العوائق السياسية في متابعة قضية تغييب الإمام الصدر

calendar icon 12 كانون الأول 2003 الكاتب:عبد الرحيم مراد

* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثامن: "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر"



ابدأ بتوجيه الشكر والتقدير، إلى اسرة الإمام الصدر وإلى القيمين على هذا المؤتمر، وإلى كل الذين اسهموا في ندواته، املاً أن تكون الخاتمة، انتعاشاً للأمل بعودة الإمام ورفيقيه إلى الأهل والوطن.

ربما لم يعرف التاريخ الحديث ولا القديم، قضية كقضية الإمام موسى الصدر، التي مضى عليها خمسة وعشرون عاماً، دون ان يرشح عنها اي معلومات ذات معنى بشأنها، ودون ان تلقى الاهتمام الذي بحجمها، ولذلك ظلت على هذا النحو من الالتباس والغموض، وظلت الاسئلة عنها قائمة، دون ان تضيء بارقة امل حولها، وستظل هذه الأسئلة برسم المعنيين بهذه القضية الوطنية، التي تجاوزت الشأن المحلي، وفرضت نفسها على الشأنين العربي والدولي.

كان الإمام موسى الصدر ظاهرة استثنائية في المجتمع اللبناني، حيث اطل على الحياة العامة بفكر ديني عميق ومستنير، وراح يحفر عميقاً في الشأن الاجتماعي الذي نفذ من خلاله إلى المحرومين، فأعطى المجال الروحي بعده المادي، وتمكن من بلورة حراك مجتمعي ايقظ الناس على حقائق وضعهم وجعلهم يطلبون العدل والإنصاف، ورأوا فيه وجه السعد لآفاق جديدة يتطلعون إليها، وتالياً فقد غير في مفاهيم الخطاب السياسي المألوف، وادخل القلق في نفوس التقليديين من السياسيين، وراح يضفي على مشروعه الوطني العام، ابعاده المؤسساتية، التي تجعل من الإنسان محور اهتمامها، فوضع الأسس المكينة لمشاريع كثيرة، تربوياً وصحياً ودينياً واجتماعياً، ثم اصبحت هذه المشاريع صروحاً كبيرة، في المجالات التي انشئت من اجلها.

لم يكن المسجد بالنسبة إليه داراً للعبادة فحسب، بل اعاد إليه شيئاً من سابق عهد المسلمين به، واصبح مكاناً لاتخاذ القرارات ولإطلاق المواقف، ولم ير ضيراً من الاعتصام به، من اجل احقاق الحق ونصرة المظلومين، ولم يكن رجل الدين المشدود إلى قضايا الفقه والشريعة فحسب، بل كانت قضايا العصر تشغله، وكانت موضوع اهتمامه، قناعة منه بأن الدين هو للحياة الدنيا، كما هو للحياة الأخرى، لذلك استقطب حوله كل الذين يتوقون إلى هذا الدور المستنير لرجال الدين، وكل الذين يريدون الاستزادة من فهم الدين على الوجه الصحيح.

استطاع الإمام موسى الصدر، ان يفرض نفسه على الواقع في لبنان، وكان في كثير من الأحيان، نقطة ارتكاز الأحداث، حيث كان الجميع يتطلعون إلى موقفه، ليصوغوا آراءهم ومواقفهم على إيقاع خطواته، ولهذا تجاوز تأثيره الاطار المحلي إلى المنظومة العربية بكاملها، ومد جسور انفتاح وحوار مع كبار المسؤولين في الدول العربية، وكان ينظر إليه كصمام أمان، لمنع المزيد من تدهور الأوضاع في لبنان، وكركيزة اساسية للوحدة الوطنية، في خضم الأحداث التي كانت تعصف بالوطن في تلك الأيام.

