عمامة لبنان

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 31 آب 2016 الكاتب:هنري حلو

لا يغيب سماحة الإمام موسى الصدر عن عقلي وقلبي برغم سنوات التغييب الطويلة.
لا أبالغ في ذلك، وليس هذا كلاماً سياسياً، بل هو واقع أعيشه كل يوم. فسماحته بالنسبة إليّ، ليس ذكرى فحسب، بل هو جزء من ذاكرتي الشخصية، بل من شخصيتي.
كنت في أول «طلعتي»، كما يقال، عندما كان لبنان في بدايات انحداره إلى جحيم الحرب الأهلية. وفيما كانت ساعة الجنون الطائفي تدنو، كان منزلنا في بعبدا أشبه بهيئة حوار وطني أو ربما بمجلس حكماء، ومن أبرزهم الإمام الصدر. صحوت سياسياً على مشهد والدي بيار حلو مجتمعاً مع سماحته، أو مع الأمير مجيد إرسلان أو كمال جنبلاط، أو سواهم من الكبار.
كانت علاقة بيار حلو مع الإمام الصدر مميزة جداً، إلى درجة أنه شارك معه في تأسيس «حركة المحرومين»، وكان سماحته أحياناً يكلّف والدي تمثيله في مناسبات أو اجتماعات.
كانت هويتي الوطنية والسياسية ترتسم بألوان الانقتاح والحوار والتواصل مع الجميع، عندما كان البلد على شفير حرب القتل على الهوية. وكان الإمام الصدر من أبرز الذين تركوا فيّ أثراً وجعلوني أؤمن باستمرار بأن ثمّة صوتاً للعقل في خضمّ قرقعة السلاح ودويّ المدافع.
لقد مثّل الإمام الصدر صورة الحكمة والوسطية والاعتدال. هو النموذج الذي يحتاج إليه لبنان في كل حين، ولا يمكن أن يستمر، كما عرفناه، من دونه.
مثّل الإمام الصدر صورة العمامة الملوّنة بألوان العلم اللبناني وحده. صورة رجل الدين الملتزم بوطنه أولا وأخيراً. رجل وظّف قدراته القيادية الفذّة في خدمة ناسه، فكانت القضية الاجتماعية أولويته، وكان الفقراء محور نضاله. إمام كان يريد قيادة شعبه إلى الأمام.
لو كان الإمام الصدر موجوداً معنا اليوم لكانت تسمية حركته في صميم الواقع اللبناني الراهن، لأن اللبنانيين جميعاً باتوا في عداد المحرومين: هم محرومون من مؤسسات دستورية تعمل بانتظام، وفي مقدّمها رئاسة الجمهورية. محرومون من حقّ المحاسبة واختيار ممثليهم. محرومون من الأمان، ومن دولة القانون التي يحاسَب فيها الكبير قبل الصغير. محرومون من أبسط مستلزمات العيش الكريم، كالكهرباء والماء والدولة النزيهة والبيئة النظيفة والسلامة الغذائية. ويوماً بعد يوم، تتسع أيضاً دائرة اللبنانيين المحرومين حتى من فرص العمل ولقمة العيش، ومن المناخ الذي يتيح لهم تحقيق أحلامهم في لبنان، وتأمين مستقبل أولادهم فيه. باختصار، اللبنانيون جميعاً اليوم محرومون من الأمل بوطن على مستوى طموحاتهم.
كان الإمام الصدر زعيماً رؤيوياً، يتلمس معاناة شعبه ويسعى إلى وضع حدّ لها. ولأن الإمام الصدر لم يكن قائداً لطائفته فحسب، بل كان زعيماً منفتحاً على الشركاء في الوطن، وصاحب مشروع وطني كبير، تم تغييبه، كما «غُيّب» مثله قادة كبار آخرون، ولو بطرق مختلفة، ككمال جنبلاط ورشيد كرامي وبشير الجميّل ورينه معوّض ورفيق الحريري.
إن أيدي الغدر التي حرمت لبنان من هؤلاء القادة الكبار، أرادت «تغييب» كلّ مقوّمات الدولة الحقيقية في لبنان، وتصفية كلّ من يحاول بناء مثل هذه الدولة. فمشاريع الهيمنة على لبنان لا يمكنها أن تتحمل وجود قادة وطنيين كبار وزعماء حكماء. هؤلاء يشكّلون عراقيل أمام أعداء لبنان، أما الغوغاء فهي أرض خصبة لأطماع الطامعين.

source