ورد في وسائل الإعلام قبل أيام أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قررت تعيين نائب رئيس الجمهورية للشؤون القانونية والنيابية السيد احمد الموسوي لمتابعة موضوع تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه· هذا القرار الذي صدر بعد مرور 29 عاماً على غياب الإمام الصدر ورفيقيه، وفي ظل الاجواء السياسية الخلافية القائمة في لبنان اليوم، أثار انتباه المراقبين، كما انتباهنا، نظراً لأنه جاء بعد هذه المدة الطويلة على الغياب والتغييب على الاصح، ولأنه يطرح الكثير من الاسئلة حول الاسباب، والابعاد، والمحاذير، والمهمة· فهل سيطالب السيد الموسوي بوضع اليد على التحقيقات التي حصلت وتحت أي صفة؟ لأنه إذا طالب بذلك كدولة إسلامية، فإنه يمكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي أو لأي دولة إسلامية أخرى كالسعودية، والإمارات، أو قطر، أو باكستان أن تطالب بذلك أيضاً! وما هي محاذير هذه المطالبة اليوم في ظل بركان يغلي في لبنان، سياسياً، وأمنياً، واجتماعياً، منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحتى اليوم، لا يزال يرخي بآثاره على الجميع، اغتيالات، وعبوات ناسفة متنقلة، وشهداء يتساقطون على الطرقات وزراء نواب وإعلاميون ومواطنون عاديون؟ وهل أن هذا الإعلان يعني أن لبنان بكل أطيافه وإمكانياته عجز، أو تكاسل، ألو لم يبالِ، بمتابعة ذلك التحقيق وبالتالي يتحول الى اتهام للبنان بإحدى هذه الأمور الثلاثة؟ هذا ما قاله لنا أمين عام مجلس الوزراء اللبناني الأسبق الدكتور عمر مسيكة الذي كان أول من تولى مسؤولية التحقيق في هذا الموضوع مع السلطات الليبية والإيطالية عندما سألناه حول الموضوع، وكانت البداية حول معرفته بالإمام الصدر وعلاقته معه من موقعه الذي كان يتولاه، وماهية ما يعرفه حول الإمام فقال: بداية تعارف بداية، كنت كأمين عام لمجلس الوزراء اللبناني على علاقة تواصل مع كافة الشخصيات السياسية والاجتماعية في لبنان، وفي تلك المرحلة كان شقيقي جودت مسيكة يقيم في بلدة "كيفون" صيفاً الى جانب صديقه الرائد في الجيش اللبناني فاروق آغا وقد زرته يوماً كعادتي، فذكر لي أنه وصديقه تعرفا على رجل دين مميز، محاور جيد، ظريف، لطيف، ومحدث لبق وأديب التقياه في كيفون ويدعى الإمام موسى الصدر، ويتمنيان أن أتعرف عليه لغزارة علمه وقدرته الفائقة على اكتساب الاصدقاء والمعارف فكان اللقاء والتعارف· بعد ذلك، توسعت حركة لقاءات الإمام بالناس، فكنت ألتقي به في المنتديات العامة، واللقاءات، والاجتماعات، وتعزز موقعه الديني والاجتماعي، وانطلق مشروعه لإنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى، وابتدأ العمل من أجل إنشائه بدعم نيابي وشعبي وديني علمائي، وتحول المشروع الى لجنة الإدارة والعدل النيابية لدراسته وكان من المفروض مشاركة ممثل للحكومة في الاجتماع فكلفت من قبل رئيس الحكومة بذلك· كان رأيي واضحاً منذ البداية، وهو أننا طالما نعيش في ظل نظام طائفي، فإن من حق كل طائفة أن تعمل على ترتيب بيتها الداخلي، لمتابعة قضاياها وشؤونها ومطالبها· ولكن من المفروض العمل على ألا يكون ذلك بداية لتفكك الطائفة الاسلامية في ما بينها وهذا ما ناقشته مع سماحة الامام حيث اكدت على ضرورة الوحدة الاسلامية خاصة وأن سماحة مفتي الجمهورية يتولى رئاسة المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى ومجلس القضاء الاعلى الذي يضم رؤساء المحاكم الشرعية الاسلامية والموقع مرتبط برئاسة مجلس الوزراء، وقد وافقني الإمام على أن لا يكون لإنشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى أي تأثير على رئاسة مجلس القضاء وعلى العلاقة مع مجلس الوزراء أو العلاقات الاسلامية - الاسلامية، فكان موقفه متطابقاً مع طرحي ونقلت هذه الصورة الى رئاسة مجلس الوزراء وكان إنشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى· الحدث - المفاجأة في هذه المرحلة عام 1975 كانت الاحداث في إيران تغلي، وشاه إيران على خلاف مع السادة العلماء المسلمين الشيعة ومرجعياتهم في قم، وإذ بي أتلقى كالعادة بريد رئيس الحكومة، وأفاجأ برسالة ضمنه من السفارة الإيرانية في بيروت بواسطة الخارجية اللبنانية تنقل طلباً لوزارة الخارجية الإيرانية الى لبنان وبالتحديد الى رئاسة الحكومة اللبنانية يتضمن دعوة رئيس الحكومة لاستدعاء الإمام الصدر وسحب جواز السفر الدبلوماسي الإيراني منه بعد قرار إيران بسحب الجنسية عنه· أولاً: فاجأني