المرأة مسؤولياتها الاجتماعية ووظيفتها الأسرية

calendar icon 05 تشرين الثاني 1997 الكاتب:عدنان مروة

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثاني: "الاسرة واقع ومرتجى"
(كلمات الجلسة الثالثة)

قاعدة إحصائية / اجتماعية – لبنان
السنة
عدد السكان (ملايين) 301110828 1996
الكثافة (في الكلم المربع) 397,7 1996
معدل النمو السكاني 1,8 1997
معدل النمو الاقتصادي 4% 1996
معدل الولادات الخام 27,9 1992
معدل الخصوبة الإجمالية 2,75 1997
معدل وفيات الأطفال 28 1996
متوسط العمر المرتقب – ذكور 68,1 1997
متوسط العمر المرتقب – إناث 71,7 1997
نسبة الأمية – ذكور 5% 1997
نسبة الأمية * إناث 10% 1997
متوسط الدخل الفردي (دولار) 2780 1995

في الذكرى التاسعة عشرة لتغييب سماحة الإمام السيد موسى الصدر يصيب لي ان أتناول في مداخلتي وضع المرأة بين مسؤولياتها الاجتماعية ووظيفتها الأسرية في لبنان. مستلهماً مواقف وأفكار الإمام المغيب، ومستعيناً بأرقام بعض الدراسات الحديثة حول التغييرات التي حدثت في أوضاع المرأة، وخصوصاً في وظيفتها الأسرية.

السكان
لم يجر إحصاء رسمي لعدد السكان لبنان منذ عام 1932، وبقيت أرقام إحصاء أساسً لنظام لبنان السياسي قاعدة إحصائية لكل استقراء مستقبلي سكاني، الا ان هذا الواقع لم يمنع العديد من الباحثين وبعض الهيئات الدولة والإقليمية من إعطاء تقدير لسكان لبنا بناء على دراسات بالعينة، لعل أكبرها دراسة القوى العاملة التي أجريت من قبل وزارة التصميم عام 1970. مؤخراً تم مسح المعطيات الإحصائية للسكان والمساكن (1994- -1996) الذي أجري من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان. وخلال الأحداث الأمينة في عقود السبعينات والثمانينات حصلت تغييرات سكانية هامة بفعل التهجير القسري والهجرة الخارجية المؤقتة والدائمة، كما ن تسجيل الولادات والوفيات لم يكن دقيقاً، لذا حصل تباين في تقديرات السكان حسب المصدر، بحيث قدّر عدد السكان ما بين 207 – 4 مليون نسمة كالتالي:
المصدر منتصف العام عدد السكان (ملايين)
كرباج وفارغ 1970 2,3
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 1991 2,8
اللجنة الاجتماعية /الاقتصادية
الغرب آسيا (اسكوا) 1994 3,4
صندوق الأمم المتحدة للسكان 1994 2,7
الأمم المتحدة – قسم السكان 1994 3,0
مكتب السكان المرجعي 1994 3,6
فاعور/ م. 1994 3,9
اليونيسيف 1994 2,8
مسح المعطيات الإحصائية للسكان 1994-1996 3,1

يشمل المسح الأخير 70000 مسكناً او 10% من مساكن لبنان، وبلغت نسبة الزيادة السكانية السنوية 1,6%. وكانت هذه النسبة تقدر بـ 3,1% قبل عام 1975، و2,2% عام 1982. وبلغت نسبة الإناث 50,3% من مجموع السكان. كما ان المسح اللبناني لصحة الأم والطفل الذي أجرته وزارة الصحة العامة بتمويل من المشروع العربي للنهوض بالطفولة شمل 5431 أسرة تم اختيارها بطريقة عشوائية ومنتظمة بينت ان 29% من السكان هم دون 15 سنة و64% هم في سن العمل (15-64 سنة)/ و7% هم مسنون أي 65 وما فوق. تبين من المسح كذلك اتجاه واضح لانحسار الخصوبة خصوصاً عند النساء من أعمار العشرينات والثلاثينات، فمعدل الخصوبة الكلية انخفض من 3,1 طفل لكل امرأة بين سن 15-49 خلال الحقبة 1986-1990 إلى 2,54 طفل خلال الحقبة 1991-1995. وتفاوتت مرات الإنجاب مع مستوى المرأة التعليمي فبلغ 6,9 ولادات عند الأميات و2,7 ولادات عن اللواتي حصلن على تعليم جامعي.

