الجنس بين الرحمة وسوء السبيل

calendar icon 04 تشرين الثاني 1997 الكاتب:محمود كلزاري

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثاني: "الاسرة واقع ومرتجى"
(كلمات الجلسة الثانية)

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، وعلى جميع أنبياء الله ورسله،

أود في الذكرى السنوية التاسعة عشرة لإخفاء الإمام السيد موسى الصدر، أن اعبر عن اعتزازي به وبآثاره العلمية القيمة، وبعد تحية الحضور الكرام، أستأذن رئاسة هذا المؤتمر الفكري الهام الموقرة لأبدأ بحثي الذي يحمل عنوان:

«هل الزواج هو السبيل الأمثل لإشباع الغريزة الجنسية والوصول إلى الاستقرار النفسي؟»

تُعد الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز التي أودعها الله تعالى في الإنسان، وبالطبع لا تختص هذه الغريزة بالإنسان وحده، بل كلّ من الذكر والأنثى في الحيوانات اذا ما وصل إلى مرحلة الرشد والبلوغ وكان يتمتع ببنية سليمة، تتوفر لديه الرغبة في الجنس.

بيد ان هذه الغريزة تتباين بين الإنسان والحيوان في النواحي التالية:
أولا: يتصف السلوك النسبي لدى معظم الحيوانات، خصوصاً الثدييات، بأنه سلوك فصلي. اي انه يظهر في فترة، ومن يزول بعد مدة قصيرة إلى حد ما، فأثنى الثدييات تبدي في الفترة التي ينشط فيها المبيضان – ويحدث هذا عدة مرات في السنة – تبدي استعداداً لاستقبال الذكر. ومع بروز تغييرات سلوكية محسوسة في الأنثى يندفع إليها الذكر. ولكن فيما عدا «فترة نشاط المبيضين»، لا يشاهد اي سلوك جنسي لدى الأنثى، لأن بعض الثدييات تتصف بامتلاكها مرحلة فصلية، اي طالما كانت على قيد الحياة، تظهر لديها مرحلة جنسية فصلية، مرة او عدة مرات في السنة. وتختلف فترة المرحلة الفصلية باختلاف الثدييات. فبعضها تمر فيها مرة في السنة، وبعضها الآخر – كأنثى الكلب – مرتين في السمة (الربيع والخريف). وتستغرق كل مرحلة نحو أسبوعين على أبعد تقدير.

تظهر المراحل الفصلية وتضمحل في الإناث بشكل خاص. اما الذكور فبإمكانها ان تحتفظ بنشاطها الجنسي بشكل دائم، الا ان الذكور لا تبدي اي نشاط في هذا المجال نظراً لافتقاد الإناث للنشاط الجنسي في غير المرحلة الفصلية: وامتناعها عن الانصياع للذكور.

بيد ان النشاط الجنسي للإنسان لا يتوقف، فعلى مدار السنة، وطوال فترة الدورة الشهرية لدى النساء، ونظراً لجهل النساء بفترة نشاط المبيضين، لا تظهر تغييرات محسوسة في القدرة الجنسية لدى المرأة والرجل.

ثانياً: إن فترة المقاربة الجنسية للإنسان أطول مما لدى الحيوانات المتطورة.

ثالثاً: تقترن العلاقة الجنسية لدى الإنسان، سواء المرأة والرجل، بلذة قلما توجد في الأعمال الفسيولوجية الأخرى. فالاقتران الزوجي لدى الحيوانات، خصوصاً بالنسبة إلى الأنثى، يكون غالباً بدافع التخلص من معاناة ما، معاناة ناتجة عن عدم الإقدام على مثل هذا بالفعل. بيد ان هذه العلاقة لدى الإنسان وليدة الإثارة. وكما نعلم ان هذه الإثارة عبارة عن استنفار كل شيء لأداة سلسلة من الاستجابات الهادفة.

ان الدافعة الجنسية لدى الإنسان، تستهدف في الأصل بقاء النوع، بيد ان مثل هذا العمل يؤدي مقروناً باندفاع كبير ولذة جامحة.

ونتيجة لهذه الخصوصيات الفريدة، شغلت الغريزة الجنسية الإنسان أكثر من اي شيء آخر طوال وجوده على سطح الأرض، وتجلت في مختلف أبعاد حياته. فنحن نجد المفاهيم الجنسية والبحوث بها ماثلة في الآداب والفن والدين والفلسفة والأنظمة القانونية وفروع العلوم المختلفة. ويعتمد بعض العلماء بان نسبة كبيرة من الأمراض الجسدية والاضطرابات العاطفية والروحية والحالات العصبية وحالات الغضب والتجليات الفنية والإبداعات والنزاعات والحروب، وبالتالي نشوء الحضارات وأفولها، إن نسبة كبيرة من ذلك وليدة انفعالات غرائز الإنسان الجنسية واندفاعه إشباعها.

