نظرة إلى الأسرة كصانعة سلام

calendar icon 05 تشرين الثاني 1997 الكاتب:توماس شيلين

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثاني: "الاسرة واقع ومرتجى"
(كلمات الجلسة الخامسة)

توماس شيلين صحافي متأهل وأب لولدين. يقطن مع عائلته لبنان منذ شباط 1997. ولد قرب دوسلدورف ألمانيا (1958). حصل تعليمه في ثانوية كاثوليكية وفي جامعة برلين (تاريخ الفنون والصحافة). عمل في صحف أسبوعية وشهرية في ألمانيا وقضى حوالي ست سنوات في الولايات المتحد\ة (بين 1988 – 1983) حيث غالباً ما كان يحاضر في الشؤون الدولية والأوجه الإيدولوجية للنزاع بين الشرق والغرب للمنظمة التربوية كوزاً كما عمل للحوار بين الأديان. من 1988 حتى 1997 عاش مع زوجته وولديه (ولد في 1989 و1991) في ألمانيا حيث عمل توماس شيلين كمحاضر ومنسق في اتحادات السلام العالمي وكمحرر في مجلة شهرية أولا في بون ثم برلين. في أيلول 1996 اختير توماس وهرمين شيلين كممثلين للهيئة الدولية لاتحاد الأسرة للسلام والوحدة العالميين.

بيروت 12 تشرين 1997
حضرة السيدات والسادة:
أود بادئ ذي بدء ان أشكركم على الدعوة التي وجهتموها إلي للمساهمة في مؤتمركم القيم والهام حول "الأسرة: واقع ومرتجى" في أيامنا.

الأسرة هي مؤسسة عالمية فهي إلى جانب مؤسسة الإيمان تشكل المؤسسة الإنسانية العالمية الوحيدة. الإيمان والأسرة هما الصفتان الأصليتان للحياة الإنسانية، بينما تعتبر الأشكال المتنوعة للحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية تشعبات لهاتين الصفتين الأصليتين.

لذا أهنئكم على اختيار هاتين الميزتين الهامتين في الحياة، موضوع المؤتمرين السنويين الأولين لمؤسسة الإمام الصدر. أود ان أشكركم على دعوتي مع أنني سوف أتوجه إليكم اليوم بلغة غير اللغة العربية. فالمعلومات القليلة التي قرأتها وعلمتها، قبل مجيئي إلى لبنان في شباط من هذا العام وبعده، عن الإمام موسى الصدر كافية لتعطيني الانطباع بأنه رجل سابق لعصره، رجل سلام داخلي ومبادئ ورؤية.

يشكل مستقبل الأسرة موضوع اهتمام عالمي غي أيامنا هذه مع المشاكل والتحديات التي يشعر بها لبنان ايضاً, وآمل ان أقدم مساهمة في نقاشكم الهام على أساس العمل والمفهوم للمنظمة التي أمثلها، أي اتحاد الأسرة الدولي للسلام العالمي.

لموضوع هذا المؤتمر وجهان وقد سئلت مناقشته انطلاقاً من تجربتي الخاصة. سأحاول ان أعالج الموضوع في ثلاثة أوجه:
1- الظروف التي تواجهها الأسر حالياً.
2- ما يراه اتحاد الأسرة كمبادئ لوجود الأسرة.
3- مرتجى الأسر الذي يشكل عنوان مؤتمركم.

عندما ننظر إلى واقعه الإسلام اليوم، أول جواب مباشر ومخيف يحضرنا هو ان الأسرة محاصرة. خلال السنوات الخمسين الماضية شهد العالم تفكك الأسر.

يبدو ان أي بلد واي ثقافة لا يخلوان من عوارض انحلال الأسرة. ففي إفريقيا عاش الكثير من الرجال حياة مجزأة بين منازلهم في القرية والمدينة، فحافظوا على أسرة هنا وأقاموا علاقة مع امرأة أخرى هناك. أصبح مرض الإيدز يشكل تهديداً كبيراً في بلدان أفريقية كثيرة بسبب ممارسات كهذه.

