وسائل الاعلام بين الحق والقوة

calendar icon 12 كانون الأول 2002 الكاتب:غريغوريوس الثالث لحام

* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السابع: "الذات والآخر في الاعلام المعاصر")
(كلمات الافتتاح)



* مثله سيادة المطران سليم غزال

أيها السادة
نقف اليوم على مسافة متساوية تقريباً بين مناسبتين روحيتين ، عيد الفطر المبارك وعيد الميلاد المجيد، في وقفتنا هذه لا بد أن نلقي نظرة على المعاني الروحية والإنسانية التي تتجسد في هاتين المناسبتين من خلال الالتفات إلى الذات دون ان ندير ظهرنا إلى الآخر، وفي هذه النظرة الشمولية العادلة تتجلى إرادة الخالق مسيرة الإنسان إليه.

ومع مطلع الألفية الثالثة يشهد العالم خطوات جبارة في عالم الاتصالات أحدثت تغييراً حقيقياً على صعيد الحضارة والحياة اليومية والسلوكيات الفردية مما اعتبره الكثيرون ولادة حضارة جديدة تتخطى الخصوصيات الإثنية والثقافية والدينية لتقع تحت عناوين الأممية والعولمة واختصار المسافات.

أيها السادة

إذا كانت هذه الإنجازات التكنولوجية قد قربت الأبعاد ووصلت بين الشعوب في المجالات المتعددة وسهلت للبشر سبل التواصل والعمل وفتحت آفاقاً واسعة على مجاري الحياة اليومية حتى صار بالإمكان إنجاز أية مهمة أو حاجة بثوان قليلة عبر الدول والقارات من خلال شبكات الاتصال المتطورة والمذهلة في آن، إلا إن هذه الثورة الإعلامية عكست جانباً سلبياً على وجوه الحياة مما ألحق أضراراً فادحة بالقيم الإنسانية.

لقد تحولت بعض وسائل الإعلام إلى غير غايتها، فبدلاً من أن تقدم الحقيقة عبر الصورة والخبر لتوعية الرأي العام على الواقع بغية تنويره ودفعه للوقوف إلى جانب الحق والحقيقة، أصبحت هذه الوسائل أداة منحازة في يد أصحاب المال والسلطة والنفوذ لتمرير أفكارهم ومشاريعهم وأطماعهم دون مراعاة للقيم ولمصالح الآخرين.

وأمام التفاوت الكبير بين ما تملكه الدول الكبرى والغنية من إمكانات اعلامية وما يتبقى للدول الفقيرة من فتات هذه الإمكانات، نرى العالم يقع تحت تأثير هذه الحملات الدعائية المغرضة التي تنقل الواقع بأشكال وصور تخدم مصالحها وأهدافها في حين تبقى حقوق الشعوب الفقيرة مغمورة في ظل هذا التشويه الفاضح والمغرض.

واليوم وفي هذا الظرف بالذات نرى وسائل الإعلام تنحاز إلى جانب القوة بدل ان تكون إلى جانب الحق، تبث سمومها عبر العالم لطمس قضايا وطنية وإنسانية وفي طليعتها قضية الشعب الفلسطيني ومأساته التي استمرت أكثر من نصف قرن وما تزال، بالإضافة إلى الحملة الشرسة ضد العراق وشعبه الذي يعاني منذ عقد من الزمن آثار الحرب والتجويع والضغط على مقدراته الاقتصادية وحقوقه الوطنية.

إزاء هذه الوقائع وما يخبئه المستقبل من مستجدات حاسمة على مصير البشرية، لا يسعنا إلا أن نثمن هذه الثورة العلمية التي وفرت للإنسان مقومات التواصل والنجاح، ولكننا ندعو في الوقت ذاته أنسنة هذه الحضارة واحترامها للقيم الإنسانية ولمصالح الشعوب والدول الفقيرة التي تعاني من الظلم والقهر والتخلف على كل صعيد … إن عالم اليوم يقف على مفترق طرق وعلى ضوء الاتجاه الذي يسلكه هذا العالم سوف يتحدد مصير الإنسان وصورة البشرية في المئة سنة القادمة ليتقرر بعدها إذا كان العالم يسير إلى الأمام أم هو ينحدر دون ان يدري مهاوي الانانية والبدائية لكي ترتسم من جديد صورة قايين الذي قتل أخاه هابيل بدافع الحسد والشهوة ، وعبثاً حاول أن يتخلص من صوت الله الذي يناديه : قايين قايين لماذا قتلت أخاك؟

أما دعوتنا إلى ذواتنا في وطننا فهي ان نخرج من قوقعة التعصب، من رؤية اللون الواحد والرأي الواحد، أن نخرج لملاقاة الآخر، لنصغي إليه، لنتحاور معه، لنقبله بالرغم من الاختلاف، لنعمل سوياً من اجل المصلحة العامة والخروج من المآزق الوطنية والاقتصادية التي نتخبط فيها، ومن خلال هذا التلاقي بين الذات والآخر وعبر الرسالة الشريفة التي تضطلع بها وسائل الإعلام يمكننا رؤية عالم أكثر إنسانية وتقدماً وازدهاراً.

source