دعوات لتأسيس مرجعية إعلامية لمواجهة الإعلام المتصهين إفتتاح مؤتمر "كلمة سواء" السابع حول "الذات والآخر" تشديد على التقارب بين الشعوب.. وكثير من التمنيات

calendar icon 13 كانون الأول 2002

"الذات والآخر في الإعلام المعاصر" عنوان مؤتمر "كلمة سواء" السابع الذي نظمه "مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات" في قصر الأونيسكو أمس، وجاء اختيار الموضوع محاولة من المركز في مقاربة قضية حساسة ومؤثرة في حقبة مأزومة اضطربت فيها القيم والمعايير وغلبت فيها الأفكار المسبقة وسادت الصورة المشوهة على حد ما يعرف بالمؤتمر.

والمناسبة كانت متاحة أمام المشاركين في وضع الإعلام على الطاولة وتناوله من مختلف جوانبه مع التركيز على الإعلام المرئي، والفضائي خصوصًا في مواجهة الخطر الآتي من الغرب، والمواد المعلبة والجاهزة التي يتناولها من دون أي تعديل، ما ينعكس سلبًا على العالم العربي وقضاياه.

ليس هذا وحسب، فقد تعرض الإعلام لانتقادات لتغليبه أصوات الصدام على أصوات الحوار ووقوعه في فخ الصهيونية العالمية وقبوله الصورة المشوهة وعدم قدرته على رسم واقع صورته الحقيقية واقتصاره على رد الإتهام في سجال خاسر مع الغرب.

الكلمات شددت على التعاون والتقارب بين الشعوب، وأطلق المحاضرون والخطباء الكثير من التمنيات في المحاور التي تناولوها مترافقة مع أسئلة عن مقدرة الإعلام العربي في تنظيم نفسه، وقدرته على بلورة ذاكرته، وهل في الإمكان تشكيل مجلس إعلامي عربي أعلى، حكومي وغير حكومي؟ لتكر سبحة الأسئلة عن مدى التنسيق بين وزارات الإعلام العربية من طريق مجلس وزراء الإعلام العرب؟ ليأتي الطلب على الإعلام الرسمي بضرورة تأسيس مرجعية إعلامية متخصصة ودائمة لمواجهة رأس المال المعولم. حتى ان الصوت ارتفع مطالبًا بقيام إعلام عربي إسلامي لمواجهة الإعلام المتصهين الأخطر من الدبابة والطائرة. لتجمع الكلمات على أن المسيحية الحقة والإسلام الحق مسؤولان عن التعاون والتقارب بين الشعوب تحت أفق من المودة والمصالحة.

الإفتتاح
حضر افتتاح المؤتمر ممثل رئيس الجمهورية الوزير نزيه بيضون، رئيس مجلس النواب نبيه بري، الوزير ميشال موسى ممثلًا رئيس الحكومة، الرئيس سليم الحص، الوزير عبد الرحيم مراد والوزير جورج افرام وحشد من النواب الحاليين والسابقين وعدد من رؤساء وممثلي الطوائف الإسلامية والمسيحية، وممثلي الأحزاب، وأفراد عائلة الإمام موسى الصدر.

بعد تقديم من عريف الحفل حسين نجيب حمادة، قدم النجل الأكبر للإمام الصدر، صدر الدين الصدر بعدما استأذن رئيسة المركز رباب الصدر شرف الدين رؤيته لاختيار موضوع المؤتمر في الزمن الذي انتشرت فيه وسائل الإعلام والإتصال، أصبح لكل بيئة خصوصيتها ونماذجها الثقافية والتي أصبحت بمواجهة نماذج الآخرين، مما يحدث صراعًا يؤدي إلى تغيرات ويطرح إشكالية الغزو الثقافي والحضاري.

ويتابع أن لبنان أصبح في هذه المرحلة ضرورة قصوى للعالم كونه مؤهلًا لأن يكون ندوة للحوار الإسلامي المسيحي وقاعدة اللقاء الأوروبي العربي، ليختم بالتذكير بقضية الإمام الصدر ورفيقيه مستنكرًا الأضاليل التي تطلق من حين إلى آخر، مؤكدًا ان القضية تتم متابعتها على كل الأصعدة بما في ذلك رفعها إلى المحاكم الجنائية الدولية للاقتصاص من كل من ساهم ودعم ونفذ وخطط لجريمة التغييب.

