الحسين إمام الإصلاح

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 21 كانون الثاني 1975 الكاتب:موسى الصدر

في ذكرى عاشوراء يرفض الإمام الصدر ارتباط مفهوم المأتم الحسيني بالبكاء، بل ويذهب إلى أن الإمام الحسين (عليه السلام) جسّد عالمًا من القوة بمواجهة الظلم، وبالتالي فإن كربلاء هي معركة الكرامة لمواجهة العدو إن في الماضي أو في الحاضر. ويستدلّ الإمام الصدر على بطولة المرأة والرجل معًا في سبيل إعلاء الحق ضد الظلم. نضع بين أيديكم نصّ "الحسين إمام الإصلاح" كاملًا:

* خطبة للإمام الصدر بمناسبة ذكرى عاشوراء في الكلية العاملية في بيروت بتاريخ 21 كانون ثانٍ 1975، تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم رسله محمد، وعلى أنبياء الله المرسلين، وسلام الله على آل بيته وصحبه الطاهرين ومن اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السلام عليك أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلَّت بفنائك، عليك منّا سلام الله أبدًا ما بقينا وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد منّا بزيارتك.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أبناء الحسين وعلى أصحاب الحسين.
وبعد، ونحن نحتفل بذكرى سيد الشهداء، علينا أن نذكر الأيادي الطاهرة والإرادات الحقة الحسينية التي كوّنت هذا المناخ الحسيني مناخ العلم والتعليم، مناخ التربية، مناخ التوجيه، مناخ التدريب، حتى كاد، بل حقًا، أن نقول لهذا الصرح أنه قلب للحسينيين في هذا البلد، علينا أن نذْكرهم وبصورة خاصة المرحوم رشيد بك بيضون، والمرحوم محسن بك بيضون، ورفاقهما، أولئك الذين بذلوا جهدًا معروفًا أو مغمورًا، فارتفعت الصروح وبُنيت المناخات فلنذْكرهم بوفاء ولنُشرِكْهم برجاء، ولنبعثْ إلى أرواحهم في مقدمة الحديث ثواب الفاتحة.
وبعد، لقد حزّ في نفسي وأنا أفكر منذ بداية هذا الشهر فيما يجب أن أتحدث فيه في هذا المكان المبارك، في هذا القلب الدافىء ماذا أقول عن الحركة الحسينية، لقد حزّ في نفسي أن أجد جانبًا غائبًا، وعنصرًا طالما تجاهلنا ذكره، هو عنصر المرأة في مدرسة كربلاء وفي حادثة كربلاء، ورغم أن الحديث شامل، واتخاذ موقف وإظهار أوضاع للقضية العامة، لقضيتنا الوطنية، قضية المحرومين، ولكن لا بدَّ أن نتحدث في بداية هذه الكلمة عن الدور العظيم الذي قامت به المرأة في هذه الحادثة المباركة، ذلك الدور الذي لا يمكننا أن نتجاهله وأن نعتبره أقلّ من دور الرجال، ثم نقارن ما قدّمته المرأة من الأدوار في هذه المعركة، بوضع نسائنا اليوم، ونلاحظ الفرق فنحاول في ردم الفواصل ومعالجة المشكلة.
أيها الإخوة الكرام،
الحسين (عليه السلام) أُخذ بحيلة ذكية وبتدبير عسكري، أُخذ إلى أعماق الصحراء حيث لا عابر يعبر، ولا ناظر ينظر ولا مبلِّغ يبلِّغ مسامع العالم الإسلامي وأفكار الأمة بما جرى. لقد أُخذ تدريجيًا واستُدْرِج إلى قلب الصحراء، حيث الرمال المتحركة، أرادوا أن يموت الحسين، وأن يُدفن تحت الرمال المتحركة حتى لا يبقى منه عين ولا أثر؛ ولكن الله الذي شاء أن يراه قتيلًا، كما يقول هو شاء أيضًا أن يراهنّ سبايا، وذلك لكي ينقل هذه المعركة وأبعادها، من قلب الصحراء إلى وسط العواصم في أقطار العالم الإسلامي وكان هذا الدور معلّقًا على زينب (سلام الله عليها) ومن معها من البطلات الخالدات اللاتي كنَّ مع الحسين (عليه السلام).
وإذا شاهدنا هذا المنظر وهذا المسرح وهذه الحادثة من البداية نجد أن هذا العنصر يؤدي دوره باتقان بعد وفاة الحسين (عليه السلام).
فمقتل الحسين يوم عاشوراء، ومقتل كلّ من مع الحسين يوم عاشوراء ومن جملتهم أبناء زينب بالذات، مقتل هؤلاء كان عبئًا وحزنًا يأخذ كل مجامع قلب زينب، والأسر والغربة ومسؤولية الأطفال والعطش، ولؤم العدو والهجوم من كل جانب، آثار وأدلة وأسباب لضعف زينب في المعركة.
