الإمام علي (ع) والقيادة الحركية

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 01 تموز 1977 الكاتب:موسى الصدر

في أجواء ذكرى ولادة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الثالث عشر من شهر رجب يتحدث الإمام الصدر عن شخصية أمير المؤمنين وما يميزها من سِمات تجعلها أهلًا للقيادة الإنسانية الدافعة إلى التحرّك. المولد محطة تأمّل وتفكّر في أحوالنا، وهذا ما يحرّك الإمام الصدر للاستفادة من هذه المواسم لقراءتها والاستعبار:

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، 1 تموز 1977.
بسم الله الرحمن الرحيم

طبعًا اليوم مولد الإمام، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والإمام هو في الواقع، إمام المؤمنين من المسلمين، وبنفس الوقت إمام المحرومين المتحركين غير المستسلمين، لأن المحروم، إما أن يستسلم لحرمانه، وإما أن يتحرك. المحروم المتحرك، لا شكّ أن علي بن أبي طالب إمامه، يعني نموذجًا وقائدًا له. نحن في هذا اليوم نتفاءل وندرس سيرة الإمام كبحث ثقافي، ونعتبره فصلًا جديدًا لحركتنا. ولذلك، أحبّ أن أبلغ الإخوان بعض القرارات التنظيمية:
أولًا، في النظام الجديد عندنا بضع لجان مركزية، هذه اللجان المركزية من الأسبوع القادم ستجتمع في هذا المكان: يعني لجنة الإعلام المركزية، لجنة المال المركزية، هكذا الخدمات... المسؤولون في لجان الأقاليم يجتمعون مع بعض، وطبعًا سأحاول أن ألتقي بالإخوان بالنسبة لبعض الشؤون المشتركة.
ثانيًا، نحن كنّا نفكر، أنه عندما نترك للإخوان أن يلتقوا يوم الجمعة، نحاول أن نتخطى طبقية لجان الأقاليم. يعني كانوا يقولون إن لجان الأقاليم تلتقي مع القيادات، مع القيادة، مع اللجان المركزية، ولا توصل صوتنا، أو لا تُسمعنا ما تسمع؛ فقلنا يوم الجمعة: بضع ساعات للشؤون الحركية: شخص حركي أو مجموعة حركية، كلجان المناطق والقطاعات، والبلدان، ترغب في عرض قضية تعتقد أن لجنة الإقليم مقصرة فيها؛ تصل فورًا. عمليًا، صارت في الواقع لقاءات خاصة، ولذلك، أنا أتمنى على الإخوان الحركيين، بالنسبة لمسائلهم الخاصة؛ ولا شكّ أنا كأخٍ لهم وكمسؤول أساسًا، ملزم في هذه القضايا يتكرمون بتسجيل أي مشكلة عندهم فيعطوني هنا فورًا. وأنا أؤكد لهم أنه لا ولن يقرأ أحد هذه الرسالة غيري. أنا ليس عندي سكرتارية تطلع على رسائلي، إطلاقًا! أبدًا! كل الرسائل أنا أفتحها، وأنا أجيب عنها، إلا الرسائل العامة... وهكذا الشؤون الحركية أيضًا، تكتب كتقارير. وإذا لا يريدون عن طريق لجنة القطاع، ولجنة الإقليم، فمن الممكن أن تصلني هذه التقارير مباشرةً. أتمنى أن لقاءنا مع عناصر الحركة، يخدم التنظيم فقط، والتنظيم هو الهدف، وهو العلاج لهذه المشاكل، وللمشاكل التي هي أكبر منها أيضًا.
ثالثًا، الدروس التي قُدِّمَتْ حتى الآن، والمجموعات أمامي كلها، هذه الدروس أُخِذت من بعض محاضراتي ومن مصادر أخرى، أسميناها التراث: الكتب الإسلامية المتطورة، والأفكار الإسلامية المتطورة، والأفكار الاجتماعية المتطورة المؤمنة؛ وبكلمة، الأفكار التي تنسجم مع أفكار الحركة وميثاق الحركة. شباب المجالس الثقافية أو المسؤولين الثقافيين، جزاهم الله خيرًا، تعبوا واستخرجوا ووضعوا حوالي 40 درسًا، حيث الآن تُعطى بعض هذه الدروس في الخلايا وفي الاجتماعات. طبعًا آن الأوان لأن نعتمد دروسًا ثابتة. ومن الأسبوع القادم بإذن الله، على ضوء ما كتبه الشباب سأقدم كل أسبوع درسين. قد يحتاج الدرس إلى أن تكون المحاضرة حوله وقد لا يحتاج. من باب المثل، عندنا الدرس الأول والثاني: نشأة الحركة، كيف تكونت حركة المحرومين في نبذة تاريخية، قديمة وجديدة. ثم بعد التكوين كيف تحولت إلى التنظيم، من هي الحركات المشابهة الحليفة داخل لبنان، داخل العالم العربي والعالم، المنطلقات المشابهة، والمراحل والتطورات يعني النشأة.
