في البحث عن الذات تلتقي جميع الثقافات

calendar icon 08 تشرين الثاني 2001 الكاتب:رباب الصدر

(مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السادس: "حوار الحضارات")
(كلمات الافتتاح)

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الميامين.

* فخامة رئيس الجمهورية ممثلاً بـ  معالي الدكتور غسان سلامة،

* سيادة نائب رئيس جمهورية ايران الاسلامية سماحة سيد أبطحي،

* أصحاب الدولة،

* دولة رئيس مجلس النواب ممثلاً بـ معالي الاستاذ علي عسيران،

* دولة رئيس مجلس الوزراء ممثلاً بـ معالي الاستاذ بشارة مرهج،

* أصحاب السماحة،

* أصحاب السيادة،

* أصحاب المعالي والسعادة،

* أخواتي اخواني، السلام عليكم.

استهل كلمتي بمختارات من أقوال الامام السيد موسى الصدر.

* إن القرن المقبل يجب أن يحتوي على أفضل الصيغ لاحترام كل الحضارات والثقافات ولخلق التفاعل التام المتكافىء بينها، وبإمكان لبنان أن يكون نموذجاً واقعياً لهذا المستقبل الذي نحلم به (27/12/1976).

* الحوار يعني المساواة بين كل الأطراف من أجل الوصول إلى حل للمشاكل (آذار 1978).

* شرطٌ أسـاسيٌّ للحـوار أن يجري بين ممثلين حقيقيين لأصحاب العلاقة       (1969/5/26).

وإذ قضت مشيئة الله سبحانه، أن يجعل للكون قيادةً، كان الحوارُ سابقاً، للجعلِ، في مواجهةِ ما كان، من وظائف الحركة في عالم ذلك اليوم، المنحصرة بين تسبيحٍ بحمد الله وتقديس له، وبين فسادٍ في الأرض وسفك دماء، فكان الردُّ الالهي بخلق العقل والعلم والحرية، وكأنها إشارةٌ بأن القيادة لا تنحصر بحدين اثنين لا ثالث لهما، يتحكمان بمن في السماوات والأرض وما فيهما، بينما كلٌ متبعٌ قرآنه وقد علم صلاته وتسبيحه.

فأهلاً بكم، وقد التقيتُم على ما سن الله، تدخلون رحابه، ولكل منكم كتابه، لتستقيم بما في أيديكم وما في قلوبكم كلمة سواء.

أهلاً بكم، علماء دين وسياسيين ومثقفين، حضوراً ومحاضرين، تلتقون شهوداً على أنفسكم وعلى الناس، وحسبكم ما هدى الله شاهداً.

وإنني أقدر جهد زملائي في مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات أن وفَّروا مناسبة لطروحات فكرية هي شهادات اتباع لما استن الله من وسيلة تُيسر للقيادة البشرية في الأرض طرق الكشف والإبداع، وهي من أغراض الخلافة في الأرض حسب التعبير القرآني.

وبهذه المناسبة استعيدُ السبب الرئيسي لاختيار الإمام الصدر لبنان ليكون مجاله الحيوي، وهو الذي كان منذُ عهد الطلب يُنظرُ إليه صاحب موقع قيادي علمي مستقبلي هو الأرفع في ما كان يقدر، وإن هذا الموقع متوفر له في إيران أو العراق، بما له من التراث العام والخاص، ومن امتلاكه لقدرات مميزة تدينُ لها مرامي الطموح.

ولكن المجتمع في إيران والعراق يفرض نمطاً من العيش وأساليب العلاقة يحد من إمكانية التحرك في ما يتطلع إليه لأسباب في التركيب الاجتماعي، ولتباعدِ المسافات بين مناطق وبلدات الرأي المختلف، وهو الذي تتفاعل في داخله خطوط مشروع يخرج عن حدود النمطية السائدة، حتى ولو أعاد صياغة إنتاج السابقين بكثيرٍ من الجدة والحداثة.

وهنا أستعيد صورة قلمية للإمام الصدر، رسمها المغفور له الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، أستعيدها بمرارة في أول جلسة بعد فَقدِ هذا الرجل الكبير، وبمحبة لحياته، وإذعان لقضاء الله فيه، فهو رحمه الله، حدد في مؤتمر كلمة سواء الثالث إنجازين للإمام الصدر، أولهما أنه (جعل نفسه قوة كبرى في مجال التنفيذ، لم يقبع في صومعة يعيد إنتاج ما كتبه الآخرون في مستوى النظرية، وإنما نزل إلى الشارع ليُفَعِّل ما حمله في سبيل التنفيذ).