الطلب لأني أعرف أن الإمام الصدر لبناني الجنسية، ولم أكن أعرف أنه يحمل جنسية إيرانية وجواز سفر دبلوماسياً إيرانياً كموفد الى لبنان، ثانياً، لأن الرسالة موجهة الى موقع إسلامي سني للطلب اليه سحب جواز سفر عالم من علماء الشيعة هو رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، وفي ذلك حساسية بالغة لسنا بحاجة اليها، ثانياً، انه كان بإمكان إيران أن تبلغه بذلك رسمياً عبر سفارتها في بيروت، وأن تعمم على سفاراتها إلغاء جواز سفره الدبلوماسي، أو تنتظر انتهاء مدة جوار السفر ولا تجدده، فلماذا تريد تحميل موقع رسمي إسلامي سني هذه المسؤولية ولبنان يعيش ما يعيشه في مطلع الأحداث اللبنانية؟! حملت الرسالة الى رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص، وأبلغته برأيي وبأنني أرتأي أن أضع هذه الرسالة في المحفوظات، وأن لا تتخذ أي إجراء على اساسها بناء لما ذكرته من أسباب، وانتهى الموضوع عند هذا الحد· نهاية الشاه بعد فترة كنت في باريس عام 1976، بسبب الاحداث اللبنانية، وكنت أطالع صحيفة "اللوموند" يومياً، وقد طالعت افتتاحية فيها بعنوان "نهاية الشاه" ولم يكن الانقلاب على حكم الشاه قد حصل، وفهمت من المقال أن خصوم الشاه كانوا العلماء، وبما أن الإمام الصدر كان على علاقة جيدة مع الإمام الخميني رحمه الله، المقيم في فرنسا، فقد ربطت بين علاقته معه وبين طلب الخارجية الايرانية سحب جواز السفر الدبلوماسي منه، وأدركت أن العلاقة لا بد وأن تكون سيئة بين الإمام الصدر وشاه إيران، وبالتالي خفت عليه كصديق لأننا في تلك المرحلة كانت علاقتنا قد توثقت خاصة بعدما رأيته يهتم كثيراً بتعزيز وجود الكفاءات لدى أبناء الطائفة الشيعية في لبنان، ودعمه للحركة التربوية، وسعيه الى تحسين وضع التعيينات لصالح الشباب المسلم الشيعي الكفؤ، إذ إن هذه الكفاءات لم تكن سابقاً بالمستوى نفسه، إذ كنا نضطر أحياناً عندما تقام مباريات في مجلس الخدمة المدنية بشأن الوظائف لا نحظى بالعدد الكافي من المرشحين الشيعة فكنا نضطر أحياناً الى سد النقص من السنّة دون أن تعترض القيادات الشيعية كالرئيس صبري حمادة والرئيس عسيران والرئيس الاسعد لإدراكهم لواقع ذلك النقص، وهو ما سعى الإمام الصدر الى سد النقص فيه، وكان يراجعني دائماً بهذه الامور مباشرة كصديق ويجد لدى رئاسة الحكومة كل تجاوب إذ لم يكن أي رئيس للحكومة يعترض على ذلك بل كانوا يصرون على ضرورة وجود الكفاءات لدى كل الطوائف لتحقيق الطوائف في التعيينات· السؤال: لماذا اليوم؟ وتابع: هذا كله يجدد تساؤلي: الإمام لبناني، وهو رئيس طائفة كريمة في لبنان، كان له دور سياسي وديني وقيادي في لبنان، ولبنان لم يتخل يوماً عن المطالبة بالوصول الى الحقيقة في عملية اختفائه أو تغييبه مع رفيقيه، وكانت الحكومات اللبنانية المتعاقبة كما رؤساء الجمهورية جميعاً ورؤساء المجالس النيابية يولون الاهتمام دائماً لمتابعة التحقيق، كما أن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية المرحوم ياسر عرفات عمل لفترة طويلة على متابعة الموضوع مع الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي، معتبراً أن الإمام خط أحمر، وأنه الأساس للمقاومة اللبنانية في مواجهة العدوان الاسرائيلي، وكانت المقاومة الفلسطينية تتولى تدريب الشباب المجاهدين معه، واللبنانيين جميعاً بمسلميهم ومسيحييهم كانوا معه، وقد حاولت كل الجهات والاطراف اللبنانية، من موالين ومعارضين، دائماً الوصول الى الحقيقة وقد قمنا بتحقيقات موسعة وشاركت فيها الجهات الامنية اللبنانية والايطالية وحتى الفرنسية باعتبار أن الإمام كان يحمل "فيزا" الى باريس قبيل اختفائه، ولم يتوصل أحد الى أي دليل قاطع وثابت حول الاختفاء وقد كنت ممثل الحكومة في هذا التحقيق وسافر الى ليبيا والى روما وعدت واجتمعت بالمحقق القاضي معين عسيران يومها وقدمت له كل ما لديّ من معلومات ولم يصدر بعدها قرار نهائي، وأغلقت روما التحقيق، وكذلك ليبيا دون التوصل الى نتيجة قاطعة، فلماذا اليوم وبعد 19 سنة تعود المسألة الى الجمهورية الاسلامية الإيرانية؟ وهل من جديد يقف وراء فتح الباب حول هذا الموضوع أم أن هناك أسباباً سياسية لا نعرفها بعد؟! ثلاثة احتمالات ونسأل: ماذا عن التحقيق الذي قمت به يومها وهل آنك بعد 29 سنة كوّنت رأياً أو وجهة نظر وتساؤلاً معيناً حول ما حصل؟ يقول الدكتور عمر مسيكة: قبل أن ألج في التحقيق وتفاصيله أشير الى أن الانطباع تكون لديّ يومها حول احتمالات ثلاثة: أولاً: أن يكون موقفه المساند للإمام الراحل السيد الخميني رحمه الله قد أدى الى عملية مخابرتية "للسافاك" لاستهدافه ورفيقيه خاصة وأن تغييبه تم في مرحلة الثورة على الشاه وإعلان الاحكام العرفية وفي ظل استقالات وإقالات واعتقالات واسعة في إيران كان الجيش الإيراني ومخابراته فيها لا يزالان على الولاء للشاه، فعند تغيير الدول يمكن ان تحصل أي عملية من هذا النوع بسرعة وبالخفاء· ثانياً: إن إسرائيل كانت تعتبر التلاقي في ما بين ياسر عرفات والإمام موسى الصدر على المقاومة في أرض الجنوب، حالة وحدة بين عدوين لدودين لها يصلهما الدعم من ليبيا، ويجب التفريق بينهم وإثارة الخلافات في لبنان لإشغال العرب وخاصة اللبنانيين والفلسطينيين عن ما كان يجري تمريره في كامب ديفيد خاصة وأن لقاءات كامب ديفيد يومها ترافقت مع نقل وحدات مدرعات من منطقة السويس الى الحدود الليبية أيضاً، وهذا يمنع احتمال تعاون بين "السافاك" و"الموساد" للقيام بمثل تلك العملية· ثالثاً: إمكانية وجود خلافات بين النظام الليبي والإمام الصدر حول الدور الذي كانت تريده ليبيا من الإمام الصدر على صعيد الوضع اللبناني ورفض الإمام لهذا الدور الذي لا ندري أبعاده وحدوده، وهنا الاحتمال الثالث رغم أني على ثقة تامة أن رفاق الإمام وأبناء الطائفة الاسلامية الشيعية الكريمة قد يرون أنه الاحتمال الاول والأصح وطبعاً لكل منا رأيه طالما أن الحقيقة لم تظهر بعد وهي خاضعة لكل الاحتمالات، خاصة وأن الاتهام وجه مباشرة الى ليبيا قبل حصول التحقيقات من خلال السياسيين والإعلام معاً وبسرعة كبيرة ملفتة، ولم يثبت شيء حتى اليوم· الارتباك الليبي أما بشأن التحقيق، يتابع د· عمر مسيكة، فقد اجتمع مجلس الوزراء اللبناني عندما ظهر موضوع اختفاء الإمام ورفيقيه، وتم النقاش حول الوفد الذي سيقوم بزيارة ليبيا للتحقيق بالاختفاء وارتأى الجميع أن يقوم أمين عام مجلس الوزراء مع ضابطين من الشعبة الثانية بالسفر وتم اختيار الرائد نبيه فرحات والملازم نصوح مرعب يومها بالسفر معي الى ليبيا وإيطاليا، فقمت مباشرة بالاتصال بالقائم بالاعمال الليبي في بيروت طالباً "الفيزا" لنا الثلاثة، فأبلغني أنه لا يستطيع الموافقة قبل المراجعة، قلت بأنني سأنتظر ربع ساعة، وبعدها اتصلت ثانية فبدا مربكاً لأن الإعلام اللبناني كان قد ألصق التهمة مباشرة بليبيا طبعاً عن ألسنة المسؤولين، فكيف يمكن لنا أن نقول له أنت متهم ونحن آتون إليك للتحقيق دون أن يراجع مسؤوليه، فقلت له بأن الامام الصدر رئيس لطائفة في لبنان، ورئيس لمجلس اسلامي شيعي بينهم وزراء ونواب تحت رئاسته وأنني لم أحصل على "فيزا" خلال نصف ساعة فسأطلب الإعلام وأبلغهم بأن ليبيا تعرقل سفرنا منعاً لحصول التحقيق، ويبدو أنه سارع للاتصال بالخارجية الليبية وبعد عشر دقائق اتصل بي ليعلمني أنه تمت الموافقة على منحي "الفيزا" فقط دون العسكريين وكأمين عام لمجلس الوزراء· السفر إلى روما ثم ليبيا عندها قررت السفر الى روما أولاً مع الضابطين المسؤولين، ووصلنا الى قاعة الترانزيت حيث كان بانتظارنا القائم بالاعمال اللبناني ومدير شركة طيران الشرق الاوسط هناك، وبعد أربع ساعات غادرت الى ليبيا، وبقي الضابطان في روما لمتابعة التحقيق· وفي ليبيا استقبلت على المطار رسمياً، وأبلغت أن لديّ جناحاً محجوزاً في الفندق كضيف على الحكومة الليبية، فاعتذرت وقلت بأنني سأذهب الى بيت السفير اللبناني لأني لم آتِ كضيف بل في مهمة رسمية وبالفعل نقلت الى منزل القائم بالاعمال اللبناني نزار فرحات حيث باشرت فوراً بوضع تقرير حول ما يعرفه منذ دخول الامام الصدر الى ليبيا وحتى غيابه واختفائه وماذا فعل بعد غيابه· وكنت قد عقدت في روما اجتماع عمل مع القائم بالأعمال اللبناني الاستاذ نقولا جبور بحضور الرائد نبيه فرحات والملازم نصوح مرعب فور وصولي في 1978/9/13 وكانت المعلومات المتوافرة لديه أن دوائر مطار روما أفادت أنها لا تملك أي معلومات عن تواجد الإمام وصحبه، وأن المعلومات الصحافية المتوافرة وأبرزها من صحيفة "الوطن" الكويتية و (أ·ف·ب) مختلفة منها: - إن الإمام موجود في إيران· - إن الإمام توجه على متن طائرة خاصة من ليبيا الى أحد الموانئ البحرية حيث توجه منها الى باخرة باتجاه إيران· - إن الامام وصل بطريق الترانزيت الى مطار روما وكان بحوزته بطاقات سفر عديدة· ونظراً لكون المعلومات الصادرة عن إدارة المطار غير كافية، ولأن المعلومات الصحافية لا يجوز الاخذ بها دون تدقيق لفت نظر القائم بالاعمال الى أن النقاط الاساسية التي يجب أن تتمكن بعثة الضباط من البحث فيها هي التالية: 1 - التثبت من وصول الإمام وصحبه الى المطار في روما· 2 - تتبع مسيرة الإمام وصحبه بعد وصوله الى روما: هل دخل إلى روما؟ أم دخل الى الترانزيت؟ والى أين اتجه بعد ذلك؟ وقد أجاب السيد جبور بأنه أجرى اتصالات مع السلطات الايطالية بشـأن تسهيل مهمة البعثة اللبنانية وأن عناصر من الامن الايطالي ستكون بتصرف البعثة منذ دخولها، وعلى هذا تابعت سفري الى ليبيا على أمل العودة الى روما لاستكمال المعلومات· ماذا قال فرحات؟! جلست مع القائم بالأعمال اللبناني الاستاذ نزار فرحات محاوراً لتركيز المعلومات المتوافرة لديه فقال: لم يكن لديّ أي علم مسبق بزيارة الإمام الى ليبيا، ولهذا لم أكن في استقباله، كما لم يكن لديّ أي علم عما إذا كانت الزيارة خاصة أم بدعوة رسمية، وقد علمت بوجوده في ليبيا لأول مرة، حوالى السـاعة الحادية عشرة مـن قبـل ظهـر الاثنين الواقع في 1978/8/28 عندما اتصل بي هاتفياً السيد عباس بدر الدين من فندق الشاطئ وأبلغني أنه موجود بصحبة الإمام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب وطلب مقابلتي· وقد حضر بعد قليل الى السفارة برفقة السيدين منح الصلح وبشارة مرهج، وطلب الثلاثة توصية من السفارة اللبنانية الى السفارة الفرنسية، لإعطائهم مهمة دخول الى فرنسا، وقد ذكر السيد عباس بدر الدين بهذه المناسبة أن الإمام والشيخ محمد ينويان التوجه من ليبيا الى فرنسا، وأنهما يرغبان في معرفة ما إذا كانت التأشيرة الفرنسية الموجودة على جوازي سفرهما لا تزال صالحة للاستعمال لانه سبق لهما أن دخلا بموجبها الى فرنسا في وقت سابق· وقد أجرينا اللازم للحصول على السمات المطلوبة، وفي مساء ذلك اليوم قمت بزيارة الإمام في فندق "الشاطئ" وخلال الحديث سألته عن المدة التي ينوي قضاءها في ليبيا فقال: أنا أنتظر تحديد مواعيد لقاءات ومقابلات رسمية وآمل أن تجرى هذه المقابلات في أقرب وقت لأنني أعتزم السفر الى باريس، وسألته عما اذا كان سيبقى في ليبيا لحضور احتفالات الفاتح من أيلول فقال: إن الامر يتوقف على المقابلات، وآمل أن تتم قبل موعد الاحتفالات لأنني مضطر الى السفر، فإذا تمت قبلها أسافر فوراً وإذا قيل لي أنه لن تكون هناك مقابلات أسافر فوراً، هذا مع الإشارة الى أن الإمام لم يذكر غير باريس كوجهة سفر يقصدها· وقد دعوت الإمام وصحبه الى الإفطار (كان شهر رمضان المبارك يومها فــي أواخـره) فــوعد بتـــحديد مــوعد تلبــــية الدعــــوة صــباح الــيوم التالي، وقبل ظهر الثلاثاء 1978/8/29 اتصل بي السيد عباس بدر الدين وقال: إن سماحة الإمام يفضل ان يكون الافـــــــطار يوم الاربــــعاء 1978/8/30 لانه مشغول يوم الثلاثاء، وقد قمت يوم الثلاثاء بزيارة الإمام في الفندوق في الصالون العام لمدة نصف ساعة تقريباً وكانت الاحاديث عامة، والتقيت سماحته مرة اخرى ظهر الاربعاء 1978/8/30 في فندق الشاطئ وكنت بصحة السفير جوزف سماحة· وفي مساء اليوم نفسه لبّى الإمام وصحبه عودد من المدعوين دعوتي للافطار في السفارة، ولم تخرج الاحاديث خلاله، عن النطاق العام، وذكر لي السيد عباس بدر الدين إن الإمام وصحبه قابلوا رئيس مكتب الاستقبال الخارجي السيد احمد الشحاتي وانهم كانوا مرتاحين لهذه المقابلة، وسألت السيد عباس عن المواضيع التي يبحثونها خلال زيارتهم فقال بأن معظمها يتعلق بجنوب لبنان وقضايا المهجرين وصمود ابناء القرى الجنوبية· من جهته ولدى سؤاله عن المقابلات التي يجريها قال الإمام انه ينتظر تحديد مواعيد لمقابلات مع شخصيات رسمية مهمة دون ان يسمي هذه الشخصيات، وقد بدا الامام فور انتهاء الافطار انه مستعجل للغاية للعودة الى فندق الشاطئ لدرجة انه لم ينتظر عودة سائق السيارة الخاصة الموضوعة بتصرفه المتغيب لتناول الافطار، وقد ألحّ عليّ أن أؤمن له العودة ولو بتاكسي وهذا ما حصل بالفعل حيث غادر والوفد المرافق فور الانتهاء من تناول الطعام، قائلاً انه ينتظر مكالمة هاتفية او دعوة سريعة لإجراء مقابلة، وانه بالرغم من اعطائه رقم هاتف السفارة لفندق الشاطئ حتى يصار الى طلبه عند الاقتضاء يفضّل ان يكون في الفندق شخصياً، وقد تكوّن لدي انطباع ان هذه المقابلة على جانب من الاهمية بالنسبة للإمام، ولدى مغادرته السفارة أكد لي أنه سيبقى على اتصال في ما بيننا· وقبل ظهر الخميس 8/31 حاولت مراراً الاتصال هاتفياً بفندق الشاطئ لمحادثة الإمام لكنني لم أوفّق بسبب انشغال الخط