طبعًا، هذه نبذة تاريخية ليست بحاجة إلى درس، مجرد ما قدمنا للشباب قراءة هذه الدروس، والشباب كوادر طبعًا يقدرون [أن] يستوعبوها بدون تعب، ولا لزوم أنا أحكي أيضًا، وأحيانًا هناك دروس بحاجة إلى تعميق وبحث.
من جملة الدروس المحتاجة إلى التعميق والبحث، في الواقع، مثلًا قضية الإيمان بالمفهوم العملي لا بالمفهوم التجريدي، مع أنه بُذل جُهد كثير مشكور في هذا السبيل، أو ضرورة التنظيم وأهمية التنظيم، أو الثورية، وأمثال ذلك من الأمور التي تبدو في منتهى البساطة؛ ولكن، عندما نريد أن نجعل منها أهدافًا ونؤمن بها، لا بدّ من مزيد من التركيز والاهتمام. إذًا، نحن بإذن الله من الأسبوع القادم نقدم كل جمعة درسين؛ والدرسان هذان على شباب الحركة وعلى الكوادر نسخهما وتعميمهما وشرحهما للخلايا عامةً إلى أن تكتمل الدروس، عند ذلك نعلن عن نهاية الدروس السابقة. وهذه الدروس الجديدة إن هي إلا تطوير للدروس السابقة وتكريس وتثبيت، بإذن الله. يعني أنا خلال هذه الصيفية إن شاء الله سأكون أكثر تفرغًا للحركة.
رابعًا، كان لنا صديق، زميل، قائد من قادة الفكر الإسلامي، هو الدكتور علي شريعتي، توفي في هذه الفترة الأخيرة. وفي "أمل ورسالة" التي ستطبع إن شاء الله بعد يوم أو يومين أو ثلاثة له نعي وصورة. والعدد القادم من الجريدة سيخصص له بإذن الله. أحببت أن أنقل للإخوان، صورة عن هذا الرجل، وألقي بهذه المناسبة ضوءًا على البعد العالمي لحركتنا. الدكتور علي شريعتي، أبوه رجل دين غير معمم، اسمه الشيخ محمد تقي شريعتي، وهو رجل فاضل أسس مؤسسة في خراسان اسم المؤسسة "مجمع الأبحاث القرآنية"، وأنا ألقيتُ محاضرات هناك، قبل عشر سنوات تقريبًا. الدكتور شريعتي، وهو إيراني، قروي من قرية مازينان، قرب كوير يعني الصحراء في إيران، تخرَّج من جامعة السوربون واختصاصه علم الاجتماع الديني. وعاد إلى إيران وكان يعطي دروسًا في جامعة خراسان، ثم في جامعة طهران، ثم تحول إلى داعية ديني؛ له أكثر من 150 كتاب. كتبه، محاضراته في الواقع، محاضراته أربع ساعات، خمس ساعات، ست ساعات، سبع ساعات ارتجال، تُسجَّل وتُطبع. أديب شامخ، فكره إسلامي، فكر نضالي منفتح. إسلاميته وطبقيته وموقف رجال الدين لم تجعل من دعوة الدكتور شريعتي، دعوة محافظة رجعية يمينية كما هو التقليد. إن الدعوة الإسلامية تعتبر في كثير من الأوساط دعوة محافظة على الأقل. دعوة الدكتور شريعتي للإسلام دعوة تقدمية ثورية نضالية، أو ما نسميه نحن دائمًا في اجتماعاتنا دعوة حركية، وليست دعوة مؤسسية. يعني ليس الإسلام دكانة يجب أن نحتفظ بمكاسبه، ونأخذ لأجله من الناس، ونسخِّر الناس لخدمته، كما حصل بالنسبة للمؤسسات الدينية. المؤسسات الدينية اليوم، لها أموالها، ولها أوقافها، ولها رجالها، ولها شؤونها وبروتوكولاتها، ولها خصوماتها، ولقاءاتها، ولها مكاسبها. تمامًا مثل الاتحاد السوفياتي أو الصين، بعدما تحوَّلا إلى دول، ونسيا كونهما حركة انقلابية عالمية. فبدآ يفكران بالاحتفاظ بمكاسبهما، ولأجل الاحتفاظ بهذه المكاسب، يجب التحالف حتى مع الشيطان، أو مع نصف الشيطان، أو مع ربع الشيطان بالتالي. فترى أن الصين الشيوعية اليوم تلتقي مع القوى اليمينية في العالم للاحتفاظ بمكاسبها وللمنافسة مع الاتحاد السوفياتي. الاتحاد السوفياتي نفس الشيء.