لقد تخطى بكفاءة واقتدار، موقع رجل الدين إلى دور رجل السياسة، وتخطى بفهم وتبصر واستنارة، شيعيته إلى جوهر الإسلام ونور الحقيقة فيه، وتخطى محليته اللبنانية، إلى رحاب أمته العربية، فكان أكبر من الكيانية الضيقة، وكان أجل من المذهبية البغيضة، وتحول إلى صاحب النور الجامع، الذي يخشى منه الكثيرون على ادوارهم ... لهذا لم تكن قضيته قضية محصورة في طائفة، ولا هي ملك لجماعة محددة، وليست تعني اهله وذويه فحسب، وإنما هي قضية وطنية حقيقية، تعني لبنان كله، رسمياً وشعبياً، موالاة ومعارضة، قوى سياسية، وهيئات اجتماعية، ومؤسسات عامة وخاصة، وهي كلها معنية بالبحث عميقاً في قضيته، وبالكشف عن ملابسات تغييبه.

ان المسؤولية في قضية الإمام موسى الصدر، هي مسؤولية وطنية، يجب على الوطن ان يحملها، كعنوان دائم وثابت، إلى المنتديات العربية، وإلى المحافل الدولية، وإلى كل منبر، يمكن ان يصدر عنه صوت حق وعدل، حتى تنجلي كل ملابساتها، وحتى يتضح كل هذا الغموض المحيط بها، حيث لوحظ منذ بدئها، انه كان هناك دأب على حصارها، وشح كبير في المعلومات بشأنها، لأنها لم تكن قضية الشخص بل قضية الوطن، وهنا تتجلى اهمية ان نحملها إلى كل النوافذ السياسية الممكنة، وبخاصة تلك الأطر العامة التي يتجاوز اهتمامها الشؤون المحلية إلى الشؤون الإقليمية والدولية.

فجامعة الدول العربية كإطار جامع لأكثر من مستوى على صعيد التمثيل العربي، سياسة وثقافة وتربية وغيرها، يمكن ان تكون مكاناً مناسباً للتذكير الدائم بقضية الإمام الصدر، كما يمكن ان يتطور الأمر إلى تشكيل هيئة خاصة بها للبحث والتقصي.

والمنظومات الاقليمية العربية كمجلس التعاون الخليجي، والاتحاد المغاربي، المجلس الأعلى اللبناني السوري، يمكن ان تشكل نوافذ واسعة، لاستمرار الاهتمام بهذه القضية، وتبادل المعلومات بشانها، وصولاً إلى اجلاء كل غوامضها وملابساتها، وعودة الإمام ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والاستاذ عباس بدرالدين إلى الأهل والوطن.

والإتحادات العربية العامة، كالكتاب والصحافيين والمحامين والصيادلة وغيرهم، يمكن ان يتجاوزوا اهتماماتهم المهنية إلى الاهتمام بهذه القضية السياسية الإنسانية الوطنية، التي لن يلتئم جرحها الذي هو جرح الوطن، إلا حين تكتمل عافية الوطن برجوع الإمام وصاحبيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدرالدين.

والجمعيات على اختلاف اهتماماتها، كالجمعيات العلمية والثقافة والتربوية، والمنظمات على تنوع القضايا التي تعتني بها، كقضية حقوق الانسان، وقضية حقوق الطفل، من باب أولى ان ندرج هذه القضية ضمن اولوياتها، وتجعل منها قضية متحركة في كل المحافل والمناسبات.

ان كل هذه المؤسسات يمكن ان تتعاون فيما بينهما، وان تنسق جهودها، وان تفتح حواراً معمقاً مع الجماهيرية الليبية والمسؤولين فيها حول هذه القضية الوطنية العربية التي لا يجوز ان تظل على هذا النحو من التكتم والتغييب.

أيها الحضور الكريم

سيظل القلق العام ينتاب لبنان واللبنانيين، وسيظل هناك شعور مسيطر بعدم اكتمال اي شيء، مادام الإمام موسى الصدر مغيباً، وما دامت قضيته ساكنة، ومادام الاهتمام بها موسمياً، ومن جانب المؤسسات التي تحمل اسمه فقط، ومن المؤكد اننا سنكون احسن حالاً بكثير، حين نجعل من هذه القضية محور اهتمامنا الدائم، وحين يكون الجميع على القدر نفسه، من مسؤولية حملها في كل منبر ومنتدى.

وختاماً، أكرر شكري وامتناني لمركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، وللقيمين على مؤتمر "كلمة سواء" الثامن، ولكل المسهمين في هه الندوة، ولأسرة الإمام الصدر تخصيصاً، أملاً ان يكشف الله هذه الغمة وان يعيد الإمام إلى أهله ووطنه.

source