته.

إن السؤال المطروح هنا، هل يتمتع الإمام موسى الصدر ورفيقاه بالحماية التي تنص عليها هذه المواد؟ مع العلم ان الإمام الصدر لا ينتسب إلى الجسم الدبلوماسي او القنصلي، إلا انه يحمل جواز سفر دبلوماسي، وهو شخصية عامة في لبنان.

إن القانون الدولي العرفي، يسمح لنا ان نعتبر ان مضمون الحماية المذكورة في المواد اعلاه، تشمل كل شخص عام او ممثلاً للدولة في دولة أخرى.

ففي التقرير الصادر عن لجنة القانونيين المؤلفة من قبل مجلس عصبة الأمم، المتعلق بالنزاع الحاصل بين ايطاليا واليونان، على أثر اغتيال الجنرال تيلليني Tellini، اكدت اللجنة على ان الصفة العامة للشخص الأجنبي، والظروف التي يتواجد بها على أرض غير دولته، يفرض على هذه الدولة واجب الحماية الخاصة له.

وفي قضية دان متريون Dan Mitrione الموظف الاميركي الذي خطف في الاورغواي، والذي لم يكن يتمتع بأية حماية دبلوماسية او قنصلية، فقد اعتبر ان اختطافه يشكل حالة خاصة، باعتباره موظفاً رسمياً لدولة اجنبية، وعليه فإن على الدولة المضيفة ان تؤمن حماية خاصة له.

كما صدر قرار عن الجمعية العامة لمنظمة الدول الاميركية بتاريخ 30 حزيران 1970، يعتبر كل عملٍ اجرامي موجه ضد ممثلي دولة اجنبية، بمعزل عن وضعهم القانوني، يعتبر جريمة مهينة للانسانية.

يبدو، مما تقدم، ان القانون الدولي العرفي، يأخذ بالاعتبار، ليس فقط، الوضع القانوني للضحية، وإنما ايضاً، المهمة التي يقدم بها والدور الذي يلعبه في بلاده.



بما يتعلق بالجهة الخاطفة

تحصل عملية الخطف، بشكل عام، من قبل اشخاص متمردين، او مجموعات سياسية معارضة. إلا أنه قد يحصل ان تعمد بعض اجهزة النظام على المساعدة في عملية الخطف، ومن النادر جداً ان يكون النظام السياسي هو الخاطف.

ففي ضوء القانون الدولي العام، تقع مسؤولية الخطف على الدولة المضيفة، سواء حصلت هذه العملية من قبل اشخاص معارضين او اشخاص تابعين لأجهزتها، إلا في حال اثبتت الدولة المضيفة انها قد بذلت كل امكاناتها لمنع عملية الخطف.



بما يتعلق بالوضع العام في البلاد

يأخذ القانون الدولي العام الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد التي حصل فيها الخطف، وخاصة حالة الحرب الداخلية.

ولكن، من المعروف، ان الوضع في ليبيا، اثناء خطف الإمام الصدر ورفيقيه، كان عادياً، وبالتالي كانت السلطة تسيطر على الاوضاع عامة.



ثانياً: الاخفاء في القانون الدولي لحقوق الإنسان

لن نتكلم عن الاخفاء بشكل مطلق، إنما سنتكلم على الإنسان المختفي وحقوقه.

من الصعب تعريف المختفي او المفقود في ضوء القانون الدولي العام، حيث قد جرت عدة محاولات على هذا الصعيد، وقد تم تشكيل لجنة خاصة لتحديد وتعريف المختفي والمفقود، وذلك خلال المؤتمر الدبلوماسي التحضيري للبروتوكول الاضافي لاتفاقيات جنيف، المنعقد بين 1973 و1977، والتي توصلت للتعريف الآتي:

"إن المفقود هو كل شخص يُعلن عنه من قبل احد الفرقاء كمفقود". واهمية هذا التعريف انه يكتفي بالاعلان عن فقدان الشخص دون البحث عن ظروف اختفائه.

وقد خصص البروتوكول الأول الاضافي لاتفاقيات جنيف القسم الثالث منه لموضوع المفقودين، فنصت المادة الثانية والثلاثون على ان لكل اسرة الحق في معرفة مصير افرادها..." واعتبرت المادة الثالثة والثلاثون "أنه يجب على كل طرفٍ ... ان يقوم بالبحث عن الاشخاص الذين ابلغ الخصم عن فقدانهم، ويجب ان يقدم جميع المعلومات المجدية عن هؤلاء الاشخاص لتسهيل عملية البحث".

إن هذه القواعد تطبق اثناء النزاعات العسكرية المسلحة إلا انه من الممكن، في ضوء القانون الدولي العرفي، اعتبارها من القواعد الاساسية العامة، ليس فقط للقانون الدولي الانساني إنما ايضاً للقانون الدولي لحقوق الانسان، كونها تهدف، بصورة اساسية، إلى اعطاء العائلات الحق في معرفة مصير افرادها.

وفي هذا الاطار، واثناء انعقاد المؤتمر الدبلوماسي في جنيف بين عامي 1973 و1977، اعلن رئيس قسم حقوق الإنسان في الامم المتحدة، ان المادة الثالثة والثلاثين، المذكورة اعلاه، تعتبر تقدماً مهماً على صعيد الجهود العالمية المبذولة من اجل تقدم حقوق الانسان.

