الزواج والأسرة في الإسلام ملاحظات وعناوين

calendar icon 04 تشرين الثاني 1997 الكاتب:محمد حسن الامين

مستشار محكمة الإستئناف الشرعية العليا

مؤتمر "كلمة سواء" الثاني: الأسرة واقع ومرتجى
(كلمات الجلسة الأولى)


لا يخفي ان موضوع (الزواج والأسرة في الإسلام) موضوع واسع ومتشعب، سواء في المسائل الفقهية التي تتصل به، او في الجوانب الاجتماعية والأدبية والتربوية.. لذلك سنحاول الاقتصار على بعض العناوين المتصلة بالموضوع، مما نرجح أهميته من جهة، وتوفره على جوانب إشكالية من جهة أخرى.

1- الأسرة قاعدة ثابتة في التصور الإسلامي وليست مؤسسة:
في كثير من الأدبيات التي تتحدث عن الزواج والأسرة بمنظار غربي او متأثر بهذا المنظار ترد كلمة (مؤسسة) وصفاً للعلاقة التي تجمع أفراد الأسرة. وهذا الوصف ليس من قبيل التوصيف اللغوي البريء، ولكنه ينطوي على مدلولات لها علاقة وثيقة بطبيعة المؤسسة.

فالمؤسسة، وهي مفهوم غربي، تعني صنيعة علاقات بين أفراد وجماعات ذات أهداف محددة، بحيث تغدو المؤسسة وسيلة هؤلاء الأفراد والجماعات لتحقيق هذه الأهداف.. فهي – اي المؤسسة – قابلة للتطور. وهذا أمر طبيعي ولكنها ايضاً قابلة للإلغاء، وذلك عندما يقدر المجتمع ومواقع القرار فيه ان المؤسسة قد حققت غاياتها وأغراضها وانتفت الحاجة إليها.. وهذا ما بدأنا نسمعه من الغرب، ويتداوله بعضنا في المجتمعات الشرقية الإسلامية والمسيحية.

في الشريعة الإسلامية.. الأسرة والزواج ليسا مؤسسة بالمعنى الذي يمكن ان تنتفي الحاجة إليها، وان كانا يحملان إمكانات التطور الذي تتسع له الأطر التشريعية التي تحكم هذه العلاقة.

ان الأسرة هي ثمرة الزواج الشرعي.. وإذا لاحظنا الإطار التشريعي الذي يحكم العلاقة داخل الأسرة، وبين الزوجين، أدركنا انه لا يوجد في التطور الإسلامي اي إمكانية لتجاوز مبدأين أساسيين:

أ‌- المبدأ الأول: ان الأسرة قاعدة ثابتة وهي النواة الوحيدة للاجتماع البشري.

ب‌- والمبدأ الثاني: ان الأسرة هي ثمرة العلاقة الزوجية الشرعية حصراً، ولا أسرة خارج العلاقة الشرعية بين الزوجين.

والإسلام حصّن مبدأ بقاء الأسرة واستمرارها قاعدة للزواج البشري، بمبادئ وأحكام ثابتة غير قابلة للتبدل والتغير. نذكر منها على سبيل المثال:

1- قوامة الرجل داخل الأسرة وتحميله مسؤولية النفقة على الأسرة زوجةً وأولاداً.

2- طبيعة نظام الإرث الذي يقوم على أحكام ثابتة، ومنها قاعدة ان للذكر مثل حظ الإثنين.

ذكرنا هذين المثلين لنوضح كيف جاء التشريع الإسلامي في جوانبه الحقوقية ليحافظ على استمرار صيغة الأسرة.

فقوامة الرجل ومسؤوليته عن النفقة داخل الأسرة حكم لا يتغير بتغيّر الأوضاع المالية للرجل والمرأة اي للزوجين، لو كانت الزوجة غنية والزوج فقيراً لا يسقط وجوب النفقة على الزوج. وفي المجتمع الذي تغدو فيه المرأة منتجة ومستغنية عن نفقة الرجل، فإن هذا التطور لا ينتج تطوراً في مبدأ القوامة الإسلامي، لأن الحكمة من مبدأ القوامة، هو تجنب صيغة الأسرة من التحول والانحلال.