وأرجو ان لا يتصور ان هذا كلام عديمي الدين المهووسين، او أنصار الأفكار المتطرفة لأشخاص أمثال فرويد.. يقول الإمام محمد الغزالي في إحياء العلوم: «تعتبر اللذة الجنسية أقوى اللذائذ الجسدية. ولهذا فإذا لم يتم التحكم بهذه الشهوة الجنسية جيداً ولم تتم الاستفادة منها بنحو معتدل فسوف تقود إلى ضياع الدين والدنيا».

ويضيف: وقد قيل ان قول الله عز وجل في سورة البقرة: ﴿ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به﴾ يفيد معنى شدة الغلمة – القدرة الجنسية -.

كما ان علماء الأخلاق الآخرين يذكرون أيضاً ان لدى الشيطان جيشين قويين وكبيرين هما جيش الشهوة وجيش الغضب. وان الشهوة الجنسية تعتبر أهم الشهوات، وقد استنفر جيش الغضب من أجلها.

وان هذه الحقيقة يمكن مشاهدتها بوضوح في عصرنا الحاضر، في العلاقة بين العدوان والجنس، وخير دليل على ذلك الحوادث المدمرة والدامية القائمة بين الناس.

وترى الأديان التوحيدية، لا سيما الإسلام ان الزواج هو الطريق الأمثل والأصيل لإشباع هذه الغريزة الجامحة. بل ان هذه الحكمة التي تقف وراء هذا الاندفاع الجامح للإنسان نحو الجنس الآخر، تكمن في اقتران الرجل بالمرأة وتشكيل الأسرة.

يذكر العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان القيّم، بهذا الشأن:
من المشهود ان في كل من الزوجين مكن الإنسان، أعني الذكر والأنثى إذا أدرك وصحت بنيته ميلاً. عريزياً إلى الآخر. وليس ذلك مما يختص بالإنسان، بل ما نجده من عامة الحيوان أيضاً على هذه الغزيرة الطبيعية.

وقد جُهز، بحسب الأعضاء والقوى، بما يدعوه إلى هذا الاقتراب والتمايل والتأمل في نوع تجهيز الصنفين، لا يدع ريباً في ان هذه الشهوة الطبيعية وسيلة تكوينية إلى التوالد والتناسل الذي هو ذريعة إلى بقاء النوع، وقد جهز بأمور أخرى متممة لهذه البغية الطبيعية، كحب الولد وتجهيز الأنثى من الحيوان ذي الثدي باللبن لتغذي طفلها حتى يستطيع التقام الغذاء الخشن ومضغه وهضمه، فكل ذلك تسخير إلهي يتوسل به إلى بقاء النوع.

ولذلك نرى ان الحيوان مع افتقاره إلى الاجتماع والمدنية، لسذاجة حياته وقلة حاجته يهتدي حيناً بعد حين بحسب غريزته إلى الإجتماع الزوجي – السفاد – ثم يلتزم الزوجان او الأنثى منهما الطفل او الفرخ. ويتكفلان او تتكفل الأنثى تغذيته وتربيته حتى يدرك ويستقل بإدارة رحى حياته.

لبذلك ايضاً لم يزل سَيْر وسُنن الناس، منذ ضبط التأريخ، تجري فيهم سنة الأزواج التي فيها نوع من الاختصاص والملازمة بين الرجل والمرأة، لتجاب به داعية الغريزة ويتوسل به إلى انسان، وهو أصل طبيعي لانعقاد المجتمع الإنساني، فإن من الضروري ان الشعوب المختلفة البشرية على ما لها من السعة والكثرة، تنتهي إلى مجتمعات صغيرة منزلية انعقدت في سالف الدهور.
وما مر من أن في سنة الأزواج شيئاً من معنى الاختصاص، هو المنشأة لما كان الرجال يعدون أهلهم أغراضاً لأنفسهم، ويرون الذب عن الأهل وصونهم من تعرض غيرهم فريضة على أنفسهم كالذب عن أنفسهم او أشد، والغريزة الهائجة اذ ذاك هي المسماة بالغيرة وليست بالحسد والشح.

ولذلك ايضاً لم يزالوا على مر القرون والأجيال يمدحون النكاح ويعدونه سنة حسنة ممدوحة، ويستقبحون الزنا، وهو المواقعة من غير علقة النكاح، ويستشنعونه في الجملة، ويعدونه إثماً إجتماعياً وفاحشة، اي فعلاً شنيعاً لا يجهر به، وان كان ربما وجد بين بعض الأقوام الهمجية في بعض الأحيان وعلى شرائط خاصة بين الحرائر والشبان او بين الفتيات من الجواري على ما ذكر في تواريخ الأمم والأقوام.

