مشكلات الأسرة في مجتمعنا وسبل المعالجة بين فكر الإمام الصدر ومناهج التعليم الجديدة

calendar icon 05 تشرين الثاني 1997 الكاتب:محمد كاظم مكي

مؤتمر "كلمة سواء" الثاني: الأسرة واقع ومرتجى
(كلمات الجلسة السادسة)

في العودة إلى بعض النصوص التي تناول بها الإمام السيد موسى الصدر مشكلات الأسرة في مجتمعنا الحاضر يطالعنا التالي للإمام:
«أولادنا ليسوا صالحين، صحتهم ليست جيدة، وعيهم الاجتماعي غير كامل...» بهذه الجمل الثلاث يختصر الإمام الصدر مشكلات الأسرة، ويختصر فلسفة الأسرة اللبنانية وينقل الإمام ما يردده الناس عن أسباب مشكلات الأسرة كما يراها بعض الآباء، فيعزونها إلى الأمهات اللواتي لا يحسن تربية الأولاد والى المدرسة المقصّرة، والبيئة الفاسدة.

غير ان الإمام يناقش الرأي السائد، من خلال مناقشته ربّ العائلة قائلاً: نجده – أي الأب – لا يسأل نفسه عن مدى تقصيره شخصياً ... ويتابع الإمام ... متوجهاً للأب.

حاسب نفسك اولاً، إن الكثير من المشاكل والصعوبات ناتجة من تصرفاتي، أنا الذي أسست البيت... وأنا الذي لا أخصص وقتاً لتربية أولادي.... كثيرون كما لا يوجهون السؤال لأنفسهم، ولا يتساءلون من واجباتهم تجاه أولادهم.

لكن الإمام وإن وضع الأب أمام مسؤولياته فأنه يعتبر أن هناك أربعة عوامل نسهم في تربية الأولاد: الأم، الأب، المدرسة، البيئة... (ولا بد من وجود هذه العوامل بشكل يكون مهيئاً لصلاح الأولاد).

وإذ يجعل الإمام الصدر الأب في رأس قائمة المسؤولية عن تربية الأسرة الصالحة كونه مسؤولاً عن كامل الأسرة، فهو ربها وبالتالي فهو المسؤول عن الزوجة، وهو والزوجة مسؤولان عن الأبناء، وبالتالي فإن الأسرة الصالحة حصيلة قيام كل من الأبوين بدوريهما، وتكامل هذين الدورين في تنشئة الأسرة.

لكن الإمام يستدرك مخاطباً الأبوين بقوله: « يجب أن لا نبالغ في حق أنفسنا فنتولى نحن الذين صنعنا أبناءنا» وكأن الإمام يشير إلى دور البيئة الاجتماعية، كما يشير إلى دور المدرسة في تنشئة الأسرة.
إن نظرية الإمام الصدر في تربية الأسرة نستمد مضامينها من الفكر الديني، ومن الواقع الاجتماعي، مصدري نهج الإمام الأسري

فكيف يتطلع الفكر الديني إلى الأسرة، وكيف الواقع الاجتماعي والمدرسة من خلال مناهج التعليم إلى الأسرة، وبطريقة غير مباشرة إلى معالجة المشكلات الأسرية، بالتربية الأسرية الصالحة.

في نظر الإسلام الأسرة تعبر عن وحدة الخلق ووحدة الأصل في المجتمع، كما تعبّر عن وحدة المخلوقين، أي الفروع أي الأبناء والأحفاد وذوي الأرحام... وهذا ما جاء في الآية الكريمة:
﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة، وخلق منها وزوجها، وبثّ منها رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به الأرحام، وأن الله كان عليكم رقيباً﴾ (النساء الآية 1) والنفس الواحدة في الآية تعنى آدم، ومنها خلقت أمنا حواء وتبين كيفية التولد منهما (عبد الله شُبّر: تفسير القرآن الكريم، ط2، 1966، ص 107) والأسرة في نظر الإسلام مهد المودة، التراحم بين أفرادها من خلال الأمومة والأبوة والأخوة. فالقاعدة الأساسية هي التالية:
﴿وأولوا الأرحام بعضهم أولى بعض في كتاب الله﴾ (الأنفال، الآية 75).

والعلاقة بين أفراد الأسرة بشخصية تتمثل بالمودة، ومادية تتمثل بوجوب النفقة على الزوجة والأولاد، ومدنية من خلال تعداد المحارم الذين يحرم الزواج منهم: كالآباء وأبناء الأزواج والأخوة والأخوات وأبنائهم...