في الشرق الأقصى أدت الأولويات المتبدلة، وتأثير عقيدة المتعية (hedonism) السائدة في القرن العشرين إلى تغيير النسيج الاجتماعي وزعزعة الثقافات المتجذرة والبحث عن المعاني.
وفي أوروبا، يتوقع العلماء بأن الفردية المفردة التي تؤدي إلى عزلة الإنسان، وإلى هبوط معدلات الولادات إلى دون الواحد في دول كإيطاليا وألمانيا قد تسبب في فناء الثقافات الوطنية في غضون السنوات الأربعين المقبلة. وفي الولايات المتحدة يعتبر جيل بأكمله من الذين ولدوا في الستينات والسبعينات "جيل فراغ" جيلاً ضائعاً في الشك ويتخبط في فراغ روحي.

إن شرعنا في تحليل وضع الأسرة في نهاية القرن العشرين لما انتهينا من تفصيل لائحة الصعوبات هذه، غير ان العنصر الأكثر إزعاجا في مسالة تفكك الأسرة وانعدام القيم، هو أنها مشكلة تواكب الأجيال، متفاقمة جيلاً بعد جيل. وعلى غرار المرض الذي تظهر عوراضه بعد فترة طويلة من الحضانة يخلف دمار وحدة الأسرة وقعاً أكبر على الجيل الثاني الذي يرثه أكثر منه على جيل الأهل الذي تسبب به.

يواجه الشباب في العالم خطر الغوص في التفاهة عبر الأنانية والوحدة والحرية الجنسية والمخدرات.

من طبيعة الأسرة ان تهتم بالجيل الصاعد أي بالأطفال. وفي لبنان ايضاً يبدو لي ان المشاكل التي تواجهها الطوائف المتنوعة هي التي تؤدي إلى مشاكل السباب في البلاد.

وصفت لي المشاكل في المجتمع اللبناني ب~أنها تتراوح من الضياع الأخلاقي إلى صعوبة توفير ليس فقط معدل جيد من الثقافة بل أيضاً معدل جيد من التربية الداخلية وهو أمر أكثر إلحاحا. ويزيد من تعقيد هذا الوضع كافة التعليم الباهظة في أيامنا هذه، والتأثير للتلفزيون والتيارات العالمية.

تتضمن هذه المشاكل ايضاً مأساة الأسر التي لا تستطيع تربية أولادها في ظل الهيكلية المستقرة لبلداتها، والأسر التي خطف أربابها او قتلوا من جراء احتلال الجنوب، والأسر المهددة في حياتها اليومية بحقول الألغام والعبوات الناسفة المزروعة على جوانب الطرقات، والأيتام والأولاد الذين يعيشون في الشوارع.

ولا يسعنا التغاضي عن ذكر سنوات المعاناة والحرب الـ16 عندما نناقش مشاكل الشباب اليوم في لبنان. يجب ان نتطرق إلى انعدام القيادة الروحية والاجتماعية ذات المصداقية وانعدام الأخلاقية في وسائل الإعلام وغياب الهياكل الموجهة للأسرة وفقدان السلام في الألم.

اما في طريقة معالجة هذه المشاكل فأرى ان شعب لبنان يملك كل ما يلزم للنجاح في المهمة بفضل التدبير الإلهي وإرادة إيجا\ الحلول. ويبدو جلياً للمراقب ان الشعب اللبناني والنساء بشكل خاص قد برهن عن عزم كبير وقوة مذهلة في محاربة الشر المتمثل في قوى الحرب الظالمة. واسمحوا لي ان أعطي مثلاً واحداً على هذا العزم باقتباس من الكاتبة اللبنانية المعاصرة إميلي نصر الله.

في إحدى روايتاها، تطرقت إميلي إلى تجربة الحرب فقالت"سوف أدعي أنني أسلك طريقي الطبيعي بين الناس الذين لم يفقدوا كل مشاعرهم او جوهر كيانهم؛ بين الناس الذين لم يتخلوا عن الإنسانية ولم يفقدوا الأمل بعد بلوغها.

وصفت الحرب بـ"كابوس الشتاء". وتحدثت عن "أشخاص مسالمين ومحبين" واصفة بذلك مواطني البنان الحقيقيين حسب رأيي بل أيضاً الكيان الحقيقي لكل انسان خلقه الله على وجه البسيطة.