وإنما استفحشوه وأنكروه لما يستتبعه من فساد الأنساب وقطع النسل وظهور الأمراض التناسلية ودعوته إلى كثير من الجنايات الاجتماعية من قتل وجرح وسرقة وخيانة وغير ذلك وذهاب العفة والحياء والغيرة والمودة والرحمة.

ويقول (رض) في مكان آخر:
وإنا لا شك ان جميع الأحكام المشرعة تتبع مصالح وملاكات حقيقية، وحكم النكاح الذي هو ايضاً احدها، يتبع في تشريعه مصلحة واقعية وملاكاً حقيقياً، وهو التوالد والتناسل، ونعلم ان نظام الصنع والإيجاد أراد من النوع الإنساني البقاء النوعي ببقاء أجزاء منه فيربيه ويكونه إنساناً جديداً يخلف الإنسان القديم، فتمتد به سلسة النوع من غير انقطاع، واحتيل إلى تسخير هذا الجهاز للعمل والإنتاج بإيداع القوة الشهوانية التي يحن بها أحد القبيلين – الذكر والأنثى – من الأفراد إلى الآخر، وينجذب بها إلى كل صاحبه بالوقوع عليه والنيل، ثم كمل ذلك بالعقل الذي يمنع من إفساد هذا السبيل الذي يندب إليه نظام الخلقة.

وفي عين ان نظام الخلقة بلاغ أمره وواجد غرضه الذي هو بقاء النوع، لسنا نجد أفراد هذه الاتصالات المباشرية بين الذكر والأنثى ولا أصنافها موصلة إلى غرض الخلقة دائماً، بل إنما هي مقدامة غالبية، فليس كل زواج مؤدياً إلى ظهور الولد، ولا كل عمل تناسلي كذلك، ولا كل ميل إلى هذا العمل يؤثر هذا الأثر، ولا كل رجل او كل امرأة ولا كل زواج يهدي هداية اضطرارية إلى الذواق فالاستيلاد، فالجميع أمور غالبية.

فالتجهيز التكويني يدعو الإنسان إلى الزواج طلباً للنسل من طريق الشهوة، والعقل المودوع فيه، يضيف إلى ذلك التحرز وحفظ النفس الفحشاء المفسد لسعادة العيش، الهادم لأساس البيوت، القطّاع للنسل.

وهذه المصلحة المركبة أعني مصلحة الاستيلاد والأمن من دبيب الفحشاء، هي الملاك الغالبي الذي بني عليه تشريع النكاح في الإسلام؛ غير ان الأغلبية من أحكام الملاك، واما الأحكام المشرعة لموضوعاتها فهي لا تقبل الا الدوام.

نستنتج من هذا البحث ما يلي:
1- ان الله تعالى جعل الغريزة الجنسية لدى المرأة والرجل بنحو قوي وتام، ليندفع بعضهم إلى البعض الآخر.

2- ندرك من خلال دقة التركيبة الطبيعية للإنسان، خصوصاً التركيبية الجسدية للمرأة، والقدرة على حمل الطفل في الرحم وجهاز الرضاعة، وشدة تعلقها بوليدها. وكذلك غيرة الرحل تجاه الذود عن عرضه وناموسه؛ ندرك من ذلك كله ان الشهوة الغريزية هي بمثابة مقدمة لزواج المرأة والرجل وتشكيل الأسرة.

3- ان قدم الأسرة بقدم الإنسان على سطح الكرة الأرضية. فلا يدلنا التاريخ على ان أناساً كانوا يعيشون في وقت ما إلى جوار بعض بدون أزواج.

4- تتم داخل الأسرة، التي تتشكل بوحي من هذه الحكمة الإلهية، تلبية احتياجات الإنسان الأساسية بما فيها حاجته الجنسية بنحو جيد. وإضافة إلى المودة والرحمة بين أعضائها العفة والغيرة والكثير من السمات الإنسانية الحسنة.

5- ولهذا، فإذا لم يتزوج الإنسان يكون قد سلك طريقاً غير طبيعي، ولو تزوج وامتنع عن الإنجاب، فإن علمه هذا لن يكون على مسار الحكمة الإلهية. وإذا أنجب طفلاً ولم يربه تربية صالحة، او أودعه منذ صغره لدى المؤسسات الأخرى، يكون قد عمل خلافاً لطبيعة الإنسان وحكمة الحق تعالى.

