الأسرة في الإرشاد الرسولي

calendar icon 04 تشرين الثاني 1997 الكاتب:سليم غزال

ألقاها بالنيابة الأب أنطوان سعد

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثاني: "الاسرة واقع ومرتجى"
(كلمات الجلسة الأولى)

تعتبر الأسرة في لبنان الخلية الحية التي يحاك حولها النسيج الاجتماعي، ومن خلا هذه الأسرة تتحقق التربية الصحيحة، ويتم انتقال القيم والمفاهيم الروحية والأخلاقية إلى جيل الأبناء، والأحفاد، والأسرة هي الحفاظ لهذه القيم والتقاليد والأعراف، وفي كنفها تصان المقدسات وعلى الأهل تقع مسؤولية نقل هذا التراث بأمانة وإخلاص.

يتحدث الإرشاد الرسولي عن دور الأسرة فيقول: "يشهد الأهل حياتهم لجمال الحياة الزوجية وبذل الذات، فالأسرة هي الكنيسة الصغرى وهي مدرسة الحب، وفي الأسرة يتربى الأولاد منذ الصغر على حضور الله وحنوه الأبوي". هنا أرى ان الأسرة هي الخيط المتين الذي يصل بين الأبناء والخالق، وهنا يتعلم الولد ير الإيمان وعظمة الخلق ومحبة الخالق. وفي الأسرة تبدأ رحلة الإيمان ومعرفة الله والانخراط في حياة المؤسسة الروحية التي تقود إلى منابع الروح.

ثم ينتقلا لإرشاد الرسولي إلى الحديث عن دور الأسرة في بناء الوطن: "انه انطلاقاً من الأسرة تتأكد تربية الشباب المسؤولين غداً عن الأمة وينتقل الإيمان من جيل إلى جيل". هنا نفهم دور الأسرة في التربية الوطنية، التربية التي تقود إلى الإنتماء والتعلق بالأرض والقيم والتاريخ والجغرافية. في الأسرة يبدأ حب الوطن، وتكبر هذه المحبة، ويشتد الخيط الذي يشد الإنسان إلى الآباء والأجداد. وقد قيل: ان كل ما يكتسبه الطفل من مفاهيم يسقط بلحظة عند عتبة البيت". وهذا ما يؤكد دور الأهل في تنشئة الأولاد وتأثيرهم على معنى الحياة.

وفي سياق الإرشاد الرسولي نصل إلى الأخطار المحدقة بالأسرة. "وهي ناتجة من جراء هجرة الأب او الأبناء سعياً وراء او تحصيل مهارة او حياة عائلية متفسخة من جراء الصعوبات المادية المتفاقمة، او حياة عائلية تتآكل من جراء مفهوم خاطئ لاستقلال الأزواج فيما بينهم. وهنا نتوقف عند نتائج الحرب اللبنانية التي أثرت تأثيراً عميقاً في البنى العائلية والعلاقات بينت الأهل أنفسهم او بينهم وبين الأولاد. وقد برز هذا الأمر في تفسخ النسيج العائلي إن بسبب الوضع الاقتصادي واضطرار الأب إلى الهجرة والابتعاد عن البيت، او بسبب اضطرار الأم إلى العمل ومساعدة العائلة، او بسبب اضطرار الأولاد أنفسهم وهم في سن مبكرة إلى الخروج من كنف العائلة إلى المعامل والمصانع، حيث يتدربون على مفاهيم وعادات تخرج عن المسار الصحيح. كما ان وسائل الإعلام الحديثة، لا سيما المسلسلات ساهمت كثيراً بشكل مباشر او غير مباشر في تحطيم القيم والمفاهيم التي حافظت عليها العائلة اللبنانية ردحاً طويلاً من الزمن، وهي تتمثل: بالاحترام والطاعة والرباط العائلي والتعاون وغيرها من التقاليد اللبنانية والعربية المعروفة. كما ان الميل إلى العصرنة وتقليد الأجانب ساعد على نبذ الأصالة اللبنانية، والتعلق بما هو مستورد من قشور الحضارة والتمدن، والميل إلى التفلت تحت ستار الحرية الشخصية، لما يسوق إلى تفكك الأواصر الزوجية بين الرجل والمرأة والعلاقات العائلية بين الأهل والأبناء، وهو ما نعتقد انه غريب عن تراثنا وتقاليدنا وحرمة عائلاتنا وما كانت تمتاز به من وحدة وترابط واحترام. ثم ينتقل الإرشاد وفي القسم الأخير من هذا الفصل إلى ذكر الوسائل التي تساعد على دعم الأسرة في مواجهة هذه الأخطار فيقول: "ان الإعداد للزواج غاية في الأهمية، ان أشخاصاً متزوجين رصينين يمكنهم أن يصبحوا مرشدين صالحين للذين يستعدون للزواج. كما انه من ان تنشأ شبكة من الأزواج الصالحين لمرافقة الذين يواجهون صعاباً وإعادة حوار هادئ بينهم. وهكذا يمكن تحقيق المصالحة بين الأزواج قبل التسرع في اللجوء إلى الحلول القضائية". ان الكنيسة إذاً، تنظر إلى موضوع الزواج بمسؤولية عظمى، وتحاول ان تصف العلاج الملائم للمعضلات اليومية التي يمكن ان تنتج عن صعاب الحياة واختلاف الطباع والمغريات الأخرى، وهي ترى ان التحضير والإعداد للزواج عن طريق أشخاص او مراكز متخصصة يمكن ان يخفف من الأخطار المستقبلية، وفي طليعتها الخصام والطلاق.

"كما انه من المناسب مساعدة العائلات في المعضلات الاقتصادية التي تواجهها، وإني أعبر عن ثقتي بالمؤسسات الكاثوليكية، بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية، وذلك بتوفير الحماية لكل فرد وتعزيز تربية الشباب".

ان الكنيسة مدعوة إلى تحمل قسطها في مجال العمل الاجتماعي، عن طريق مؤسستها التربوية والاجتماعية والصحية، كما انها مدعوة إلى التفكير ببناء مشاريع تنموية وإسكانية لدعم الشباب الفقيرة وذلك بالإنسجام مع المؤسسة الحكومية التي من واجبها ان السهر على الأسرة وتوفير أسباب العمل والاستشفاء والتعليم المجاني وكل ما يمكن ان يخفف عن كاهل الأسرة أعباء وصعوبات الحياة.

ان ارتباط العائلة اللبنانية هو الضمانة الأكيدة للحفاظ على تراثنا وقيمنا الروحية والاجتماعية، وارتباطنا بالوطن أرضاً وشعباً ومؤسسات، وانه لمن دواعي فخرنا، بالرغم من كل المآسي المريرة التي مرت على الأسرة اللبنانية، ان تبقى الأسرة الركيزة الأولى في حياة المجتمع، وبفضلها حفظت القيم والتقاليد، وبفضل تماسكها استطاع الوطن ان ينجو من التمزق والضياع. وان الكنيسة بدورها تعلق أهمية بالغة على معنى الرباط العائلي وقدسية العلاقات الزوجية وهي تضع كل قدراتها في خدمة الأسرة التي هي علامة سر الخلق، والهادية إلى ينابيع الإيمان والمرشدة إلى قواعد الخير والحق وإلى كل ما يسمو بالإنسان في معارج الرقي والكمال.

source