اما عن عصرنا الحالي فقالت في روايتها (بعنوان أدعي) "إعلم هذا الأمر يا حبي، اعلم ان في عصرنا هذا الذي يفتقر إلى الإيمان بالله في هذا الربع الأخير من القرن المشؤوم وعلى عتبة قرن جيد، في هذا القرن من الحرمان العنف والانحطاط سأتحول إلى مؤمن. رغم كل من نراه ولا نراه وكل ما نسمعه، ورغم كل الألم وكل المعاناة ما زال هناك مكان للمعجزات، اذا ما تُبت".

عصرنا هذا الذي أطلقت عليه صفة عصر الإيديولوجيات والتوتاليتارية،عصر الحروب الكبرى والدمار التي لم يشهد لها العالم مثيلاًُ من قبل. هذا العصر شهد أيضاً محطة تاريخية في البحث عن الذات الإنسانية وعن حقوق المرأة والطفل وصراعاً للسلام وحرية الإنسان أكثر من أي وقت مضى.

غير ان البشرية لن تنجح في البحث عن السلام وحرية الإنسان، ولن نتمكن ليضلً من استكمال بحثنا عن الفرد الناضج والحر ما لم ندرس ونفهم الأسرة كما يجب ان تعيش وفق إرادة الله.

من أجل تحقيق ذلك، علينا ان ننظر إلى ما وراء حدود تفكيرنا وتقاليدناـ، لانه حسب اعتقادي فإن الأسرة التي نبحث عنها الأسرة المبنية على الحب المتبادل بين الزوجين وبين الأهل والأولاد والأخوة ليست شيئاً من الماضي بل رؤية للمستقبل.

يتأثر الناس في العالم بمحيطهم وثقافتهم ومجتمعهم. ويختار عدد أقل من الناس كلمات يريدون ان يتأثروا بها موجهين حياتهم إلى خطوط مرتكزة على حكمة الدين وكنوز الشعر والفلسفة، بغض النظر عن الرأي السائد في عصرهم وعمرهم مما يسمى الزيتغاريست Zeitgeist في لغتي الأم الألمانية.

وقلائل هم الذين يتجاوزون كل التأثيرات الأخرى فيصغون إلى صوت الله، صوتا ضميرهم، صوت الحق والحب والسماح، والذين هم مستعدون وقادرون على تجاوز الزمن والتقاليد ليعيشوا حسب مبادئ هذا الصوت الداخلي.

تخطى هؤلاء الناس زمنهم، وغالباً ما نجد بعد\ سنوات تفهماً لعظمتهم وحقيقتهم. وغالباً ما يرفض هؤلاء ويضطهدون بما لأنهم لا يناسبون معاصريهم.

وارى ان الإمام الصدر هو من هؤلاء الأشخاص في أهدافه الرامية إلى تنمية المرأة، والتطور لتحقيق انسجام بين الأديان، وتنمية من اجل مجتمع سلام مرتكز على المواطنين في لبنان كحماة هذا البلد. كما أنتي أثق بأن مؤسسي اتحاد الأسرة للسلام والوحدة العالميين الدكتور والسيدة مون هما من الذين تخطوا عصرهم ويعملون بدون هوادة على اللحاق بصوت الله، صوت الضمير. بما أنهما اعتبرا هدف عملهم الذي يستغرق حياة كاملة هو تعزيز الأسر كموطن لحضور الله وفرحه، أود ان ارجع باختصار إلى تعاليمهما الخاصة بدور وطبيعة الأسرة.

ترتكز الحضارة الغربية على الفردية. ولكن علام يمكن ان ترتكز الفردية\؟ في الواقع لا يمكن ان يدعي المرء بأن شيئاً ما هو "ملكه وحده". عندما ينمو طفل عبر حب والديه ليتحول من بيضة في رحم أمه ويولد، يعتبر 99,999 في المئة من وجوده جزءاً من لحم أمه ودمها يمتزج بـ 0,001 بالمئة من لحم ودم الأب. فلا وجود لمفهوم "أنا لوحدي" في الطبيعة.

"ان الذين يدعون أنهم الأفضل لا يمكنهم ان يقولوا أنهم أصبحوا كذلك بأنفسهم. علينا ان نعترف ان الأجزاء الأهم من جسدنا انما هي امتداد لحسد والدتنا. فكل العناصر الأساسية في جسدنا كانت موجودة في البويضة الحيوان المنوي. وليس هناك من استثناء لذلك لا أساس للفردية المرتكزة على الذات.