6- إن تشكيل الأسرة بدون قدرة الشهوة الجنسية التي تعد مقدمة لذلك، إما أن تكون غير عملية او لا يكتب لها الدوام.

7- إن إشباع الغريزة الجنسية عن غير طريق تشكيل الأسرة، او خارج إطار الزواج، يقود إلى إضعاف كيان الأسرة وهو خلاف الطبيعة، ويضع الإنسان والمجتمع لإنساني امام أزمات حقيقية. وفي هذه الحالة يفتقد إشباع الشهوة الجنسية إلى العواطف الإنسانية الصادقة، ومثل هذا يقود إلى ابتلاء الفرد بمشكلات نفسية وأخلاقية.

8- وهنا نجد الله تعالى يعتبر الأسرة آية من آياته اذ يقول عز وجل:
﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾. (الروم / 21)

ويقول الرسول الأكرم (ص): «ما بني في الإسلام بناء أحب إلى الله عز وجل وأعز من التزويج». (البحار، ج 103، ص 222).

ولنر الآن ما هي الحلول التي تقترحها الحضارة الغربية الإلحادية المعاصرة، التي فرضت مع شديد الأسف سلطتها الثقافية والاجتماعية على سائر الدول بما فيها الدول الإسلامية، لإشباع الغريزة الجنسية؟ وما هي نتائج وتبعات هذه الحلول؟

إن أكثر الطرق رواجاً في الغرب لإشباع الشهوة الجنسية عبارة عن:
‌أ- العلاقات الجنسية قبل الزواج Premarital sex
‌ب- العلاقات الجنسية خلال الزواج Marriage
‌ج- العلاقات الجنسية للمتزوجين خارج إطار الزواج، او ما تصطلح عليه الأديان بالزنا المحصنة Extramarital sex

بطبيعة الحال، وإسنادا إلى ما تذكره الكتب. إن بعض الأشخاص المرضى في الغرب يمارسون طرقاً أخرى من قبيل تبادل الزوجات (swinging) الزواج الجماعي؛ الا انه نظراً إلى ان ذلك غير رائج على نطاق واسع مقارنة بالطرق التي أشرنا إليها ولحسن الحظ غير موجودة في الدول الأخرى، لذا سنمتنه عن ذكرها.

العلاقات قبل الزواج Premarital sex
ان هذا النوع من العلاقة شائع بكثرة في أوساط الفتيان والشبان، وهو لا يقتصر على العلاقة العاطفية والغرامية، بل سرعان ما ينتقل إلى الإتصال الجنسي.
وفي هذا الصدد يذكر «لا ورنس اشتاين برغ» في كتاب «المراهقة» الصادر عام 1993 ان ما يقارب من 4/1 الفتيات الأمريكيات – رغم كل التعليم المتوفرة لهم والإمكانات الموضوعة تحت اختيارهن – يتعرض لحالات الحمل وهنّ دون سن الثامنة عشرة. وإن نحو 45% منهن يحملن وهن دون سن الحادية والعشرين. وتبلغ نسبة الفتيات السود من هذا الرقم حوالي 30%، يحملن وهو دون سن الثامنة عشرة. وثلثا ذلك من اللواتي دون سن الحادية والعشرينات. ان الحمل بالنسبة إلى الفتيات يلحق بهن أضراراً فادحة إلى أنه تترتب عليه أضرار جسيمة للمجتمع.

تفيد الإحصاءات ان في أميركا سنوياً مليون حالة حمل لدى الفتيات، وان 55% منهن يعملن على الإجهاض، وإن ما يقارب 45% منهن يحاولن الإبقاء على حملهن. وهذا يعني ان هناك (450000) طفل غير شرعي يولد كل عام.

وتتمثل أضرار مثل هذا العمل على الأمهات الفتيات في:
الأضرار البدنية التي ربما تصل إلى الموت إضافة إلى الفشل الدراسي وترك الدراسة، والاتجاه إلى الإدمان، وبروز المعاناة العاطفية والنفسية، والانغماس في الفقر والحرمان.

ان الغالبية العظمى من آباء هؤلاء الأطفال غير الشرعيين هم ممن يعانون من ملاحقات قانونية، ويشيع في أوساطهم الإدمان على المخدرات والكحول. إضافة إلى الأضرار الأخرى التي تصيب الآباء الفتيان من قبيل ترك الدراسة والإبتلاء بالكآبة إلى غير ذلك.

وقد اتضح ان أمثال هؤلاء الأطفال يتصفون عموماً بقلة الوزن والعجز والإصابة بالأمراض الجسدية، ومعرضون للإصابة بالاضطرابات السلوكية في المستقبل أكثر من غيرهم من قبيل فرط التحرك والفشل الدارسي.

