الإمام الحاضر الدائم

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 31 آب 2016 الكاتب:حارس شهاب

خطفوك أيها الإمام المغيب ظناً منهم أن مداميك فكرك النيّر الذي نحتاجه اليوم في لبنان والعالم، لا سيما في شرقنا المعذب، سوف تنخطف معك. عشت مشاكل الناس وهمومهم، وسعيت إلى تطبيق رسالات الأديان التي نؤمن بها على أرض الواقع وناضلت في سبيل المحرومين وكرامة الإنسان. رفضت الظلم وفقدان الحرية والديموقراطية وانتفاء المحاسبة، ووصفت واقع العالم العربي متنبئاً بالمآسي التي سوف تطاله، وها هي وسطه تنخرهُ بعدما تعامينا طويلاً عن خطورة واقعنا الأليم.
فضلك كبير، لا سيما في موضوع الحوار الإسلامي المسيحي حيث أتى كلامك سبّاقاً، مجلّيا، عالي النبرة رغم تواضعك، ولا نزال نحمله حيثما حللنا في ندوات الحوار، ونستمده من قيمنا الروحية المشتركة التي تشبثتم بها وهي تعود إلى الله الواحد.
لقد قلتم في أحد لقاءاتكم: «اجتمعنا من أجل الإنسان الذي كانت من أجله الأديان، فنلتقي جميعاً في خدمة الإنسان ونلتقي في الله». إن فكركم أيها الإمام الرؤيوي الصادق، لا يزال يواكبنا وسيبقى كذلك لأن فيه الحلول للكثير من معضلاتنا التي تشوّه الفكر الديني ويقتضي الخروج من التشوهات كي يتمكن وطننا من الحفاظ على قيمته في تمتين العلاقات الإسلامية المسيحية لخير العالم وإنسانه.
كان الإمام من أوائل الذين ساهموا في إطلاق ندوات الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان مع صفوة من رفاقه، كالمطران جورج خضر والاب يواكيم مبارك والشيخ صبحي الصالح والاب فرنسوا دوبري لاتور ونصري سلهب وحسن صعب، وكان بيانهم في تموز 1965 نقطة انطلاق أكدت على الثوابت المشتركة في المسيحية والإسلام وعلى «تلاقي الديانتين في إيمانهما بالله الواحد وبقيامهما معا على تعزيز قيم روحية ومبادئ خلقية مشتركة تصون كرامة الإنسان وتعلن حقه في الحياة»، كذلك أعلنوا «أنهم لعلى يقين بأن لبنان هو الموطن المختار لمثل هذا الحوار المسيحي الإسلامي، وبأنه حين يجدد وعيه بتعاليم هاتين الرسالتين يسهم في تجديد طاقة الإنسان الروحية وصونها»، ومما ذكّروا به «أن الإيمان باللّه لا يكون حقيقيا إلا اذا سبقه الإيمان بأن الدين جعل لخدمة الإنسان، لا الإنسان لخدمة الدين».
آمنت بأن قيمة لبنان تكمن في عيشه المشترك الإسلامي المسيحي. عَرِفت ونشرت وعلّمت أن لبنان لن يستقيم ويستقل حقاً إذا لم تتأمن العدالة الاجتماعية والمشاركة المتوازنة بين كل مقومات ومكونات المجتمع في إدارة الشأن العام. أوليت الحوار الإسلامي المسيحي عناية كبيرة إيماناً منك بأن نجاحه يُشكّل مفتاح مستقبلٍ مُشرقٍ للبنان وحلاً لمشاكل العالم وقلقه من صراع الأديان والحضارات.
رغم تغييبك تبقى حاضراً بفكرك ومبادئك في طليعتها المحبة والانفتاح، وقد مارستها على الأرض وبها دخلت الكنائس عاملاً على تصويب العلاقات الإسلامية المسيحية ومُعطياً بذلك صورةً مُشرقة للإسلام.
عبّر الإمام موسى الصدر عن الوعي الشيعي للحقيقة اللبنانية وعن القرار في الاندماج في المجتمع المحيط بهم، وقد رأى الكثيرون فيه عاملاً دؤوباً لإنهاء الظلم والعذاب وإحلال الحق والعدالة، فتكوكبوا حوله، وقادَ مع رفاق كرام له عملية تصويب دور الشيعة في المجتمع اللبناني الكثير التنوّع، وعَمل على انفتاحهم والمشاركة مشاركةً فعّالة في صنع قرارات الدولة والمجتمع، وذلك بعدما هُمّشَ دورهم فولدَ الحرمان من الإنماء ومن القرار السياسي ونزح الكثيرون من الشيعة من بيئتهم وتوجهوا الى المدن حيث القرار، وعاشوا في جوارها حيث شكّلوا حزام بؤسٍ رَفضه الإمام.
فِكر الإمام موسى الصدر حاضر اليوم بقوةٍ، وعلينا تقع مسؤولية تفعيله في مجتمعاتنا القلقة على مصيرها ورسالتها وتراثها.

source