"لم خلق الإنسان. عادة يقول الرجال ان بوسعهم العيش لوحدهم لذلك لا يكترثون لم خلقوا. لكن الرجل خلق من اجل المرأة ومن دون المرأة، لا حاجة إطلاقاً للرجل. بالحقيقة لا شيء خلق من أجل الرجل لوحده لو للمرأة لوحدها.

"للنظر إلى حواسنا الخمس. هل خلقت عيناي لأنظر إلى عيني؟ الأنف والأذن والفم واليدان – كلها خلقت من اجل ان تستعمل كأداة. ان القوة التي تعبئ الحواس الخمس وتحشدها هي الحب الحقيقي، الحب المطلق والفريد والأبدي غير المتغير الذي منحه الله للإنسان، والذي يتوقع الله من الناس ان يحققوه. ان العينين والأنف والأذن والفم واليدين خلقت كأداة لاستعمال الحب الحقيقي.

"لا يخلق شيء لي لوحدي، بل من يدعي ان ما يملكه الآخرون هو له يعتبر سارقاً. خلق الرجل والمرأة من أجي إيجاد الحب. وليس من يملك الحب هو الرجل او المرأة، لا مالك الحب هو الله.
"ما هو الزواج؟ لماذا يعتبر الزواج هاماً؟ والزواج هام لأنه طريق لإيجاد الحب. إنه الطريق لخلق الحياة. إنه الطريق الذي يتحد فيه الرجل والمرأة. ينشأ التاريخ من الزواج، ومن الزواج تظهر الأمم ويبدأ العالم المثالي. بدون الزواج لا معنى لوجود الأفراد والأمم والعالم المثالي".

يريد الرجل والمرأة من خلال الزواج التوصل إلى الوحدة وبناء أسرة صالحة. لتحقيق ذلك يجب ان يصبح الزوج والزوجة شخصاً واحداً. بوحدتهما واتحادهما بالخالق تولد الأسرة.

ان الأسرة الصالحة تضع حجر الزاوية على طريق السلام العالمي حسب الدكتور مون لمناسبة تأسيس الاتحاد الدولي للأسرة في واشنطن في العام الماضي. يرتكز اتحاد الأسرة على روح تكريس حياته للسلام العالمي وللعائلات المرتكزة على الله. حضر افتتاح الاتحاد حوالي 1000 شخصية من العالم من بينهم رؤساء وزارة سابقين، وكان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أحد المتكلمين في المناسبة إذ قال: انه اكتشف في حياته ان ما يحصل في العائلة هو أكثر أهمية مما يحصل في البيت الأبيض، وان والإيمان والأسرة والأصدقاء هم ركائز الحياة السعيدة. وشاركت في هذا المؤتمر شخصيات من أوروبا وأفريقيا وآسيا واوقيانيا والشرق الأوسط بما في ذلك لبنان.

حضرة السيدات والسادة. في إطار تقديرنا للأسرة قد لا ننسى ان الأسرة يمكن ان تدمر ايضاً الطريق إلى السلام العالمي كما يرى مؤسسو اتحاد الأسرة. قد يتحول ولائي لعائلتي وحتى وطنيتي إلى "عقائدية" و"أنانية عائلية" كما سبق ان قرأت في إحدى كلمات الإمام الصدر.

ليست الأسرة مجرد وحدة بحد ذاتها، فهي عليها ان تحترم فردية أعضائها، وتساهم في الوحدات الأكبر في الأمة والأسرة العالمية للإنسان. بالتالي، تعتبر العلاقة بيني وبين عائلتي وأمتي والعالم دقيقة.

ومن أقوال الإمام الصدر ايضاً ان الإنسان بحاجاته وقدراته يجب ان يكون متجانساً مع المجتمع الذي يعيش فيها "لذا آمل ان نعتبر ان تناضل من اجل أمة صالحة وعالم صالح.

يدعو اتحاد الأسرة العائلة "مدرسة الحب" ويعتبر ان الأهل الجديرين يعلمون أولادهم ممارسة التقوى البنيوية في الأسرة وسلوك طريق المواطن الصالح في خدمة الأمة تجاوز لأمتهم باستكمال درب القديسين في خدمة العالم. ثم يعلم الأهل أولادهم التضحية بالعالم من اجل الجنة والدنيا والتضحية بالجنة والدينا لبلوغ الله.