المشكلة الثانية: تتمثل في شيوع الأمراض التناسلية، فقد أفادت «الجمعية الطبية الأميركية» بأن هناك 2,5 مليون فتى امركي يصاب سنوياً بالأمراض التناسلية. ويشكل طلبة المدارس الثانوية 4/1 هذا الرقم. كما ان مرض الايدز القاتل يصيب نحو 2 إلى 3% من الفتيان سنوياً. بالطبع يعجز هؤلاء عن ممارسة نشاطاتهم اليومية في سنوات شبابهم.

المشكلة الثالثة: التي تنتج عن العلاقات الجنسية قبل الزواج، تتمثل في الآثار العاطفية والنفسية السلبية التي تظهر لدى الفتيات بشكل خاص. فدوافع العلاقة الجنسية تختلف لدى المرأة والرجل. بالنسبة إلى النساء تعتبر الحصول على العاطفة أمرا مهماً. في حين يتطلع الرجال لإشباع الشهوة. اذ تعتبر العلاقة الجنسية بالنسبة إلى الرجل نهاية المطاف. في حين أنها بالنسبة إلى النساء تمثل وسط الطريق الذي ينبغي ان ينتهي بالتوافق والحب والرضا والزواج. فالرجال يفكرون في إشباع شهوتهم دون الإلتفات إلى الشريك الجنسي. بينما المرأة تسعى لإيجاد علاقة مع الذي تحبه، وتتمنى ان تقترن به في المستقبل، وان يكون زوجاً لها.
وبسبب هذه الإخفاقات تصاب الفتيات نتيجة لعلاقاتهم قبل الزواج بالاضطراب والقنوط، وبعد الزواج بالشعور بالذنب والاكتئاب.

يقول «هايد» في كتابة «إدراك الجنس لدى الإنسان» الصادر عام 1986:
«ان الفتيان والفتيات الذين تكون لديهم علاقات جنسية قبل الزواج، يكونون دائماً في صراع مع آبائهم، وفي تناقض بين قيمهم الأخلاقية وقيم المجتمع أيضاً. وفي النتيجة يتضاعف لديهم القلق والاضطراب. ان نحو 80% من النساء المتزوجات يعانين بعد الزواج من كابوس علاقاتهن الجنسية قبل الزواج، مما يؤدي إلى معاناتهن من مشكلات نفيسة».

المشكلة الرابعة: قلة الرغبة للزواج. فالزواج ما زال أقدس الروابط بين البش. وفي جميع الحضارات يأمل كل شاب ان يتزوج يومأً من الشخص الذي يحبه ويناسبه، غير ان العلاقة الجنسية قبل الزواج تقلل من هذا الباعث. يقول (بريان) في متاب (الزواج والتجربة العائلية) الصادر عام 1989: «ان ما نشاهده اليوم من ارتفاع سن الزواج وعدم شعور الشباب بالحاجة إلى تشكيل الأسرة، يعود إلى إشباع غريزتهم الجنسية بالعلاقات القائمة قبل الزواج».

المشكلة الخامسة: التأثير السلبي للعلاقات الجنسية قبل الزواج على استقرار الأسرة، فقد أشرنا إلى أنه عندما يقيم الأفراد علاقات جنسية قبل الزواج يتولد عندهم بعد ذلك شعور بالذنب واليأس والاكتئاب، وهذه الحالات تقضي على السعادة داخل الأسرة.

وفي جانب آخر يقول (بن كرافت) في كتاب (الجنس لدى الإنسان ومشاكله) الصادر عام 1983: هناك علاقة إيجابية بين العفة قبل الزواج والزواج السعيد، لأنه ثبت ان التسامح الجنسي والإباحية تمتد جذورها في الشخصية المضطربة حيث تظهر في سائر الممارسات وأنواع السلوك بما تهدد السعادة واستمرار الحياة الزوجية المشتركة».

العلاقات الجنسية بعد الزواج Extramarital Sex
نتيجة لتأثير الدعاية الليبرالية والتسامح الجنسي، وكذلك انتشار الأفلام والبرامج الخلاعية التي تبث عبر أجهزة الفيديو والأقمار الصناعية، واستحواذ السفور والغرور على جانب من الاهتمام، وكثرة الاختلاط بين الرجل والمرأة؛ نتيجة لكل ذلك ازدادت العلاقات الجنسية خارج إطار الحياة الزوجية في الغرب، حتى أخذ بعض أعداء العفة والإنسانية المتلبسون بلباس العلماء والمنظرين، يحاولون إضفاء الصبغة الطبيعية بل وحتى العملية على ذلك. ولكن مع ذلك ترفض فطرة الإنسان الإلهية وفي مهد الحضارة – الغرب المنحرف – ان تقبل هذه الأمور. وفيما تشير الأرقام إلى ازدياد عدد أنصار العلاقات الجنسية قبل الزواج او على الأقل بقاء عددهم على حاله، يقول «ايد» في كتاب: إدراك الجنس لدى الإنسان). ان بين 80 إلى 90% من الرجال والنساء الأميركيين أعربوا عن اعتقادهم بان «العلاقة مع غير الزوجة أمر غير صحيح، واذا ما علم أحدهم بان زوجه يقيم علاقات مع غيره، لا بد من الاعتراض على ذلك».