وعلى الوالدين تجاه أبنائهم مسؤوليات منها المساواة بين الأبناء والعدالة بينهم، والإحسان: ﴿وقضى ربك الا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً﴾ (البقرة، الآية 233).

وتتشابه مواقف الإسلام من الأسرة مع مواقف المسيحية منها، وكما شددّ الإسلام على العلاقة بين الزوجين في مجالي الإنفاق وحسن التعامل ﴿الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، ربما أنفقوا من أموالهم﴾ (النساء الآية 34) فقد\ جاء في الإنجيل ان الزوجين لا يكونان اثنين إذ هما، «جسد واحد فمات جمعه الله لا يفرقه الإنسان» متى 19، 1-12، مرقس 10، 1-2 ودعت المسيحية النساء إلى محبة الرجال وطاعتهم «وأن من أحب امرأته ـحبّ نفسه، ولتوقّر المرأة زوجها» (رسالة بولس 5: 10-16).

وتضمنت المسيحية كما الإسلام دعوة الأبناء إلى طاعة الآباء «أطيعوا والديكم... أكرم أبالك وأمك، لتنال السعادة... وأنتم أيها ألآباء لا تغيضوا أبناءكم، بل ربوهم بتأديب الربّ ونصحه» (رسالة بولس الرسول إلى أنسس 5: 21-33، 6: 1-4).

هكذا نظرت الأديان للأسرة أبوين وأولاداً، حيث تتكامل الأسرة بالمحبة وبالمسؤولية المشتركة بين الأبوين او اعتمادهما المساواة والعدل بين الأبناء ونشأة الأبناء على الشعور بالمساواة فيما بينهم بالحقوق وبالواجبات وعلى طاعتهم وإكرامهم لأهلهم.

إن قلق الإمام الصدر على الأسرة اللبنانية، دعاه إلى معالجة مشكلات الأسرة الحاضرة من خلال ثقافة المجتمع اللبناني التي تستند إلى تراث الأديان، تراث المسيحية والإسلام، والتراث الثقافي الشامل للمجتمع اللبناني.

إلا ان هذا القلق من القادة الروحيين على مستقبل الأسرة اللبنانية يقابله اهتمام الدولة بالتربية الأسرية، من خلال مشروع مشترك موحّد وموحّد هو مناهج التعليم التي تعتبر القاسم المشترك لهموم الدولة ولاهتمامات المواطنين.

ولذلك نتساءل؟
ماذا أجمعت مناهج التعليم الجديدة عن الأسرة، وكيف أجمعت الأسرة كم موضع الدولة، بعد ان كانت هم المفكرين والقادة الاجتماعيين؟

ومما يلفت النظر في المناهج الجديدة للتعليم العام من قبل الجامعي والتي صدرت بالمرسوم رقم 10227 تاريخ 8/5/1997 ان موضوع الأسرة قد شغل حيّزاً كبيراً من هذه المناهج في أكثر من مادة تعليمية، وفي أكثر من مرحلة، ففي مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية:
ورد موضوع الأسرة في ست سنوات منهجية من أصل إثنتي عشرة سنة منهجية حيث خصص للمرحلة الابتدائية أربعة محاور بموضوع الأسرة توزعت على أربع سنوات نظراً قرب أعمار الأطفال في هذه المرحلة الابتدائية من الحياة الأسرية واندماجهم فيها.

وقد بلغ عدد الساعات المخصصة لموضوع الأسرة في مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية (30) ساعة من أصل 360 ساعة مخصصة لهذه المادة أي 12/1 من مجموع الوقت المخصص لها طوال مرحلة التعليم ما قبل الجامعي، أي ما يعادل منهج سنة واحدة من أصل اثنتي عشرة سنة، مما يوضح الحجم المادي المعبر عن الاهتمام التربوي بهذا الموضوع في تنشئة المتعلم على الحياة السليمة، والوطنية الصادقة، من خلال موضوع الأسرة.

 ففي الصف الأول الابتدائي خصص (5) ساعات لمحور يتعلق بحياة الأسرة لجهة تكوينها وتعامل أفرا\ها فيما بينهم في إطار العاطفية وفي حدود المسؤولية المنزلية المشتركة.

 في الصف الثاني الابتدائي خصص (6) ساعات لمحور الأسرة ومحيطها جيراناً ومدرسة وحياً في إطار علاقات الصداقة والمعرفة وإنجاز المشاريع المشتركة.

