لبنان الرسالة

calendar icon 12 كانون الأول 2002 الكاتب:صدر الدين الصدر

* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السابع: "الذات والآخر في الاعلام المعاصر")
(كلمات الافتتاح)



بسم الله الرحمن الرحيم
"ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. تؤتي اكلها كل حين بأذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون. ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتُثَّت من فوق الارض مالها من قرار.

صدق الله العلي العظيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


ممثل فخامة رئيس الجمهورية،

دولة رئيس مجلس النواب الاخ الاستاذ نبيه بري،

ممثل دولة رئيس الحكومة

أصحابَ الغبطة والسماحة والسيادة والفضيلة

أخواتي وإخواني ابناء الإمام الصدر

أيها الحفل الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يشرّفني ويسعدني أن أُرحبًّ بكم في مؤتمركُم "كلمةٌ سواء" السابع، الذي دأب مركزُ الإمامِ موسى الصدر للأبحاثِ والدراسات على تنظيمه. وإنني بالنيابة عن المركز، وعن مؤسساتِ الإمام الصدر ممثلةً برئيستها السيدة الفاضلة رباب الصدر شرف الدين، أتوجهُ إليكم بجزيل الشكر والتقدير على تعهدكُم وسهركُم على إنجاح مؤتمرات كلمة سواء. والذي نلمَسُه بالحضور والمساهمةِ والمشورةِ والكلمة والدعم والدعاء.

"الذات والآخر في الإعلام المعاصر" هو عنوان مؤتمرنا السنوي "كلمة سواء" والتي ما نزال نجهد ساعين إليها. وكم نحن بحاجة إليها في إعلام الآخر، كما في إعلامنا. جاء اختيار هذا الموضوع محاولةً من مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات في مقاربةِ قضيةٍ حساسة ومؤثرة، وفي حقبةٍ مأزومة اضطربتْ فيها القيمُ والمعايير، وغلَبَت فيها الأفكارُ المسبقة، وسادَتْ الصوَرُ المشوَّهة.

* هل يمكن لنا أن نفهم عصرنا دون ان نسبُر اغوار هذا الحضور الكلي لما يسمي بالميديا والتي تبشر بما اصطلح على تسميته بالحضارة الكونية؟

* ان التطور التقني الهائل في وسائل الاتصال والاعلام (أي ثورة الاتصالات) في العقود الاخيرة اتاح الفرصة لتبادل المعلومات والصور والاخبار بين اجزاء المعمورة بشكل لم يشهد له العالم مثيلاً من قبل بحيث اصبح ما يطلق عليه تسمية العولمة كأنه امراً واقعاً.

* ولما كان كل انسان يعيش في بيئة لها خصوصياتِها ونماذجِها الثقافية والمعرفية النابعة من تراثه وتاريخه والتي تحدد نظرته لنفسه وكل ما يحيط به وبالتالي سلوكه، إلا انه يتلقى في الآن نفسه عبر وسائل الاتصال المتعددة حوله صوراً وافكاراً لنماذج مختلفة من التفكير والسلوك مما يحدث صراعاً لا بد ان يؤدي إلى تغيرات.

* اننا نعيش في عصر المتغيرات الكبرى. فالكثير من البنى الاجتماعية والثقافية والخ.. مُعَرضٌ للانهيار وخاصة في ما يسمى دول العالم الثالث، ومعها وكنتيجة لها منظومات فكرية - معرفية ورؤى كونية بما تعنيه من رؤية للذات والكون والمقدس والعلائق بينها.

* الاشكالية ليست بجديدة. انها اشكالية الغزو الثقافي والحضاري والتي بدأت في حالتنا مع بداية الانطلاقة الاستعمارية في القرن الثامن عشر، عندما حاول الغرب فرض نماذجه على الشعوب المستعمرة. انما التحدي اليوم أعظم ولعله الأخطر بخطورة الوسائل المستخدمة ومنها وعلى رأسها تقنيات الاتصالو الاعلام. فالمتغيرات ليست موضوع النقاش بل مدى جذريتها.

* والميديا، وخاصة الاميركية تحيط بنا من كل الجوانب. تؤثر فينا، تثيرنا، تستفزنا، تشكل اذواقنا، تصيغنا وتعيد صياغتنا مرات ومرات في حركة لا تتوقف، انها تتحدانا.

* والميديا، الوسط بحسب الترجمة، حيادية بذاتها.

إلا انها بحسب استخدامها تحتمل النقائض: الهدم والبناء، القطع والوصل ... وهي رغم مخاطرها وسلبياتها فانها تحمل في ثناياها الكثير من الامكانات الايجابية للتقريب بين الافراد والمجتمعات والشعوب والمساعدة على تحقيق العدل ووقف الحروب ونشر السلام والارتقاء بالانسان..