وقد أكدت اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولي، في مؤتمرها الرابع والعشرين المنعقد في مانيلا – الفليبين، عام 1981، ان موضوع المختفين يعتبر خرقاً للقواعد الاساسية لحقوق الإنسان، كما اقر مؤتمرها الخامس في جنيف عام 1986، أن للعائلات الحق بمعرفة مصير ابنائها وأكدت على التأثير العميق والالام والعذابات التي يسببها الاخفاء للعائلات، وقد شجب كل عمل يؤدي إلى هذه النتائج. وقد اتخذت الجمعية العامة لمنظمة الدول الاميركية قراراً، عام 1970، يتعلق بعمليات الخطف التي تحصل في دولة اجنبية. فاعتبرتها عمليات تنتهك حقوق الانسان وحرياته الأساسية، سواء كانت موجهة ضد الدبلوماسيين والقنصليين أو ضد اي شخص اجنبي يعيش على اراضيها، كما اعتبرت ان خطف الدبلوماسيين يتميز بأنه لا ينتهك فقط حقوق الإنسان وإنما ايضاً العلاقات بين الدول.

أما الأمم المتحدة، فقد ادرجت هذا الموضوع عدة مرات، في اعمال الجمعية العامة، وكذلك في لجنة حقوق الإنسان. فقد طالبت الجمعية العامة بقرارها الصادر عام 1978 المتعلق بقضية المفقودين، الامين العام بمتابعة جهوده لحمايتهم والبحث عنهم وذلك مع الحكومات المعنية والصليب الإحمر الدولي.

وفي قرارها الصادر عام 1980، والمتعلق بقضية المفقودين، اكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، على ان قضية الاختفاء تعتبر خرقاً ليس فقط لقانون حقوق الإنسان، وانما ايضاً، لمبادئ القانون الدولي الانساني.

فالسؤال المطروح هنا، ما هي مبادئ وقواعد حقوق الانسان التي انتهكت في قضية الإمام موسى الصدر ورفيقيه؟

دون ادنى شك، إن كل قواعد ومبادئ حقوق الإنسان قد تم انتهاكها في قضية اخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، ونذكر فيما يأتي البعض منها:



مبدأ الكرامة الانسانية

يعتبر الاخفاء انتهاكاً أساسياً لأهم ما في حقوق الانسان ألا وهو الكرامة الانسانية، فإخفاء الإنسان دون اعطاء أية معلومات عن مكان وجوده ومصيره، يُصيبُ الانسان والإنسانية بشكل عام، فالكرامة الإنسانية هي اليوم من أهم القواعد في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد تكلمت عليها مقدمة الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك إلى المادتان الاولى والخامسة منه، وكذلك مقدمة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966. وكذلك في مقدمة معاهدة التعذيب الصادرة عن الجمعية العام للأمم المتحدة.



الحق في الحياة الكريمة

إن الحق في الحياة الكريمة، هو حق اساسي من حقوق الانسان، فالمختفي ولو كان على قيد الحياة، فإن حقه في الحياة الكريمة قد انتهك. "فالإنسان له الحق في الحياة الكريمة، وهذا يعني مستوى معيشةٍ يكفي لضمان الصحة والرفاه له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية ..."

وقد جاء ذلك في الكثير من مواد القانون الدولي لحقوق الانسان، نذكر منها المادتين 3 و25 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة السادسة من العهد المتعلق بالحقوق السياسية، والمادة الحادية عشرة من العهد المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.



الحق في الحرية والسلامة الشخصية

إن عملية الاخفاء تنتهك حق الانسان في حريته وسلامته الشخصية، ما اقرته اعراف وقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان، كالمادة الثالثة من الاعلان العالمي التي تنص على:

"فلكل إنسان الحق في الحرية وفي الامان على شخصه"

والمادتين التاسعة من الاعلان العالمي ومن العهد المتعلق بالحقوق السياسية اللتين تنصان على أنه لا يجوز اعتقال اي انسان او توقيفه اعتقالاً متعسفاً، ولا يجوز حرمان اي انسان من حريته.





الحق في عدم الخضوع للتعذيب

ان الاخفاء يشكل، دون اي شك، تعذيباً نفسياً وجسدياً، يحظرهما القانون الدولي لحقوق الانسان، في معاهدة "مناهضة التعذيب" الصادرة عن الامم المتحدة عام 1984.

وكذلك تحظره المادة الخامسة من الاعلان العالمي، والسابعة من العهد المتعلق بالحقوق السياسية، حيث ينصان على "انه لا يجوز اخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة او للعقوبة القاسية أو اللاإنسانية او الحاطةِ بالكرامة".

الحق في التنقل
إن الاخفاء ينتهك حق الإنسان في التنقل، فلكل انسان، عملاً بالمادة الثالثة عشر من الاعلان العالمي، والمادة الثانية عشرة من العهد المتعلق بالحقوق السياسية، الحق في حرية التنقل واختيار محل اقامته والحق بمغادرة اي بلد.



الحق في الحياة العائلية

وينتهك الاخفاء، ايضاً، حق الإنسان في الحياة العائلية، فالأسرة في قانون حقوق الإنسان، هي الخلية الطبيعية والاساسية في المجتمع، ولها عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 16 من الاعلان العالمي، الحق بالتمتع بحماية المجتمع والدولة.



وبالنتيجة، إن عملية خطف واخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدرالدين تشكل انتهاكاً لأعراف وقواعد القانون الدولي، من قبل الدولة المضيفة: ليبيا، وهي جريمة لا تنتهك حقوق الإنسان، فقط، وانما ايضاً تعتبر جريمة مهينة للإنسانية. كما أنها تنتهك الأسس والاعراف التي تقوم عليها العلاقات الدولية.

إن النزاع في هذه القضية، قد خرج من نطاقه الشخصي إلى النطاق الدولي، فعلى الدولة اللبنانية، عملاً بأحكام القانون الدولي، ان تتولى متابعتها، سواء على الصعيد السياسي او القضائي.

وشكراً.

source