الهاتفي، وحيث أن جوازات السفر العائدة لكل من السادة: منح الصلح، بشارة مرهج، وعباس بدر الدين كانت لا تزال لدى السفارة اللبنانية بعد إنجاز الحصول على التأشيرة الفرنسية فقد توجهت شخصياً الى الفندق حوالى الواحدة ظهراً لمقابلة الإمام وتسليم الجوازات ولكن قيل لي أنهم غير موجودين في غرفهم، فسألت اللبنانيين النازلين في الفندق عما إذا كانوا قد التقوا اليوم الإمام، وكان من جملتهم السادة بشارة مرهج وأسعد المقدم والسفير جوزف سماحة فقالوا بأنهم شاهدوا الامام وصحبه أكثر من مرة داخلين الى الفندق وخارجين منه وكانوا بحالة عجلة، وبقيت في الفندق حوالى نصف ساعة مع السفير سلامة غادرت بعدها عائداً الى السفارة بعد أن سلمت جوازات السفر الثلاثة الى السيد بشارة مرهج لتسليمها الى أصحابها· وبعد موعد الافطار بقليل من ذات اليوم، الخميس 8/31 عدت مرة اخرى الى الفندق للسؤال عن الإمام، فاتصلت هاتفياً بغرف الإمام والشيخ يعقوب والسيد بدر الدين فلم يرد أحد، سألت الاستعلامات فأشاروا علي بالاتصال مرة اخرى بالغرف عبر الهاتف المباشر ولم احصل على جواب قطعي، وسألتهم: هل لا يزال الامام وصحبه في الفندق ام انهم غادروه، فلم احصل على جواب قطعي وقالوا بأنهم لا يعلمون على وجه التحديد إذا كان الإمام وصحبه لا يزالون في الفندق أم أنهم غادروه مع الإشارة الى ان الفندق كان يعج في ذلك اليوم بعشرات الوفود ومئات الاشخاص الوافدين بسبب الاحتفالات وكان بادياً بوضوح ان الموظفين كانوا يعملون في دوامة من الانهاك بسبب كثرة الناس من جهة، وبسبب القرار الذي اتخذ بنقل النزلاء العاديين من الفندق الى أماكن أخرى لإعطاء أماكن للوفود والشخصيات الرسمية· ···
29-6-2007
الأمين العام السابق لمجلس الوزراء د· عمر مسيكة يتابع ذكرياته عن التحقيق في اختفاء الإمام الصدر
جلود: الإمام غادر ليبيا بسرعة ربما بسبب انشغالنا باحتفالات الفاتح من أيلول
نتابع اليوم، اللقاء مع الدكتور عمر مسيكة أمين عام مجلس الوزراء اللبناني الاسبق وأول من تولى التحقيق في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه بعد رحلته الى ليبيا في أواخر شهر آب 1978، والمتابعة تبدأ حتماً من حيث توقفنا، ولذا نستبقها بالذكر أن كافة المصادر الإعلامية العربية واللبنانية في تلك المرحلة تناقضت في حديثها عن الزيارة·· فمنها من قال أنها جاءت بناء لطلب الإمام السيد موسى الصدر وجهه الى السفارة الليبية في القاهرة وأنه أبدى رغبته هناك بالسفر الى ليبيا خلال شهر رمضان المبارك فتجاوبت السفارة معه وأبرقت للخارجية ووجهت له دعوة· ومنها قول الإمام نفسه للعديدين، بناء للتصريحات، أنه غادر الى ليبيا في زيارة خاصة للقاء بعض القيادات الليبية· ومنها ما ذكرت أن الرئيس هواري بومدين توسط له لدى العقيد معمر القذافي لاستقباله لإصلاح العلاقة المتأزمة بين الطرفين· ومنها بيان وزارة الخارجية الليبية الذي ذكر أن الزيارة تمت بناء لاتصال من ممثل الإمام في الجزائر السيد عصام مكي بالسفارة الجزائرية هناك لطلب الفيزا· في مطلق الأحوال، نتابع هنا ما قاله القائم بالاعمال اللبناني نزار فرحات لأمين عام مجلس الوزراء· الغياب والتساؤلات وأضاف القائم بالاعمال اللبناني الاستاذ نزار فرحات عارضاً لمعلوماته أثناء إجابته على أسئلتي فقال: أود هنا أن أشير الى أن السيد عباس بدر الدين اتصل هاتفياً بالسفارة وأنه سأل عني· وعندما قال له الحاجب بأنني غير موجود قال بأنه سيتصل مرة أخرى· كان ذلك حوالى الساعة 13.30 من ظهر الخميس في 1978/8/31 · وفي صباح 1978/9/1 توجهت الى فندق الشاطئ مرة أخرى للسؤال عن الإمام، وعندما اتصلت بغرفة السيد عباس بدر الدين وجدتها مشغولة من شخص أجنبي، ولم يرد أحد في غرفة الإمام أو الشيخ محمد يعقوب· ولدى سؤال إدارة الفندق أجابت بأن الإمام وصحبه غادروا الفندق· وفي اليوم نفسه، التقيت عدداً من اللبنانيين النازلين في الفندق وسألتهم عن الإمام وصحبه فأجابوا بـأنـهم لــم يروهــم مـنذ مــساء 1978/8/31 وأنهم يعتقدون بأنهم سافروا ولم يبقوا لحضور الاحتفالات· وفي ذلك التاريخ لم تتوافر لديّ أية معلومات أخرى· قبل ظهر الاثنين في 1978/9/11 اتصل بي هاتفياً من بيروت الشيخ محمد شمس الدين للسؤال عن الوجهة التي قصدها الإمام بعد مغادرته ليبيا؟ فأجبته: حسب علمي كان يرغب في التوجه الى باريس بعد انتهاء زيارته الى ليبيا· ولم يذكر لي الشيخ محمد شمس الدين بأن أخبار الإمام مقطوعة· وقد علمت بذلك من مخابرة هاتفية تلقيتها في اليوم التالي من السيد نقولا جبور القائم بأعمال السفارة اللبنانية في روما· اتصلت مع أمانة الخارجية بشخص السيد عيسى البعباع - الأمين العام للخارجية، ولدى استيضاحه عن الإمام قال: إن المعلومات المتوافرة لدينا تؤكد بأن الإمام غادر طرابلس إلى روما مساء الخميس في 78/8/31 على متن طائرة إيطالية رقم 881، وأنه يمكن اعتبار هذه المعلومات رسمية ومؤكدة· بعد ذلك اتصلت برئيس الدعوة الاسلامية الشيخ محمود صبحي للغاية نفسها، فأجاب بأن الإمام وصحبه قاموا بزيارته خلال وجوده في ليبيا في مركز جمعية الدعوة الإسلامية وأنه قام برد الزيارة الى الإمام في فندق الشاطئ، وليس لديه معلومات أخرى· ثم اتصلت بمكتب الاتصال الخارجي فقيل لي بأن الإمام زار رئيس المكتب السيد أحمد الشماني وأنه غادر ليبيا في 1978/8/31 · وقد استُدعيت الى الامــــانة الــعامة للخارجية مساء الثلاثاء في 1978/9/12 حيث استقبلني السيد أحمد الاطرش، وكيل الأمانة لشؤون التعاون، وأكد في المعلومات المتعلقة بسفر الإمام وصحبه الى روما مساء الخميس 1978/8/31 على متن اليطاليا وأطلعني على مانيفست الطائرة التي أدرج فيها اسم الإمام والشيخ يعقوب والسيد عباس· وأن بيانات خروج المسافرين في مصلحة الجوازات في مطار طرابلس تتضمن كامل التفاصيل عن هذا الموضوع· لائحة الركاب بعد ذلك، قدم القائم بالاعمال اللبناني الاستاذ نزار فرحات تقريراً شاملاً حول لقاءاته معي وما أورده من معلومات أمامي وما حصل بعد ذلك الى وزارة الخارجية اللبنانية بتاريخ 1978/9/22، وكانت صورة صادقة عن ما أوردته من حوار بيننا وأضاف إليه: "في صباح 1978/9/12 تلقيت مخابرة هاتفية من الزميل نقولا جبور القائم بأعمال السفارة اللبنانية في روما يبلغني فيها برقية من الخارجية اللبنانية تقول يرجى مخابرة السفارة في طرابلس الغرب والطلب اليها أن تتأكد من حقيقة مغادرة الإمام لطرابلس وبأي طائرة وإلى أي جهة· عندئذ اتصلت فوراً بأمانة الخارجية الليبية وتحادثت مع وكيل الامانة السيد عيسى البعباع للاستيضاح عن المعلومات المتوفرة لديهم عن الموضوع وللتوسط لدى الجهات العربية الليبية المختصة لتزويدنا بما لديها من معلومات من مغادرة الإمام· أعلمني بعد قليل أن المعلومات المتوافرة لديه تفيد بأن الإمام الصدر والوفد المرافق له غادروا ليبيا على طائرة اليطاليا رحلة رقم 881 وكان ذلك في الساعة الثامنة والربع من مساء 1978/8/31 وأضاف إن بطاقات خروج المسافرين من مطار طرابلس العالمي تتضمن كافة التفاصيل عن أعضاء الوفد وعن جوازات سفرهم وقال إن هذه المعلومات رسمية وأكيدة ويمكنك نقلها رسمياً· بعد ذلك، اتصلت بشركة اليطاليا في طرابلس وتحادثت مع أحد المسؤولين وهو الحاج صبري وطلبت اليه إفادتنا عما إذا كان الإمام والوفد المرافق قد غادروا فعلاً طرابلس الى روما على طائرة اليطاليا بتاريخ 1978/8/31 فأعلمني بأنهم سبق وتلقوا عدة برقيات من مكاتبهم في بيروت وروما للاستعلام عن الموضوع نفسه وأن مدير المحطة قد توجه الى المطار للتأكد من ذلك وسيزودنا بعد عودته بما يحصل عليه من معلومات، اتصلت به بعد ذلك عدة مرات فلم أجده ولكنني تحدثت مع السيد موندرا أحد المسؤولين الذي أفادني أنهم أرسلوا لائحة ركاب الطائرة الى المحطات الليبية· اتصلت بعد ذلك بالشيخ محمود صبحي رئيس جمعية الدعوة الاسلامية وهي الجمعية التي تهتم بشؤون العلماء المسلمين في الخارج فأفادني أنه استقبل الإمام الصدر والوفد المرافق في مركز جمعية الدعوة خلال وجود الإمام في طرابلس وقد رد له الزيارة في فندق الشاطئ ولم يذكر التاريخ وقال كان ذلك في أواخر رمضان ولم أسمع عن سماحة الإمام شيء بعد ذلك· اتصلت بمكتب الاتصال الخارجي وهو المكتب المسؤول عن شؤون بعض الوفود والدعوات والذي سبق وقال لي السيد عباس بدر الدين أنهم (أي الإمام وصحبه قد اجتمعوابرئيسه) فقال المسؤول المناوب أنه يمكن أن يكون الوفد قد اجتمع برئيس المكتب المذكور خلال وجود الوفد ولكنهم غادروا طرابلس دون إخطار المكتب المذكور· بعد اتصالات استمرت طوال يوم 1978/9/12 استدعيت الى الامانة الخارجية الليبية في الساعة الثامنة والنصف مساء حيث اجتمعت مع وكيل الأمانة السيد أحمد الاطرش الذي أكد لي المعلومات التي كانت تعطى لنا في النهار من أن الإمام موسى الصدر والوفد المرافق له قد غادروا طرابلس بتاريخ 1978/8/31 على طائرة اليطاليا رحلة رقم 881 إلى روما وأطلعني على صورة عن لائحة الركاب (مانيفست) الخاصة بتلك الرحلة وهي مكتوبة