* لذا، وبالرغم من عمق التغيرات وتسارعها يبقى "الحوار" هو العقل والمنطق، الامل والمنقذ، حوار يتجاوز "الصور النمطية"، مادة "اعلام الاثارة"، يبحث عن المشترك بين الناس فيؤسس لتعارف وتفاعل وبالتالي تعايش بين المجموعات البشرية لما فيه صالح الانسانية جمعاء.

* ويصبح لبنان، كما يعبر الإمام الصدر في حديث مع وفد نقابة المحررين 18/1/77، يصبح لبنان في هذه المرحلة بالذات من تاريخ العالم ضرورة قصوى للعالم المترابط الذي يضم الاديان، والتعايش بين ابناء العالم من اجل استمرار الانسان في بناء الدولة الكونية الواحدة مرتبطٌ ومتأثرٌ إلى حد كبير بنجاح صيغة لبنان التعايشية.

لقد اكد الإمام على ضرورة وجود مستقبل يحفظ وينمي رسالة الوطن العالمية ويجعل من الطوائف اللبنانية نوافذ حضارية على العالم، لا دويلات متصارعة ويُمكن كل فئة من ان تعطي الوطن لا أن تأخذ منه وتنمو على حسابه، مستقبلاً تحس به كل طائفة بأنها عزيزة تعطي ولا تشعر بأنها مظلومة ومصنفه ومحتقرة، مستقبلا يكون الوطن فيه ندوة الحوار الاسلامي – المسيحي وقاعدة اللقاء الاوروبي – العربي ومختبر التفاعل الحضاري وواحة للتجربة العالمية الناجحة غدا. مستقبلاً يحمل غداّ مشعل القضية الفلسطينية ورسالة القدس على رؤوس الأشهاد فيدخل به وبها ضمير العالم ويؤسس معه ومعها حضارة المستقبل العادلة.

لذلك يقول الإمام ان لبنان في هذه الفترة ضرورة حضارية أكثر من ذي قبل لذلك والكلام مازال للإمام فليسمح اللبنانيون لنا بأن نقول إن التعايش ليس ملكاً للبنانيين لكنه أمانة في يد اللبنانيين ومسؤوليتهم وواجبهم وليس حقهم فحسب.

اذن للبنان رسالة عالمية وحضارية، ولإنسانه دور رسالي، انه الآداة الحضارية لانجاز هذه الرؤية.

ولبنان هذا بلدنا رصيده الأول والاخير هو انسانه، وصيانته بصيانة انسانه .. صيانة طاقاته وتنميتها..

والحرية هي المناخ الملائم لنمو طاقات الانسان وبروز مواهبه .. هي ام الطاقات. وبغيابها يخضع الانسان للحجم الذي يقدمه الغاصب للحرية فمن الاستبداد إلى الاستعمار ومن الاقطاع إلى الارهاب الفكري وادعاء الوصاية على الناس واتهامِهم بانهم لا يفهمون ومن الاستعمار الجديد إلى فرض المواقف على الافراد والشعوب بضغط اقتصادي أو سياسي أو فكري .. صور وأشكال لسلب الحريات ولتحطيم الطاقات ..

هذه امانة الإمام فينا وفي الوطن.

أيها الاعزاء تمنياتُنا الحارة بأن تتكلل مجهوداتكم بالتوفيق وبالنقاش المجدي، وأن تؤولَ إلى استشراف آفاقٍ واعدة تفتحُ طريقَنا نحو إعلامٍ حرٍ وفاعلٍ مسؤول وبناء يحققُ المزيدَ من إنسانيةِ الإنسان. "فالحريةُ_ والقول للإمام الصدر_ هي حقٌّ للصحفي من المجتمع الذي يعملُ فيه وخدمة للمجتمع ليعرف كل شيء .. فلا صيانَةَ للحريةِ إلاّ بالحرية".

ولنا في قضية الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والاستاذ عباس بدرالدين مع الاعلام أو على الاصح التضليل الاعلامي وقفات فالاعلام الممول من ليبيا بالتعاون وبالطبع مع أجهزة ذات نفوذ ومصلحة مالبث ينفث حقده واكاذيبه على امتداد فترة التغييب عاملاً على ترويج سيناريوهات وهمية تتلون بتلون الاحداث المترافقة والسياسات.

وهنا نؤكد بصلابة الواثق وتواضع القادر انه لن يكون هناك "لحظة زمنية" محلية أو أقليمية مهما اختلف عنوانها ستسمح باعفاء مسؤول من مسؤوليته في قضية الإمام الصدر ورفيقيه، اننا مصرون على المضي قدماً ورفع القضية إلى المحاكم الدولية المعنية لتبيان من اوعز وخطط ونفذ وتستر كي يتحمل كلٌ مسؤولية عمله دون اعفاء أو السماح باعفاء احد ومنهم مهما علا شأنه وكثرت المغريات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

source