 وفي الصف الرابع الابتدائي خصص (5) ساعات للعيش في الأسرة وفق قاعدة المساواة وتوزع الأدوار لتأمين مصالح الأسرة والتمرس بمبادئ التفاهم والمودة والتعاون لاتخاذ القرارات الأسرية.
 وفي الصف الخامس الابتدائي أفردت (6) ساعات للتوعية على الحياة الاقتصادية في الأسرة في إطار الموازنة بين الواردات والنفقات واعتبار المحافظة على المنزل ومحتوياته جزءاً من اقتصاد الأسرة.

 اما في المرحلة المتوسطة فقد خصص للسنة الثانية (4) ساعات لمعالجة محور العلاقات الأسرية في إطار موقع الأسرة في المجتمع الحديث وتفاعلها مع محيطها الاجتماعي.
 واحتفظ للمرحلة الثانوية بمحور تنظيم الأسرة لمعالجته ضمن (4) ساعات في السنة الثانوية الأولى في إطار حجم الأسرة ومواردها ومسكنها وميزانيتها وقراراتها وتنظيمها في هذا العالم المتغير!

هذا وقد شغلت الأسرة حيزاً من مناهج مرحلة الروضة، حيث خصص للروضة الأولى لمحور الثالث بعنوان: البيت والأسرة، اما في الروضة الثانية فقد عولج موضوع الأسرة في المحور الثاني.

 اما في مادة اللغة العربية، فقد لحظ للأسرة مكان في المحادثة والقراءة في الحلقة الأولى من المرحلة الابتدائية – وفي السنة الأولى بالذات بموضوع: المتعلم وعائلته، وفي السنة الثانية بموضوع عائلتي تستقبل العيد.

 اما في مادة الاجتماع والاقتصاد فقد عولج موضوع العائلة والأسرة في منهج السنة الأولى الثانوية، كما عولج موضوع مؤسسة الزواج والأسرة في نهج السنة الثانية الثانوية من فرع العلوم.

 اما في مادة الجغرافيا، فقد جرى الكلام على الأسرة في حدود موضوع البيت في السنة الأولى الابتدائية، فيما عولج موضوع الأسرة مباشرة في مناهج السنة الثانية الابتدائية؛ اما في نهج السنة السابعة (الأولى المتوسطة) فقد عولج موضوع الاستهلاك المنزلي، وميزانية المنزل.
وهكذا نلاحظ ان موضوع الأسرة يشغل حيزاً كبيراً من المضمون المعرفي لمناهج التعليم في أكثر من مادة وفي أكثر من سنة منهجية ولكن هل يمكن لهذه المناهج ان تحقيق تربية أسرية سليمة، تؤدي إلى بناء مجتمع قديم.

الواقع ان تنشئة الأسرية مكان همّ الأبوين وهمّ المؤسسات الدينية والاجتماعية وهمّ رجال الفكر. وكانت المدرسة تقدم المضمون المعرفي الوصفي والوعظي عن الأسرة او كان الأطفال والأولاد موضوع اهتمام الأهل يتلقون الحماية والرعاية غير أنهم لم يكونوا ليمارسوا حالة الوعي لمفهوم الأسرة، ولم يكونوا يمارسون حقوقهم من الأسرة وواجباتهم حيالهما ولم يعرفوا معنى توزع الأدوار لتأمين مصالح الأسرة والتمرس بمبادئ التعاون والمودة واتخاذ القرارات الأسرية الناجمة.لقد كان الأبناء يتلقون الرعاية من الأهل، ومع المناهج الجديدة أصبح الأبناء يشاركون في بناء المفاهيم الأسرية، ويتمرسون بالسلوك الأسري السليم القائم على التوازن بين التمتع بالحقوق في إطار الأسرة وأداء الواجبات صيانة للأسرة. كما رغبت المناهج الجديدة والنفقات، كما شجعت هذه المناهج الأبناء على ممارسة الديمقراطية في اتخاذ القرارات المشتركة التي تهم الأسرة في سبل تنظيم حياتها، وتحقق تماسكها بدخول الشعور بالمساهمة بالبناء والمساهمة بالتطوير في هذا العالم المتغير.

ان الصرخة التي أطلقها الإمام الصدر لصيانة الأسرة اللبنانية، وجدت فعلها في مناهج التعليم الجديدة... وهذا ما يجعلنا نتساءل لو كان الإمام الصدر بيننا هل كانت استرضى طموحه مضامين موضوع الأسرة في مناهج التعليم، إنني أتوقع أن يرضى... وأن يرضيه ذلك والسلام عليكم ورحمة اله وبركاته.

source