الذات والآخر في الإعلام المعاصر

calendar icon 13 كانون الأول 2002 الكاتب:علي الخليل

* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السابع: "الذات والآخر في الاعلام المعاصر")

(الجلسة الثالثة)

 

أخواتي واخواني، أيها الحفل الكريم،

إن مؤتمر "كلمة سواء" السابع، الذي يناقش موضوع "الذات والآخر في الاعلام المعاصر"، يلامس القضايا الهامة المتعلقة بالشأن العام على الصعد الوطنية اللبنانية العربية والاسلامية والعالمية، كما يتبين من المداخلات والمناقشات الجارية في هذا المؤتمر. فبعد الاستماع إلى الكلمات القيمة في الجلسة الافتتاحية، وبعد مناقشة الجلسة الأولى المحور المحلي المتعلق بالإعلام والوحدة الوطنية، ومناقشة الجلسة الثانية المحور الاقليمي المتعلق بالإعلام والصراع العربي الاسرائيلي، نناقش في الجلسة الثالثة المحور الدولي المتعلق بالإعلام والآخر، مركزين على موضوعي صورة العرب والمسلمين في الاعلام العربي والاستراتيجيات الغربية من خلال الاعلام.

إن الاعلام يشارك مشاركة فعالة في رسم السياسات العامة، وفي إنضاج القرار السياسي وانتاجه، لأنه يلعب دوراً أساسياً في تنوير المواطن وتثقيفه لبلورة توجهاته واعتماد خياراته، وهو يؤثر على صانعي القرار ليصبح ليس فقط السلطة الرابعة بل أيضاً ليشكل سلطةً داخل كل من السلطات الثلاث. في هذا المجال أشار الإمام السيد موسى الصدر إلى أن "الصحافة من اهم ميادين الجهاد وادقها، لأنها هي التي تكون الرأي العام، وهي التي تساعد على خلق الثقافة، وهي التي تهذب العاطفة في الجماهير وتوجهها إلى الخير والحق ... وهي من اهم عوامل تكوين الإنسان المدني. هذا المقام العظيم للصحفي يفرض علي واجبات نحو المجتمع، ويعطيه حقاً على المجتمع. ان واجبه نحو المجتمع ان يخلص في توجيهه وتنويره ونضجه، ولكن حقه على المجتمع هو أن يعطيه الحرية، ويصونه ويحميه عن أسباب الفساد والانحراف. "هذا ما قاله سماحة الإمام في 31/5/1966، وهذا هو الدور الحقيقي للصحافة ولوسائل الإعلام كافة.

لكن الاعلامي الذي يجب أن يمتلك المعلومات الموثقة والوقائع الصحيحة لينقل بكل أمانة الحقيقة الظاهرة والمستترة، وليبني عليها التعليقات والتحليلات، يتعامل مع الخبر في بعض الأحيان بما يتوافق مع مصلحة الفئة السياسية التي يعمل معها، أو مع الوسيلة الإعلامية التي يعمل فيها.

ومن هنا نرى مدى تأثير شركات الاعلان على وسائل الإعلام خاصة الاعلام الغربي، الذي يخضع بنسبة عالية لسطوة النفوذ الصهيوني المسيطر على العديد من شركات الاعلانات، واستطراداً على معظم وسائل الاعلام بصورة خاصة في الولايات المتحدة الاميركية.

وهذا ما لمسناه ونلمسه خاصةً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) بالنسبة إلى الصورة المشوهة، التي يحاول أن يعكسها الإعلام الغربي حول العرب والمسلمين خدمةً لبعض الاستراتيجات الغربية، التي تخدم مصلحة العدوان الصهيوني المغتصب للاراضي والحقوق العربية المشروعة، لدرجة أن العرب والمسلمين يتعرضون للاعتداءات وللاتهامات المسيئة والملفقة من بعض الدول الغربية، وان اسرائيل تحاول تصفية حساباتها الحاقدة القذرة مع بعض الدول والمجموعات المناضلة تحت يافطة مكافحة الارهاب.