لؤم العدو ورغبته في التشفي من بنت عليّ، رغبتهم في الانتقام من بنت حيدر الكرار الذي ملأ قلوبهم حقدًا حيث وقف مع الحقّ ولا يبالي، رغبتهم في التشفي جعلَتْهم يأخذون آل البيت والأسرى عبر المقتل. قُتِل الحسين ومن معه ومُزِّقت أجسادهم وتناثرت أوراق الورود في الصحراء، ثم أخذوا النساء والأولاد لكي يمروا من قرب المقتل، الصورة واضحة، ماذا يكون شعور المرأة عندما ترى زوجها، أو الولد عندما يرى والده، أو الصغيرة عندما يرى قيِّمها ممزقًا في الصحراء؟
خرجوا من الخيام ووقفوا وراء زينب، وزينب توجّههم وتسبقهم وتتجه إلى المقتل، ثم تصل إلى جسم الحسين المقطع إربًا إربًا كما ورد في السيرة، والعالم في كربلاء ومَنْ ورائهم في العالم يتفرجون على هذا الموقف لكي يروا البطولة أو الضعف، لكي يشمتوا أو يعتزوا، لكي يجدوا كيف ربّى عليٌّ بنته.
بعد أن وجدوا كيف ربى عليٌّ أبناءه، اقتربت من جسد الحسين ورفعته وقالت: اللهم تقبل منّا هذا القربان. هذه الوقفة معناها أن زينب تعلن أننا أتينا إلى هذا المسرح ودخلنا هذه المعركة، بملء إرادتنا، أردناها حربًا ودفاعًا عن الإسلام. أردناها تصحيحًا للانحرافات واحتجاجًا على الشواذ الصادر عن الحكام، فقدَّمنا الحسين قربانًا في هذه المعركة، ونحن نعترف بتقصيرنا، ولذلك نطلب من الله أن يتقبل منّا هذا القربان، ولو كنا نملك أكثر من ذلك لقدّمناه بدون بُخل وبدون تردّد.
هذا الموقف ينتقل إلى موقف آخر، حيث تدخل القافلة، قافلة الأسرى، الكوفة فيتساءل الناس عن السبب، فتتحدث زينب هنا وهناك ويتحدث الآخرون، فيكشفون الأستار ثم يدخلون قصر الإمارة حيث عبيد الله ابن زياد جالس مغرور منتصر سكران بخمرة الانتصار، دخلت زينب قصرًا كان بيتها، بل كان مقرّ حكم والدها لأرجاء العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه. العالم المتحضر كل العالم المتحضر، كان تحت حكم عليّ وإدارته، وزينب هي السيدة الأولى في تلك الفترة، لأن فاطمة لم تكن موجودة مع عليّ، زينب تدخل مع تلك الذكريات إلى هذا القصر وعليها ما عليها من آثار الأسر والضعف والتعب والإرهاق، تدخل فلا تُسلِّم فيسأل ابن زياد: من هذه المتكبرة؟
فيقولون: هذه زينب بنت عليّ.
فيقول لها شامتًا: كيف وجدت صنع الله بأخيك؟
فتقول زينب: والله ما رأيتُ إلا جميلًا. هؤلاء رجال كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم.
ثم يقول لها: الحمد لله الذي فضحكم، وكذّب أحدوثتكم.
فتردُّ عليه: كلا، إنما يكذب الكافر ويُفضح المنافق، وهو غيرنا، إن القتل لنا عادة وسعادتنا من الله الشهادة.
ينقطع الحوار فيسكت المنافق، وتخرج زينب من هذه الصورة المشرقة حاملةً الرسالة بكل قوة، ودون ضعف أو ندم أو عذر أو تراجع فنراها أمام يزيد، وهي تقول... يزيد حاكم منتصر وزينب أسيرة وعليها أرذل ثيابها كما ورد في السيرة، وأمام يزيد ما يثير مشاعر زينب، ويُسكِت لسانها، ولكنها تقوم وتحمد الله وتشكره ثم تضيف بعض الكلمات فتقول في الأثناء:
ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك، وأستكثر توبيخك، وأستكبر تقريعك، لكن القلوب حرّى، والعيون عبرة، -ثم تقول- أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك ونسائك وإمائك، وسوقك بنات رسول الله سبايا.
تُدِين زينب في كلمتها هذه يزيد مع جميع ما يملك من الوسائل والأسباب، مع جميع ما له من القوة والارتباطات، مع جميع ما عنده من الإعلام والقوة والأموال والنفوذ، تُدِين يزيدًا بكل معنى الإدانة، فتخرج منتصرة وتكمل رسالة الحسين (عليه السلام) في هذه المعركة، فتنقل زينب صورة المعركة من وسط الصحراء ومن أعماق الرمال، تنقل الصورة إلى عواصم العالم الإسلامي، فتتحدث في الكوفة، وفي الموصل، وفي نصيبين، وفي حمص، وحماه وحلب، وبعلبك وفي الشام.