ومن الناحية الاجتماعية – الأخلاقية يفضل الرجال ان يتزوجوا من نساء عفيفات ليطمئنوا إلى أصول وأنساب أبنائهم. كما ان وجود مثل هذه العلاقة غير السليمة يؤدي إلى:
- زيادة الإصابة بالأمراض الجنسية
- فقدان الزوج ثقته بالزوجة وبالعكس
- توجيه لطمه إلى كرامة الزوجة وعزة نفسها فتشعر أنها لا تحظى بالحب والإثارة وغير كفوءة وليست جديرة.
- بروز الحسد والعنف وربما القتل

ولذلك تجري مثل هذه العلاقة بعيداً عن عيون المرأة، او بتجاهلها في معظم الأحيان، وهي مرفوضة من أية حضارة، ولن تقبل بها.

ومن خلال استخلاص نتائج البحوث التي جرت في هذا المجال يستنتج (انطوني تاميسون) بأن الذي يمارس علاقات جنسية أكثر مع الجنس الآخر قبل الزواج لا يبقى وفياً لزوجه بعد الزواج. ويضيف قائلاًُ ان مجرد الحديث الرافض للعلاقات الجنسية بعد الزواج لا يعتبر كافياً ومنعاً، بل ان سلوك الإنسان قبل الزواج هو المحك الأساسي لعمله بعد الزواج. وبتعبير آخر إن تغيير السلوك يعتبر أصعب من تغيير الرؤية، لذلك يجب الاهتمام بالعمل أكثر من الاهتمام بالقول.

ويشير عالم الاجتماع (ريس) إلى ان العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج تتوقف على أمرين: الأول الاضطراب والمشكلات في الحياة الزوجية، خاصة المشكلات العاطفية لدى المرأة والمشكلات الجنسية لدى الرجل. والثاني التسامح في العلاقات الجنسية قبل الزواج. ويضيف (تاميسون) في بحثه الآنف الذكر، عاملاً ثالثاُ هو توفر الفرص وظروف العلاقات.

ومن ناحية أخرى يقول (جانوس) في دراسة موسعة حول التعامل الجنسي للأميركيين أجراها على مرحلتين بين أعوام 1983 – 1986 – 1988 – 1992، وأصدرها تحت عنوان (تقرير جانوس بشأن التعامل الجنسي) يقول جانوس: هناك علاقة بين خاصة اذا كانت الفتيات يمارسن العلاقات الجنسية قبل الزواج، فإن نسبة الطلاق ترتفع في حياتهن الزوجية. وكلما طالت فترة العلاقات الجنسية قبل الزواج او الحياة المشتركة بدون زواج، تكون نسبة الطلاق أكثر.

ان ما يثير الدهشة هو انه فيما تعتبر الشعوب الغربية، التي انغمست في مستنقع الانحرافات الجنسية أكثر من سائر الشعوب، الأسرة – طبقاً لتقرير جانوس – أفضل كيان اجتماعي، وتولي اهتماما كبيراً بتشكيلها وتشعر بالقلق بسبب ارتفاع نسبة الطلاق... هذه الشعوب لا تعير أهمية لنتائج الدراسات والبحوث التي أجراها علماؤها خاصة وإن العلاقات الجنسية قبل الزواج، والعلاقات خارج إطار الزواج، وتوفر الفرصة لإقامة العلاقة مع الجنس الآخر، تؤدي طلها إلى تضعيف كيان الأسرة.

ان السلوك المنحرف في إشباع الغريزة الجنسية في خارج إطار الأسرة يذكرنا بالمثل الإيراني القائل: (كان شخص جالساً على حافة غصن شجرة وبيده منشار يقطع به الغصن من طرفه الآخر).

