باسمه تعالى
أيها الأعزّة......
لا أجد لنفسي قولاً أولى من قول الإمام السيد موسى الصدر إذ يخاطب كل فرد فيكم في مهاجركم، فإذا كل فرد قد امتلك كيانه بقوله: ( فوجودي كله مَلأت، وعلى مشاعري سَيطرت، وبأجمل الذكريات غَمرت)، ولم يكن الإمتلاء بوجوده تعبيراً عاطفياً، أو شكراناً لجميل، وإحتفاءً كريماً، واستقبالاً بهيجاً، فهو يرى أنك (في هذه كلها ارتفعت عن مستوى الشكر اللفظي والخطي، ثم إنك ارتفعت في غايتك وسموت في أهدافك، فما قصدت شخصاً، ولا اندفعت لصلة مادية، بل قصدت وجه الله).
التسامي الذي رآه الإمام الصدر في المهاجر، والاعتماد على الله وعلى الذات، وتحقيق الشخصية ذات الطابع المميز، إن كان في ما غيّر من نمط سلوكه وطريقة عيشه، أو كان في تحمُّل أعباء الأهل والبلد والولد، هذه الشخصية التي هجرت الحرمان في الوطن لتحقق الذات الإنسانية، وإن كان بتحمل الحرمان من العيش بالوطن. أقول هذه الشخصية جعلت الإمام الصدر ينظر إلى المهاجر أنه قضية هي في صلب أهدافه، هي خط من خطوط ما يرسم للحياة الحرة الكريمة لإنساننا العاملي بالخصوص واللبناني بشكل عام.
المهاجر عند الإمام السيد موسى الصدر، وفي كل وعي إنساني وإجتماعي سليم هو قضية، فهو من جانب يهرب من حرمان قائم في بلده فيرمي نفسه بالمجهول، فيشكِّل فقدان يد عاملة مُنتجة، ويُبعد عن ساحة الحركة الاجتماعية حيوية شابّة، والمهاجر هو من لا تُنسيه الهجرة الأهل والأحبة، فيعمل للتخفيف عنهم باستدعاء قوة شابّة أخرى، وقد تتعدى عدّة أفراد. ولكن مقابل هذا المظهر السلبي، هناك إيجابيات عميقة التأثير، مثيرة للنهوض، فاستدعاء الأخوة والأقارب إحساس كريم ومشاركة نبيلة المشاعر يعبّر عما سمّاه الإمام الصدر بالثورة، فالمهاجر لم يحقد ولم تأخذه سلبيات حياته في البلاد، بل دفعته وضمن إمكاناته وبقدر ما يستوعب من الحلول ليخفف عن بيئته ومحيطه معاناة حرمان، وليس باستدعاء أخوة فحسب بل بإعمار البلاد وإنمائها عن طرق هامة جداً أبرزها دعم مدارس وجمعيات تعمل للعلم وللرعاية إلى جانب استثمار أمواله في البلاد بالبستنة أو البناء وسواهما. بينما لا نجد بالمقابل أي سياسة للاهتمام من قريب أو بعيد من ممثليات الدولة في بلدان الهجرة، حتى أن هذه الممثليات لا تستطيع أن تقدّم رقماً حقيقياً لعدد المهاجرين.
من هنا نشأت القضية، ومن هنا تحدد الهدف عند الإمام الصدر، بأن يعمل على إعداد دراسة للهجرة في أبعادها المختلفة، ودراسة للطاقات المتعددة المتوفرة في بلاد الهجرة وفي القوة البشرية المهاجرة، ليتوصل إلى إمكانية استفادة من القدرات، وتفجير للطاقات وتنظيمها ليكون الوطن داخلاً في الهجرة، والهجرة عمدة في الوطن، والمهاجر فردياً قائم بهذا، والمقيم فردياً ناهض فيما يقوم به المهاجر، والمناطق التي تحوم حولها روح المهاجر الهائمة عشقاً بالوطن، تنالها متغيرات اجتماعية واقتصادية، ولكن دون أن تكون متناسقة النماء على كامل الأرض اللبنانية، والهجرة فيها من كامل الأرض اللبنانية رجالاً لهم قدراتهم الاجتماعية والمادية، ولهم علاقاتهم ونفوذهم في بلاد الهجرة إن كان مع الدولة أو مع الجماعات البشرية المؤثرة، مما يمكن تحريكه لصالح النهوض في لبنان اقتصادياً واجتماعياً. وإنه من المؤسف جداً أن السياسة في لبنان عندما اكتشفت أن في المهاجر اللبناني طاقة، إكتشفتها بنظرة متحولة، وخطت إليها خطوة متعثرة، ولقد أراد الإمام الصدر أن تكون غير ذلك، وإخواننا الذين حضروا سفرته الأولى إلى إفريقيا الغربية سنة 67 لاحظوا أن موفد الخارجية اللبنانية كان في كل الجلسات التي زارها الإمام وتحدث مع المهاجرين في الولائم التي أقيمت على شرف الإمام بحيث أحسّوا أن الإمام يؤيد الفكرة، ولم يكن عنده مانع من ذلك لو استقامت النظرة واعتدلت الخطوة، لأنه يرى في المهاجر ما لا يرون، يرى كما قال: ( عشت معك الثورة في مبدأ هجرتك، فلا استسلام لوضع اجتماعي موروث، ولا خضوع لفكرة متخاذلة ولا وهن أمام مفاهيم سطحية ) هكذا رأى، ولكنهم رأوا غير ذلك. ونحن مع نظرته نريد سياسة تحسن صناعة نسيج واحد بين مهاجر ومقيم. ونرجوا أن يكون في لقاءاتنا ما يدلنا على طريق الأداء الحق. شكراً لمشاركتكم وكل عام وأنتم بخير.
