اختتام مؤتمر " كلمة سواء بحثاً عم حق الإنسان" توصية بإنشاء مؤسسات حقوقية ومحكمة عدل عربية

calendar icon 03 تشرين الأول 1998

اختتم مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات، مؤتمره الثالث "كلمة سواء" بعنوان "بحثاً عن حق الإنسان"، الذي عقده في فندق الكومودور، لمناسبة الذكرى العشرين لتغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، والذكرى الخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بإصدار عدد من التوصيات والمقررات، تلاها حسين حمادة.

قد تمحورت هذه التوصيات والمقررات، بطلب المؤتمرين من مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات اتخاذ الإجراءات اللازمة لإثارة قضية اختطاف الإمام الصدر ورفيقيه بشكل فعّال عن طريق الجهات المعنية بحقوق الإنسان ومنها: مجلس الأمن الدولي للعمل الجدي لبسط الشرعية الدولية بمعانيها الحقوقية الأسمى في العالم كله ودون تمييز، ومنظمات حقوق الإنسان، المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية، وبالدعوة إلى تأمين سلامتهم وإطلاق سراحهم العاجل وإيقاف هذا الإنتهاك الصارخ لحقوق الإنسان والشعوب المتمثل بتغييب قيادة فذة فكراً وعملاً لا يزال الشعب اللبناني يعتبرها منقذه الأول.

كذلك، أمل المشاركون، بإنشاء مؤسسات حقوقية متحررة من أي وصاية تحمي القانون وتصون الدولة وحقوق المواطن في لبنان، إنشاء محكمة عدل عربية إسلامية على شاكلة محكمة العدل الأوروبية تقبل شكاوى الأفراد والجماعات وتكون قادرة على مسائلة الحكام، القضاء على التمييز وازدواجية المعايير في تطبيق القوانين الدولية. العمل على تعريف الإنسان اللبناني والعربي بحقوقه ونشر وتعميم الثقافة الحقوقية سبيلاً إلى رفع الظلم والمعاناة، العمل على أرض الواقع لوضع كل التوصيات موضع التنفيذ انسجاماً مع خط الإمام الصدر ونهجه الذي يعتبر العمل مضمون القول.

وكان المؤتمر قد تابع أعماله أمس، بعقد أربع جلسات تمحورت حول "الأمم المتحدة والمنظمات الدولية"، "الخلل في المسار"، "المسؤولية الاقليمية والوطنية"، و"تعزيز المسيرة".

الجلسة الأولى
ترأس الجلسة الأولى رئيس الجامعة اللبنانية د. أسعد دياب، الذي تحدث عن "الأمم المتحدة والمنظمات الدولية" مشيراً إلى أنه يجدر التمييز بين مرحلتين من عمر الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية: مرحلة الحرب الباردة حيث طغى الإختلاف الايديولوجي بين الشرق والغرب وفي صميمه النظرة إلى حقوق الإنسان متسائلاً، هل ان الأولوية هي للحقوق السياسية أم أنها للحقوق الاقتصادية والإجتماعية؟

والمرحلة الثانية، هي المرحلة الراهنة التي بدأت في مطلع التسعينات والتي تشهد تراجع الصراع الايديولوجي وتقدم النفوذ الأميركي الآحادي في العالم ورأى أنها مرحلة جديدة تشهد تركيزاً شديداً على طرح مسألة حقوق الإنسان حيث تعتبر من الأولويات العالمية في القانون والسياسة ربطاً بمسائل أخرى مثل التنمية والديموقراطية وحماية البيئة والطبيعة.

ثم ألقى الدكتور محمد المجذوب مداخلته حول "مسؤولية الأمم المتحدة عن توفير الحماية الدولية لحقوق الإنسان".

وأشار إلى أن حقوق الإنسان كانت في الماضي مسألة فردية بينما اليوم أصبحت قضية عالمية، وأصبح الإنسان محور كل الحقوق معلناً أنه الإنجاز الأكبر الذي حققته الأمم المتحدة على هذا الصعيد يتجلى في نجاحها في تدويل حقوق الإنسان ووضعها تحت حمايتها.