وقد اكتشف ابن شهراشوب مسيرة القافلة من المساجد التي بنيت في هذه المدن، والسبب في ذلك أنهم عندما كانوا يُدْخلون آل البيت ورؤوس الحسين وأصحابه في كلّ مدينة، كانوا يقصدون بذلك إرهاب الناس وخلق الذعر في نفوسهم والوقوف عند انتصاراتهم، فيقولون إن الخارجي وابن الخارجي قد قُتِل، يحتفل الناس بفرح واسع ويستقبلون رؤوسهم وآل بيت رسول الله، ثم يزداد فضولهم ويحاولون أن يسألوا من هم هؤلاء الخوارج الذين نصر الله خليفته عليهم؟ وعندما يزداد تساؤلهم تتحدث زينب، فتضع النقاط على الحروف فتكشف أنهم أسارى آل بيت محمد وأن السبب في مقتلهم وأسرهم، وطغيان عدوهم ما هو... فبذلك تخلق الندم في نفوس الناس الذين سكتوا عن نصرة الحسين، والساكت عن الحقّ شيطان أخرس، والذين احتفلوا بمقتل الحسين وزينوا مدنهم وشوارعهم استقبالًا لمقتل الحسين وأسرى آل بيت رسول الله، يزداد ندمهم فيحتفلون ويبكون ويتوبون فيعمِّرون مسجدًا في مكان وُضِع فيه رأس الحسين (عليه السلام)، ومن وجود هذه المساجد وتسلسلها في الطريق، اكتشف ابن شهراشوب في سيرته مسير القافلة ذلك المسير الذي عرضته لكم، الكوفة، الموصل، نصيبين -وهو الآن موجود في تركيا- ثم عبر الأراضي السورية حمص وحماه وحلب، ثم بعلبك ثم الشام طريق العواصم.
فاستغلّت زينب واغتنمت زينب وآل البيت هذه الفرصة فنقلوا الواقعة كما هي إلى مراكز العالم الإسلامي، فكشفوا الأستار وأبرزوا الظلم والدمار، ثم فرضوا على يزيد أن يتوب أو أن يُظهر التوبة.
وبعد ذلك يفجِّر العالم الإسلامي ثورة بعد ثورة، حتى وصلت إلى ثورة بني العباس، وهي ترفع شعار يا لثارات الحسين.
إذًا، المرأة في معركة في معركة كربلاء، تتمِّم دور الرجل وتكمِّل جهاد الرجل، ولكي تكون المرأة متحمِّلة هذه الرسالة مهيّأة لتحمل هذه الأعباء، لا بدَّ من تربيتها، لا يمكن أن نعامل المرأة كما يعامل بعض الناس... قبل ولادة الطفل، افتراض من ولادة المرأة وبعد ولادة المرأة إذا كان الطفل بنتًا، استياء شامل في البيت ثم إذلال للمرأة في البيت، تسلُّط للأخ على أخواته وإضعاف لمعنوياتها، ثم تسليم لضغط الأزواج في كثير من الأحيان، معاملتها في بعض المناطق معاملة وسيلة التوليد، وفي مناطق أخرى معاملة وسيلة التمتُّع، واللوحة الفنية التي يريدها الرجل أن يجعلها أمامه دائمًا. نحن بذلك نفرِّغ معنويات المرأة، نأخذ روحها وجوهرها ونثبت، لها أنها لا تتمكن من تحمّل الرسالة ولا تملك أي سبب وأي وسيلة وأي ميزة إلا التمتع والجمال وخدمة الرجل.
وهكذا نقتل معنويات المرأة إذا مارسنا هذا الأسلوب من التدريب، بينما كان رسول الله يقول: خير أولادكم البنات، كان يقبل يد فاطمة، يودِّعها بعد كل الناس، ويسلِّم عليها قبل كل الناس. ويقول حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء...، لا يعني قرب النساء وحبّ النساء، الجنس، فوقته وحياته وسيرته قبل حياته مع الأزواج، حياته وهو شاب مليئة بالعِبَر أنه بعيد عن هذه العوالم، كان يقف إلى جانب المرأة فيقوي معنوياتها، لكي يربي زينب وفاطمة ولكي يربي سكينة وأمثال ذلك من النساء، لكي يكمِّلن جهاد الرجل.
نحن في مجتمعنا بحاجة ملحّة إلى إكمال الرسالة، حتى لا تضعّف المرأة عزيمتنا ولا تضعّف قوّتنا ولا تخلق في نفسنا الوهن والضعف والانهيار. بالعكس نحتاج إلى نساء يقوين العزائم ويقفن بقوة. وهذه بحاجة إلى تدريب وتربية كاملة لأن مجتمعنا اليوم بحاجة إلى تجنيد. نحن نحتاج إلى أن نقوي كل عزائمنا ونجنِّد كل طاقاتنا لكي نتمكن من الوصول إلى ما كتب الله لنا من العزّة التي هي لله ولرسوله وللمؤمنين.