إذًا، أحيانًا كثيرة حركة إنسانية، في مرحلة من المراحل تتحول إلى مؤسسة، متى؟ عندما تشيخ. الحركة في بدايتها شابة، ناشطة، متحركة، تخيف، تقتحم، تتقدم، إلى أن تنتهي أنفاس المؤسسين، فتشيخ، وتفكر أن تحفظ رأسها، لا تصطدم مع الناس، تتحالف مع هنا وهنا تفكر بالاحتفاظ بالمكاسب. الدكتور شريعتي في أحد كتبه، يقول: في فرنسا، رحت أشتري مجلة "Jeune Afrique" فوجدت أن الأمن الفرنسي قد جمع جميع نسخ هذه مجلة الفتية الإفريقية. قلت في نفسي: يا سبحان الله! فرنسا، معقل الحريات، مركز جميع أنواع الدعوات من الشيوعية المتطرفة إلى التروتسكية، إلى غير ذلك، إلى اليمين إلى الوجدانية والوجودية، وكل أنواع الفكر... كيف فرنسا هذه تخاف من جريدة "Jeune Afrique" فتجمعها؟ السبب أن هذه مجلة شابة، حركة جديدة تقتحم وتخيف، بينما الحركات الأخرى كادت أن تتحول إلى مؤسسات لها جهدها طبعًا.
الدكتور شريعتي، كان أحد قادة الفكر الإسلامي في العالم. أفكاره قيِّمة جدًا، وكان يحضر درسه الأسبوعي، حوالي ستة آلاف طالب وطالبة جامعيين أو متخرجين في مؤسسة معينة باسم "النادي الحسيني للإرشاد". طبعًا حُورِب من قبل الحكم في إيران، وحُورِب أيضًا من قبل مجموعة من رجال الدين الذين يعتبرون الإسلام محتكرًا لهم، ومن حقهم وميراثهم، وهم وحدهم يفهمون الدين، ولا يحق لأحد أن يفهم غيرهم. هذا الرجل بالفعل كان مصدر الإلهام ومصدر التفكير والعطاء لكثير من الحركات الإسلامية، من جملتها حركتنا. ونحن سنحاول بإذن الله، بالإضافة إلى العدد القادم من "أمل ورسالة" أن نخصص عددًا نلخص فيه أفكاره ثم نطبع أو نترجم أفكاره وكتبه ومحاضراته حسب التيسير وفي حدود الإمكان في لبنان، بإذن الله.
بدون شك، إن التيار الذي كان يحترم ويكرّم الدكتور شريعتي، كان تيارًا ساحقًا، تقريبًا الشبيبة المسلمة في إيران، وغالبًا جعلوا التيار الإسلامي في إيران أقوى من التيارات الحزبية الأخرى. يعني الجامعة كانت بيدهم والتأثير الإسلامي كان عميقًا في المجتمع الإيراني، حتى إن الشيوعيين استسلموا للحكم، وبقيت الحركة الإسلامية تقاوم وتدافع وتناضل. الدكتور شريعتي، من خسائر الفكر الإسلامي، والفكر الحركي، يعني الفكر النضالي المعتمد على الإيمان بالله. ولذلك نحن نعتبره فقيدنا وخسارتنا، ونكرمه في هذا اليوم، يوم علي، مولاه ومولانا، ونبعث إلى روحه أيضًا، ثواب الفاتحة.
طبعًا! حديثنا اليوم، عن علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) الذي نحتفل بمولده. وعلي بن أبي طالب، نحن نعتبره قائدًا من قادتنا أو سيد قادتنا، باعتبار أن سلوكه وقوله ومواقفه هي مصدر الاقتباس والاقتداء لنا في عملنا. علي بن أبي طالب، كما نعلم، وُلِد في الكعبة وهذا فخر لم ينلْه أحد، ولكنه لم يعتزّ بهذا الفخر في حياته أبدًا. يعني ما قال يومًا في مقام الاعتزاز، في مقام التحدي، في مقام المباهلة بأنه يا ناس، أنا الذي وُلِدت في الكعبة وأنتم ما وُلدتم إلا في بيوتكم، ما اعتزَّ بذلك. لماذا؟ لأنه ليس من فعله، لأنه لم يعمل هو كعلي بن أبي طالب، لهذا الفخر أبدًا. يمكن أن يكون فخرًا لأمه، يمكن أن يكون للمرحلة، يمكن أن يكون عناية من الله لأسباب أخرى. علي لم يكن له دخل بالولادة في الكعبة، لأنه ما كان في الدنيا، حتى يتعب، حتى يتحرك. أقف عند هذه النقطة يا إخوان حتى أقول حدثًا حصل كتجسيد، مرّ في حياة الرسول:
عندما مات إبراهيم، ابن رسول الله، تعرفون أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان له ولد اسمه إبراهيم، أمه ماريا القبطية وكان يحب إبراهيم جدًا، ابنه، ابنه الوحيد. عندما مات إبراهيم، الرسول كان يبكي بكاءً حارًا. الشمس انكسفت يوم وفاة إبراهيم، فالناس قالوا هذا بسبب موت إبراهيم. والسماء والكون... حزنًا على إبراهيم، ومواساةً لمحمد، انكسفت الشمس. من كان يقدر أن يقول لا في ذلك الوقت؟ الناس مصدقون مؤمنون ومحبون، فهم يصدقون هذه القصة. عندما سمع الرسول ذلك (سلام الله عليه) غضب ونفى وقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياة أحد؛ لأن الدين دين العلم، دين الموضوعية. كان من الممكن أن يؤكد الرسول أو (يطنش)، يسكت، يترك الناس يصدقون هذا الشيء، وبذلك كان يحمس الناس، ويدفعهم باتجاه الدعوة ينشِّطهم، يحرِّضهم. النبي لا يريد إلا التحريض العلمي الموضوعي، لا يريد أن يستغل الأحداث والصدف والأوهام حتى في سبيل الحق وفي سبيل الدين. واضح يا إخوان؟ هذه النقطة مهمة كثيرًا. يعني الإنسان أحيانًا يتمكن أن يستغل عاطفة أو حادثة أو كلمة، أو عقيدة سخيفة، مبالغة ويمشّي أمرًا أساسيًا، الإسلام يرفض هذا الأسلوب. لا يمكن! لأنه يريد المؤمن الواعي ولا يريد المؤمن المتحمس، المؤمن الذي يعتمد الأوهام في تفكيره.
