مؤتمر "الأسرة واقع ومرتجى" تابع أعماله حميد دعا لتغيير أساسي في نوعية النمو الإقتصادي الحريري عددت شروطاً تحمي دور المرأة في بناء الأسرة توصيات تؤكد على أهمية التعليم الديني في المدارس

calendar icon 06 تشرين الثاني 1997

تابع مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات لليوم الثاني على التوالي أعمال مؤتمره "الأسرة واقع ومرتجى" في فندق الكومودور وانعقدت جلستان استمرتا إلى ما بعد الظهر وتمحورت موضوعاتها حول مسؤوليات المرأة الإجتماعية والأسرية ومعايير اختيار الشريك وعزوبية الفتاة وذلك في حضور حشد من الفاعليات والشخصيات الثقافية والأكاديمية والنيابية ومهتمين.
الجلسة الأولى ترأستها رئيسة لجنة التربية النيابية النائب بهية الحريري وحاضر فيها الدكتور عدنان مروة رندة الحسيني وحوراء الصدر.

الحريري
بداية كانت كلمة لرئيسة الجلسة النائب بهية الحريري قالت فيها:
نعيش في لبنان هذه الأيام مرحلة هي من أدق المراحل وأحرجها التي نشهدها ويشهدها تاريخنا وإذا أردت ان أبسط التوصيف أقول اننا نكاد نكون بين فكي كماشة أولهما دور تاريخي في إعادة بناء لبنان على أسس حضارية حديثة تعوضنا عن الكثير مما فاتنا من تقدم خلال السنوات الطويلة الماضية من جهة ومن جهة أخرى تصلب عودنا كدولة في مواجهة التحديات المرتقبة التي يحملها الينا القرن المقبل.

أما الفك الآخر فهو الدور الحضاري المطلوب منا لحماية هويتنا وثقافتنا وانتماءنا اللبناني العربي أي حماية حضارتنا من الذوبان في حضارات الآخرين.

وصفت اللحظتين الراهنتين بفكي الكماشة لأن الأخذ بالحداثة وبتقنية العصر يحمل في طياته مخاطر تتهدد أجيالنا بالإنسلاب والتغرب إذا لم يتسلحوا وإذا لم نسلحهم بالمفاهيم القواعد السليمة في التعامل مع التكنولوجيا المستوردة التي تغزونا تحت مظلة كبيرة عنوانها ثورة الإتصالات والمعلوماتية.

وقالت ان هويتنا وثقافتنا والرسائل السماوية التي نؤمن بها حملت في بذورها شروط الحل وشروط مواجهة كل التحديات بالعلم وبالموضوعية وبالإيمان والأسرة كنواة للمجتمع هي رأس الحرية في مواجهة التحدي ولذلك فلا عجب ان تختار مؤسسات الإمام الصدر الأسرة موضوعاً لمؤتمرها هذا في اللحظة التاريخية المصيرية التي يمر بها لبنان راهناً انسجاماً مع المبادىء التي أرسى قواعدها المؤسس الكبير.

وإذا كان موضوع جلستنا هذه يهتم بدور المرأة التي تمثل نصف المجتمع في عملية قبول التحدي على طريق بناء المستقبل الوطني فلأن المرأة اضطلعت منذ بداية التاريخ باعتراف الرجل وبتنازل منه بالدور الأكثر أهمية وخطورة في بناء الأسرة إلا أنها أي المرأة ولأنها أم وزوجة وشقيقة وإبنة ما زالت ترفض حتى اليوم إلا التكامل في دورها مع دور الرجل في بناء الأسرة وفي بناء المجتمع.

وعددت جملة شروط تربوية واجتماعية وإعلامية يجب العمل على تحقيقها حماية لدور المرأة في بناء الأسرة والمجتمع وهذه الشروط هي:

أولاً: على الصعيد التربوي
- أخذ جميع المدارس الرسمية والخاصة بالبرنامج الموحد للتربية المدنية والتنشئة الوطنية.

- التركيز في الروضات والصفوف التمهيدية على تقديم الألعاب والوسائل النموذجية النابعة من بيئة الطفل وتاريخ وطنه وجغرافيته وشخصياته التاريخية الوطنية.

- شرح وتعزيز مفاهيم وأبعاد الترابط الأسري والإجتماعي والوطني لدى الطفل والطالب.

- تنمية روح البحث العلمي والموضوعي لدى الطالب منذ بداية نشأته وتعزيز قدرته على حسن الفهم والإختبار.

- تأهيل الكوادر التربوية على استخدام الوسائل الحديثة في التعليم وإخضاعها لخدمة الأجيال والمجتمع.