ورأى أن الإهتمام بحقوق الإنسان أفرز مستجدات على الصعيد الدولي أهمها:
• أن الفرد اكتسب مركزاً قانونياً دولياً وأصبح مسؤولاً عن جرائم الحرب والجرائم المخلة بالأمن والسلام الدوليين.
• ان حقوق الانسان ادرجت في جداول الاستراتيجيات والمؤتمرات العالمية.
• ان العلاقة الوثيقة بين السلام العالمي وحقوق الانسان أوجدت نوعاً من الارتباط الجدلي بين الأمرين.

ثم قدم الدكتور فادي مغيزل مداخلة بعنوان "دور لجنة حقوق الإنسان" واستهلها متسائلاً، ما الفائدة العملية للمواثيق والشرع والاعلانات والاتفاقيات والتوصيات الخاصة بحقوق الإنسان ان لم تسهر على حسن تطبيقها منظمات دولية واقليمية ووطنية؟

ثم تطرق مغيزل للحديث عن لجنة حقوق الانسان ودورها وصلاحياتها وقدم لمحة مفصلة عن دورها في وضع حد لانتهاكات حقوق الانسان منذ تأسيسها وكيفية تقديم الدول الأطراف تقاريرها إلى اللجنة.

ورأى مغيزل ان هناك ظلماً مزدوجاً في التقصير بما يتعلق بعمل لجنة حقوق الانسان لجهة تطبيق نصوص اللجنة من ناحية وعدم وجود ديموقراطية على صعيد المجتمع الدولي من ناحية أخرى، مشيراً إلى أن هناك دولة لديها الكلمة المرجّحة في قضية معينة والقرارات السياسية أو الخلل السياسي يشكل عائقاً أمام إحقاق الحق.

الجلسة الثانية
الجلسة الثانية، بدأت عند الثانية عشرة ظهراً وترأسها وزير العدل الدكتور بهيج طبارة متحدثاً عن "الخلل في المسار".

واعتبر طبارة ان دولة القانون تفترض وجود قوانين ترعى المجتمع وتطبق على الجميع من دون استثناء ولكن ليس مطلقاً قانون بل تلك التي تتضمن حقوق الإنسان الأساسية وتكفل حقه في الحياة والحرية وهذه الحقوق تنص عليها القوانين الدولية عموماً ولا سيما الدستور اللبناني.

ورأى طبارة أن حقوق الإنسان وبناء دولة القانون تبقى هدفاً تسعى الشعوب إلى الإقتراب منه، فالمواثيق والعهود الدولية التي تنادي بحقوق الإنسان تبقى تحقيقها نتيجة للنضال مستمر ودائم.

وأشاد طبارة بفكر ونهج الإمام الصدر الذي كرس نفسه وجهده لأجل صيانة الإنسان والحفاظ على كرامته.

وتناولت مداخلة الدكتور حسن شلبي، رئيس الجامعة الإسلامية في لبنان، تقييماً لإعلان العالمي لحقوق الإنسان ورأى ان انقضاء 20 عاماً على تغييب الإمام الصدر والعالم صامت من حولنا في لبنان والعالم العربي والاسلامي بحد ذاته شهادة حية تحفل بالعبر والمعاني والدلالات حول تقييم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وشاهد حي على ما بلغته من محنة قاسية في الوطن العربي والاسلامي وعلى امتداد العالم في الشرق والغرب.

ثم تطرق إلى تاريخ وثيقة "إعلان حقوق الإنسان" الصادرة عام 1789 والوثائق التي سبقتها كالماغنا كارتا سنة 1225 وإعلان الحقوق في بريطانيا سنة 1688 وفي ولايات أميركا الشمالية سنة 1774، مشيراً إلى أنه برغم الصعود والسمو القانوني والدستوري الذي ظفرت به قضية احترام حقوق الإنسان فقد بقي بحاجة إلى المزيد من التحصين والمنعة.

ولفت شلبي النظر إلى أن الإستمرار بانتهاك حقوق الإنسان والإعتداء عليها على هذا النحو الصارخ يمثل انتصار قوى الشر على الخير والظلم على قوى مقاومة الجور.

واقترح شلبي إنشاء محكمة عربية لمراقبة الانتهاكات في حال حصولها.