علي بن أبي طالب ما قال يومًا: أنا الذي وُلِدت في الكعبة ولكنه قال في الشقشقية: ولقد تقمصها -أي الخلافة- فلان وهو يعلم أن محلي منها منزلة القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إليّ الطير. هكذا كان يفتخر! كيف يفتخر؟ بعلمه! كلكم يعلم أني كنت من رسول الله بمنزلة الفصيل من أمه، يعني أمير المؤمنين كان يتبجح، يفتخر ولكن ما كان يفتخر بأنني أنا وُلدت في الكعبة: أنا كذا... وأنا كذا أي بالأشياء التي ليست له أو بالأشياء التي ليست من فعله، بل كان يعتز بما فعله هو. ونتذكر القول القرآني الكريم: ﴿لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب﴾ [آل عمران، 188]. إذًا، وُلِد علي في الكعبة، وهذا فخر وشرف، ولكنه ما افتخر به ولا تشرّف به. وانتقل إلى بيت الرسول في طفولته، كان عمره ثماني سنوات، نزل الإسلام، فآمن. أما أولئك الذين يقولون هل يُقبل إيمان الطفل أو لا يُقبل فإنهم يُتعبون أنفسهم بلا سبب.
أولًا، الإيمان إثر الوعي والقناعة نتيجة الإيمان السلوك. فإذا توفق الإنسان لأن يمارس السلوك السليم من الطفولة فهذا فخر وشرف. بالإضافة إلى أن القرآن يؤكد أن المسيح كان نبيًا وهو في المهد. تربّى في بيت الرسول، وعلى يد الرسول، وآمن به أولًا؛ وكان يناضل ويدافع ويقف ويتعب دفاعًا عن الإسلام. وعندما كان النبي يتعرض للضغوط في الصحراء، في الجبال، وعندما كان الأطفال والمحرضون يلاحقون الرسول لأماكن بعيدة، وكان يسقط أحيانًا مغمىً عليه، طبعًا علي وخديجة كانا يذهبان لمعالجته، لتمريضه ولتضميد جروحه. وهكذا لم يترك أبدًا السعي والجهد، ولم يقف أبدًا أمام نوعية المهمة: المهمة الصعبة أم المهمة السهلة، لا فرق، المهم أن يرضي الله. ولذلك، هو يقول في خطبته: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع السيف على بطني فأتكىء عليه لما امتنعت. طبعًا! الله لا يرضى بهذا الشيء ولذلك لم يفعل ذلك علي. لكنه لم يمتنع عن النوم في فراش النبي، فهاجر الرسول والبيت مطوّق، من أول الليل إلى الفجر كان خطر الموت يدور حول رأس الإمام، ما امتنع عن ذلك. وعندما كُلِّفَ بالحرب في غزوة الخندق ومواجهة عمر بن عبد ود، وفي غزوة بدر وأحد وحنين وغير ذلك، ما امتنع.
يقول في كلمة مشهورة عنه: لا أبالي أوقعتُ على الموت أو وقع الموت عليَّ، باعتبار أنه يفهم تمامًا قيمة الرسالة ودوام الرسالة والهدف من خلقه وتكوينه. وأن الهدف ليس للنَفَس، وليس الأكل، وليس الشرب. ومن أجمل تعابيره التربوية في الخطبة المعروفة: "والله! ما خُلِقْتُ كالبهيمة المربوطة، همُّها علفها، وشغلها تقمّمها. هكذا يلخص الإمام كل إنسان لا يكون له هدف أبعد من الحياة... البهيمة المربوطة.
