رسالة مبدع فكرة "عام الامم المتحدة لحوار الحضارات"

calendar icon 08 تشرين الثاني 2001 الكاتب:محمد خاتمي

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السادس: "حوار الحضارات"
(كلمات الافتتاح)




يقرأها سعادة سفير الجمهورية الاسلامية الايرانية السيد محمد علي سبحاني

أيّها الإخوة والأخوات

أيّها الحضور الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد أقرَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاقتراح الذي تقدمت به الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإعلان سنة 2001 سنة حوار الحضارات. ومن الواضح أن هذا الإعلان لم يأت من باب الحصر أو التخصيص. فحوار الثقافات يمتد على امتداد التاريخ ليغطي الزمن كله. إذ لم يعرف التاريخ الإنساني لحظات غاب عنها الحوار بين المجموعات الفكرية والثقافية. فإذا كان حوار الحضارات قد استغرق كل هذه المسافة الزمنية الطويلة فإن "رقعته" كانت محدودة بعض الشيء. فلا يمكن العثور في الجغرافيا الطبيعية إلا على رقع معدودة هي التي شكلت مهداً للحوار اهتمت به واحتضنته.

يمكننا ملاحظة "تاريخ" الحوار من خلال النظر إلى "جغرافيته" كما يمكننا مناقشة "جغرافية" الحوار عبر ملاحظة "التاريخ". فلو توسعنا في هذا البحث لوجدنا أن رقعة لبنان الجغرافية تزخر بأحد أروع صفحات التاريخ الخاص بالحوار في أحدث صوره وأن هذه الصورة قد تركت آثارها الواضحة والملموسة في نفوس اللبنانيين لدرجة أننا لا نبالغ إذا قلنا أنه لا يمكن إدارة وتنظيم العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في لبنان دون ملاحظة الصورة تلك.

فما يتميز به لبنان في مجال حوار الثقافات والحضارات على اختلاف أشكاله هو الحوار بين الأديان والمذاهب. فإذا كان الحوار بين الأديان هو مشروع يؤدي إلى الارتقاء بمستوى الفهم الديني لدى المفكرين والمثقفين الملتزمين دينياً فإن هذا الحوار في لبنان يشكّل بالإضافة إلى تأثيراته هذه الطريق العقلاني والأخلاقي الوحيد لضمان حياة تزخر بالأمن والعدل والسلام والمحبة. فالتأمل نظرياً في مجال العقائد الدينية لمختلف الأديان يشكّل أحد السبل المتاحة لفتح المجال أمام الحوار، لا بل ان موضوع الحوار بين الله والإنسان في رأي المسيحية والإسلام يشكّل أحد أهم قضايا علم الكلام التي يمكن التطرق إليها "كقضية" في علم الكلام بين الإسلام والمسيحية. فالاله المسيحي هو "التعين" ويأتي الاهتمام بتعينه كخطوة أولى بسبب الحوار بينه وبين الإنسان. وليس من قبيل الصدف أن تكون المسيحية هي الوحيدة من بين مختلف المدارس الفلسفية والطوائف الدينية المتعددة التي تعمقت واستغرقت في تأملها حول قضية الحوار كموضوع يتصل بعلم الكلام.

ومن جهة ثانية فإن الإسلام يعتبر كتابه السماوي كلام الله وهو يحمل في طياته كل ما نزل على النبي من كلمات إلى بني البشر لـ "يستمعوا" إليه. وبالطبع فإن ديناً يعتبر كتابه كلام الله لا بد أنه يمنح أهمية كبيرة للإصغاء والاستماع. وها هو القرآن يبشر الذين يستمعون القول ـ القول بصفة مطلقة دون قيد أو شرط ـ فيقول وعزّ من قائل: ?فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب? [الزمر، 17-18].

وبعد هذا فإن المسلمين استناداً إلى هذا الحكم الصريح والواضح مكلفون وملزمون بالإصغاء لكلام غيرهم من الناس والتأمل فيه ومن هنا أيضاً فإنهم ملزمون بالمحافظة على شعلة الحوار مضيئة وهاجة والحفاظ على ديمومة هذه الشعلة وأنوارها بوجه الرياح والعواصف المدمرة.

فكما اختار الحوار مكاناً له في "التاريخ" وفي "الجغرافيا" فإنه يختار مكاناً له داخل عقول أناسٍ كبار وفي أفئدتهم وعلى ألسنتهم. وهكذا فإن الحياة الاجتماعية والسياسية والروحية لهؤلاء الناس تشكل تجسيداً رائعاً "للحوار" بحيث يمكننا ملاحظة تجسيداته داخل سلوكهم وحياتهم اليومية. ولا شك بأن حياة الامام موسى الصدر تشكل أسوة حسنة لكل المؤمنين بالحوار بين الأديان والثقافات ويعملون من أجله ويلتزمون بمقوماته السياسية والاجتماعية.

فالحديث عن الحوار بين الأديان سيحظى بقدر أكبر من الأهمية لو جاء في اجتماع يعقد للتداول بأفكار الإمام موسى الصدر بكل ما عرفناه عنه من رحابة صدر واستعداد للإصغاء والاستماع وقوة المنطق في التعبير. لا بد من اعتبار الإمام موسى الصدر رمزاً للحكمة والحوار والارتفاع فوق الحساسيات والحزازات ورمزاً للتلاحم والتضامن وكذلك رمزاً لتعزيز الثقة بالنفس وبلبنان الحبيب.

واليوم فإن هناك شعوراً متزايداً بين الأمة الإسلامية والمجتمعات العربية بالفراغ الذي شكله غياب الإمام موسى الصدر.

فتحية إكبار وإجلال لذكراه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

source