الأسرة في مواجهة التحدي

calendar icon 05 تشرين الثاني 1997 الكاتب:بهية الحريري

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثاني: "الاسرة واقع ومرتجى"
(كلمات الجلسة الثالثة)

بسم الله الرحمن الرحيم
سيداتي، سادتي،
أيها الحضور الكريم،


نعيش في لبنان هذه الأيام مرحلة هي من أدق المراحل وأحرجها التي نشهدها ويشهدها تاريخنا. وإذا أردت أن أبسط التوصيف أقول أننا نكاد نكون بين فكي كماشة، أولهما دور تاريخي في إعادة بناء لبنان على أسس حضارية حديثة تعوضنا عن الكثير مما فاتنا من تقدم خلال السنوات الطويلة الماضية من جهة، ومن جهة أخرى تصلب عودنا كدولة في مواجهة التحديات المرتقبة التي يحملها إلينا القرن المقبل.

اما الفك الآخر فهو الدور الحضاري المطلوب منا لحماية هويتنا وثقافتنا وانتمائنا اللبناني العربي، أي حماية حضارتنا من الذوبان في حضارات الآخرين.

وضعت اللحظتين الراهنتين بفكي الكماشة، لأن الأخذ بالحداثة وبتقنية العصر يحمل في طياته مخاطر تتهدد أجيالنا بالأسلوب والتغرّب إذا لم يتسلحوا، وإذا لم نسلحهم بالمفاهيم والقواعد السليمة في التعامل مع التكنولوجيا المستوردة التي تغزونا تحت مظلة كبيرة عنوانها ثورة الاتصالات والمعلوماتية.

وفي المقابل هناك من يرى ان تجاهلنا لثورة التكنولوجيا وانصرافنا عنها من منطلق خوفنا على الهوية والثقافة والانتماء الوطني والقومي سيصيبنا بالتخلف عن ركاب العصر وبالتجمد في زاوية ضيقة من زوايا التاريخ.

لا، ليست الصورة قاتمة لأن حضارتنا، لأن هويتنا وثقافتنا والرسالات السماوية التي نؤمن بها حملت في بذورها شروط الحل وشروط مواجهة كل التحديات بالعلم وبالموضوعية والإيمان. والأسرة كنواة للمجتمع هي رأس الحربة في مواجهة التحدي، ولذلك فلا عجب ان تختار مؤسسات الإمام الصدر الأسرة موضوعاً لمؤتمرها هذا، في اللحظة التاريخية المصيرية التي يمر بها لبنان رهناً، انسجاما مع المبادئ التي أرسى قواعدها المؤسس الكبير.

وإذا كان موضوع جلستنا هذه يهتم بدور المرأة التي تمثل نصف المجتمع في عملية قبول التحدي على طريق بناء المستقبل الوطني، فلأن المرأة اضطلعت منذ بداية التاريخ، باعتراف الرجل، وبتنازل منه، بالدور الأكثر أهمية. وخطورة في بناء الأسرة، إلا أنها، أي المرأة، ولأنها أم وزوجة وشقيقة وابنة، ما زالت ترفض حتى اليوم إلا التكامل في دورها مع دور الرجل في بناء الأسرة وفي بناء المجتمع.

من هذا المنطلق فقط، يجب ان نفهم مطالبة المرأة بالمساواة، وبما تراه من حقوق لأن التحديات التي نواجهها لم تعد بخلل في التوازن، او بالأحرى بخلل في التكامل لأن المرأة المتعلمة والمرأة العاملة والمرأة المتسلحة بالإيمان وبالأخلاق الحميدة هي القادرة على حماية دور الرجل، والدها وشقيقها وزوجها وابنها، وهي القادرة على حماية دور الأسرة في البناء الاجتماعي العام.

وإذا كنت سأترك للسيدات: حوراء موسى الصدر – رندى الحسيني والدكتور عدنان مروه الحديث عن دور المرأة في البناء الأسري، فأرجو ان تسمحوا لي بتعداد جملة شروط تربوية وإجتماعية وإعلامية يجب العمل على تحقيقها حماية لدور المرأة في بناء الأسرة والمجتمع، وهذه الشروط هي:

أولا: على الصعيد التربوي:
- خذ جميع المدارس الرسمية والخاصة بالبرنامج الموحد للتربية المدنية النموذجية النابعة من بيئة الطفل وتاريخ وطنه وجغرافيته وشخصياته التاريخية الوطنية.

- شرح وتعزيز مفاهيم وأبعاد الترابط الأسري والاجتماعي والوطني لدى الطفل والطالب.

- تنمية روح البحث العلمي والموضوعي لدى الطالب منذ بادية نشأته وتعزيز قدرته على حسن الفهم والاختيار.

- أهيل الكوادر، التربوية على استخدام الوسائل الحديثة في التعليم وإخضاعها لخدمة الأجيال والمجتمع.

- وضع قواعد للاستخدام السليم لوسائل الإعلام في المدارس والمعاهد والجامعات.

ثانياً: على الصعيد الاجتماعي:
- انخراط الجمعيات الأهلية في عملية وضع برنامج متكامل لرفع مستوى الوعي العام الوعي والوعي الأسري بالقضايا الوطنية والمستقبلية.

- السعي إلى تفعيل وتعزيز دور الهيئات والجمعيات الأهلية، ووضع هيكلية مرنة وعملية للتنسيق والترابط والتكامل والتعاون بينها بما يخدم دورها والتوجهات الإجتماعية الوطنية.

- تنظيم وتوسيع علاقات المشاركة والمصالح المتبادلة بين الهيئات الأهلية والجهات الرسمية، بما يساعد على حسن تطبيق البرامج الاجتماعية الوطنية.

ثالثاً: على الصعيد الإعلامي:
- أن تتولى الجهات الوطنية المعنية بالشأن الإعلامي تغذية الإنترنت بالمعلومات المتعلقة بشؤوننا الوطنية، وقطع الطريق على فئات دخيلة ومتطفلة محاولة القيام بهذا الدور.

- تطوير الخطط الإعلامية وتوحيد أهدافها، ودعوة وسائل الإعلام إلى الأخذ بدورها الملح في تحقيق خطط النهوض التربوي والاجتماعي وخدمتها إعلامياً.

- رفع مستوى كفاءة الإعلاميين التربويين والاجتماعيين.

- إرساء أسس للتكامل في الأهداف بين الإعلام والتربية.

- وضع ميثاق شرف إعلامي ينص على التزام جميع وسائل الإعلام بالابتعاد عن مواد الإثارة السياسية والطائفية والجنسية والعنفية، وعن كل مت من شأنه ان يزعزع الانتماء الوطني، وعن كل ما يمس بالأخلاق العامة.

إنني في الواقع اعتبر ما طرحته هو اقتراحات لتوصيات يمكن الأخذ بها والعمل على تحقيقها في سبيل حماية الأسرة اللبنانية والمجتمع اللبناني العربي في حاضره ومستقبله. وأولاً وأخيراً في سبيل حماية هويتنا وثقافتنا الوطنية والقومية، ووضع تقنية العصر في خدمتها من دون تردد او خوف.

وقبل ان أترك فرصة الكلام للمشاركين في هذه الجلسة، أود ان أؤكد ان المهمة التي نحن في صددها لا يمكن ان تنجح إلا بالتكامل في الدور بين المرأة والرجل كإنسان مسؤول عن حاصره وعن مستقبله.

وشكراً

source