بالاحرف اللاتينية وتتضمن ثلاثة أسماء يمكن أن تكون للوفد وهي موسى ويعقوب وعباس· وأضاف إن بطاقات خروج المسافرين الموجودين لدى مصلحة الجوازات في مطار طرابلس تتضمن الأسماء مع كل التفاصيل وان هذه المعلومات هي كل ما يتوفر لدى السلطات الليبية عن مغادرة سماحة الإمام وان السلطات الليبية تعتبر الموضوع منتهياً بالنسبة لها من تاريخ مغادرة الوفد لمطار طرابلس في 1978/8/31، وعندما سألته عما اذا كانت زيارة سماحة الإمام لليبيا زيارة خاصة أم رسمية أجاب أنه سبق للإمام أن أبدى رغبته لزيارة طرابلس في النصف الثاني من رمضان فأجيب الى طلبه ووجهت اليه الدعوة· الرحلة إلى روما وبعد أن ذكر تفاصيل اللقاء سترد أدناه مع وزارة الخارجية الليبية والرائد عبد السلام جلود قال: وبتاريخ 1978/9/18 وبناء لمخابرة هاتفية وردت من حضرة أمين عام رئاسة مجلس الوزراء للسؤال عما إذا كان سماحة الإمام وصحبه قد استحصلوا على سمة دخول الى إيطاليا من السفارة الإيطالية في طرابلس، اتصلت فوراً بالسيد ماريوب ونديولي أوزيو القائم بأعمال السفارة الايطالية في طرابلس الذي أكد لي أن سماحة الإمــام الشيخ محمد يعقوب قد استحصلا يوم 1978/8/31 على سمة دخول الى ايطاليا من السفارة الايطالية في طرابلس وأن السمة أعطيت في اليوم نفسه، وهي صالحة لمدة شهر ولسفرة واحدة وكان ذلك دون توصية خطية من السفارة اللبنانية في ليبيا وذلك بسبب العجلة وأضاف أن جوازات السفر قد أحضرها أحد السعاة الرسميين المرافقين للإمام· كما اتصلت بالسيد جان مارك اسبوزيتو القنصل الفرنسي في طرابلس للاستعلام عما إذا كان السيد بدر الدين قد دوّن على استمارة طلب السمة موعد لدخوله فرنسا فقال: كلا، ولم يطلب منه ذلك على اعتبار أن جواز السفر كان مرفقاً بتوصية من السفارة اللبنانية في ليبيا وقد اعطي سمة دخول صالحة ابتداء من 1978/8/30 ولمدة ثلاثين يوماً فقط· اجتماع عمل في الخارجية الليبية بعد عدة اتصالات بين السفارة اللبنانية وبين الأمانة العامة للخارجية بشأن تحديد موعد لمقابلة الرائد الركن عبد السلام جلود والإشارة الى صعوبة تحقيق هذه المقابلة بسرعة نظراً لارتباط الرائد بعدة اجتماعات، تقرر أن يتم اجتماع في وزارة الخارجية مع وكيل الوزارة السيد عيسى البعباع· وقد توجهت مع القائم بالاعمال السيد نزار فرحات الى الخارجية في الساعة 12.20 وعقدنا فور وصولنا اجتماع عمل مع السيد عيسى البعباع وكيل وزارة الخارجية بحضور السيد عاشور فرطاس، رذيس المكتب السياسي في إدارة الشؤون العربية· ومنذ أول الاجتماع شعرت بحساسية الموضوع وضرورة اتباع الدبلوماسية الناعمة في بحث قضية الإمام· وقد تبين لي أن ما نشر في بعض الصحف اللبنانية حول الموضوع وخلال الشكوك التي ألقيت على ليبيا ترك أثرا سيئاً في نفوس المسؤولين اللبنانيين ورغبة واضحة في تجنب الخوض في التفاصيل· وقد فتح السيد بعباع أمامي ملف المعلومات عن سفر الإمام وصحبه من ليبيا الى روما مساء 1978/8/31 وأطلعني على (مانيفست) شركة اليطاليا التي ذكر فيها اسم الإمام واسم كل من الشيخ محمد يعقوب· وعباس بدر الدين· كما سلمني نسخة عن دقيقة الخروج التي نظمت لدى مرور الإمام وصحبه على مصلحة الجوازات في المطــار وفــيها معلومات عن تاريخ دخول الإمــام وصـحبه الــى ليبيا في 1978/8/25 وتاريخ مغادرته طرابلس الى روما في 1978/8/31 بالإضافة الى المعلومات المتعلقة برقم جواز السفر العائد لكل منهم والاسم الكامل والتصدق من الخروج·· وبعد البحث في هدف الزيارة التي أقوم بها الى ليبيا قال السيد بعباع: "لقد حاولت طيلة هذا الصباح الاتصال بالرائد جلود ولكننا لم نتمكن من ذلك بسبب وجوده في اجتماعات رسمية، لذلك نقترح أن نستلم من سيادتك الرسالة الموجهة من دولة الرئيس الحص الى الاخ عبد السلام ونقوم نحن بتسليمها اليه"· وقد شعرت بأن وراء هذا الطلب رغبة في تجنب قيامي بطرح أسئلة محددة حول غياب الإمام· لذلك عمدت الى شرح الملابسات الحاصلة في بيروت بشأن تفسير انقطاع أخبار الإمام والتأويلات التي تعطيها مختلف الجهات وحملات التشكيك بليبيا من قبل بعض الصحف· وقلت: تجاه هذه الإشكالات ونظراً لأن الحكومة اللبنانية واثقة من اهتمام المسؤولين اللبنانيين الليبيين بقضية الإمام وبكشف ملابساتها فإن رسالة الرئيس الحص تتضمن من جهة تقديم الشكر والتقدير للسلطات الليبية على الجهود المبذولة من قبلها لتوضيح قضية غياب الإمام، ومن جهة أخرى تتضمن طلب المساهمة في الحصـول على معلومات مفـيدة تكشف