الفلق -3-

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
الكاتب:موسى الصدر

التفكّر في آيات الله من أفضل أعمال شهر رمضان المبارك، والقرآن الكريم كتاب الله يدعونا في هذا الشهر الفضيل إلى التأمل في معانيه وكلماته لنتزوّد منها بالعِبر والحكم والموعظة الحسنة. وقد حلَّ صوت الإمام الصدر ضيفًا على الصائمين في فترة السَّحر في الإذاعة اللبنانية، حيث قام بتفسير بعض الآيات القرآنية والسور القصار، تقويةً وإفادة للمؤمنين.
نستعرض خلال شهر رمضان ثلاثين تفسيرًا للإمام الصدر، وعنوان تفسير اليوم "الفلق -3-"، وهو الجزء الأخير من ثلاثية تفسيرية لسورة الفلق حيث يتحدث الإمام الصدر عن ضرورة الاستعاذة باللّه أمام كلّ خطر أو شرّ. النصّ كاملًا:

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر، (د.ت).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد﴾ [الفلق]

صدق الله العظيم
نحن في الحلقة الأخيرة من إدراك بعض معاني هذه السورة المباركة، نتحدث عن مرض شائع بين الناس وهو مرض الخوف من "إصابة العين". بمناسبة الآية الكريمة ﴿ومن شرِ حاسدٍ إذا حسد﴾، بعض العلماء من المفسرين يذكرون "إصابة العين" ويعتبرونها نوعًا من الحسد، ويناقشون في تفاصيلها وأسبابها ويستخلصون أن ضرر من يصيب بعينه الآخرين لا يختلف عن ضرر كلّ حاسد للناس.
في الواقع أن مسألة "العين" تتطلب مزيدًا من النقاش والبحث، مبدئيًا لا يمكن للإنسان أن ينكر الشيء إلا مع دليل، كما لا يمكن للإنسان أن يقبل شيئًا بدون دليل، هذا أصل علمي عقلي فلسفي.
يقول ابن سينا إن الذي يصدق شيئًا بدون دليل أو ينكر شيئًا بدون دليل فهذا خارج عن عادة الإنسان وداخل في غير الإنسان، في نوع غير الإنسان. إذًا، قبل أن يثبت العلم صحة إصابة العين أو قبل أن يثبت العلم إصابة العين لا يمكننا أن نقبل شيئًا من ذلك أو ننفي شيئًا من هذا القبيل. كما لا يمكننا أن نمارس العمل على ضوء وهم تأثير العين، أو توهم عدم تأثير العين. لا يمكن للإسلام أن يوافق على التدابير التي تُتَّخذ لمنع إصابة العين، لمنع إصابة الطفل بالعين من التعويذات وأمثال ذلك.
فهذه التعويذات في تصورنا بقايا الشرك في حياة المؤمنين، أما العين فلا دليل على تأثير إصابتها على الإطلاق في حياة الإنسان، قد يكون هذا الكلام جرأة مني ولكني أعود لأقول لا دليل على أن الإنسان يصاب بالعين أو على أن هناك نوع من البشر يصيبون بعينهم الآخرين. قد يقال كيف تنكر ذلك والقرآن الكريم يؤكد فيقول في الآية المعروفة التي تكتب على قطع من الذهب وتعلق على صدور الأطفال أو على الأبواب أو في الغرف الآية الكريمة التي تقول: ﴿وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون﴾ [القلم، 51] إلى آخر الآية. بطبيعة الحال هذه الآية لا تعني إطلاقًا ما يقال من إصابة العين فـ "زلق ببصره" معناه الهزء والتهديد كما يبدو من نهاية الآية ﴿ويقولون إنه لمجنون﴾ [القلم، 51]. الآية تنقل موقف الذين كفروا من الرسول عندما كانوا يهددونه بأبصارهم أو يهزأون به بواسطة أبصارهم أو عيونهم ولا علاقة للآية إطلاقًا بمعنى إصابة العين.
أما التجارب التي تُدَّعى فهي في أقصى درجات التجربة تعطي نتيجة خمسين بالمئة ونحن نعلم أن الشيء إذا أعطى في التجربة نجاحًا بنسبة خمسين بالمئة فمعنى ذلك أن وجوده وعدمه على حد سواء. نحن لا يمكننا أن نقبل بتأثير العين إطلاقًا، ولا رواية صحيحة تثبت ذلك، والتجارب تبقى تجارب بشرية تنتظر دليلًا علميًا على ذلك.
ومن هنا نعود إلى كلّ السورة المباركة حتى نقول إن الأسلوب العلمي الذي يريد القرآن الكريم أن يعلمه للمسلم، أن يعلم الإنسان هذا الأسلوب عندما يقول أمام أيّ خطر تخشونه من عين أو حسد أو نفث في العقد أو غاسقٍ إذا وقب أو أيّ شرّ مما خلق الله، إلجأوا واستعيذوا باللّه. والعوذ باللّه ليس بمعنى استعارة القوة والاتكال والتواكل، بل معناه التوكل والسعي أيضًا. بمعنى أننا نلجأ إلى الله لنطمئن ولنعمل، والعمل للجوء إلى الله والتقرب إلى الله بمعنى السعي لمعالجة الأمور.
إذًا، العوذ بربّ الفلق معناه السير نحو النور، نحو الفجر، نحو العلم، نحو الانفتاح، ونحو الحياة، وعند ذلك الإنسان يشعر بأن لا خطر يهدده إطلاقًا وليس له علاج. نحن بهذا القدر نكتفي ويوفقنا لما فيه الخير والصلاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  

source
عدد مرات التشغيل : 2