هذه الاتجاهات تعزى إلى عوامل عديدة لعل أهمها تأخير سن الزواج والإقبال على استعمال وسائل تنظيم الأسرة. بلغ متوسط سن الزواج 27,5 سنة عند الإناث و30,9 سنة عند الذكور. والجدير بالذكر ان سن الزواج لم يسجل فروقاً بين سكان المدن والمناطق الريفية إلا انه لوحظت فوارق بين المحافظات اللبنانية، ففي بيروت كان متوسط سن الزواج 28,6 عند الإناث، اما محافظة لبنان الشمالي فبلغت 25,9 سنة. كذلك الأمر بالنسبة لمتوسط سن الزواج عند الرجل اذ بلغ 29,3 في محافظة النبطية و31,8 في بيروت وجبل لبنان. المستوى التعليمي كان له تأثير على تأخير سن الزواج الفوارق بين سن زواج الجامعية / الجامعي وأترابهم ممن أنهوا التعليم الابتدائي بلغ 6 سنوات عند الإناث وسنتين عند الذكور. وخلافاً للمتوقع بلغ متوسط سن الزواج عند النساء الأميات 27 سنة قياساً مع سن 25 سنة عند اللواتي يعرفن القراءة والكتابة.

في هذا المجال هناك ظاهرتان مقلقتان تهددان النسيج الاجتماعي اللبناني، وهما ازدياد العزوبية في شرائح الأعمار، وازدياد نسبة الأسر فاقدة المعيل. يبين الجدول التالي نسبة العزوبية عند الإناث والذكور عام 1987 مع مقارنة للنسب ذاتها عام 1970:
1970 1978
الفئة العمرية ذكور إناث ذكور إناث
15-19 99 87 98 99
20-24 88 51 84 86
25-29 55 25 51 58
30-34 25 14 26 36
35-39 15 10 12 20
40-44 8 8 6 12

يبين الجدول ان نسبة العزوبية بين الإناث في الشريحة العمرية 30-34 بلغت 36% عام 1987 قياساً مع 14% عام 1970، كما ان نسبة 12% في الشريحة العمرية 40-44 غير متزوجة عام 1987 قياساً مع نسبة 8% عام 1970.

هذا الاتجاه يدعو للقلق؛ فمن ناحية البيولوجية هنا سن أمثل للإنجاب حيث تبلغ المخاطر على والطفل أدنى كمستوى وهو في الشريحة العمرية 22-29 سنة قبل هذا السن وبعده تزداد اطر تباعاً. دراسة اليونيسيف حول وفيات الأطفال في لبنان (1990) تشير إلى زيادة احتمال ولادة طفل بوزن ناقص (أدنى من 2500 غرام) مع تقدم المرأة قي العمر، كما ان العقم يزداد مع تقدم المرأة في العمر. اما من الناحية الاجتماعية فقد تكون العواقب الناجمة عن العزوبية وتأخير سن الزواج أكثر ما يهدد النسيج الاجتماعي، إذ إن التكوين الأسري هو الحجر الأساسي لمجتمع سليم، وهو المكان الصالح لتربية الأجيال ورفد المجتمع بطاقات جديدة تحمل مسؤولية التجديد والإنماء.

الظاهرة الأخرى المقلقة تكمن في ازدياد نسبة النساء فاقدات المعيل. المسوحات التي أجريت في مدينة بيروت في الأعوام 1954، 1984، و1992 نشير إلى ازدياد مضطرد في نسبة الأسر فاقدة المعيل من 9,2% عام 1954 إلى 15,3% عام 1984 إلى 20% عام 1992. قد تكون الأحداث الأمنية وما رافقها من ترمل أحد الأسباب، إضافة إلى الضيق الاقتصادي الذي دفع بعديد من الأزواج للهجرة سعياً وراء الرزق في أقطار مختلفة. أدى هذا الواقع إلى معاناة كبرى خصوصاً أنه كان على المرأة حماية أولادها خلال الأحداث الأمنية وتدبير أمورهم التربوية والصحية والاجتماعية. ولولا التعاطف الأسري من أخ او أخت او قريب، لما استطاعت هذه النسبة العالية من النساء من مواجهة الظروف الصعبة قد يدفع الأولاد الثمن، إذ ان تنشئة الطفل في أسرة منقوصة لا يوفر المناخ الأمثل لتكوينه النفسي والاجتماعي.