وترفض الأديان السماوية والتوحيدية بأجمعها العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. وينظر (العهد القديم) إلى الغريزة الجنسية نظرة إيجابية، ولكنه يحرم بشدة كل علاقة مع غير الزوجة، ويفرض عقوبات صارمة على المتمردين. وتحرم المسيحية (البروتستانية والكاثوليكية) معاً العلاقات الجنسية قبل الزواج والزنا مع المحصنة. ويصرح البابا بولس السادس في بيانه الذي أصدره عام 1976 رداً على الاستفسارات حول العلاقة الجنسية بأن «كل علاقة جنسية يجب ان تكون ن في إطار الزواج». وكان البابا بيوس الحادي عشر قد حرّم في عام 1930 العلاقات الجنسية قبل الزواج، والزنا مع المحصنة، التعقيم، وتحديد النسل، والإجهاض، والطلاق.

وفي الإسلام تعد العلاقة الزوجية مع غير الزوجة الشرعية زنا، وعبر القرآن الكريم في آيات كثيرة عن ذلك بالسفاح والفحشاء والفاحشة وسوء السبيل والعدوان: ﴿لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً﴾ (الإسراء 32). وعد الله تعالى اللواط والسحاق فاحشة ايضاً ﴿إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين﴾ واستخدام بشأن ذلك (وتقطعون السبيل) مما يوضح ان السبيل الصحيح هو بقاء الذرية. وهذا يعني ان الزواج هو أقوى وسيلة لبقاء الذرية ونظام المجتمع.

وفيما يخص سورة الإسراء، الآية 32، حيث يقول عز وجل ﴿لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً﴾، نورد الملاحظات التالية:
اولاً: لا تذكر الآية «لا تزنوا» إذاً، فإن جميع العوامل والمقدمات التي تثير الرغبة الجنسية خارج إطار الزواج، وكل ما من شأنه إيجاد الموانع أمام الزواج او الحث على الطلاق، تعتبر سبل الاقتراب من الزنا.

ثانياً: في قوله تعالى (انه كان فاحشة) وتأكيدات ثلاثة هي: إن، وكان – وهو فعل ماضٍ – وكلمة فاحشة.

ثالثاً: فهم من عبارة (ساء سبيلاً) ان العلاقة الجنسية غير المشروعة تؤدي إلى مفاسد اجتماعية، وقد روي عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ان للزنا واللواط يؤديان إلى المشاكل التالية:

1- زوال (نورانية الوجه) (نور الوجه)
2- قطع الرزق الحلال وجلب الفقر (شاهدنا أرقاماً على ذلك التحقيق الذي أجري على الفتيات الأميركيات).
3- التعجيل بالموت حيث يمكن تفسير ذلك بظهور أمراض الاتصال الجنسي مثل الإيدز.
4- قطع الذرية.
5- فساد الخطط والبرامج الفردية والجماعية.
6- تدمير الحياة والنظام الاجتماعي.
7- كثرة الموت المفاجئ.
8- القضاء على العفة والشهامة والسوق إلى الانحرافات.
9- تكون الرغبة إلى الإنحراف لدى أولاد الزنا أكثر رغبة في ارتكاب الزنا والأعمال المنافية للعفة.
10- الإخلال في تربية الأبناء.
11- انعدام الاطمئنان للأنساب.
12- حدوث الخلل والفساد في الميراث.
13- ارتفاع نسبة جرائم القتل.
14- ظهور الكوارث الطبيعية كالزلازل.
15- تقليل الغربة بالزواج وتشكيل الأسرة.

وفضلاً عن هذه الابتلاءات الفردية التي أثبت صحتها العلم والتجربة، يكون الإنسان المذنب في العالم الآخر موضع غضب وسخط الخالق، ويتعرض لسوء الحساب ودخول جهنم والخلود فيها.

ومن حق الإنسان هنا ان يأسف ويسخر في آن واحد من التحليل الخاطئ الذي يقدمه الماركسيون اللامنطقيون بقولهم: «ان بكارة المرأة مثل أثاثها، كانت وسيلة لكي يستثمر الرجل المرأة ويكون له حق امتلاكها. فالبكارة كانت نوعاً من ملكية الرجل يجب ان تنتقل من رجل (الأب) إلى رجل (الزوج)، وان الكفاح ضد هذا التسلط وانتزاع هذا الحق جزء من حرية المرأة».

وهكذا نرى كيف استطاعوا عبر هذه الشعارات اللامنطقية وغير الإنسانية، ان يروجوا الفساد في المجتمع حتى اضعفوا كيان الأسرة وجعلوا المرأة، التي تمثل مظهر العفة والحياة، وتميل أكثر من الرجل إلى العاطفة والزواج وتربية الأبناء، جعلوها ضحية لأطماعهم.