- وضع قواعد للإستخدام السليم لوسائل الإعلام في المدارس والمعاهد والجامعات.

ثانياً: على الصعيد الإجتماعي:
- إنخراط الجمعيات الأهلية في عملية وضع برنامج متكامل لرفع مستوى الوعي العام والوعي الأسري بالقضايا الوطنية الحاضرة والمستقبلية.

- السعي إلى تفعيل وتعزيز دور الهيئات والجمعيات الأهلية ووضع هيكلية مرنة وعملية للتنسيق والترابط والتكامل والتعاون بينها بما يخدم دورها والتوجهات الإجتماعية الوطنية.

- تنظيم وتوسيع علاقات المشاركة والمصالح المتبادلة بين الهيئات الأهلية والجهات الرسمية بما يساعد على حسن تطبيق البرامج الإجتماعية الوطنية.

ثالثاً: على الصعيد الإعلامي:
- أن تتولى الجهات الوطنية المعنية بالشأن الإعلامي تغذية الإنترنت بالمعلومات المتعلقة بشؤوننا الوطنية وقطع الطريق على فئات دخيلة ومتطفلة محاولة القيام بهذا الدور.

- تطوير الخطط الإعلامية وتوحيد أهدافها ودعوة وسائل الإعلام إلى الأخذ بدورها الملح في تحقيق خطط النهوض التربوي والإجتماعي وخدمتها إعلامياً.

- رفع مستوى كفاءة الإعلاميين التربويين والإجتماعيين.

- إرساء أسس للتكامل في الأهداف بين الإعلام والتربية.

- وضع ميثاق شرف إعلامي ينص على التزام جميع وسائل الإعلام بالإبتعاد عن مواد الإثارة السياسية والطائفية والجنسية والعنفية وعن كل ما من شأنه أن يزعزع الإنتماء الوطني وعن كل ما يمس بالأخلاق العامة.

د. مروة
وكانت المداخلة الأولى للدكتور عدنان مروة اعتبر فيها أن الأسباب التي تعوق التقدم في تحسين صحة الأم والطفل تعود إلى:
1- التغيير في خصائص الإسم مثل تأجيل الإنجاب إلى سن متأخرة والإستعمال العشوائي لعقاقير وتكنولوجيات تزيد من احتمال ولادة توائم.

2- النسبة العالية من حالات الحمل غير المرغوب فيه أو المخطط له تشير الدراسات أن حوالي نصف حالات الحمل هي غير مخطط لها فهي غير مرغوبة أو توقيتها غير ملائم الحمل غير المخطط له بنسبة أعلى من إحتمال وفاة الطفل أو ولادته بوزن ناقص وعدم التخطيط للحمل انما يحدث بسبب عدم توفر المعلومات والخدمات لزواج الناشطين جنسياً.

3- عدم الإستفادة القصوى من مراكز الرعاية المكثفة لحديثي الولادة.
الأسباب الرئيسية لوفيات الأطفال هي التشوهات الخلقية أمراض الجهاز التنفسي والخلل الناجم عن ولادات مبكرة.

الحسيني
وتحدثت رندة الحسيني في مداخلتها عن صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة واعتبرت ان الصندوق عموماً يركز عى برامج التمكين الإقتصادي والبرامج المتعلقة بإشراك المرأة في عملية صنع القرار والتنمية.

الصدر
والمداخلة الأخيرة في الجلسة الأولى قدمتها حوراء موسى الصدر حول ذكريات حبيسة تناولت فيها الإمام الصدر الأب والزوج والأخ والإبن مشيرة إلى أن الإمام الصدر قد التزم في سلوكه القواعد القرآنية والتعاليم النبوية وإرشادات آل البيت.

الجلسة الثانية
وترأس الجلسة الثانية وزير الشؤون الإجتماعية أيوب حميد وحاضر فيها كل من الدكتورة إلهام كلاّب البساط حول معايير اختيار الشريك والدكتورة منى فياض حول الفتاة العازبة.

كلمة حميد
بداية كلمة للوزير أيوب حميد قال فيها: واجه لبنان عبر تاريخه أزمات كثيرة ومتنوعة أبرزها على الصعيد الإجتماعي التغييرات التي رافقت فترة الأحداث الأخيرة والتي تواصلت بين 1975 و 1990 ولا زالت آثارها بارزة حتى الآن.

فمن التهجير الداخلي والذي أدى إلى نزوح وانتقال حوالي ثلث السكان الذين غيروا مساكنهم بشكل دائم إلى الهجرة الخارجية التي أدت إلى خسارة لبنان ما يزيد على نصف مليون ساكن هاجروا للبحث عن الأمن والعمل ثم استقروا ولا زالوا في الخارج هذا بالإضافة إلى الإحتلال الإسرائيلي لمناطق واسعة في الجنوب والبقاع الغربي والذي لا زال يمثل العائق الأساسي لتنفيذ برامج التنمية الإجتماعية.