هناك ظاهرة أخيرة ما زالت تميز أنماط الزواج في لبنان وهي زواج الأقارب، وتتفاوت نسبتها بين منطقة وأخرى. في عام 1971 قدرت 18% ولكن في مسح جديد أجري من قبل اليونيسيف ووزارة الصحة عام 1993 شمل بعض المناطق المحرومة دلت على ان أعلى مستوى لزواج الأقارب كان في منطقة بعلبك / الهرمل، حيث بلغت نسبته 60،7%، يليه معدل 43,7% في عكار، و31,2% في طرابلس. ومن المعلوم علمياً ان زواج الأقارب يزيد من احتمال أمراض وراثية. وقد تم رصد وتوصيف أكثر من 164 مرضاُ وراثياً في لبنان، لعل أكثرها شيوعاً التلاسيميا بأنواعها كافة والتخلف العقلي. وقد تم استصدار تشريع حول الفحص الطبي قبل الزواج في أيلول 1983 بقصد توعية الخطيبين على بعض المحاذير التي قد تنجم عن زواجهما وعن التدابير الاحترازية المقترحة خلال الحمل.

الأمان الاجتماعي
منذ فجر الاستقلال حتى ثورة 1958، كانت الفلسفة الإنمائية التي سادت في تلك الحقبة تشدد على النمو الاقتصادي المادي، وتعتبر ان القطاع الصحي / الاجتماعي هو قطاع استهلاكي. هذه الفلسفة الإنمائية ترجمت إلى موازنات متواضعة نسبياً. إذا راجعنا البيانات الوزارية التي تقدمت بها الحكومات التي تعاقبت منذ الاستقلال نرى ان القطاع الصحي / الاجتماعي كان يستحوذ على التزام لفظي عموماً. والتنمية الاقتصادية التي سادت تلك الفترة لم تكن كلها نعمة صافية، فقد نتج عنها نمو حضري غير منظم أدى إلى كثافة سكانية هائلة في ضواحي العاصمة وأوضاع سكنية متردية. نجم عن هذا الوضع مشكلات اجتماعية واقتصادية جمة. الصورة السائدة في لبنان آنذاك كانت تتمثل باعتلال في الصحة متلازمة مع الفقر والجهل بصفة عامة. إمدادات المياه كانت غير كافية، وملوثة والإصحاح في حده الأدنى. وكان لإهمال القطاع الزراعي بسبب الهجرة إلى المدن ان أصبحت إمدادات الغذاء غير كافية وباهظة الثمن. أقيمت صناعات دون إعطاء الاعتبار المناسب لصحة العمال والبيئة، فتفشى وباء التحضر، وأسهم تلوث الماء والضوضاء والجريمة في الوباء، ولو أعطيت الجوانب الصحية / الاجتماعية الاهتمام، آنذاك، لكانت بيروت والمدن الكبرى مختلفة جداً.

بعد حرب 1958 استقدم الرئيس شهاب بعثة "إيرفد" للمساهمة في وضع مخطط إنمائي مستقبلي. ولعله من المهم في هذا السياق هو تشديد البعثة على الإنماء الاجتماعي وعلى التصور الأوروبي لدولة رعاية او Welfare State.

الإنجازات الهامة التي استحدثت ضمن هذه الفلسفة الإنمائية الجديدة هدفت إلى إنشاء حلقات مترابطة للأمن الاجتماعي من بينها:
1- مصلحة الإنعاش الاجتماعي
يعود قانون هذه المصلحة إلى عام 1959، وفيها تركيز على مبدأ الترابط بين الصحة والتربية والخدمات الاجتماعية ومحاولة دمج برامجها في مراكز صحية – اجتماعية – تربوية تكون بمثابة محور الإنعاش في القرى والأحياء، كما شددت على ضرورة مشاركة الأهالي وتعاونهم مع الإدارات الرسمية في إنماء وإنعاش مجتمعاتهم.

2- الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
في عام 1964 صدرت قوانين الضمان الصحي والاجتماعي مقتبسة من قوانين الضمان الاجتماعي الأوروبية، إذ ربط من خلال صناديقه المختلفة جميع الامور المتعلقة بالصحة والأمومة والأمور الاجتماعية وتعويض نهاية الخدمات والتقديمات العائلية وضمان الشيخوخة. ونظر إلى الإنسان على أنه وحدة لا تتجزأ، وشدد على التعاون والتكافل الاجتماعيين، إذ يدفع كل أجير نسبة معينة من راتبه، فيتصاعد المبلغ مع الميسورين.

3- المراكز القطبية
يعود مرسوم إنشاء المراكز القطبية إلى عام 1964. وقد مضى بتنظيم الخدمات الصحية عبر مراكز قطبية تغطي المناطق اللبنانية كافة قضى بوجوب إنشاء شبكة مترابطة من المستشفيات الكبيرة والصغيرة مع المستوصفات والمراكز الصحية.

4- محاولة تنمية الأرياف عبر إنشاء المشروع الأخضر
5- محاولة ترشيد العمالة عبر إنشاء المؤسسة الوطنية للاستخدام
6- دعم بعض السلع الأساسية مثل القمح والمحروقات
7- استحدثت في هذه الفترة مصالح مستقلة لتنشيط سير العمل في قطاعات الدولة، كما جرى إنشاء إدارات مركزية مثل مجلس الخدمة المدنية ومجالس الرقابة المختلفة، بغية تفعيل الإدارة وتنشيط الإنتاج..

هذه الفلسفة الإنمائية هدفت إلى الحد من التباين بين مختلف الفئات والمناطق اللبنانية لتأمين الاستقرار الاجتماعي والسياسي. هذه الإنجازات أدت إلى إحراز تقدم على الصعيد الصحي / الاجتماعي، فارتفع معدل الحياة المرتقب عند الولادة من 60 عاماً سنة 1960 إلى 65 عاماً سنة 1975، كذلك هبطت نسبة وفيات الأطفال دون الخامسة من 92 لكل ألف مولود إلى 51 عام 1988.

كان للحرب اللبنانية منذ عام 1975 انعكاس سلبي على قطاعات الدولة ومن بينها القطاع الصحي وقطاعات الأمان الاجتماعي وقد تجلى بالتطورات التالية:

أصيبت معظم المرافق الصحية من مستشفيات ومستوصفات ومستودعات فتدنى عدد الأَسِرّة في المستشفيات الحكومية، ناهيك عن ازدياد الحاجة إليها من جراء الاضطرابات الأمنية والتهجير القسري الذي رافق دورات العنف، وأجبرت وزارة الصحة بأن تعتمد كلياً على مرافق القطاع الخاص الاستشفائي. أدى هذا الوضع إلى هيمنة القطاع الخاص؛ ما شجع الاحتكار وفرض الأسعار، فازدادت الفاتورة الطبية بشكل متصاعد، وأصبحت الوزارة عبارة عن صندوق تمويل بدل دورها الموجه والضابط للعمل الطبي والصحي. أدت الأحداث كذلك إلى إضعاف الإدارة الصحية، وتلاشت سلطة الوزارة الساهرة على القوانين والنظم والسلامة العامة مع غياب مؤسسات الدولة؛ فانتشرت الأدوية الفاسدة، وتعطلت الرقابة على المؤسسات الصحية، وانهارت المقاييس التي كان من المفروض ان تؤكد نوعية العلاج وضبط المخالفات والتلاعب.

من أهم آثار الحرب هو انعدام الإدارة السياسية، فالحرب أنهكت المواطن. فبدلاً من انم يطلب وبإلحاح الرعاية الصحية / الاجتماعية أصبح هاجسه الوحيد هو الأمن والمعابر والبقاء على قيد الحياة. أصيب اللبناني كفرد وكمجموعة بالإحباط، واستمر في حياته يبتاع الدواء والرعاية الاجتماعية من أي مصدر أتت.

