(الاختصاص) في متابعة قضية الإمام الصدر

calendar icon 12 كانون الأول 2003 الكاتب:ادمون نعيم

* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثامن: "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر"


زملائي، سيداتي سادتي، قبل أن أفصل الموضوع الذي كُلّفت به، أعتقد انه من واجبي أن أتذكر حدثاً أو أحداث سابقة مرّت عليّ، أول هذه الأحداث هو أنه في سنة 1965 أو 1966 عندما كنت عميداً لكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية وأنا الذي اشتريت، بمال الدولة طبعاً، هذه الطاولة التي ترونها هنا وهي ما تزال هنا لأن وزنها ثقيل جداً لا يمكن أن تنقل بسهولة. في سنة الـ 65 أو الـ 66 كان سيادة الإمام موسى الصدر في أمسيةٍ في هذه الكلية جالساً هنا وأنا كنت على يمينه، وأتذكر أيضا انه في تلك الليلة في ذاك المساء كان قد حصل شجار بين فئتي طلاب هذه الكلية ولم يكن لها فروع، وتدخل الإمام بذاته وجلس على كرسي العميد في غرفة العميد ليصالح الفئتين، وقد تمّ الصلح آنذاك كما أتذكر. بعد ذلك أفصّل موضوع الكلمة التي كلّفت بها وهي في الحقيقة الدولة المختصة قضائياً، لإجراء الملاحقات في قضية تغييب الإمام موسى الصدر.

وقد أشار أحد الحاضرين إلى قضية لوكربي وقضية الطائرة الفرنسية، لو كان للبنان السلاح العسكري الذي للولايات المتحدة الأميركية، لكانت هذه القضية انتهت منذ زمن بعيد، أما وما نزال في هذه القضية في لبنان، يجب بادىء ذي بدء أن نلخص وقائعها وكلكم أو أغلبكم يعلم بالتفصيل موضوع هذه الوقائع التي تطوّق قضية تغييب الإمام موسى الصدر.

الإمام دُعي إلى زيارة الجماهيرية الليبية، وبالتحديد دُعي لزيارة رئيس الجماهيرية الليبية معمر القذافي. ثم عندما ظهر لأقاربه في لبنان أنه لم تأتهم الأخبار عن سيادة الإمام موسى الصدر أخذوا يطالبون ببعض التوضيحات فتبين لهم أن الإمام لم يعد في الجماهيرية الليبية وعندما استعلموا بالعمق عن محل وجوده أفادتهم الجماهيرية الليبية أنه ترك الجماهيرية إلى الجمهورية الإيطالية، تحرّوا عن الإمام في الجمهورية الإيطالية فأجابتهم الجمهورية بأنه لم يدخل الأراضي الإيطالية. أجريت تحقيقات في الدولة الإيطالية من أجل معرفة ما إذا كان الإمام دخل إلى أراضي الجمهورية، فتبين للقضاء وللتحريات الإيطالية أنه لم يدخل الجمهورية الإيطالية وقد صدر عن الجمهورية الإيطالية مطالعتان من قبل النيابة العامة الإيطالية وقرار عن قاضي تحقيق إيطالي في روما يبينان بشكل أكيد بعد التحريات الواسعة الشاسعة أنه لم يدخل إطلاقا أراضي الجمهورية الإيطالية. وهنا أقرأ عليكم قرار أو حيثية من قرار قاضي التحقيق الإيطالي حيث جاء بالحرف الواحد معرّباً "فالتحقيقات الإضافية المعمّقة التي أجريت عزّزت وأيدت بشدّة نتائج التحقيقات السابقة، وأفرزت أدلة ثبوت متطابقة لا يرقى إليها أدنى شك وهي وفيرة جداً بحيث يترتب الجزم بكل تأكيد انه لم يرتكب أي جرم على أراضي الدولة الإيطالية بحق موسى الصدر ومحمد يعقوب وعباس بدر الدين. لأنه ثبت أن المذكورين لم يصلوا إلى مطار "فيومتشينو" في ساعة متأخرة من ليل 31 آب 1978 على متن طائرة أليطاليا الرحلة 881 القادمة من طرابلس، وأن أشخاصاً آخرين غير معروفين انتحلوا شخصيات الأشخاص الثلاثة وزيّفوا آثاراً لدخولهم وإقامتهم على أراضي بلدنا". هذا القرار صدر بعد التحقيقات العميقة في الجمهورية الإيطالية وبالتحديد في عاصمة الجمهورية روما. بعد ذاك، بناءً لإحالة قضية تغييب الإمام موسى الصدر إلى القضاء اللبناني وبالتحديد إلى المجلس العدلي اللبناني، عُيّن محقق عدلي وضع يده على القضية وهو القاضي "طربيه رحمة". وبعد الاطلاع على ملفات التحقيق الإيطالية وعلى تقرير لجنة خاصة أوفدتها الدولة اللبنانية من أجل التحقيق في طرابلس، ثم في إيطاليا، جاء عن المحقق العدلي القاضي "طربيه رحمة" قوله بالحيثيات التالية (واختصرها لأنه لا يمكنني أن أفصّل كل الوقائع والقواعد القانونية الحاصلة في هذه القضية) قال: "وحيث أن مرسوم الإحالة على المجلس العدلي لا يُولي هذا المجلس الاختصاص بل يفترض به وقاضي التحقيق لديه بالتالي التثبت من اختصاصه على ضوء القوانين الجزائية اللبنانية"، وحدّد القاضي طربيه رحمة المادة 19 من قانون العقوبات التي اعتقد برأيه انه هي التي تحدد اختصاص القضاء اللبناني، قال: "وحيث أن المادة 19 من قانون العقوبات اللبناني توجب تطبيق الشريعة اللبنانية على كل لبناني أو أجنبي فاعلاً كان أو محرضاً أو متدخلاً أقدم خارج الاراضي اللبنانية على ارتكاب جناية مخلة بأمن الدولة". هذه المادة كما ذكرت لكم واردة في قانون العقوبات اللبناني لا في قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني. اختصاص القضاء اللبناني يحدده قانون أصول المحاكمات الجزائية لا قانون العقوبات. والمادة 19 من قانون العقوبات تتكلم عن اختصاص قانون العقوبات للتطبيق بعد أن يعلن اختصاص القضاء اللبناني من أجل ملاحقة الجرم المذكور. إذاً هذه المادة 19 التي تكلم عنها المحقق العدلي تتكلم عن الاختصاص المادي اختصاص القانون اللبناني لمعاقبة الجريمة ولوصف الجريمة لا لوضع القضاء اللبناني يده من أجل محاكمة هذه الجريمة. إنما، وليس لدي الوقت الكافي طبعا فعشرين دقيقة لا تكفي لشرح هذه المواد، بمقتضى تطور القضاء الجنائي الدولي الكوني في موضوع اختصاص المحاكم، تطورت الأمور وأصبحنا اليوم أمام اختصاص قضائي كوني في بعض الجرائم بمعنى أن هناك قاعدة دولية أصبحت مأخوذاً بها، اصبحت مطبقة في العلاقات بين الدول من أجل إعطاء الصلاحية لدولة المجني عليه إذا تمنعت دولة مكان اقتراف الجرم عن متابعة القضية والملاحقة من أجل التجريم وإنزال العقوبة. وهناك بعض الدول في العالم تبنت هذا الحل في نصوصها وهناك دول أخرى لم تتبنَ بنصوصها هذا الحل بل قالت أن القواعد الجزائية تطورت بشكل يمكن استناداً إليه أن نعطي الاختصاص لدولة المجني عليه إذا تم الجرم في الخارج عندما لا تتحرك دولة مكان ارتكاب الجرم من أجل التجريم وإنزال العقوبة في المجرم. وهنا نرى بدون ادنى شك، خاصة استناداً لما حصل في القضاء الايطالي، ولأن الدولة الليبية تمنعت وسوف تتمنع وستبقى متمنعة اذا لم يتم التجريم وإنزال العقوبة من قبل الدولة اللبنانية.