لقد أدانت الدول العربية والاسلامية بصورة عامة الاعمال الارهابية التي وقعت في الولايات المتحدة الاميركية بتاريخ 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وأعربت عن أسفها لسقوط الضحايا الأبرياء، خاصة وأن العرب هم من أبرز وأهم ضحايا الإرهاب الاسرائيلي المنظم، الذي يرتكب المجازر الاجرامية على مرأى ومسمع من الرأي العام العالمي والأسرة الدولية منذ ما يزيد عن نصف قرن. وكانت الدول العربية قد أقرت في العام 1998 الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب، وأيدت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 الصادر في 28 أيلول (سبتمبر) 2001 القاضي بمكافحة الارهاب من خلال منظمة الامم المتحدة، ألا أنها أكدت على ضرورة تحديد مفهوم الارهاب وشرح أسبابه والتمييز بين الارهاب كظاهرة عالمية يجب محاربتها والمقاومة المشروعة المناضلة لتحقيق التحرير والسيادة، كالمقاومة في جنوب لبنان والانتفاضة في فلسطين المحتلة التي تقرها القوانين والأعراف والمواثيق الدولية بما فيها ميثاق الامم المتحدة في مادته الواحد والخمسون (51).

كان الإمام الصدر مقاوماً ومؤسساً في المقاومة من خلال نظرته لاستراتيجية الصراع العربي الاسرائيلي الهادفة لتحرير ارض الوطن من رجس الاحتلال الصهيوني، لأن "اسرائيل شر مطلق، خطر على العرب مسلمين ومسيحيين". وهو القائل: "كلنا يعلم أن من أفضل وسائل تحقيق هذه الغاية وجود المقاومة الفلسطينية ونموها."

"خذ علماً يا أبا عمار أن شرف القدس يأبى أن تتحرر إلا على أيدي المؤمنين". وهو الذي أسس أفواج المقاومة اللبنانية مؤكدا:" إن واجب كل مواطن أن يقاتل، واجبنا أن نكون مقاومة قبل أن نتشرد من أراضينا...

على كل شاب أن يتدرب ويحمل السلاح لتأسيس مقاومة لبنانية تلقن العدو درساً...

فأول رصاصة تنطلق من بنادقنا ستغير المعادلات الداخلية والخارجية."

أيها الحفل الكريم،

إن التوصل إلى تحديد معنى الارهاب والتمييز بينه وبين المقاومة المشروعة، إضافة إلى الانعكاسات السلبية التي خلفتها الحملات الصليبية في القرون الوسطى مشوهة رسالة المسيحية المبنية على المحبة والعظة وتخلفها الامبرالية السياسية والاستعمار الفكري والاقتصادي في العصور الحديثة وإلى الانحياز الغربي الداعم للعدوان الصهيوني، وإلى إزدواجية المعايير والمقاييس في تطبيق القرارات الدولية الهادفة لتوطيد الأمن والاستقرار الدوليين، إن هذه الحيثيات وغيرها تستوجب إجراء حوار الحضارات والحوار العربي الاسلامي مع العالم الغربي وليس مع العدو الاسرائيلي المغتصب إن الحوار الصدري القرآني النهج يشدد على أهمية الانفتاح على الحوار مع الآخر:" تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" و"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" والتعارف يعني الاعتراف بالآخر والتعرف إلى قضاياه.

الأخوات والإخوة،

إن هذه المقدمة لمناقشة موضوع جلستنا الثالثة تهدف إلى إلقاء بعض الضوء على التأثير الصهيوني الهدام على الإعلام الغربي، وبالتالي على الاستراتيجية الغربية تجاه العالمين العربي والاسلامي، كما تهدف إلى تبيان التقصير العربي والاسلامي في مجال الإعلام العالمي، وضرورة العمل الجدي والدؤوب لإبراز وجهنا الحقيقي وشرح قضايانا المحقة العادلة، وتعرية التضليل الإعلامي الصهيوني بغية إزالة الانحياز الإعلامي الغربي وانعكاساته السلبية.

source