خلال سنوات الحرب حصلت تغييرات ديموغرافية ووبائية هامة. حدث هبوط في معدلات الخصوبة وفي معدلات وفيات الأطفال، كما ازداد معدل الحياة المرتقب. من الناحية الوبائية تشير أنماط الوفيات إلى انحسار الأمراض المعدية وبروز الأمراض غير الانتقالية كسبب أساسي للمراضة والوفاة. في هذا الواقع يبرز الوضع الاقتصادي المتردي كعامل هام في تفاقم الاحتياجات الصحية / الاجتماعية عند الفقراء والمهمشين اجتماعياًً مثل النساء والأطفال والعجزة. هذه العوامل تستدعي استراتيجيات جديدة للنهوض بالقطاع الصحي / الاجتماعي تضمن عدالة في الوصول إلى شرائح المجتمع كافة.

بعد توقف الحرب تراجع مفهوم دولة الرعاية، وحصل تحول نوغي أخذ طابعاً منهجياً واعياً إطاره العام اقتصاد السوق والخصخصة، وبات مفهوم الأمان الاجتماعي يقتصر على تنفيس الاختناقات الاجتماعية الأكثر حدة، ومنعها من التحول إلى عنصر تفجير للاستقرار الأمني والاقتصادي، على هذا الأساس اقترب شكل المساعدة اجتماعية أكثر فأكثر المساعدة النقدية او العينية المباشرة ومبتعداً أكثر عن الدور التمكيني والتنموي مثل المساعدات النقدية لمهجرين كبدلات إخلاء و التعويض على الصيادين بسبب حصار موانئ وغيره. ومما عزز هذا الاتجاه توصيات المنظمات الدولية مثل البنك الدولي والصناديق المانحة للقروض باعتماد اقتصاديات السوق على أساس ان هذا النهج يزيد التنافس بين مقدمي الخدمات، وبالتالي يحسن نوعية الخدمة ويخفض كلفتها. اما اقتصار الخدمات على القطاع العام فإنه يخسر الحوافز التنافسية، وبالتالي تتردى الخدمات وتزداد تكلفتها، كما يحرم المستهلك من الاختيار.

الحقوق الإنجابية: لجميع الأزواج والأفراد الحق في ان يقرروا بأنفسهم حرية ومسؤولية عدد أولادهم والفترات الفاصلة بين إنجابهم وتوقيت إنجابهم، وأن تكون لديهم المعلومات والسوائل اللازمة لذلك. ولهم الحق أيضاً في بلوغ مستوى ممكن من الصحة الجنسية والإنجابية. وقد اعترف للمرة الأولى بالحقوق الإنجابية لكونها من حقوق الإنسان في عام 1968، ثم أقرت وعززت في المحافل الدولية المتتالي، التي كان آخرها مؤتمر الأمم المتحدة الدولي للسكان والتنمية الذي عقد في القاهرة في أيلول 1994.

خلا العقود الثلاثة الماضية أتاح استحداث وسائل حديثة مقبولة وأكثر منا لمنع الحمل من الحرية الفردية للمرأة والرجل، وعزز قدرتهما على ممارسة خيار الإنجاب، بيد ان وسائل تنظيم الأسرة هذه تظل غير متاحة بالنسبة إلى كثيرين ممن يحتاجون إليها، سواء أكانوا نساء ام رجالاً. كما ان هناك حواجز اقتصادية وثقافية ومؤسسية تحول دون حرية ممارسة المرأة والرجل للحقوق الإنجابية.

الصحة الإنجابية هي حالة سلامة بدنية وعقلية واجتماعية كاملة – ليست مجرد انعدام المرض او الإعاقة – في جميع الامور المتعلقة بالجهاز التناسلي ووظائفه وعملياته. هذا يشمل قدرة الناس على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة وقدرتهم على الإنجاب وحريتهم في تقدير الإنجاب وموعده وتوتره. ومن أجل ممارسة تلك الحرية تتطلب الصحة الإنجابية إمكانية الحصول على كل من وسائل تنظيم الأسرة وخدمات الرعاية الصحية المتصلة بها. وفيما يتجاوز تنظيم الأسرة تتسم خدمات تمكين المرأة من اجتياز مرحلة الحمل والولادة في أمان بأهمية خاصة. وكذلك البرامج التي تؤكد على الوقاية من الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي.

