في الأسرة نهب الذات بالحب

calendar icon 04 تشرين الثاني 1997 الكاتب:دومينيك مامبرتي

بكل سرور وامتنان تلقيت بصفتي القائم بأعمال السفارة البابوية في لبنان، الدعوة للتوجه إلى هذا الحفل الكريم في المؤتمر السنوي الثاني لمركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.

ويسرني بذلك أن أتبع خطى المونسنيور بابلو يوانتي الذي توجه في العام الماضي إلى حفلكم الكريم مذكراً بإعجابه بشخص الإمام الصدر النبيل. ويسرني أيضاً أن أشارك في لقاء يكرس ما أوصى به قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى اللبنانيين في زيارته, وفي الإرشاد الرسولي الذي تلى السينودس أي: "ان حواراً حقيقياً بين مؤمني الأديان التوحيدية الكبرى يرتكز على الإحترام المتبادل والعمل معاً على حفظ العدالة الإجتماعية والقيم الأخلاقية والسلام والحرية وتنميتها لجميع الناس" (الإرشاد الرسولي فقرة 89).

يشجع موضوع مؤتمركم لهذا العام على الحوار الإسلامي المسيحي بما أنه يتطرق إلى مستقبل الأسرة وهو موضوع ذو أهمية كبرى بالنسبة إلينا.

حسب كتاب التعليم المسيحي الكاثوليكي إن الأسرة: "هي الخلية الأصلية للحياة الإجتماعية. إنها المجتمع الطبيعي الذي يدعى فيه الرجل والمرأة إلى وهب الذات بالحبوب وبهبة الحياة. وتشكل السلطة والإستقرار وحياة العلاقات داخل الأسرة أسس الحرية والأمن والأخوة داخل المجتمع. والأسرة هي الجماعة التي فيها نستطيع منذ طفولتنا أن نتلقن القيم الأخلاقية، ونبدأ بتكريم الله وبحسن استعمال الحرية. الحياة الأسرية هي تحضير للحياة في المجتمع" (رقم 2207).

وقد كرس البابا يوحنا بولس الثاني جهوداً كبيرة للدفاع عن الأسرة. ومن بين تعاليمه اكتفى بذكر رسالته "Familiaris Consortio" في العام 1981. التي كرسها كلياً للأسرة لكننا نعلم جميعاً أن الوثائق البابوية لا تشير إلى هذه المسألة قليلة. كما أنه أراد أن يحرك مبادرات ملموسة. ففي العام 1994، وفي موازاة أعمال السنة العالمية للأسرة التي دعت إليها منظمة الأمم المتحدة، نظم المجلس البابوي للأسرة في روما اللقاء العالمي لقداسة البابا مع الأسر. وقد لاقى هذا اللقاء نجاحاً كبيراً وجرى تجديده. فمنذ شهر عقد في ريو دو جانيرو اللقاء العالمي الثاني للأسر مع البابا يوحنا بولس الثاني حول موضوع "الأسرة: هبة والتزام، رجاء البشرية".

وفي هذه المناسبة أشار البابا إلى أن الأسرة مشروع هندسي إلهي، ومشروع هندسي بشري متكاملان، أي أن الإنسان مدعو إلى بناء أسرته الخاصة وتوسيعها على القاعدة التي خلقها الله، وفي ظل مراعاة الأصول التي وضعها الخالق.

وفي هذا الإطار يمكن أن يأتي الحوار والعمل المشترك للمسلمين والمسيحيين بكثير من الفائدة. ونحن نعلم أن بعض الأيديولوجيات تسعى إلى حل الأسرة أو على الأقل تعتين مفهومها ودورها. انها نافذة وناشطة للغاية. خلال بعض المؤتمرات الدولية، وفي مواجهة تيارات مماثلة، أن العمل المشترك لبلدان ذات وحي مسيحي وأخرى ذات وحي مسلم هو الذي سمح بالتعريف بقيم الأسرة واحترامها.

لهذا إني واثق من ان أعمالكم ستكون مثمرة، وان اتطلاقاً من المشروع الهندسي الإلهي للأسرة ستساهم في بناء هندستها البشرية التي تخولها التأثير في كل جيل. بفضل جهود المؤمنين، ستشكل الأسرة التي خلقها الله وباركها رمز رجاء، ووحدة للبشر اليوم.

source