أيها الإخوة الكرام،
إن معركة كربلاء التي نجددها كلّ سنة، والتي نضعها أمامنا في كلّ سنة، والتي نحاول أن نخلق أجواءها في كلّ سنة نكوِّن المناخ الحسيني ونضع أمامنا صورة المأساة، صورة الجهاد، نحتاج إليها في كلّ سنة وفي بداية كلّ سنة بالذات. إن سنتنا الهجرية الإسلامية تبدأ بعاشوراء بمحرم، لكي نتزوَّد من هذه المدرسة، من هذا الينبوع بقدر كافٍ من العزيمة والإرادة لمواجهة الحياة الصعبة. إننا نحتاج إلى أن نغترف من البحر الحسيني كمية كبيرة من الإرادة والقوة، حتى نواجه الظلم، في بيوتنا، وفي أوطاننا، وفي منطقتنا، وفي عالمنا، لقد تكاتف الظالمون ضدّ هذه الأمة وتجاوزوا عليها واغتصبوا حقوقها، وها هم يدبرون المؤامرات على ثرواتها وعزتها ومستقبلها. إننا بحاجة ملحّة إلى الاغتراف من البحر الحسيني حتى نتزود لمواجهة تلك الظلامات، وتلك الليالي الصعبة التي ستواجهنا. لو كنّا في حالة هادئة لما تمكنّا أن نجابه، لأن الضعف يؤدي إلى الاستسلام.
أيها الإخوة،
إن بوادر هذه المعارك، تتجسّد وتبرز يومًا بعد يوم، وتقترب منّا يومًا بعد يوم؛ الصحف العالمية مليئة باتهام العرب بأنهم أعداء الحضارة وأنهم يريدون القضاء على الحضارة، إنهم يريدون أن يبرروا بذلك انهيار حضارتهم، فحضارتهم المادية القائمة على أساس أناني مصلحيّ محض، لا بدّ من أن يكون صراع في العالم؛ فالصراع والأنانية يجعلان الرغبة في الربح ملحّة. والتصادم بين المصالح والصراع في كل الحلقات مستمر، وهذا يؤدي إلى انهيار حضارتهم ولكنهم يريدون أن يبرروا سقوط حضارتهم، ويؤكدوا أن العرب هم الذين عرّضوا الحضارة للخطر بعد رفع أسرار أسعار البترول، مع العلم أن العرب ليسوا هم الذين رفعوا الأسعار، وإنما أوقفوا البترول عن خصومهم وعن أصدقاء إسرائيل، ولكنهم يريدون أن يؤكدوا ذلك وهذا يؤكد أنهم يدبرون أمرًا لهذه الأمة لا نعرف متى يفاجؤننا به.
وعلى مقربة منّا إسرائيل تستمرّ في احتيالها وعدوانها وإصرارها وخططها المستمرة. كنت يوم أمس في كفرشوبا شاهدت المناظر التي تفجع الإنسان وتهزُّ الضمائر، لاحظتُ هناك عشرات من الناس بل مئات من الناس يحملون أثاث بيوتهم صغارًا وكبارًا، فتذكرت عام ثمانية وأربعين عندما سكّر الفسطينيون بيوتهم وحملوا مفاتيحهم في جيوبهم وجاؤوا إلى الأراضي اللبنانية على أمل العودة، مقتنعين بأن الوعود تعيدهم إلى أرضهم، وأن الظلم العالمي سينكشف، وسيقف معهم العالم لكي يعيدهم إلى بلادهم، صبروا كثيرًا، وناشدوا كثيرًا، وفكروا كثيرًا ومرَّت سنوات وسنوات حتى تأكدوا أن العالم قد نسيهم. فالعالم عالم السباع، عالم الذئاب، وليس عالم النبلاء الذي يساعد الحقّ ويقف إلى جانب الحقّ، فاضطروا أن يحملوا السلاح، أن يحملوا البندقية، وخلال سنوات قليلة غيَّروا بجهادهم وببطولاتهم وجه العالم، وجه قضيتهم، وجه منطقتهم، وها هم اكتسبوا المعركة في أكثر من جبهة محلية وعالمية.
تذكرت ذلك الأيام ثم حزنت، أترى نحن أمام سنوات وسنوات، فبعد كفرشوبا ستكون كفرحمام، وهبارية، ودير ميماس وحاصبيا، وراشيا الفخار، ثم ننتقل إلى مرجعيون وغير مرجعيون فننزح من قرية إلى قرية مستسلمين لعدونا، وننتظر سنوات وسنوات نناشد وننتظر ونسأل ونطالب ثم نضطر بعد ذلك إلى إعادة الكرّة وحمل البندقية، تذكرت أننا نملك تراثًا ضخمًا في تاريخنا، ذكرى الحسين (عليه السلام)...