وتقول فاطمة (سلام الله عليها) في خطبتها، عندما تذكر زوجها في مقام الاحتجاج، تقول: كلما فغرت فاغرة من المشركين، -واشتعلت النار-قذف–يعني محمد- أخاه في لهواتها، فلا يعود إلا بالإخماد. وأنتم حينئذ آمنون، ساكتون تترقبون الأخبار، وتتسقطون... فاطمة تقول إنه في تاريخ الرسالة، كلما اشتعلت شعلة، كلما تهجمت سباع ضارية على الإسلام كان محمد يأخذ يد علي بن أبي طالب ويقذفه في النار ليخمدها ويرجع. هذا عمل الإمام، هذه حياته.
وطبعًا هذه الشجاعة والقوة والتفاني في ذات الله، لا تقترن أبدًا بإرادة العلو في الأرض والفساد. ويكفي أن نقرأ حادثة قتله لعمرو بن عبد ودّ، أنه عندما سيطر على عمرو البطل العامري عندما أراد أن يقتله، طبعًا بعد أن امتنع عن الالتزام بالإسلام وحارب وشهر السيف في وجه الإسلام. هو أهان الإمام، عندما أهانه سكت الإمام وقام عن صدره ومشى طويلًا حتى هدأ غضبه، ثم رجع وقتله. لماذا؟ قال: حتى لا يقترن غضبه برضى الله، ويكون الدافع لقتل هذا العدو لله، رضا الله فقط ولا يكون غضبه مساهمًا في هذا العمل أبدًا.
إذًا، حتى في غضبه، وعندما يكون الغضب للحق، لا يريد، لأن عليًا ليس قاتلًا، علي منفذ لأمر الله. ولذلك، عندما كان يرى الطفل، عندما كان يرى المرأة الفقيرة، عندما كان يرى الخشوع أمام الله كان يرتجف، كان يتململ تململ السقيم، ويبكي بكاء الحزين، كان يرتعد، ترتعد فرائصه.
في عودته من صفين التقى في الشارع بامرأة تحمل القربة وتقول: الله يحكم بيني وبين أبي الحسن، فاستلم القربة عنها وذهب إلى بيتها، وعرف أن زوجها مقتول في الحرب قدّم لها الخدمات المطلوبة وسألها ماذا تريد، فطلبت منه أن يشعل التنور -ما كانت تعرف الإمام– فأشعله وكان يلاعب الأطفال. يقول أحد الرواة أنه دخل ووجد الإمام يضع وجهه مقابل النار، ويقول: ذق يا أبا الحسن! هذا جزاء من ضيّع الأيتام.
مسؤوليته الشاملة، أفكاره بالنسبة للأمة! وصف الإمام خارج عن جلسة وجلستين، وكتاب وكتابين... كلكم والحمد لله يعرف ذلك. ما يهمّنا في هذا اليوم، أن الإمام كما يؤكد أن "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله" أثبت أنه لا يغترّ بالإغراءات، ولا يتراجع أمام الإرهاب والتهديد والتهجم، والإعلام المضلل؛ مقتنع بمبدئه فيسلكه.
الروايات الواردة، ارتدَّ الناس بعد رسول الله إلا ثلاثة أو أربعة، كثيرة هذه الروايات. الأخبار والتاريخ يؤكد أن الإمام تعرض للاضطهاد بعد وفاة الرسول رغم الوصية... معروف، الوصية كانت واضحة. ومعاوية في رسالته إلى محمد بن أبي بكر، والرسالة منقولة في شرح ابن أبي الحديد... معاوية يقول لمحمد بن أبي بكر: إننا كنا ننظر إلى علي في عهد رسول الله كالنجم. أصحاب الرسول كانوا ينظرون إليه كالنجم، ما كان رديفًا لهم. اضطهدوه، وأخذوا البيعة منه بالقوة، ودخلوا بيته، وأحرقوا باب بيته، وآذوا زوجته. ومع ذلك ومع كل هذه الاستفزازات لم يتوانَ عن خدمة الإسلام.