قباني
وثنائية الصراع موجودة منذ بدء البشرية ومستمرة إلى اليوم يقول القاضي الشيخ محمد دالي بلطة الذي ألقى كلمة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني معتبرًا انها حرب الذات من أجل مصالحها وماديتها وليس من أجل ارساء القيم والمبادىء. وأكد على دور الإعلام في تغليب لغة الحوار، ومتمنيًا ان يخصص وقت للتوجه نحو العالم بإعلام يشرح وجهة نظرنا.
وانتقل الشيخ دالي بلطة إلى قضايا محلية فقال: ان اختلافنا في بعض الأمور الوطنية لا يجيز لنا أن نناقش أمورًا مبدئية مثل تبني الخيار الإسرائيلي مثلًا.

غيث
وبدا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ بهجت غيث أكثر تفاؤلًا مؤكدًا ان لا قوة تعلو على قوة الحق، داعيًا إلى عدم الخوف، إذ ان الخوف من الشر هو الشر بعينه، ودعا الإعلام العربي والإسلامي إلى "التركيز على الإيمان والثقة".

وحيا روح الإيمان في صدور المقاومين في فلسطين والجولان وجنوب لبنان " ولا عجب من اتهامهم بالإرهاب في سياق محاولة إرهابهم وإحباطهم وسلب حقوقهم وطمس هويتهم وإخماد انتفاضتهم في وجه الطغيان والعدوان".

المطران مطر
واعتبر رئيس أساقفة أبرشية بيروت المطران بولس مطران رحلة الذات إلى الآخر أو التلاقي معه في مسار التاريخ ومعناه الأسمى، ورأى في الكلمة التي ألقاها ممثلًا البطريرك نصر الله بطرس صفير ان علاقة الإسلام والمسيحية، على عكس ما يجري تصويرها على أنها متجافية "فهما عالميا التوجه والدعوة، وهما المسؤولان عن التقارب والتعاون بين الشعوب".

واعتبر انه ليس على الإعلام أن يستر الأنا عن ذاتها ولا أن يشلح عليها ثوب الطوباية وحرية الإعلام حيال الذات تعترف للجدال وتتحاشى الرأي المسبق الواحد الأحد وتتحرى إصلاح الحاكم وإيصال همسات الناس إليه.

ونبه المطران الياس نجم إلى حجم الإمكانات التي يسخرها "العدو" للإعلام، مشيرًا في الكلمة التي ألقاها نيابة عن بطريرك الروم الأرثوذكس أغناطيوس الرابع هزيم، إلى أننا لا نعير هذا الموضوع الأهمية اللازمة، ودعا إلى رصد ميزانية كبرى عربية إسلامية لمقاومة الإعلام المتصهين، وإلى البحث عن أفضل الصيغ لاحترام الحضارات والثقافات ولخلق التفاعل المتكافىء بينها.

لحام
ورأى المعاون البطريرك المطران سليم غزال في كلمته نيابة عن بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، ان وسائل الإتصال عكست جانبًا سلبيًا، بعدما تحولت إلى أداة منحازة في يد أصحاب المال والسلطة والنفوذ، وأصبحت تخدم مصالح الدول القادرة والغنية على حساب الدول والشعوب الفقيرة، وتطمس قضايا وطنية وإنسانية، مثل قضية الشعب الفلسطيني ومثل الحملة الشرسة على العراق.

ودعا إلى الخروج من قوقعة التعصب لملاقاة الآخر والتحاور معه من أجل المصلحة العامة وللخروج من المآزق الوطنية والاقتصادية.

وبعد مقدمة توجه بها نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المفتي عبد الأمير قبلان إلى الإمام المغيب، اعتبر ان الإعلام واحد من أكبر قضايانا في الثقافة والسياسة والإقتصاد، واننا أمام نمط جديد من الإنتاج يحكمه الرأسمال المعولم والجميع مرتبط بشبكة إتصال واحدة متعددة الأطراف وعابرة للحدود.