وكذلك قاعدة للذكر مثل حظ الإثنين. فان بعد الباحثين طنّ ان هذه القاعدة ليست مطلقة، وأنها مرتبطة بنسق اقتصادي معين كانت فيه المرأة عالة على الرجل، فيما الرجل هو العنصر المنتج، فاقتضى ان يكون له من الإرث ضعف ما للمرأة.. اما في حال تساوت المرأة والرجل في إنتاج الثروة، فإنه – بناء على هذا الافتراض – يجب ان يتغير هذا الحكم، وتغدو الحصص الارثية متساوية بين الذكر والأنثى.

والجواب عليه: ان الشريعة لم تربط مبدأ التفاوت في الحصة الارثية بين الذكر والأنثى بظرف تاريخي معين، ولم تورد الشريعة في هذا المبدأ اي استثناءات. وقد جاء النص القرآني في تفاوت الحصص الارثية بين الذكر والأنثى حاسماً ومطلقاً وغير قابل للتأويل، الأمر الذي يجعلنا نستنتج ان الهدف من الثبات في هذه القاعدة – رغم ما يطرأ على المجتمعات البشرية من تطورات – مصدره الثبات في صيغة الأسرة كما ينظر إليها الإسلام، وحماية هذه الصيغة من التقلبات والمتغيرات الاقتصادية. وذلك كما يحصل في الغرب اليوم الذي لم يكن لديه شريعة دينية ثابتة في مجال تنظيم الأسرة، فأخضع الأسرة لمفهوم المؤسسة، وجعل يشرّع لها تحت تأثير المتغيرات، إلى ان وصلت إلى أزمتها الراهنة التي يطرح في شأنها ان الأسرة مؤسسة أدت دورها ويجب ان تنتهي.

نخلص من عرض هذا العنوان.. اي عنوان (الأسرة قاعدة ثابتة في التصور الإسلامي وليست مؤسسة)، إلى ان الدعوة إلى علمنة الأحكام المتعلقة بالزواج والأسرة في مجتمعاتنا الإسلامية والمسيحية ايضاً، يجب ان يعيد أصحابها والمتحمسون لها النظر فيما يذهبون إليه، ويجب ان ينتبهوا إلى ان فضيلة استمرار الأسرة وتماسكها في المجتمعات الشرقية إزاء الإنهيار المخيف للأسرة الغربية، إنما يعود الشأن فيها إلى التزام مجتمعاتنا بالقواعد الدينية أساساً لصيغة الزواج والأسرة والحفاظ على هذه القواعد.

2- نأتي الآن إلى العنوان الثاني الذي نرغب طرحه في هذه المداخلة وهو: (واقع الأسرة الإسلامية وعلاقة الزوجين فيها، هل هو انعكاس صادق وبصورة دائمة لمفهوم الإسلام للأسرة والعلاقة الزوجية...؟

ان أرقى وأسمى مفهوم للعلاقة الزوجية هو المفهوم الذي يعبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك آيات لقوم يتفكرون﴾.

فالعلاقة الزوجية في التصور الإسلامي، وان كانت ثمرة عقد بين الطرفين، وهي تخضع لموجبات هذا العقد في الحقوق والواجبات المترتبة على كل منهما – الا انها تهدف إلى غايات تتجاوز حدود هذا العقد وموجباته.. فعدا كون الآية الكريمة المتقدمة تحسم موضوع الطبيعة المشتركة للزوجين فهما من نفس واحدة. وان احدهما اشتق من الآخر فليس لأحدهما في طبيعة الخلق تميز عن الآخر.. أقول عدا عن وضوح هذه الحقيقة التي كانت محلّ جدل في الفكر البشري، ف‘ن الإسلام يشتق من هذه الطبيعة الواحدة للزوجين غاية سامية للعلاقة الزوجية، وذلك بأن تغدو هذه العلاقة إطاراً حيوياً يمارس فيه الطرفان السعي الدائم للاندماج والتماهي والتغلب على الاختلافات النفسية والجسدية والتربوية وصولاً إلى تحقيق هذه الزوجية الرحيمة، اي العودة إلى الأصل. إذ هما أصلاً- في التصور القرآني – من نفس واحدة.