وقال ان هناك ظاهرة سكانية مقلقة بدأت معالمها واضحة من خلال تأخر سن الزواج بين الإناث نتيجة هجرة الشباب إلى الخارج وقلة المساكن المتوفرة لذوي الدخل المحدود وقلة فرص العمل مما يتطلب معالجات تؤدي إلى تغيير أساسي في نوعية النمو الإقتصادي والسعي لإعطاء أولوية لبرامج التنمية البشرية بما يؤمن حماية الأسرة وتوفير الدعم الكافي للفئات الضعيفة وتقديم القروض والمساعدات الإجتماعية لأصحاب الحالات الخاصة من الأيتام والأرامل والمعوقين والمسنين بالإضافة لتأمين رعاية كافية لأسر الشهداء والمعتقلين من أبنائنا في المناطق الجنوبية المحتلة بشكل عام وعوائل شهداء الحرب اللبنانية.

البساط
وقدمت الدكتورة إلهام كلاّب البساط مداخلة حول معايير اختيار الشريك اعتبرت فيها أن التكوين النفسي منذ الطفولة في صياغة الشخصية السوية أو في تكوين العقد المكبوتة تأثير العلاقة مع الأب والأم التوق الباطني غير المباح به الجاذبية الإرتياح والإطمئنان مفهوم الحب..

أضافت: لكل إنسان فرادته التفاعل قبل المعايير أو التفاعل لقياس المعايير لا يحدد الإنسان من خلال معايير ومواصفات ثابتة ساكنة كما تعبأ استمارة هوية أو وظيفة بل يحدد من خلال الأنا الداخلية العميقة في تفاعلها الصادق مع الآخر ولهذا فلا معرفة لأي شخص إلا من خلال دينامية المواقف والإنفعالات والخيارات اليومية في مواجهة الآخر ولا معرفة لأي شخص إلا من خلال تواضع النفس إذا اتسقت واستحقت وأحبت.

الدكتورة فياض
ثم كانت المداخلة الأخيرة للدكتورة منى فياض وتمحورت حول الفتاة العازبة اعتبرت فيها ان الزواج يعد أولوية مطلقة فتياتنا يعطين لأنفسهن الوقت الكافي للتفكير ويتطلبن شريكاً كفؤاً على الأقل إذا لم يكن مكتفياً مادياً.

ويبرز هنا مفهوماً العلم والعمل وضرورتهما المطلقة لم يعد الزواج هو صمام الأمان بل العلم والعمل.

لذا لم تعد فكرة إيجاد زوج بأي ثمن سائدة أو مثار نقاش تفضل الفتيات الآن الإعتماد على أنفسهن يراودهن طبعاً حلم الحب والزواج عن حب لكن ذلك لن يعني الجنون أو التضحية بكل شيء من أجله العقل يبدو في أحسن حالاته الآن.

تعبير "عانس" لم يعد فزاعة لأحد ولم يعد يطل برأسه مبكراً جداً على كل حال، يتم توطيد النفس على العزوبية ولو فترة ولم تعد الفتاة على ما يبدو زائراً انياً سرعان ما يترك الأسرة.

ثم كانت مداخلات ونقاشات في نهاية الجلسة.
واختتم المؤتمر أعماله ببيان ختامي جاء فيه:
توزعت أعمال المؤتمر على ست جلسات لمدة يومين متتاليين قدمت فيها الكثير من الأبحاث والدراسات التي تعالج شأن الأسرة من نواحيها كافة ساهم في عرضها حشد من الباحثين والمحققين في شؤون الأسرة في لبنان وإيران وأوروبا.

- سلطت الأبحاث الأضواء على مفهوم واقع الأسرة ومرتجاها وتناولت ماهية العائلة ودورها وقيمتها الأساسية في بناء الإنسان والمجتمعات والأوطان وذلك على هدى من الأنوار والتعاليم السماوية.

- وأكد المؤتمر على ضرورات الحوار بين الحضارات والثقافات من أجل الرقي بمستوى التفاهم بين المجتمعات حيث أضحى التعايش والتواصل الفكري بين المذاهب والأديان في مقدمة هذه الضرورات.

ولاحظ المؤتمرون ان اختلاف القيم والمفاهيم والعادات والتقاليد وأساليب العيش وتطور البنى الإجتماعية ولا سيما في المجتمعات الإنتقالية قد ساهم في تقويض استقرار الأسرة وأمنها الداخلي.