فهل الكفاح ضد عفة المرأة، كان لصالح المرأة؟ ام انه يلبي غريزة الرجل ويسقط المرأة في وحل الانحرافات والأمراض الاجتماعية؟

ولحسن الحظ، تشير التحقيقات إلى ان الشعوب الغربية وبعد سنوات من الابتلاء والسقوط في مستنقع الانحرافات الجنسية، خارج إطار الزواج والأسرة...

ففي عام 1984 نشرت مجلة التايم مقالاً تحت عنوان (العلاقات الجنسية في الثمانينات... الثورة بلغت النهاية) حيث ذكر الكاتب استناداً إلى الأرقام والإحصاءات المستقاة من البحوث والدراسات الميدانية، ان الثورة الجنسية في الستينات والسبعينات والتي أشاعت العلاقات الجنسية قبل الزواج والزنا مع المحصنة، أخذت تتجه نحو الاضمحلال والزوال. وبات الناس يميلون إلى العلاقات الطويلة الأمد مع عقد الزواج. إنهم يرفضون العلاقات الجنسية المبينة على الصدفة او وجود شريكات في الحياة الزوجية، ويفضلون الالتزام والصدق والعلاقات الوطيدة في الزواج.

كما ان عشرات التحقيقات أثبتت ان الناس لا سيما الشباب يرغبون في إقامة علاقات جنسية قائمة على المحبة والالتزام على المدى البعيد.

ومن ناحية أخرى تشير تحقيقات جانوس في مجال التعامل الجنسي لدى الأميركيين إلى ان الناس على العنصر الديني للطرف المقابل باعتباره عملاً مهماً في اختيار الزوج واستمرار الحياة الزوجية. وكما ذكرنا سابقاً فإنهم اعتبروا الأسرة أهم وأفضل كيان إجتماعي.

الا يشير كل ذلك إلى ان الدين والأسرة يتجذران في فطرة الإنسان؟ كما ان خبراء علم الاجتماع يقولون بان التاريخ لم يذكر قوماً لم يكن لهم دين ولم تكن لهم أسرة.

باختصار ان الغريزة الجنسية التي هي أقوى غريزة بشرية وعطاء إلهي كبير من اجل تشكيل الأسرة؛ إن هذه الغريزة أودعت في الإنسان من أجل إنجاب الأبناء وتربيتهم تربية صحيحة. فلا بد إذاً من استغلال هذه القوة المحركة من اجل العلاقة الزوجية وإشباعها على أحسن وجه داخل الأسرة التي تعد مؤسسة مشروعة ومقدسة؛ وإن إشباع الغريزة الجنسية مع الزوجة الشرعية والدائمة، فضلاً عن لذاته المادية الجسدية يشبع العواطف الطاهرة للإنسان ايضاً ويزيد المودة والرحمة بين أفراد الأسرة، ويشيع العفة والحياء في المجتمع، ويحول دون العدوان، وبنمي القدرات والمواهب لدى الإنسان. وبتعبير آخر يبعث على الهدوء والطمأنينة ويزيل الاضطراب.

فلا بد لأتباع الأديان الإلهية من مواصلة كفاحهم بلا هوادة ضد أعداء البشرية الذين يتطلعون عبر الاثارات الجنسية إلى تضعيف كيان الأسرة وترويج الفساد أكثر في المجتمع، وأن يربوا أولادهم على العفة والشهامة، ويحفظوهم من العوامل المثيرة للجنس. كما ينبغي للحكومات خاصة مسؤولي البلدان الإسلامية ان لا يدخروا جهداً في سبيل تشكيل الأسرة وتسهيل زواج الشباب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المراجع

- القرآن الكريم
- الميزان في تفسير القرآن العلامة محمد حسين الطباطبائي
- المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء فيض الكاشاني
- ميزان الحكمة محمد ري شهري


1Bancroft, John, “Human Sexuality and its Problems”, 1983. Churchil Livingstone, U.S.A.
2- Bryan, S & Devault, C “The Marriage and Family Experience” 1989 West Publishing Company, U.S.A.
3- Hyde, j,sh, “Under standing Human Sexuality”, 1986, MC Gaw Hill, U.S.A.
4- Janus, S.S & Janus C,L, “The JANUS Repart on Sexuality Behavior” 1993, U.S.A.
5- Masters, W,H etal “Human Sexuality” 1985, Scott, Foresman and Company, U.S.A.
6- Spanier, G & Margolis, R,L “Marital Separation Jn Extramarital Sexual Behavior” Journal of Sex Research (1983) 19, 23 – 48.
7- Steinberg, Laurence “Adolescence” 1983, MC Graw Hill, U.S.A.
8- Thompson, Anthony, P “Extramarital Sex: A Review of the research literature” Journal of Sex Research (1983), 19, 1 – 23.

source