ان هذا التصور الإسلامي للعلاقة الزوجية بحد ذاتها، وبوصفها أساساً لتكوين الأسرة الصالحة، لم يكن يعمل وحده بمعزل عن القواعد الشرعية التي تحكم العلاقة بين الزوجين وفي الأسرة. ولكن ما يجب ان ننتبه إليه، هو ان الممارسة التاريخية في حقل العلاقة الزوجية والأسرة على مستوى المجتمعات الإسلامية ليست بالضرورة تنفيذاً أميناً للإحكام والمبادئ والغايات التي حددها الإسلام.

ففي حين نلاحظ ان قوة الإسلام، عقيدة وشريعة، كانت ذات تأثير فاعل في الحفاظ على مكونات الزواج والأسرة في المجتمعات الإسلامية، ففي وسعنا ان نلاحظ ايضاً ان هذه المجتمعات لم تكن بمعزل عن التأثير بمفاهيم وتقاليد وقيم وعادات غريبة عن الإسلام، او مفارقة لكثير من مبادئه، وكان لهذا التأثر دوره، حتى في قراءة النصوص الإسلامية وتأويلها.. وتتجلى هذه التأثيرات – أكثر ما تتجلى – في تضخيم حقوق الرجل الزوج والانتقاص من حقوق المرأة الزوجة – وفي توسيع دائرة المباح لدى الزوج واستثمارها حتى حدود التعسف... وقبل ان نورد بعض الأمثلة على ذلك، نرى ان نقرر ان قيم مجتمع الذكورة وتغلغلها في أنماط السلوك الاجتماعي الإسلامي – حسب رأينا – هي العامل المسؤول عن الانحراف الذي اشرنا إليه؛ فيما الإسلام عقيدة وشريعة يتنافى كلياً مع قيم الاجتماع الذكوري.. ويقول الله تعالى: ﴿يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم...﴾. الآية واضحة وحاسمة في المساواة بين الرجل والمرأة، وفي وحدة المعيار للتفاضل بينهما.

وهذه بعض الأمثلة نوردها باختصار تأييداً لما ذهبنا إليه:
1- قيمومة الرجل على المرأة في قوله تعالى: ﴿الرجال قوَّامون على النساء...﴾ هي في أغلب ألأنماط السلوك الاجتماعي الإسلامي تتعرض للتأويل الخاطئ من وجهين:

أ‌- في إخراج الآية من إطارها المحدود، وهو العلاقة الزوجية وتعميمها على المجتمع كله، فيغدو الرجال في الشؤون الاجتماعية والسياسية وغيرها من الشؤون العامة، هم المقررون دون النساء؛ فيما الآية الكريمة ليست ناظرة الا إلى دائرة واحدة هي دائرة العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة.

ب‌- وفي التأويل الخاطئ، لوظيفة القوامة من الزوج داخل الأسرة، وفي العلاقة الزوجية، حيث تغدو هذه القوامة شبه مطلقة في سلوك الرجال ونافية للكثير من حقوق الزوجة الشرعية، فيما القوامة الشرعية ليست امتيازاً للزوج ، بل مسؤولية إدارية داخل الأسرة، مسناد للزوج بسبب كونه مسئولا عن النفاق، والزوجة معفاة من هذا الواجب.