تمثل الخدمات تنظيمك الأسرة عنصراً أساسياً من عناصر الصحة الإنجابية، وقد أنقذت أرواح الملايين من النساء والأطفال، ووفرت الحماية لهم. ومع ذلك ما زال ما يصل إلى 600000 امرأة يلقين حتفهم مل عام نتيجة للحمل والولادة، من بينهن اللواتي يلقين حتفهن نتيجة للإجهاض الذي يجري في ظل ظروف غير مأمونة هذه الوفيات تحدث باستثناء نسبة مئوية صغيرة في البلدان النامية، حيث ما زال الحمل والولادة من بين الأسباب الرئيسة لوفيات النساء في سن الإنجاب، وحيث يزيد خطر الوفيات النفاسية بما يتراوح من 50 إلى 100 مرة عنه في البلدان المتقدمة النمو. إضافة إلى احتمال الوفاة هناك حالات من الاعتلال الصحي الذي قد ينجم عن الحمل والولادة، ومقداره 13 حالة اعتلال لكل وفاة. اما أسباب الوفيات فتعزى إلى تعسر الولادة، النزيف الرحمي، وحمى النفاس، كما يظهر في الجدول التالي:

أسباب وفيات الأمهات في العالم – منظمة الصحة العالمية، 1990
النزيف 25%
الانتان (التهابات) 15%
الضغط المرتفع في أثناء الحمل 13%
إجهاض غير مأمون 13%
ولادات متعسرة 7%
أسباب غير مباشرة 19%
أسباب مباشرة 8%

إن أنماط الإنجاب غير المأمونة – التي كثيراً ما توصف بإيجاز بأنها تلك التي تحدث في سن مبكرة للغاية وعلى فترات متقاربة للغاية،ومرات كثيرة للغاية، وتلك التي يتحدث في سن متأخرة للغاية – هي عامل هام في كل من الوفيات النفاسية ووفيات الرضع والأطفال. ويمكن بواسطة استخدام وسائل تنظيم الأسرة وإمكانية الحصول على رعاية الأمومة المأمونة للوفيات النفاسية تقريباً، وإنقاذ حياة حوالي 3 ملايين رضيع وطفل بشكل مباشر والتدابير المطلوبة في هذا المجال هي:
1- تأخير الأولى ولادة
2- المباعدة بين الولادات بمقدار سنتين على الأقل.
3- تجنب كثرة مرات الحمل
4- التوقف في الوقت المناسب

على مدى العقود الثلاثة الماضية حدث تغيير كبير في السلوك الإنجابي الفردي، فقد زاد استعمال وسائل منع الحمل من أقل من 10 في المائة من الأزواج قبل ثلاثين عاماً إلى أكثر من 55 في المائة من الأزواج حالياً، وانخفض حجم الأسرة من متوسط قدره ستة أطفال في الستينات إلى أقل من أربعة أطفال.

تشير دراسة المسح اللبناني لصحة الأم والطفل إلى تغيير واضح في هرم الأعمار بسبب هبوط معدلات الخصوبة: فالفئة العمرية 0 – 4 سنوات بلغت 9,6% والفئة العمرية 5 – 14 سنة بلغت 20,6% (أي 30,2% دون سن 14). وازدادت فئة المسنين (65 سنة وما فوق) إلى 6,7% قياساً مع أرقام دراسة القوى العاملة التي أجريت عام 1970، حيث بلغت فئة ما دون 14 سنة 40% ونسبة المسنين 5%. ولهذا التغيير في هرم الأعمار انعكاس اجتماعي واقتصادي، إذ يخفف من نسبة الإعالة على المستوى الفردي الوطني، أنة بالغ الأهمية لصانعي القرار في إدارات التربية والخدمات الصحية / الاجتماعية وأسواق العمل. اما ارتفاع نسبة المسنين إلى 207983 شخصاً حسب مسح المعطيات الإحصائية للسكان، فيجب التحسب لاحتياجاتهم الصحية مثل أمراض المفاصل، الضغط الدموي المرتفع، ضغط النظر والسمع. وبسبب الكلفة المرتفعة لرعاية وتأهيل المسنين سيزداد الضغط على الإدارات الصحية الإجتماعية لتوفير الموارد. كذلك تظهر الأرقام الفوارق بين الجنسين في الشريحة المسنة، إذ تبلغ 6,9% بين الإناث و6,4% بين الذكور دلالة على تباين معدل الحياة المراقب عند الولادة بين الجنسين. كما تظهر أرقام المسح ان نسبة الأمية بين الإناث قد انخفضت إلى 18,4% بينما كانت الأرقام المتداولة من مسوحات شتى تعطي نسبة تتجاوز 20%.