فقلت في نفسي لا، لن يكون ذلك أبدًا إننا حسينيون، ومعنى إقامتنا لمأتم الحسين، ومعنى تذكّرنا للحسين في كلّ سنة ومعنى قولنا دائمًا: يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزًا عظيمًا، أننا نجد الحسين بيننا، فسألت نفسي: لو كان الحسين في هذه الأيام بيننا ماذا كان يعمل؟ هل كان يصبر؟ وإخوان له، وجيران له، ينزحون تحت البرد والجوع والذلّ. إذا كان هكذا، كيف نفسّر قول الرسول الأكرم: ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانًا وجاره جائع، من بات آمنًا وجاره خائف، من بات صحيحًا وجاره مريض، من بات غنيًا وجاره فقير، ما آمن بالله واليوم الآخر.
هل يمكن للحسين أن يصبر على ذلّ جيرانه، وبرد جيرانه، وخوف جيرانه؟ بل إخوانه في الدين، إخوانه في الوطن، يمكن أن يصبر الحسين فيجد التخاذل ويجد الإهمال، ويجد السكوت، ويجد حتى الخبر غير موجود في الصحف، حتى الخبر غير موجود في الإذاعات والتلفزيونات، وكأنه مؤامرة صمت على هذه المنطقة.
إن ما يجري على كفرشوبا اليوم يُحضَّر له منذ سنوات وسنوات، يوم بدأ الإسرائيليون يعمرون المستعمرات المسلحة على حدودنا. سنة ثمانية وأربعين كان يجب أن نشعر أننا أمام دولة عدوانية طامعة في أرضنا وفي مياهنا، وفي تراثنا، وفي تاريخنا، فسكتنا وسكتنا وتركنا الأمر يتدبر في الأوساط الدولية، واعتمدنا على الأوهام وعلى الحجج الواهية. أنا لا أعرف أن الإنسان العادي في بيروت أو في أي منطقة أخرى، عندما يشعر أن جاره قد يعتدي عليه يستعد ويتسلح. وأنا أعرف في بيروت تشكلت ميليشيات ومنظمات مسلحة، لماذا هؤلاء المسلحين في بيروت يتكونون ويتشكلون؟ خوفًا من الفئات الأخرى! أترى أن الخوف من اعتداءات إسرائيل لا يتطلب منا الاستعداد، والخوف من اعتداء جيراننا وأبناء وطننا يجعلنا نتسلح ونتهيأ لمجابهته. ما هذا المنطق أيها الإخوة الأعزاء؟
التفلسف والتجريد، والأفكار الطويلة، والمطالعات البعيدة، والتحليلات السُفسطائية أخرجتنا عن أبده البديهيات الدفاع، الدفاع عن النفس هل يحتاج إلى اتخاذ قرار؟ هل يحتاج إلى خطة؟ هل يحتاج إلى تفكير؟ هل يحتاج إلى الاستشارة؟ إنك عندما تمدُّ يدك إلى عينك، عينك بدون انتباه وبعفوية متناهية تغمض، فكيف يمكن أن الإنسان يتردد في أن يدافع عن نفسه، أو أن لا يدافع عن نفسه؟ إلا أننا لا نشعر بوجود تلك المنطقة الطاهرة التي أغنت لبنان، ووسّعت لبنان، ورفعت شأن لبنان عاليًا في العالم... لا نشعر بوجودهم. ماذا يعني أن الكومندوس الإسرائيلي يدخل قرية مجدل زون، ثم يُخرِج من بيوت الناس أهلها، ثم يخطف البعض ويترك البعض، ويهدم ويحطم البيوت، ثم يترك دون أن يقال له شيء؟
أنا لا أعرف ما معنى الرجولة في هذه الحالة؟ ما معنى الوقوف في هذه الحالة؟ ما معنى السكوت في هذه الحالة؟ إذا السلطة لا تدافع عن الناس، فلتسمحْ للناس أن تدافع عن نفسها كما دافع أهالي الطيبة -بعض الشباب الصغار الذين تمكنوا أن يحملوا سلاحًا- فدافعوا عن أنفسهم وقتلوا العدو، وقُتِلوا، وبذلك وضعوا شأنًا ومرتبة ومجدًا وعزًا ونقطة من النور في هذا البحر العاتي من الظلام: ﴿ظلمات بعضها فوق بعض إذ أخرج يده لم يكد يراها﴾ [النور، 40] كيف يمكن لنا السكوت؟ كيف يمكن لنا الصبر؟ وإخواننا يذلون؟ يُخْرجون من بيوتهم، ويُشَردون من بيوتهم، ونحن لنا وطن ولنا أرض ولنا سلطات.