ويحرص النص القرآني على تأكيد هذه الحقيقة في قوله تعالى: ﴿ولهن مثل الذي عليهم بالمعروف وللرجال عليهن درجة﴾. إنها إذاً حقوق وواجبات متبادلة بين الطرفين... اما الدرجة التي للرجال على النساء فهي درجة مترتبة على وظيفة القوامة التي اختص بها الزوج... وهي حق الطلاق الذي أعطته الشريعة للرجل مقابل مسؤولياته الإدارية، وانسجاماً معها دون ان تمنع هذا الحق عن المرأة بالمطلق بل منحتها هذا الحق في حالات حددتها النصوص الشرعية.
2- حق الرجل في تعدد الزوجات. ونتناول هنا في مظاهر التعسف والانحراف في استعماله وليس في النظر إلى حكمة تشريعه.

ان تعدد الزوجات – وفق الشريعة الإسلامية – هو في أحسن الحالات أمر مباح للرجل وليس واجباً. وهذا يعني ان الشريعة الإسلامية لحظت حالات خاصة يكون التعدد فيها حلاً لمشاكل العلاقة الزوجية، فأباحت التعدد ولكنها لم تمنع المجتمع الإسلامي عبر هيئاته المختصة بتطبيق النظام من التدخل للحد من استعمال الرخص والمباحات، إذ كان النظام العام يتطلب ذلك.

غياب النظام العام او ضعفه، كان يدفع إلى استعمال حق تعدد الزوجات بدون ضوابط، وأحياناً بدون أسباب تلجأ إليها الضرورات والحاجات، وربما ما تزال هذه الظاهرة رغم انحسارها نسبياً – قائمة بصور متفاوتة في المجتمعات الإسلامية.

ان المرأة المسلمة متضررة من غياب التشريعات التي تحدد مجال تعدد الزوجات للرجل، كما هي متضررة من غياب التشريعات التي تعيد النظر في الحقوق المالية للمرأة داخل الأسرة الزوجية، وهو موضوع المثال الثالث والأخير في هذه المداخلة.

3- ان حقوق المرأة المالية محصورة – وفق الأنظمة الإسلامية المعمول بها عامة – بحق النفقة والمهر... وفي حالة الطلاق، فان المهر نادراً ما يشكل ضمانة مالية للمرأة، لم تجتهد حتى الآن، في استنباط أحكام تلزم الرجل بحقوق مالية للزوجة المطلقة، مع توفر الأسس الشرعية الإسلامية لهذا الإلزام، والذي يمكن بحثه في مجال آخر أوسع من هذه المداخلة.

ننتهي من هذه الملاحظات إلى التأكيد على ان الإسلام والأديان السماوية عموماً لعبت وتلعب دوراً مركزياً في الحفاظ على بقاء الأسرة وتعزيز مكوناتها، ولكن ذلك لا يكفي لتطوير الأسرة وتحصينها، بل لا بدّ من قيام مؤسسات في الدولة والمجتمع للقيام بهذه المهمة، وأنني أقترح على هذا المؤتمر الكريم وعلى (مؤسسة الإمام الصدر للأبحاث والدراسات) راعية هذا المؤتمر ومنظمته، ان يكون من بين توصياتها الدعوة إلى تطوير عمل المؤسسات القضائية الفقهية الإسلامية اجتهادا وتنظيماً، بما يتجاوب مع الإمكانات الضخمة التي تتضمنها الشريعة الإسلامية للمساعدة على تطوير الأسرة وإصلاحه وإغنائه بالتشريعات اللازمة لهذا التطور.

وأخيراً إني أتوجه بتحية الإكبار والتقدير للجهود التي بذلها مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات لتنظيم هذا المؤتمر وعلى رأسه الأخت الفاضلة السيدة رباب الصدر رئيسة مؤسسات الإمام الصدر، مكبراً جهودها الدءوبة وحرصها الكبير على بقاء نهج الإمام الصدر وفكره حاضراً وفاعلاً في كل مجال وكل صعيد، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

source