بلغت نسبة الحوامل وقت المسح 8,3% من إجمالي النساء المتزوجات وبينت النتائج ان حوالي 79% من أولئك الحوامل قد قمن بمتابعة حملهن، وأن الطبيب يقوم بتقديم خدمات الرعاية الصحية أثناء الحمل لحوالي 93% من حالات المتابعة. تتم الغالبية من حالات المتابعة في مؤسسات صحية خاصة (87,2%) مقابل 10,5% في المؤسسات الصحية العامة. اما بالنسبة إلى الحالات التي لم تتم فيها متابعة الحمل فإن حالة من بين كل ثلاث حالات ردت ذلك إلى ارتفاع التكلفة. من المعلوم ان الحوامل اللواتي يحصلن على رعاية صحية في الثلث الأول من الحمل يتميزن بإنجاب أفضل من اللواتي لا يحصلن على رعاية او رعاية منقوصة. الرعاية المثلى للحامل يجب ان تشتمل على تقدير مبكر ومتواصل للمخاطر، وعلى تعزيز الوضع الصحي وعلى تدخل طبي غذائي ونفساني / اجتماعي وعلى متابعة دورية.

رغم الهبوط في معدلات وفيات الأطفال منذ عام 195،إلا ان التقدم في هذا المجال قد خف. أمثر أسباب وفيات الأطفال تعود إلى الولادة بوزن ناقص. وهذه النسبة لم تنخفض، والمواليد بوزن ناقص معرضون للوفاة ولسلسة أخرى من الاشتراكات كالإعاقة في النمو العقلي والقدرة على التعليم والخلل السلوكي. هذه الإعاقات تسبب هدراً كبيراً في موارد العائلات. وتحد من قدرة الطفل لاحقاً على الانخراط في المجتمع. الأسباب التي تعوق التقدم في تحسين صحة الأم والطفل تعود إلى:
1- التغيير في خصائص الأم مثل تأجيل الإنجاب إلى سن متأخرة والاستعمال العشوائي لعقاقير وتكنولوجيات تزيد من احتمال ولادة توائم.

2- النسبة العالية من حالات الحمل غير المرغوب فيه او المخطط له تشير الدراسات إلى ان حوالي نصف حالات الحمل هي غير نخطط لها – فهي غير مرغوبة او توقيتها غير ملائم. الحمل غير المخطط له بنسبة أعلى من احتمال وفاة الطفل او ولادته بوزن ناقص، وعدم التخطيط للحمل إنما يحدث بسبب عدم توفر المعلومات والخدمات للأزواج الناشطين جنسياً.

3- عدم الاستفادة القصوى من مراكز الرعاية المكثفة لحديثي الولادة.
الأسباب الرئيسة لوفيات الأطفال هي التشوهات الخلقية، أمراض الجهاز التنفسي والخلل الناجم عن ولادات مبكرة. لذا يتوجب خفض المسببات الرئيسية لهذه الحالات اذا شئنا الوصول إلى الأهداف المتوخاة ولإحراز تقدم في صحة الأم والطفل يتوجب على مسؤول الرعاية الصحية وعلى الأفراد كذلك الإحاطة بجميع العوامل السلوكية التي تؤثر في نتائج الحمل. فالأزواج الراغبين بالإنجاب يجب ان تتوفر لهم المعلومات حول الإنجاب ووسائل تنظيم الأسرة وأهمية تقليص المخاطر قبل الحمل مثل التدخين، المخدرات، التردي الغذائي، التاريخ العائلي / الوراثي، المشاكل الصحية، والأمراض المزمنة.

