سبل ومعوقات حوار الحضارات

calendar icon 09 تشرين الثاني 2001 الكاتب:محمد السماك

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السادس: "حوار الحضارات"
(كلمات الجلسة الخامسة)

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب السماحة، أصحاب السيادة، السيدة رباب الصدر، الأخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اسمحوا لي قبل أن أقدم المحاضرين الثلاثة أن أبدأ بمداخلة تمهد لموضوع الحوار أو لموضوع هذه الندوة حول سبل ومعوقات حوار الحضارات، ولكن تستوقفني في هذا العنوان تساؤلات عديدة منها ماذا نعني بالحضارة؟ وهل هناك فعلاً حضارات بالجملة؟ أم حضارة إنسانية واحدة؟ وما هي الفوارق بين الحضارة والثقافة؟ وهل يشكل الدين حضارة، بمعنى هل المجتمع المتعدد الأديان يعني أنه مجتمع متعدد الحضارات؟ لعلنا نجد في مداخلات الأخوة المحاضرين إجابات على هذه الأسئلة. ولكن سوف أشير إلى ملاحظتين سريعتين، الملاحظة الأولى: هي أن الغرب ليس مسيحياً وبالتالي عندما نتحدث عن الغرب ثقافة أو حضارة فإننا لا نعني المسيحية بالضرورة.

الملاحظة الثانية: هي أن العرب ليسوا الإسلام وبالتالي فإننا أيضاً عندما نتحدث عن الإسلام ثقافة أو حضارة فإننا نعني إضافة إلى العرب شعوباً إسلامية عديدة أخرى، كما أننا لا نغفل المساهمة الكبيرة والرئيسية للمسيحيين العرب في هذه الحضارة أو الثقافة، ولا نتغافل عن الرواسب اليونانية التي أغنتها من خلال أعمال الترجمة التي بدأت في العهد الأموي والتي تستمر حتى اليوم. كانت الحضارة الغربية توصف بأنها حضارة إغريقية رومانية مسيحية. ولذلك كانت تعتبر اليهود الأوروبيين بأنهم شرقيون وكانت تضطهدهم وتحرمهم من حقوقهم الإنسانية وتعزلهم عن مجتمعاتها. تمتع اليهود بالمواطنة في عهد نابليون، إلا أن ذلك لم يحل دون اضطهادهم فيما بعد. لم يتمكن اليهود من التخلص من كابوس الحرمان والاضطهاد في أوروبا إلا عندما تمكنوا من أن يقنعوا العالم الغربي بأن حضارته أي حضارته الغربية هي حضارة يهودية مسيحية، وبالتالي فهم جزء منها.

إن هذا التوصيف للحضارة الغربية يضع الإسلام، ثقافة وحضارة، خارج إطارها ولذلك في كل مرة ينفجر صراع سياسي بين دولة غربية وأخرى عربية  أو إسلامية يوظف هذا الصراع لتحويل الاستبعاد إلى استعداء. وفي اعتقادي أن هذا الواقع يشكل أحد أهم معوقات حوار الحضارات. هناك معوق آخر لا يقل أهمية وهو أننا كمسلمين لم نتوفق بعد في تحديد العلاقة بين الدين والمجتمع، كما أننا لم نحسم خياراتنا حول النظام السياسي وآلياته التي تحدد العلاقة بين الحاكم والناس. أدى هذا التعثر إلى فراغ معرفي تنظيمي، بادر الغرب إلى ملئه بما اختاره هو لنفسه وما يعتبره إنجازاً إنسانياً يصح تعميمه على الآخرين. يرفض العالم الإسلامي أو بعضه على الأقل المبادئ الغربية ويعتبرها محاولة لتغريبه، أي لفك ارتباطه بالدين، الأمر الذي أدى في السابق ويؤدي اليوم إلى الاحتكاك الذي يأخذ أشكالاً مختلفة حادة أحياناً وهادئة أحياناً أخرى. ولكن في كل الحالات نواجه حالة من اثنتين، إما أن يصّور الغرب، ثقافة وحضارة، وكأنه وحش كاسر يريد أن يلتهم تراثنا ويذّوب شخصيتنا، وهذا خطأ، وإما أن نذهب في نرجسيتنا إلى حد الاعتقاد بأننا ملائكة منزّلين لا عيب فينا ولا نقص وأننا الكمال كله، بنا يصلح العالم وتسود العدالة، وبدوننا يعم الخراب والفساد وهذا خطأ أيضاً.