هكذا نقف أمام الظالمين، لو افترضنا أن إسرائيل أرادت أن تستمرّ وتشرِّد الناس من بلد إلى بلد، وصلت إلى شاطىء الليطاني، ومن الليطاني إلى ما بعد الليطاني، ماذا سيكون وضع لبنان؟ أي شيء يضمن سلامة لبنان؟ وإبقاء الكيان اللبناني، والبنية اللبنانية الحاضرة؟ أي شيء يحفظها؟ وهل يحقّ لك أن تقول لا، لن تعملها إسرائيل؟ بأي دليل تقول لا لن تعملها إسرائيل؟ أي دولة في العالم، كلّ العالم، حتى سويسرا، حتى السويد، حتى النرويج، حتى الإسكندنافية، حتى الدول التي هي معروفة خلال الحربين العالميتين الكبيرتين، بقيت محايدة، حتى تلك الدول عندها سلاح، وعندها استعداد. ألمانيا في الحرب الكونية الثانية أرادت أن تمرّ عبر سويسرا فوجدت أن الجبال الشاهقة والاستعدادات القوية المتوفرة لدى الشعب السويسري، ستحول دون سرعة تحركها وستجعلها تدفع الثمن غاليًا.
لكن اليوم عندما تنظر إسرائيل إلى العالم العربي فتجد نفسها في كلّ جبهة أمام جيوش، وأمام أقوياء، وأمام سدود، وأمام حواجز، ثم يجدوا حائطنا واطيًا، ما السبب؟ لا أدري ما السبب؟ وطني يتعرض للاعتداء وعلى السلطة أن تدافع. لا أتهم الجيش أبدًا وإنّما أتهم السلطات السياسية التي طالما أذلّتنا وتخلت عن واجبها.
اسمحوا لي يا أصحاب المأتم، أيها الكرام الذين حفظتم هذا التراث، إذا حكيت بعض الشيء عن المحنة الوطنية، فأنا لا أعرف حسينًا لا يهتم بشؤون المعذبين. الحسين الذي يسمونه شهيد العبرات لا أؤمن به. البكاء، والعويل، والتنفيس ورفع الحقد لا أؤمن بها، إيماني أنه لا يمكن للحسين أن يقتل إلا لأجل إحقاق الحق. أليس هو الذي يقول: ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا. أليس هو يقول: فوالله ما خرجت أشرًا ولا بطرًا، ولا ظالمًا، ولا مفسدًا أريد الإصلاح في أمة جدي ما استطعت، أريد أن آمر بالمعروف وأن أنهي عن المنكر. أليس هو الذي يقول: فوالله -في كلمات متعددة مختلفة- إني لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برمًا، ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة.
أليست هذه كلمات الحسين، الحسين إمام معصوم، الحسين طاهر بريء من كل ذنب، ومع ذلك يرفع السيف ويلبس الدرع، ويهاجم، ويَقتُل، ويُقتَل ويحارب ويناضل. متى فرَّقنا بين الجهاد والدين؟ متى أبعدنا بين الصلاة والحرب؟ متى ميَّزنا بين الصلاة إلى الله والاهتمام بشؤون المعذبين؟
أليس القرآن يقول: ﴿أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين﴾ [الماعون، 1-3]، فوالله أولئك الذين يدعون رجالَ دين بأن يبقوا تحت عمائمهم، وفي مساجدهم، أولئك بقايا، أولئك الذين دبروا المؤامرات في أوروبا فأخرجوا الناس... أولئك الذين حبسوا ربّهم في الكنائس وفي المساجد، وأرادوا أن يُترَك لهم الميدان والساحة لطغيانهم، ولعتوهم، ولتصرفهم ولعبثهم بمصالح الناس...
كلا، إن الله موجود في المسجد، وهو موجود في السوق، وهو موجود في ساحة الحرب؛ ورجال الله، وعباد الله، والمؤمنون بالله، يجب أن يهتموا بكل هذه الشؤون، كل حسب اختصاصه. كل حسب كفاءاته.
أنا لا أعرف الحسين الذي قُتِل لكي أبكي. أنا، لماذا أبكي للحسين؟ أنا أبكي للحسين حتى أتذكر الحسين ولكي أتذكر أن أمامه عالم من القوة، تواطأ وتجمّع وسيطروا [عليه] وأحاطوا به من كل جانب وهو وحده يتمثل بقول الرجل الذي ينقل السيرة: فوالله ما رأيت رجلًا قُتِل أهله....
إذا كان هو المثل فإذًا، لا أتمكن أن أُميز بين المجلس الحسيني، وبين السعي للوقوف مع المجاهدين في الحدود. أنا لا أتمكن أن أفهم أيّ مأتم حسيني، إلا أن يُخرّج الأبطال، إلا أن يُخرّج من يقف في وجه الظالم، إلا أن يدرّب الذي يقول كلمة حقّ في وجه سلطان جائر. هذا معنى الحسين، ومعنى المآتم الحسينية.