ان تعليم الفتيات والنساء حيوي أكثر من أي استثمار آخر، لتعزيز مركزهن فضلاً عن أنه لعملية التنمية ذاتها، وتمكين المرأة – من خلال التعليم وإمكانية الوصول إلى فرص العمل والرعاية الصحية وإدخال تغييرات في النظم القانونية – من بين الأهداف المحددة في برنامج العمل الذي اعتمده المؤتمر الدولي للسكان والتنمية فالمرأة المتعلمة الموفورة الصحة أقدر على المشاركة في تنمية مجتمعها المحلي. ومن الأرجح ان تتخذ القرارات المتعلقة بالزواج والإنجاب او ان تؤثر في تلك القرارات.

كثيراً ما يبدأ التمييز بين الجنسين قبل ان تلتحق البنت بالمدرسة، فالتقاليد الراسخة الجذور التي تتمثل في تفضيل الابن يمكن ان تؤدي إلى إهمال سلبي وإيجابي على حد سواء فالبنت قد يعطى لها قدر من الطعام أقل مما يعطى لأشقائها، وتكون احتمالات عرضها على طبيب، إذا مرضت، أقل من احتمالات ذلك بالنسبة إلى أشقائها وقد تمنع من الذهاب إلى المدرسة لكي تساعد في الأعمال المنزلية وفي رعاية الأطفال. وإمكانية الحصول على التكنولوجيات الجيدة تضاعف مشكلة تفضيل الابن في بعض المجتمعات، حيث يمثل الإجهاض الانتقائي لجنس المولود مشكلة متزايدة. وكثيراً ما تواجه المرأة وهي بالغة حواجز قانونية ومؤسسية تحول دون ممارستها نشاطاً اقتصادياً خارج منزلها. من بينها القوانين والعادات التي تحرمها الحق في ان تتملك أرضاً وأن ترث عقاراً، او ان تحصل على التقدير في ميدان عملها او تترقى فيه. اما داخل المنزل فإن المرأة التي لديها أسرة تقع عليها المسؤولية الرئيسة فيما يتعلق برعاية الأطفال والأعمال المنزلية، وهي مهام كثيراً ما تؤديها بالإضافة إلى عملها في مكان آخر – سواء في المكتب او المصنع او الحقل. إن قدراً كبيراُ من العمل الذي تقوم به المرأة لا يظهر في الحسابات القومية، وفي الإحصائيات السكانية على الرغم من قيمته الإنتاجية والاجتماعية الواضحة. ومن أسباب هذا التجاهل ان أنشطة المرأة تكون عادة مركزة في الزراعة الصغيرة النطاق، وفي القطاع غير الرسمي وفي المنزل. علاوة على ذلك فإن عمل المرأة كثيراً ما يكون بلا أجر – من بينه حمل المياه وجمع الوقود وتجهيز الطعام وطهيه ورعاية الأطفال. وتعزيز دور المرأة الإنتاجي بالغ الأهمية بوجه خاص بالنسبة إلى المرأة التي يتوقف مركزها في المجتمع على قدراتها "الإنجابية" فقط وفي غياب مصادر أخرى لاكتساب مكانه تصبح قدرة المرأة على التأثير في القرارات المتعلقة بزواجها او حجم أسرتها محدودة. مرة أخرى يكون التعليم عنصراً حاسماً في تمكين المرأة ومستوى التعليم الذي تحققه المرأة يرتبط ارتباطاً شديداً بكل من انخفاض معدلات وفيات الرضع وانخفاض معدلات الخصوبة؛ بيد ان الاستثمار في المرأة لا يقتصر معناه على تزويدها بالتعليم والرعاية الصحية، فهو يعني إزالة الحواجز التي تحول دون تحقيق المرأة لإمكاناتها الكامنة، ويعني أيضاً الاعتراف بأدوارها بوصفها عضواً حيوياً وقيماً في المجتمع.

هذه هي أفكار المغيب وأفكار المفكرين العرب في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن كالشيخ محمد عبدو، وعبد الرحمن الكواكبي وقاسم أمين وغيرهم الذين أدركوا ان المجتمع لا يتقدم إلا بجناحيه، وأنه لا يمكن لامرأة جاهلة ان تربي جيلاً جديداً تربية صالحة.

source