لا نستطيع أن ننكر أن الذاكرة التاريخية الغربية حافلة بصور العداء التشويهية للإسلام، وهي صور تعكس إصرار الغرب كما تقول الكاتبة الألمانية. فيغريد هونيوي في كتابها "الله ليس كذلك" تقول: الغرب يصر على دفن حقيقة الإسلام في مقبرة الأحكام التعسفية طمساً لمعالمه، وتحذر في كتابين آخرين لها "شمس الله تسطع على الغرب" و"قوافل عربية في رحاب القيصر" تحذر من أن هذا التصوير المشوه والممسوخ المتوارث منذ القرون الوسطى يحول عملية الاستعداء والاستكراه إلى حالة مرضية يرزح الغرب تحت كابوسها الحالي. ويعترف الكاتب البريطاني السكينغ شيلز في كتابه "الغرب والإسلام هتك الذاكرة" يعترف بأن الغرب لم يحاول أبداً فهم الإسلام في أي وقت من الأوقات، وإنه ظل دائماً رافضاً ومعادياً للإسلام، ولذلك بقيت صورة الإسلام مشوهة بصورة مطلقة في الوجدان الأوروبي.

ويقول الباحث السويسري روجيه دومسكويل في كتابه "إظهار الإسلام" إن الغرب سواء كان مسيحياً أو لم يكن، فإنه لم يعرف الإسلام على الإطلاق. ومنذ أن واجه الغرب انتشار الإسلام كدين سماوي لم يتوقف عن تحقيره وتشويهه من أجل إيجاد مبررات لاستعدائه ومحاربته. فتعرض الإسلام إلى تحريفات ما زالت أثارها مغروسة في العقل الأوروبي حتى الآن. فالإسلام بالنسبة إلى الكثير من الأوروبيين هو تعصب، جبلية، تعدد زوجات. ويحمّل هذا الكاتب السويسري في كتاب "المستشرقون" المسؤولية الأولى عن هذه الصورة المشوهة عن الإسلام، ويذهب إلى تجريد الدراسات الاسلامية، نعود إلى الكاتب السويسري وأنا حرصت فعلاً على أن استشهد بكتاب أعلام من الثقافة الغربية حتى يكون العرض موضوعياً.

يذهب هذا الكاتب السويسري إلى تجريد الدراسات الإستشراقية من التجرد العلمي، وهو يعزو ذلك إلى تاكيد الشعوب بالعنفوان الاستعماري الذي لم يتمكن المستشرقون من عزله عن دراساتهم وأبحاثهم.

كذلك لا نستطيع أن ننكر أن الغرب يعتبر نجاحه وتفوقه ثمرة أخذه بالرأسمالية وبالعلمنة وأن فشل العالم الإسلامي وسقوطه كما يقول المستشرق آنست ترينان بكتابه "الماركسية والعالم الإسلامي" يقول إن فشل العالم الإسلامي هو ثمرة التزامه بالدين، فيما يعزو العالم الإسلامي تفوق الغرب إلى ممارسة الاستعمار النهبي، ويغزو تأخر الشعوب الإسلامية إلى ما تعرضت له هذه الشعوب من استعمار وابتزاز وإلى ما واجهته من محاولات استهدفت ولم تزل تستهدف شخصيتها الدينية واستلحاقها بمراكز قوى معادية لها بدءً بهولاكو فالصليبيين فتيمورلنك وانتهاء بالغرب البورتوغال، إسبانيا، وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وحديثاً أميركا.

إذا كان ذلك يعني حتمية الاحتلال بين الغرب والاسلام فإنه لا يعني بالضرورة حتمية الخلاف، فالتعايش بينهما يمكن أن يتحقق مع الاختلاف شرط ان لا يعمل أي منهما على إلغاء الآخر بالقهر والاذعان.

إن سلام العالم يتعزز بتفاهم الغرب والاسلام وليس بتصارعهما، ولكن في الوقت الذي نلاحظ أن الغرب بعد الدراسات والمخططات والبرامج استعداداً لأي من الاحتمالين، أي التفاهم أو احتمال الصراع فإننا لا نجد في المقابل في العالم الإسلامي من اندونيسيا حتى المغرب أي جهد ابداعي يتعدى حدود الانتظار أو مجرد ردات الفعل العادلة.

وأخيراً من الواضح أن ثمة شعوراً في العالم الإسلامي بأن العلاقات مع العالم الغربي تمر في مرحلة التأسيس لصراع عقائدي حضاري يستهدف إلغاء الآخر وأن الآخر المستهدف بالإلغاء أو الاستعداء هو الإسلام.

إذا كان بعض المفكرين الغربيين يرتكبون جريمة التأسيس لهذه الإيديولوجية الحقيرة فإن المفكرين الإسلاميين باستنكافهم عن تسفيه هذا الفكر المعادي وبعدم تصديهم لمنطقة يرتكبون من حيث لا يدرون جريمة الاستسلام له والرضوخ لصراع غير متوازن وغير متكافئ.

فالحوار يجري بين فكرين مختلفين وليس بين فكر وسكين. ومن شروط الحوار الانفتاح على الآخر المختلف وليس رفضه وإدانته والحكم عليه مسبقاً.

لا يمكن التوجه إلى طاولة الحوار مع اتهام مسبق للآخر فكراً ونوايا، فالحوار هو ثمرة البحث عن الحقيقة في وجهة نظر الآخر.

source