ودعا إلى مراجعة سياساتنا الإعلامية لتوخي الإرتقاء بقيم الناس وثقافاتهم ولحمايتهم من التعدي والإساءة ولمقاومة أشكال الإستهلاك الثقافي الغربي وثقافة المنفعة، كما دعا الغرب إلى التخلص من عقدة مركزيته وإلى الإعتراف بغير الغربي كشريك له وليس كتابع.
تجدر الإشارة إلى أن كلمة للسفير البابوي في لبنان المونسنيور غاتي كانت مقررة إلا انه اعتذر ولم يحضر ممثلًا عنه.

الجلسة الأولى
بعد الظهر عقدت الجلسة الأولى بعنوان "الإعلام والوحدة الوطنية" ترأسها وزير الإعلام غازي العريضي وحاضر فيها الزميل سركيس نعوم، عبد الهادي محفوظ، د. جيروم شاهين ود. أنور خطار.

واستعاد نعوم في كلمته ما قاله الإمام الصدر في الستينات عن الحرية التي هي حق للصحافي في المجتمع الذي يعيش فيه وهي فرصة للجميع ليعرف كل شيء ولا صيانة للحرية إلا بالحرية، واعتبر ان الوحدة الوطنية هي أساس وجود لبنان وطنًا وسيادة واستقلالًا وعيشًا مشتركًا ونظامًا ديموقراطيًا حرًا.

وتطرق محفوظ إلى دور الصدر في إرساء مفاهيم الوحدة الوطنية والإنصهار الوطني، مركزًا مداخلته عن الإمام الصدر قائلًا انه كان يرصد حركة الإعلام في بدايات الحرب وقد اعتبرها حربًا إعلامية أولًا وان أحد الأسلحة الأساسية لحماية الوحدة الوطنية التي هي النتاج الطبيعي للصيغة اللبنانية هو الإعلام.

وفي القسم الثاني من الجلسة الأولى المخصص للمحور المحلي تحدث د. شاهين فاعتبر ان السلطات الحاكمة اليوم فعليًا في مصائر الشعوب والدول هي ثلاث: الإقتصاد والإعلام والسياسة التي غالبًا ما تؤسس سلطتها سلطتي المال والإقتصاد.

ورأى د. خطار ان الإعلام هو المجال الأمثل للعلاقة بين الذات والآخر كونه علاقة بين الذات (المرسل) والآخر (المتلقي) ويصبح الموضوع علاقة بين وسائل الإعلام وجمهورها.

وبعد نقاش عقب الوزير غازي العريضي قائلًا ان محور الشر على المستوى الإعلامي تحديدًا هو أميركي – إسرائيلي، إذ تمارس أقصى أنواع الإرهاب برعاية الدولة العظمى وتداس القوانين وشرعة حقوق الإنسان.
وتناولت الجلسة الثانية "الإعلام والصراع العربي – الإسرائيلي" المحور الإقليمي وترأس الجلسة محمد المشنوق وحاضر فيها د. جورج جبور ود. غسان العزي، فيما تغيب المحاضران شوقي أبو شعيرة وأصغر محمدي.

واستهجن المشنوق في مداخلته "تمرير بعض وسائل الإعلام العربية وجهات نظر تطبيعية مثل التساؤل حول دور سكان الشريط المحرر في إقامة علاقات حسن جوار بين لبنان وإسرائيل ومثل تململ الشارع الفلسطيني بشأن الجدوى من الإنتفاضة والتشكيك في صدقية القيادة الفلسطينية.

وقدم د. جبور قراءة عربية في الصراع العربي – الإسرائيلي تناول فيها تقسيمات الإعلام واشكالياتها، ولاحظ أن الإعلام العربي تابع في معظم توجهاته للإعلام الدولي الذي يستقي منه معلوماته وأخباره.

من جهته قدم د. العزي قراءة غربية رصد فيها موقف الإعلام الغربي من انتفاضة الأقصى ومن القضية الفلسطينية، لافتًا إلى أن معظم وسائل الإعلام الغربية يملكها ويديرها مؤيدون لاسرائيل.

يتابع المؤتمر أعماله اليوم ويتطرق إلى المحور الدولي وصورة العرب والمسلمين في الإعلام الغربي، والدور المرتقب للإعلام.

source