أختار بين كل هذه القضايا قضية واحدة، أعتقد أنكم تدركون مدى صلابة الإمام في خدمة الحق. هذا ينفعنا في هذا اليوم. ونفعنا أمس أمام الاستفزازات التي كان شبابنا يتعرضون لها. في يوم من الأيام، فاطمة بنت رسول الله، أمانة الرسول، سيدة نساء العالمين، أم أولاد الإمام ذهبت إلى الخليفة أبي بكر. حاجّته وأخذت منه ورقة إعادة فدك (فدك بستان صغير كان نِحلة فاطمة، حصة فاطمة، وهبها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضمن التقسيمات العامة) وفي الطريق التقت فاطمة بالخليفة عمر بن الخطاب فصار بينهما مشاجرة أدت إلى أخذ الورقة وتمزيقها وسقوط فاطمة على الأرض. ولا أرغب أو أقدر أن أنقل تفاصيل الحادث حتمًا أنتم قارئون في الكتب. عادت فاطمة إلى البيت وهي حزينة من الحادث، دخل عليها علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقالت هذه الفقرات، يكفي أن تسمعوها. فاطمة، هذه الزوجة، تقول لزوجها: "يا ابن أبي طالب! اشتملت شملة الجنين" -الجنين في البطن له شملة، له غطاء- اشتملت شملة الجنين: يعني أنت جالس في غرفة، ولابس شملة، محيط حالك بغطاء... "وقعدت حجرة الظنين" الظنين يعني الإنسان المشبوه، يعني كأنك مشبوه خائف من الناس، مشكوك في أمرك جالس في الحجرة. تعبير قاسٍ جدًا وبالنسبة لعلي بن أبي طالب: "اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي، وبليغة ولدي، الخليفة يبتزّ، يأخذ مني هذا الملك، لا أحد يدافع عني. ثم تقول: "مات العمد ووهن العضد". السند الأساسي الذي لي وهو والدي مات، والعضد الذي لي وهن يعني أنت. وتستمر فاطمة بكلمات... (سلام الله عليها وعليه) الحقيقة من الصعب جدًا أن يتمكن الإنسان أن يستوعب هذه الكلمات ويرتاح، ولا يندهش من هذا الحوار، بعدما طبعًا "ويلاه"... كلمات كثيرة موجودة في الحديث. الإمام على (عليه السلام) يقوم ويلبس العباءة ويقول: "لا ويل لك، بل الويل لشانئيك". ويريد أن يخرج من باب الغرفة، في هذه الأثناء كان وقت الظهر، وكان بلال أو المؤذن يقول على المئذنة: "أشهد أن محمدًا رسول الله"، فرجع علي من الباب وقال: يا فاطمة! هل تريدين أن يبقى هذا الصوت على المئذنة؟ فقالت: نعم. قال: إذًا، عليك أن تصبري. واستمر الإمام، فقذفت فاطمة بنفسها عليه وطلبت من الإمام العودة، واستعانت بأولادها وانتهت الحادثة. ماذا كان يحول دون تحرك الإمام؟
نحن نعرف، أن العرب وأكثرهم كانوا من القبائل في الجزيرة، كانوا ينتظرون نهاية معركة محمد مع أولاد عمه. القبائل لا خاصمت محمدًا، ولا ساعدته. فقراء العرب، أو ما يسمونه اليوم بالصعاليك، صعاليك العرب الفقراء أسلموا. الأشراف ورؤساء القبائل والشيوخ والأفخاذ الكبيرة ما أسلموا له، بل كانوا ينتظرون نتائج صراع محمد مع قريش في مكة. وقريش، سادة العرب، أقوى العرب، أغنى العرب، أشدّ العرب بأسًا، وأولاد عم محمد. فالعرب كانوا يقولون لبعضهم أن انتظروا حتى نرى ما سيفعل محمد مع أولاد عمه؟ من المنتصر؟ نحن لا دخل لنا لأن الصراع بين العمالقة: محمد وأولاد عمه، الذي ينتصر نحن معه. ولذلك فور فتح مكة، يعني في اليوم الذي فتح الله فيه مكة على يد رسول الله، في ذلك اليوم انتصر محمد على أولاد عمه، كل العرب أسلموا. تذكرون السورة: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا﴾ [النصر، 1-2]. انتهى... يعني قبل فتح مكة كان عدد المسلمين لا يبلغ الألف شخص. طبعًا ما عدا جماعة الأوس والخزرج -الأنصار- لكن أهل المدينة، المعذبين، الفقراء، لم يكن لهم قيمة عند العرب، إذ كانوا مستضعفين. بعد فتح مكة فكانوا ﴿يدخلون في دين الله أفواجًا﴾ [النصر،2].
إذًا، العرب أسلموا قبل وفاة الرسول ببضعة أشهر، سنة وكسور وهذه المدة لا تكفي، وكان ثقيلًا عليهم الخضوع لحكم المدينة، وإعطاء الزكاوات والإطاعة؛ وكان ثقيلًا عليهم أن الحاكم لا يكون إلهًا وأنه لا يحكم بين القبيلة كما يشاء، الإسلام كان نظامًا ثوريًا، قَلَبَ النظام العشائري. ولذلك أول مجتمع إسلامي، اسمه المدينة وليس القبيلة، ونظام المدينة ضد نظام العشيرة. إذًا، العرب ما كانوا مبسوطين والإسلام لم يكن عميقًا في قلوبهم... ومات محمد!! قالوا: الحمد لله، تخلصنا من الزكاة، ومن الإطاعة، ومن الصلاة، ومن طغيان الفقراء ومن... ومن... ومن كل شيء. امتنعوا عن دفع الضرائب، يعني الزكاة. إذًا، كان الجو خطرًا، لو كان علي يقف في وجه أبي بكر أو عمر ويخلق مشاكل داخلية في العاصمة، يعني في المدينة، كان العرب خرجوا، الإمام سكت، سكت حتى يبقى الإسلام. إذًا، الاستفزازات وما أكثرها! يكفي أنهم يضربون زوجته، يكفي أن يحرقوا باب بيته. عندما نقول: نحن نلتزم بالتراث، عندما نقول: نحن علي إمامنا إن شاء الله صادقين... شبابنا صبروا، بيوتهم أُحرقت، الاستفزازات استمرت، طُعِنُوا في الظهر مع أنه هم يدافعون عن الحق وعن المقاومة ومع ذلك أُصيبوا ولا يزالون يصابون، ولا ينحرفون.