وهنا يجب أن نلاحظ أن الدولة اللبنانية مقيدة في موضوع العلاقات الدولية ببعض القواعد التي يلزمها بها القانون الدولي العام وهي الحصانة. فلا يمكن الدولة اللبنانية ان تلاحق رئيس دولة أمام محاكمها. اطلعتم على ما حصل في محاكمة لوكربي. رئيس الدولة المعنية لم يحاكم لأنه يتمتع بالحصانة بل حوكم أشخاص لا يتمتعون بالحصانة. فإذا تمكنت الدولة اللبنانية من معرفة اسم شخص ليبي لا يتمتع بالحصانة القضائية وحاكمته بالشكل الغيابي الفراري، بمقتضى التعبير الفرنسي، فيمكنها عند ذاك ان تتابع المحاكمة أمام المحاكم اللبنانية ضد هذا الشخص غيابيا وإذا ثبتت مسؤوليته الجزائية يمكن أن تحكم عليه. وأعتقد عندما لا يتمكن القضاء اللبناني من ملاحقة أعلى منه رتبة أن الدولة اللبنانية والعائلة الكريمة ستكتفي بهذا الحكم على اعتبار ان الإمام موسى الصدر غُيِّب في الجماهيرية الليبية لا خارج الجماهيرية الليبية. أنا أتكلم في القانون وأقول بكل صراحة ما يقول القانون وقد توصلت إلى ذلك مع العلم انه إذا تردد القضاء اللبناني من اتباع هذا المسلك فعندئذ على المجلس النيابي اللبناني أن يضيف إلى إحدى مواد قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني نصاً تعدل المادة التاسعة من قانون أصول المحاكمات الجزائية فيصبح نصها كما يلي:

"تقام الدعوى العامة أمام المرجع الجزائي اللبناني الذي وقعت الجريمة ضمن نطاق دائرته أو تابع له محل إقامة المدّعي عليه أو محل إلقاء القبض عليه وإذا وقعت الجريمة خارج الديار اللبنانية ضد شخص يحمل الجنسية اللبنانية وكان القانون اللبناني يعتبرها جناية فيمكن إجراء الملاحقة أمام القضاء اللبناني بعد انقضاء ستة أشهر على ارتكاب الجريمة إذا لم تحرك محكمة محل وقوع الجريمة بشكل جدي دعوى الحق العام فتجري المحاكمة أمام مؤسساتها القضائية".

وشكراً لكم لاستماعكم لهذه المحاضرة.

source