ثم ألقى الدكتور عدنان السيد حسين، مداخلة بعنوان: "من أهداف الإسلام حفظ كرامة الإنسان"، تحدث فيها عن أبرز محددات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي مهدت لصدور مواثيق أساسية متعلقة بحقوق الإنسان.

وأشار حسين إلى أن المسيرة العالمية لحقوق الإنسان اصطدمت بالسياسة الدولية "فغدا القانون الدولي العام أسير السياسة الدولية وغير فاعل على أكثر من صعيد وبدت التطبيقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان مختلفة وأحياناً متناقضة بين دولة ودولة في العالم مؤكداً ان عالم اليوم يعيش في حالة من ازدواجية المعايير الدولية.

ثم عرض حسين أمثلة كثيرة على انتهاكات القوانين الدولية وحقوق الإنسان ومنها حصار العراق وقضية فلسطين والصومال والعنصرية ضد العرب والمسلمين في الأوساط غربية وغيرها من الانتهاكات.

الجلسة الثالثة
وانعقدت الجلسة الثالثة تحت عنوان "المسؤولية الاقليمية والوطنية"، برئاسة د. أنيس مسلم، وتحدث فيها الدكتوران شفيق المصري عن "المنظمات الاقليمية الدولية، المؤتمر الاسلامي، منظمة الوحدة الافريقية"، وابراهيم قبيسي عن "الدولة والمواطن".

تساءل مسلم عما إذا كان، بعد مرور 50 سنة على إعلان شرعة حقوق الإنسان يستطيع المواطن اللبناني صيانة حقوقه الأساسية، في القانون والممارسة، والمشاركة السليمة في الشأن العام؟، وعما إذا تمكنا كمجتمع منظم وكدولة، أن ننتقل من مرحلة الإنسان الفرد الذي يؤمر فينصاع، إلى مرحلة المواطن الذي يدرك أهمية القانون، فيساهم في إعداده ودرسه وإقراره، ويبدأ هو نفسه في احترامه والخضوع لأحكامه؟.

وعرّف قبيسي في بداية كلمته، بالفرد بالمعنى الفلسفي وفي السياسة، متناولاً الإسلام وحقوق الإنسان، والفرد والدولة أو فلسفة حقوق الإنسان، وبانوراما حقوق الفرد تجاه الدولة، متطرقاً إلى الوضع اللبناني، مشيراً إلى أن احترام حقوق الفرد اللبناني يمر بالضرورة عبر الدفاع عن الجنوب المحتل والمقاومة، وإلى ان احترام الدولة اللبنانية لحقوق الفرد يمر عبر تطبيق اتفاق الطائف نصاً وروحاً وعدم تصوير هذا الإتفاق كأنه وقف إطلاق نار بين اللبنانيين فقط وليس اتفاقاً على قواعد تعبير ديموقراطية وتحررية، مؤكداً ان الفرد في لبنان لا يصان إلا مع القضاء على الطائفية والمذهبية، وعندما لا يعود هناك أي فئة تشعر بالإحباط.

ورأى المصري ان مسألة حقوق الإنسان في اشكالياتها القانونية والتطبيقية، من أكثر المسائل جدلاً على المستوى الدولي، مشيراً إلى أن قضايا: الإصرار على حقوق الإنسان الفرد من جهة وحقوق المجتمع أو الشعب من جهة ثانية، والإصرار على إمكانية الإشراف على حسن التطبيق لدى الدول لا سيما دول الجنوب في مراعاة هذه الحقوق، وقضية انصاف الشعوب الضعيفة والمحرومة في الدول الأقل نمواً وقضية إتهام الشمال بالإستغلال تحت شعارات مختلفة منها حقوق الإنسان، كلها اشكاليات تقف في وجه حسن التطبيق وتوحيد سلم الأولويات.

ولفت النظر إلى أن المنظمات الدولية والإقليمية في سياق حقوق الإنسان، تشكو عدة أعراض ونقاط ضعف بنيوية ووظيفية، مقترحاً لحل كل الصراعات الناتجة عن ذلك إعادة النظر بأساليب تربية الفرد المدنية وإكسابه ثقافة سياسية جديدة وإعادة النظر بهيكلية المنظمات الإقليمية لدول الجنوب لتكتسب المزيد من القوة والتنسيق في ما بينها وإعادة النظر في شعارات التغريب السياسي والإجتماعي والإقتصادي ليصار إلى استنهاض القيم الذاتية المؤمنة.