علي لهذا السبب إمامنا طبعًا، ونحن سائرون في هذا الطريق. طبعًا من الصعب جدًا، وهو الذي يقول أن في هذا الزمان، "القابض على دينه كالقابض على الجمر". ليس هينًا؟ ولكن إذا لم نكن كذلك، فما لنا من قيمة. الانتهازية، واللعبة السياسية، والتحالف مع الشيطان، وتكتيك المراحل، واختيار النجاح والميل مع كل ريح؛ مرفوض! الإمام نفسه يقول: "الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق". ليست مشكلة إذا أراد أي شخص أن يميل مع كل ريح، يقدر دائمًا أن يكون في البداية، في الطليعة، مصون، محفوظ... ليس ذلك صعبًا.
لكن الإمام يرفض هذا الأسلوب، ونحن في الحركة رفضنا، وشبابنا رفضوا والحمد لله. ثم أمام التهديد، أمام الإغراءات كلام علي معروف: "يا دنيا غرّي غيري". علي بن أبي طالب خليفة المسلمين، تدخل عليه الأموال بالملايين الملايين، وعندما يدفعه كله للفقراء، لأهله، يكنس بيت المال ويصلي ركعتين، ويشكر الله على أداء الأمانة. معاوية يصفه بكلام: "والله لو كان له بيتان، أحدهما من تبر (ذهب) والآخر من تبن لنفد تبره قبل تبنه". يدخل عليه طلحة والزبير في الليل وهو يحاسب شؤون بيت المال فيطفىء شمعة بيت المال ويشعل شمعة نفسه حتى لا يشعل شمعة بيت المال لقضايا خاصة. على كل حال، أمام الإغراءات، الإمام معروف كيف كان. وأمام مدَّعي التقوى، المدعين للإسلام وللتقوى، كان الإمام يقف أيضًا. أمام الخوارج، أمام أولئك الذين كانوا يحكِّمون أنفسهم وإرادتهم على الإسلام، ويرون الإسلام من زاويتهم، ومن زاوية مطامعهم ومصالحهم وأمجادهم وقف وحارب. خويصرة الذي قُتل في حرب النهروان، ومعروف أنه لم يترك صلاة الليل... يقول أحدهم: كنت في شارع من شوارع الكوفة، فسمعت صوت بكاء صادر من بيت؛ فقلت سبحان الله ما أسعد هذا الرجل. فقال لي الإمام: ليس هذا هو المقياس، سيكون الرجل في موقع... لا أتذكر تفصيل العبارة. يقول: عدت وشاهدت خويصرة يصلي صلاة الليل، صلوا صلاة الليل والتزموا بالإسلام ولم يتركوا الصلاة ولكنهم عبدوا أنفسهم.
إذا كانت الصلاة عبادة النفس، إذا كانت الصلاة لأجل احترام الآخرين، لأجل الخوف، لأجل الطمع، لأجل الجاه، لأجل الثقة، لأجل الأهداف المادية فهذه الصلاة تبعدني عن الله، ولا تقربني إليه. ولذلك، سلّوا السيف بوجهه في النهروان، وكفَّروه، وطلبوا منه أن يتوب. قالوا: أنت كافر يا علي. طبعًا وقالوا عنه "فيه دعابة" عندما دخل ابن عباس على الخليفة عمر بن الخطاب، وجده في حالة صعبة، يقترب من موته، فوجده مشغولًا. قال: يا ابن عباس، إني مشغول بأمر هذه الأمة. فلو كان فلان... وفلان... وفلان... لاخترتهم خلفاء. مسكين!! سكت ابن عباس. فقال له الخليفة: لعلك تفكر في صاحبك؟ يعني علي بن أبي طالب. قال ابن عباس: نعم! وما الذي يمنع؟ فقال الخليفة: والله لو وليتموه لأخذكم إلى المحجة البيضاء. وهذا كلام للرسول: "والله لو وليتم عليًا لأخذكم إلى المحجة البيضاء". قال ابن عباس: فما هو المانع إذًا؟ أجاب الخليفة: "فيه دعابة". يمزح كثيرًا. يمزح؟ طبعًا كانوا يشكون في تقواه، وفي شبابه وفي عمره... وهكذا انفصلوا عنه، وخرجوا عليه، وشهروا السيف في وجهه، واعتبروه عدوًا للإسلام؛ فضربهم، ضربهم بعد أن نصحهم، ضربهم ولم يظلم. وقال: ليس الذي طلب الحق فأخطأ، كمن طلب الباطل فأصاب، أنصفهم أيضًا.