ان الأسر التي تنتهج هذه المبادئ ستؤسس أمة صالحة، والأمم التي تحوي أسراً كهذه ستؤسس عالماً صالحاً. لذا يجب ان نعلم ان الأمة الصالحة بدستورها ومؤسساتها هي فارغة من دون أسر صالحة، وكذلك ان الأسرة الصالحة لا تساوي شيئاً ان لم تشكل جزءاً ناشطاً من الأمة المسالمة. على الأسرة ان تساهم في بناء أمة صالحة، وتدعم سلامة الأمة واحترامهم كل الفئات التي تشكل الأمة في تكريسها المشترك لمبادئها.

في ختام هذه المفاهيم والملاحظات يمكن القول ان مستقبل الأسرة لامع، وأننا نحن البشر على عتبة حقبة الأسرة.

تحتاج الأسرة طبعاً بصفتها الوحدة الاجتماعية الصغرى، والكتلة الطبيعية لبناء الأمة، إلى اعتراف الدولة ومؤسساتها ودعمها. فيمنا تدعي الدولة حقوق الأفراد على السواء، واحترام دور المرأة القيادي بالتساوي مع الرجل، وتوفير الحماية للأولاد، والمجال لتطوير طاقاتهم، تتحمل الدولة أيضاً مسؤولية الاعتراف بالأسرة، وتوفر إطاراً مناسباً لتلبية الحاجات الخاصة للأسر.

ان الأمم التي تنتهج هذا المبادئ، سوف تنعم بالازدهار. في ما يتعلق بلبنان أضيف ان هذا البلد هو مجتمع موجة للأسرة، اذ ان أوجها كثيرة للبنية الأسرية مترسخة في نسيج هذا البلد؟ بفضل التوازن الملائم ودمج الحقوق الفردية الأسرية والتنمية القومية يمكنني ان أؤكد ان لبنان سينعم بمستقبل زاهر كأمة سيدة.

تجاوز عصر الفردية المفرطة للأمم المتطورة ذروته مع الجيلين الثاني والثلاث، اللذين تربيا في ظل تيارات فردانية، ويسعيان الآن إلى بنية جديدة مرتكزة على العلاقات الاجتماعية. لن تستطيع هذه البنية ان ترتكز على أي شيء غير المؤسسة العالمية للأسرة. وبرزت في العالم الغربي حركات تستكشف وتطور في الوقت ذاته مفهوم العلاقة الأسرية لتحوله إلى نموذج ملائم للعالم.

تماما، كموجة تجاوز رأسها نقطة ما، فيما ما زالت تقترب من نقاط أبعد، كذلك تبدو موجة الفردية تتقدم صوب مناطق أخرى في العالم، فيما بدأت تتراجع في مناطق أخرى، ولو لم يبدو ذلك جلياً للجميع. لذلك نرى ان تأثيرات النزعة الفردية قد تنمو في بلدان يميل فيها الأفراد إلى اتباع مثل هذه الموجات من الموضة التي تروج لها بعض الجهات في وسائل الإعلام والمسرح الثقافي وبعض القنوات التجارية.

يهدف إتحاد الأسرة في العالم إلى تعزيز ومستقبل المجتمعات السليمة ضمن الحدود الثقافية او الدينية. في عمل عظيم لتعزيز الأسرة، سيدعو الاتحاد هذا العالم وقبل العام 2000 في العالم أسره إلى التماس بركة الله للعائلات كلها التي تسعى إلى اعتناق قيم الاحترام والإخلاص والحب المطلق داخل الأسرة، وتعد بإنشاء عالم سلام لأطفالنا. في الشهر المقبل سيشارك أكثر من 3,6 مليون زوج في احتفال هذا الالتزام. ويتوقع تنظيم لقاءات أخرى من هذا النوع للسنوات المقبلة، وتتوق الأسر في العالم بأسره إلى المشاركة فيها.

ترون لماذا أنا مقتنع بان مؤسسة الأسرة انطلاقا من الحاجة إلى التقدم التاريخي وبإرادة الله تعالى سوف تزدهر في مستقبل مفعم بالتطلعات العميقة، ونشهد جميعاً ان الأسر سوف تحتل مكانتها كصانعة لصورة العالم السلمي بفضل خطوات عملية كثيرة.

source