إسرائيل تدبِّر لنا المؤامرات وتحاول أن تفرّق الصفوف ونحن لا نلتقي ولا نتحدث، نجلس في المجالس فنحزن الحزن المترف ثم نفكر في التخطيط والاجتماعات والدعوات والاجتماعات تحتاج إلى سنة وسنة وسنة... والأمور تذهب والأراضي تُحْتَل. قبل كفرشوبا... مناطق من المناطق اللبنانية محتلة... قبل ست سنوات أعلنت أن حوالي سبعة آلاف متر من أراضي ميس الجبل وعديسة احتُلّت. أراضٍ في المناطق اللبنانية أُخذت ووُسّعت فيها الطرق، مراكز ومخافر من السلطات الإسرائيلية تكونت داخل الأراضي اللبنانية. في مرتفعات جبل الشيخ في المنطقة اللبنانية طرق كثيرة أُسست من قبل السلطات الإسرائيلية. تلك الطرق التي قطعت بين أهالي شبعا وسورية. شبعا كانت تعيش من التجارة مع سورية. أُخِذت مزارعها وُسدَّت عليها الطرق، وأهالي شبعا الكرام البررة يعيشون في ضيق وفي فقر، وفي جوع، وفي محنة وهم كرام بيوتهم مفتوحة. متى نحسُّ إحساسهم؟ عندما تأتي المصيبة على بيوتنا، عند تشردنا. لا أعتقد أن الحسين يقبل ذلك.
أيها الإخوة الكرام،
أنني أعتقد أن من واجب كلّ إنسان في لبنان، أرادت السلطة أم لم تُرِد أن يتهيأ وأن يتدرب وأن يتسلح. نعم! أن يتسلح كعليّ بن أبي طالب.
إذا أنا لا أقدر أن أُجيد استعمال السلاح نقص مني، تقصير فيّ، انحراف عن خطّ عليّ بن أبي طالب، السالك على درب عليّ بن أبي طالب والحسين بن علي... أولئك الذين يجيدون استعمال السلاح ويقاتلون في سبيل الله. لأن الإسلام كلٌّ لا يتجزأ، ففيه الصلاة، وفيه الجهاد، وفيه الدفاع، وفيه الصيام، وفيه الحجّ، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لا يتميز لا ينفصل، إسلام واحد. واجب كل مواطن أقولها بلسان الحسين، وأرجو أن أكون صادقًا، أخاطب الشباب وأخاطب الذين يتمكنون من تدريب الشباب وتحضير الشباب أن يكوّنوا مقاومة لبنانية قبل أن نتشرد من أراضينا وقبل أن نعيش في المخيمات سنوات وسنوات بعد التجربة الفلسطينية التي عشناها سنوات وسنوات، وبعد ذلك نتهيأ فنرفع البندقية ونرجع إلى بلدنا، لماذا لا نعمل العلاج قبل فوات الأوان
يجب على كلّ شاب كما يجب عليه أن يصلي يجب عليه أن يتدرب وأن يحمل السلاح وأن يتهيأ لتأسيس مقاومة لبنانية تلقن العدو درسًا كما تلقنه المقاومة الفلسطينية درسًا. يموت واحد منهم، يموت منّا عشرة أهلًا وسهلًا. [مع] الحسين... كانوا سبعين شخصًا، اثنين وسبعين شخصًا، قوى العالم كلها كانت متجندة ضده... هذا معنى الحسين كان يعرف أنه يموت، كان يعرف أنه ينتهي.
الدفاع عن الوطن، ليس واجب السلطة فحسب، فإذا تخاذلت السلطة السياسية في فترة من الزمن، وأرجو أن لا تستمرّ في ذلك، فهذا لا يعني عدم تحمل الشعب مسؤولياته؛ وهذا لا يعني عدم قيام الشعب بواجباته. واجبنا الوقوف، واجبنا القتال، واجبنا الدفاع. هذا معنى إقامة المأتم الحسيني، وإلا فالمأتم الحسيني، ليس من شأن التسلية ولا بكاء ثم نخرج مبسوطين، الحمد الله أدينا واجبنا كم عبرة سكبناها على الحسين! الحسين ليس بحاجة إلى هذه العبرات، خذوا علمًا بذلك.
العبرة على الحسين لكي تذكِّرنا بالحسين، فنعرف موقف الحسين وبطولة الحسين، ونسلك وراء الحسين. قراءة المصرع الحسيني لإثارة عاطفتنا لكي تقف إلى جانب عقلنا في مواجهة العدو وفي محاربة الظالمين، أما إذا بقينا على طول في مجال البكاء والنحيب، فوقفنا عند الأبواب وما دخلنا المحراب.