إذًا، علي بن أبي طالب بالنسبة إلينا، قائد، نموذج. أي زاوية من زوايا حياته، بدون استثناء قابلة للاقتداء لأن رسول الله يقول، ورسول الله: ﴿وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى﴾ [النجم، 3-4]، الرسول يقول: "علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه أينما دار". ويقول: "أنا مدينة العلم وعلي بابها". ويقول نقطة: أنا ميزان الأعمال وعلي لسانه، لسان الميزان. تذكرون علي مرآة: أي أن واحدًا يقابل نفسه مع علي، فإذا وجد قليلًا من الانحراف، فهو منحرف بعض الشيء؛ وإذا وجد انحرافًا كثيرًا فانحرافه كثير.
علي هو المثل، وهو القائد، (عليه السلام). نحن نعتبر أن الحركة مقدسة، وأنها منتصرة بإذن الله، وأنها تنتصر على الرغم من الشيوعيين واليمينيين، وتآمر الدول الخارج والداخل. كيف الانتصار؟ بشطارتنا؟ لا، بقياداتنا؟ نعم، ومن قياداتنا؟ قياداتنا علي بن أبي طالب، لكن يجب أن نعرف عليًا جيدًا وبشكل سليم. نفهمه لا كالخوارج، بل كالمؤمنين بشكل صحيح.
نحن في هذا اليوم، مولد الإمام، نتذكر ونحمد الله على أن جعل أمامنا إمامًا علي بن أبي طالب (سلام الله عليه). حياته دروس عملية واضحة لا يرقى إليها الشك نقتدي به. ومن فضل الله أن حياته شبيهة بحياتنا، مجتمعه شبيه بمجتمعنا. تخاذل بعض أنصاره، شبيه بتخاذل بعض أبنائنا. صعوبة مواجهة الأحداث الجسام شبيهة بصعوبة مواجهتنا للأحداث الجسام. ولكن وقفته، قوته، صلابته، تضحيته، جرأته، عدم انحرافه... كل هذا أمامنا. والعلويون، أتباع علي، ونرجو أن يكون شباب الحركة في طليعتهم، هم الذين يختارون هذا الطريق. فالموت آتٍ لا ريب فيه. بعد 50 سنة، يا شباب، ولا واحد من هذه المجموعة التي تجلس هنا سيكون موجودًا، منتهين كلنا. طالما أننا سنموت، فلماذا نريد أن ننحرف؟ طالما أننا سنموت، فلماذا نخشى ذلك؟ طالما هذا الموت سيأخذ هذه الحياة، وهذه النفس، فلماذا نجعل هذه النفس رخيصة؟ لا! هذا لا يجوز. نحن أتباع الإمام. قادتنا علّمونا أن نحترم أنفسنا، ونضعها في محلها. رحم الله آباءكم وأجدادكم. كان لي خال اسمه السيد محمد، وكان رجلًا جبارًا في خدمة الخير، وتوفي في لبنان بالذات، وله مشاريع هائلة، وكان يعيش عيشة الفقراء. وكان يقول: أنا أحب المال كثيرًا. قيل له: كيف تحب أنت المال؟ ونحن نرى أنك تعيش عيشة الفقراء، وتصرف، وتبذخ، وتعطي المال. قال: لأني أحب المال، لا أريد أن أصرفه في اللهو، أريد أن أصرفه في أحسن شيء.
إذا كان الواحد منا، يحب نفسه، يحب ساعات حياته، يحب كرامته، يحب طاقاته، فليصرف هذه الطاقات والأموال والساعات واللحظات في أشرف شيء وأقدس شيء: في خدمة الإنسان، في إسعاد الإنسان. في هذه الليلة، أنا أقدر أن أنام، أمد رجلي وأنام فلا أقدم ولا أؤخر. وأقدر أن ألهو، وأقدر أن أسرق، وأقدر أن أغتاب، وأن أتآمر... يعني أقدر أن أجعل من حياتي، وسيلة للتراجع، للفساد. وبإمكاني أن أجعل هذه الليلة، في سبيل الخير: أقضي مشكلة، أدرس كتابًا، أصلح بين عائلتين، بين شخصين، أفكر، أنصح، أعبد، أقدر... ثلاث طرق أمامي: إما أن أقف في مكاني، كما يسمونه أراوح مكاني. وإما أنا أتقدم، وإما أن أتأخر. لا، والله، الإمام يقول: "ما خُلِقت كالبهيمة المربوطة، همّها علفها و..."، نحن كذلك لن نكون بهائم أبدًا. نحن لا نختار إلا طريق علي.
غفر الله لنا ولكم. 

source
عدد مرات التشغيل : 4