ورأى المؤتمر ان الأسرة هي مشروع هندسي إلهي ومشروع بشري متكامل ينبغي على الجميع اعطاؤها قدرها المناسب لكونها مركز التحولات الإجتماعية على تطور العصور والأزمان.

- وتعرض المؤتمر للمخاطر الكبرى التي تهدد العائلة وركز على مهمة الأديان بعد إرساء العقيدة الإيمانية في عملية تكوين الأسرة التي تحقق للإنسان النمو المعافي باتجاه العبادة على أساس إعمار الأرض وإصلاحها.

ونبه المؤتمرون إلى خطورة المناخات السائدة في الوسائل الإعلامية والثقافية العامة والتي تركز على ذكورية الرجل وأنوثة المرأة خارج نطاق الأسرة واعتبرها تهديداً للقيم والأخلاق وخروجاً عن الأصول والضوابط الأنانية.

هذا وبعد يومين من الأبحاث والمناقشات والمداخلات خرج المؤتمر بالتوصيات الآتية:
أ‌- العمل على نشر وتعميم أفكار الإمام السيد موسى الصدر ومنهجيته المنبثقة من الأديان السماوية والتعاليم القرآنية.

ب‌- أكد المؤتمر على وجوب انعقاد مثل هذا المؤتمر سنوياً لبحث المواضيع التي تعنى بالإنسان ولا سيما ما يخص الأجيال الشابة.

ج- اعتبر المؤتمرون ان الأسرة هي مؤسسة إلهية أنشأها الله تعالى ليستقيم بها المجتمع البشري وخلصوا إلى ما يلي في ما يهم شأن الأسرة:
1- اعتماد قاعدة التشريع النابعة من التعاليم السماوية في تنظيم مساحات العلاقة في حياة الإنسان بما يتصل بعقيدته وبعالمه الروحي

2- استنكار ما تتعرض له الأسرة من انتهاك شديد يتولد عن السياسات الإعلامية التي يعانيها المجتمع البشري الراهن وآثارها السلبية المدمرة في بناء الأجيال الصالحة.

3- التأكيد على أهمية التعليم الديني في المدارس والمؤسسات ذات العلاقة بالتربية باعتباره وثيق الصلة بتنمية الحياة الروحية عند الإنسان والوثيق الصلة بتكوين الأسرة وديمومتها.

4- مناشدة الجهات المعنية الرسمية والأهلية كافة على تشجيع الزواج المبكر وتيسير انشاء الأسر الشابة وفي الوقت ترشيد عملية الإنجاب داخل الأسرة بما يتوافق والأوضاع الإجتماعية والإقتصادية الصعبة بحيث لا يجوز ان يكون الإنجاب عائقاً أمام التبكير في سن الزواج.

5- التوجه إلى الحكومة والدولة والمؤسسات ذات الصلة معها لتيسير السياسة الإسكانية للأسر الشابة من أجل تطبيق سياسة الزواج المبكر باعتبارها سياسة انسانية تتصل بالعافية الروحية والإجتماعية للمجتمع.

6- أجمع الحاضرون على أن المجتمع الإنساني ليس مجتمعاً ذكورياً وان السلطة في المجتمع ليست هي سلطة الأب أو الأخ أو الزوج بل المجتمع هو مجتمع إنساني السلطة فيه للعامل الإنساني الذي يلتقي فيه الرجل والمرأة خارج مساحة الذكر الخاصة وخارج مساحة الأنثى الخاصة لأن القرآن يعتبر المرأة مثل الرجل في الحقيقة وفي الذات

7- ثمن المؤتمر دور الأسرة اللبنانية بشكل خاص في مقاومة الظلم والعدوان من جراء الإعتداءات الصهيونية الغاشمة ونبه إلى الأخطار الجسيمة التي تتعرض لها من جراء التهجير والقتل والتشريد ما يؤدي إلى تقويض أمنها واستقرارها وانسانيتها

وانتهى المؤتمرون إلى التأكيد على أن الإسلام والمسيحية والأديان السماوية عموماً لعبت وتلعب دوراً مركزياً في الحفاظ على بقاء الأسرة وتعزيز مكوناتها ولكن ذلك لا يكفي لتطوير الأسرة وتحصينها بل لا بد من قيام مؤسسات في الدولة والمجتمع الأهلي للمساهمة بإنجاح المهمة والمساعدة على تطوير واقع الأسرة وإصلاحه وإغنائه بالتشريعات اللازمة لتطورها بغية الحفاظ على عملية النشوء والصيرورة والمصير في ساحة المجتمع العامة وساحة الإنسانية جمعاء.

source