أيها الإخوة الأعزاء،
معنى حركة الحسين والاحتفال بذكرى الحسين، أننا كالحسين نعتبر أن الحياة مع الظالمين برم، مفهوم؟ إني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برمًا. الحسين لا يتحمّل العيش مع الظالم. لا يقدر يقف هو وظالم إلى جانب بعض، يحارب الظالم حتى ولو مات. الظالم من؟ أي ظالم كان! إسرائيل أو الظالم الداخلي، الذي يغتصب حقوقك، ولو كانت سلطة. الذي يحرمك من حقك، لو كان حاكمًا. الذي يمنعك فرصتك في الحياة، ولو في أيّ مركز كان، هو الظالم. والحسين لا يقبل أن تعيش أنت معه.
هذا معنى القيام بالمأتم الحسيني، وتعزية الحسين. تعزية الحسين لا تربي أذلاء ولا تربي بكائين. تربية الحسين تعزية الحسين تربي الحسينيين، أولئك الذين يرفضون كالحسين السكوت على الظالم. نساؤهم كزينب، عندما يُقتل رجالها ترفع جسد أخيها وتقول: اللهم تقبل منّا هذا القربان. أين البكاء؟ أين الاكتفاء بالبكاء؟ هذه المدارس، مثلما المدرسة تعلِّم العلم، هذه القاعة وهذه المجالس تربي وتقوي الإيمان.
آباؤنا، أجدادنا... حفظوا هذه المآتم في وجه السلطات الاستعماريه العثمانية، والظلم التاريخي. سلَّموه لنا، علينا أن نستفيد منها. كيف نستفيد منها؟ مجرد الجلوس والتعزية والتسلية وقضاء فترة؟ لا! ليس هذا هو السبب، ولا هذه هي النتائج.
النتيجة، أن نخرج من هنا بعزم لمحاربة الظالم. الظالم كان إسرائيل، كان أميريكا، كان المستعمرون، أو كان الظالم أهلنا ذوي القربى حكّامنا، مثل بعض.
مرّت سنة على كلمتي في السنة الماضية في هذه المناسبة ومن هذا المركز، وكنا نقول: كانوا يحملوا تصرفنا وحديثنا على الأهداف الخاصة والمصالح السياسية والأمور الشخصية. راحت الأمور وانكشفت الحقائق: لا نريد إلا الحق، إلا الإنصاف، إلا العدالة، والعدالة هذه من صميم إيماننا بالله، من صميم إيماننا بالوطن، من صميم إيماننا بالإنسان. نحن لا نقبل أن تبقى أرض وطننا بلا دفاع، على الحكومة أن تعلن موقفها، فتقول أدافع أو لا أدافع، أو تنسحب. ليس الوقت وقت المماطلة، وتمييع القضايا، وخلط الأوراق، والتضليل على الناس، الذي لا يتمكن أن يحفظ لبنان عليه أن يجلس في بيته، وإلا، فسيلعنه الوطن والمواطنون، والتاريخ، والضمير والأجيال القادمة إلى الأبد.
أولئك الذين يقفون مكتوفي الأيدي أمام الأوضاع الوطنية، عليهم أن يتحمّلوا المسؤولية، أو أن يتحركوا. هذا هو طلبنا. نحن لسنا مستعدين في الجنوب، وفي أيّ منطقة أخرى، أن ندفع ثمن المعادلات السياسية، والأوهام التجريدية، والتخيلات السفسطية التي نقرأها كل يوم في بعض الصحف. لسنا مستعدين أن ندفع الثمن. نحن في الجنوب نموت، بيوتنا تُهدم، كرامتنا تُحرق، أرزاقنا تذهب كل يوم، وقضيتنا تتميع. فترة معينة أمام العمل، أمام العزم والإرادة، أمام الانتقال. إذا واحد صبر فترة من الزمن على أمل، صحيح لكن أيّ أمل؟ من الذي يدافع؟ من الذي يقف؟ من الذي يفكر؟
ننتظر أن أميركا، أو فرنسا، أو الاتحاد السوفياتي، تجيء لتدافع عنا؟ ننتظر أن الدول العربية تجيء لتدافع عنا؟ كلهم سيدافعون، إذا دافعنا نحن. أول طلقة تخرج من رصاصة جيشنا، من بندقية جيشنا، من مدفع جيشنا، أول طلقة تصدر من رشاش شابنا، ثائرنا، مقاومتنا، تنقلب المقاييس كلها. علاقة السلطات مع الناس تتغير، علاقاتهم مع العرب تتغير، علاقتهم مع المقاومة الفلسطينية تتغير، علاقتهم مع العالم تتغير. لا يُقال في الأمم المتحدة أن جنوب لبنان أرض سائبة، لا يحميها أحد. أين أبناؤها؟ نحن لا لسنا مستعدين أن نقول ليس للجنوب أبناء كان لنا سلاح، فبها، لم يكن لنا سلاح فأيادينا وأظافرنا، وأسناننا في المعركة.
نحن أبناء الحسين (عليه السلام ، نحن أبناء الحسين، ونقول: ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركّز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة. وهكذا أكرمْنا الحسين، وأقمنا احتفاله.
والسلام عليكم.

source
عدد مرات التشغيل : 10