الجلسة الأخيرة
وانعقدت الجلسة الأخيرة تحت عنوان "تعزيز المسيرة" برئاسة السفير فوزي صلوخ، وتحدث فيها المحامي ابراهيم العبد الله عن "تفعيل الميثاق العربي لحقوق الإنسان" ود. شبلي الملاط عن "المحكمة الجنائية الدولية"، والسيدة د. فاطمة طباطبائي عن "الإنسان وكرامته في الإسلام".
عرض العبد الله لبنود الميثاق وأقسامه الأربعة، معتبراً تطبيق بعض بنود هذا الميثاق انقلاباً وثورة بالنسبة لبعض الأنظمة العربية، على الرغم من أنه جاء متخلفاً عما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وافقت عليه جميع دول العالم بما فيها الدول العربية.

وأشار إلى إغفال الميثاق ذكر عدد من الحقوق ومن بينها: الحقوق المتساوية للرجل والمرأة عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله، حق كل شخص في حرية الإشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية، وحق كل شخص في حرية الرأي والتعبير واعتناق الآراء دون أي تدخل، حق كل فرد في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده عن طريق انتخابات نزيهة ودورية وبذلك يجري تدوال السلطة بصورة طبيعية وسليمة، الحق في الضمانة الإجتماعية، الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية للإنتاج العلمي أو الأدبي أو الفني.

وخلص إلى أن وجود ميثاق عربي لحقوق الإنسان مكسب يقتضي التمسك به، وان التصديق عليه والإنضمام إليه واجب كل دولة عربية مع تشديده على حاجته للإستكمال بالنص على الحقوق جميعها.

واعتبر الملاط المحكمة الجنائية الدولية مساراً، وليست حقيقة، لأن حقيقتها الناقصة قانونياً مرهون اكتمالها بنجاح ذاك المسار أو فشله، مشيراً إلى تاريخ المحكمة الذي يمتد على مدى نصف قرن على الأقل، معرفاً باختصاصها، الذي يفصل بين جرائم الحرب والجرائم الأخرى، لأنه يمكن للدول الأطراف في المعاهدة ان تختار عدم ادخال جرائم الحرب، ولمدة سبع سنوات غير قابلة للتمديد. عند توقيعها على المعاهدة. وتطرق إلى اختصاص المحكمة الحاصل في احوال منصوص عليها، وخلص إلى ان تفعيل دور المحكمة في ظل الجرائم المستمرة والسياسة الدولية الهائمة على وجهها، مرهون باندفاع مستمر للأفراد والجماعات والدول، وبحث الإنسانية عن قوة في القانون، بدل قانون القوة، لا يزال في أوله في عرف الدول.

واستهلت طباطبائي مداخلتها بالخوض في تعريف الإنسان وكرامته، وصولاً إلى تصنيفها الناس إلى أربع فئات: الأولى وهي التي تنسى أنها في هذه الدنيا كالمسافر الذي يتجه إلى هدفه مروراً بهذه الدنيا، فلا يفكر أفرادها بالهدف ولا بزاد الطريق. والفئة الثابتة التي يعلم أفرادها أنهم مسافرون وان الدنيا ليست محل حياة أبدية لهم وان اقامتهم فيها إلى حين، ثم يتحركون نحو هدفهم، آجلاً أم عاجلاً، لكن الغفلة والإنغماس في المشاغل المادية والطبيعية ينسيهم التزود من الدنيا ليوم الآخر.

وتتألف الفئة الثالثة ممن يدركون هذه الحقائق وقد شدوا الرحال جيداً لسفرهم بانتظار بلوغ الهدف والمقر لسفرهم، وهؤلاء في تعبير أهل العرفان هم الكاملون والواصلون.

أما الفئة الرابعة فيتجاوز أهلها المرحلة السابقة ولا يفكر أفرادها بإنقاذ أنفسهم بل يرون ان انقاذ أنفسهم يتم بإنقاذ أبناء جنسهم كافة، ويرون راحتهم في راحة جميع البشر، وهؤلاء يطلق عليهم الكاملون المكملون.. "وأحد مصاديق هذه الفئة شخصية الإمام الصدر".

source