وثانيهما: (أن الناس الذين كانوا خارج وعي حقوقهم، أو خارج القدرة على المطالبة بحقوقهم، وهم المحرومون بالمعنى الاقتصادي أو السياسي أو بالمعنى الإنساني العام، جعلهم يتكلمون.

لم يتكلم عنهم ولم يحبسهم ويختزلهم ويختزنهم، أعطاهم أصواتاً ينطقون ويتكلمون بها، فليس المهم أن نعي حاجات الآخرين، ولكن الأهم أن نهب للناس ما يجعلهم يتحركون). هذا ما قاله سماحته رحمه الله.

هذه الصورة هي التي دفعت بالإمام الصدر لاختيار لبنان وهو من بين أوطانه الثلاثة التي له فيها تراثٌ عام وخاص، فالرقعة الجغرافية الصغيرة والتداخل في ما بين الأنسجة والأمزجة من أصحاب الرأي المختلف يوفران التربة الأمثل لإنتاج قدرات وتفجير طاقات. في لبنان يستطيع أن يتجه إلى كل فرد بغض النظر عن أصوله واتجاهاته مع الحفاظ على المبادئ والقيم الراسخة مادية أو روحية، وإنسانية الفرد والمجتمع هي منطلق التطور في فكر الإمام الصدر، ولن يتم فعلٌ إن لم تتوفر للإنسان إمكانية البحث عن الذات متحرراً مما هو خارج ذاته.

لهذا عمل على أن يغرس الوعي في من هم خارج وعي حقوقهم، ويستنطق من هم خارج القدرة على المطالبة بحقوقهم، في عملية بحث عن الذات، لأن في البحث عن الذات تلتقي جميع الديانات والثقافات، ويدرك كلٌّ من الفرد والمجتمع حقيقتَهُ المؤسِسَةَ للإدراك والدوْرِ الفعّالِ في الحياة.

حرص على إشاعة الإيمان بالله، باعتباره القيمة المشتركة عند أبناء الوطن الواحد، وبنى عليها إمكانية التغيير، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولإعطاء عملية التغيير مسارها القويم، فلا بد من إعادة تقييم الأخلاقيات الشخصية، فمن داخل الفرد تنبعث كل أمور الحياة، ومن رؤيته للأشياء كما هي - وليست كما في نفسه - تتقارب النظرات، ويصبح بالإمكان الاستماع إلى الآخر، والانفتاحُ على إدراكه والحصول على صورة الواقع الاجتماعي العام، بتفتيح الأذهان على ثوابت القيم تحددُ أسساً أخلاقية في العلاقات الإنسانية.

هذه خطوط عامة رسمها لنا الإمام السيد موسى الصدر، وكانت بداية إعلانه لمنهجه العملي في لبنان، منذ أول مرة صعد فيها المنبر في صور، إذ كانت بدايته تفتيح العيون على الصنميات والآلهة الأرضية وضرورة مقاومتها، ليمتلك الفرد رغبة التفهم والمقدرة على ضبط النوازع، والوقوف باستقلالية ليحقق إمكانية البدء بالحوار بعد أن حقق إمكانية الاستماع والإصغاء، ولن يتم له ذلك إن لم يستطع قول (نعم) بحرية، بعد أن يُحسن قولةَ (لا) بقوة.

والإيمان بالوحدانية الإلهية، وهو الأساس في العقيدة تبدأ بـ (لا)، فلا إله إلا الله، ومن خلال ما علّمنا سنسيرُ بقضيته ورفيقيه، وسنواجه ما جرى لهم وما يجري في أي مكان من العالم فيه استلابٌ وتسلط، لندرك أبعاد شهادة أن لا إله إلا الله، وندخل عالم الحوار وتطوير الحضارات، بعيداً عن مجادلاتٍ لتوقيع تسويات.

أرجو من العليّ القدير أن يهدينا إلى سلامة القول وصفاء التوجه بمباركة أيامنا هذه وقد عشنا قبل أيام ليلة الخامس عشرة من شعبان في تمثُّلِ معنى أن يخرج للناس من يبسط العدل بعد أن تُملأ الأرض جوراً، كما أننا نستقبل شهر الطاعة والمغفرة حيث تكون أجسادنا وعقولنا وقلوبنا ونفوسنا في صيام مُستَغفر.

وشكراً لكم للحضور والمشاركة والقيام برسم خطوط للحوار الحر.

وفّقكم الله ورعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وفقكم الله ورعاكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

source