مكان وجود الإمام بعد تاريخ 1978/8/31 · وأشرت الى أن عدم مقابلتي للرائد جلود قد يُعطي تفسيرات خاطئة يحسن تجنّبها· فقال السيد بعباع: ولكن هذا اللقاء قد يستوجب بقاءك في ليبيا عدة أيام حتى تحديد الموعد· فقلت: من جهتي أعتقد أنه من الافضل أن يتم اللقاء بأسرع وقت ممكن حتى يتسنى لي العودة الى بلدي· أما إذا تأخر موعد اللقاء فقد يُعطى أيضاً تفسيرات خاطئة أقلها عدم رغبة السلطات الليبية في التجاوب مع رغبة الحكومة اللبنانية في كشف ملابسات وغياب الإمام بالسرعة الممكنة، وعدم الاهتمام الكافي من قبل ليبيا بموضوع غياب الإمام· وقد كان كلامي، الذي قلته بطريقة ناعمة وأخوية صادقة أثر طيب في نفس السيد بعباع وفرطاس· فانسحب السيد بعباع لفترة ثلاث دقائق الى غرفة مجاورة ثم عاد ليقول: "لقد تمكنت الآن من الاتصال بالاخ عبد السلام وهو حاضر لاستقبالك فوراً في مجلس الشعب"· قمنا على الفور وتوجهنا لمقابلة الرائد الركن عبد السلام جلود وكانت الساعة حوالى 12.20 ظهراً· اللقاء مع جلود استقبلني سيادة الرائد الركن عبد السلام جلود عضو الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام في ليبيا في تمام الساعة 13.15 في مكتبه في مجلس الشعب وقد حضر المقابلة كل من السادة: نزار فرحات، عيسى البعباع، عاشور فرطاس· أعطيت للزيارة صفة رسمية وأخذت لنا صور تلفزيونية وصحافية· وبعد تبادل التحية أبلغت الرائد جلود تحيات الرئيس الحص، ثم جرى حديث عام بدأه السيد جلود بالسؤال عن الوضع الحالي في لبنان وألم ليبيا للاحداث الجارية فيه ورغبتها في عودة الامن والاستقرار الى البلد في ظل الشرعية والسيادة وقال: إننا حريصون على بقاء لبنان بلداً كامل السيادة وفي ظل الشرعية المتمثلة بالرئيس سركيس الذي نكن له كل تقدير ومحبة، ويجب على القوى المؤمنة بوحدة لبنان أرضاً وشعباً وسيادة أن تتعاون من أجل لبنان· ومن الضروري بمكان، من أجل تمكين السلطة الشرعية من القيام بدورها الكامل، أن يتوافر للبنان جيش وطني متوازن وقوي، ونحن نتتبع تحرك السلطة اللبنانية من اجل إنجاز مشروع جديد للجيش يحقق هذه الغاية· وقال: إن المؤامرة كبيرة ولا تزال مستمرة ومن المؤسف أن هذه المؤامرة التي هي دولية اختارت لبنان مسرحاً لها، ومن المؤسف أيضاً أن لا تتضافر جهود جميع اللبنانيين من أجل إبطال هذه المؤامرة وإنقاذ لبنان· وبعد ذلك تحدثت عن موضوع الإمام وقلت: إن زيارتي تهدف الى أمرين: 1 - نقل رسالة الرئيس الحص وتقدير الحكومة اللبنانية للجهود المبذولة لكشف ملابسات غياب الامام وانقطاع أخباره منذ 1978/8/31 · 2 - رغبة الحكومة اللبنانية في أن تساهم السلطات الليبية بالوسائل التي تتوافر لديها بالحصول على مزيد من المعلومات المتعلقة بتحديد مكــان وجــود الإمام بعد تاريخ 1978/8/31 · فأجاب: "أود بادئ ذي بدء أن أبدي أسفي لانقطاع أخبار الإمام بعد مغادرته طرابلس إلى روما· وإني أفهم سبب القلق الذي تبديه السلطات اللبنانية والشعب اللبناني على الإمام ونحن من جهتنا حريصون، كلبنانيين، على سلام الإمام، ويهمنا أن نساهم في تقديم أية معلومات مفيدة تؤدي الى الكشف عن مصير الإمام· ومن جهتنا نؤكد بأن الإمام غادر الأراضي الليبية الساعة 8.20 من مــساء الخمـيس الواقع في 1978/8/31 على متن طائرة اليطاليا المتوجة الى روما· وهذه المعلومات رسمية وأكيدة"· وقد شدد الرائد جلود على عبارة رسمية وأكيدة وقالها بصوت واضح وثابت وقاطع· وأضاف: "لديّ انطباع يشبه القناعة بأن الامام غائب او متغيّب بإرادته هو وسوف تثبت الايام المقبلة هذا الامر· إن الإمام ذكي وذكي جداً ولا يمكن ان يوقع بنفسه"· وعندما سألته عما إذا كان يستبعد حصول اي مكروه للإمام قال: "ليس بعلمي ان للإمام خصوماً يريدون به السوء، بالرغم من ان علاقته بالسلطات الايرانية ليست في الآونة الأخيرة طيبة وقد أسقطت عنه الجنسية الإيرانية، وقد يكون لإحداث إيران علاقة بغيابه"· فسألته: هل كان الإمام ضيف الحكومة الليبية وهل حضر الى ليبيا بدعوة منها؟ فأجاب: ليس لي علم بذلك، فقلت: من الثابت ان الامام كان في الفندق حتى فترة بعد ظهر الخميس في 78/8/31، فهل ترك الفندق وغادر ليبيا دون ان يعلم إدارة المراسم بذلك؟ فقال: "الحقيقة اننا فوجئنا بسفر الإمام ولم يعلم المراسم ويبدو انه لم يكن راضياً عن اقامته في طرابلس بسبب انهماكنا بعشرات الوفود ومئات الشخصيات الرسمية فقرر السفر دون سابق إنذار، ونحن الآن بصدد التحقيق مع سائقي السيارات التي كانت موضوعة بتصرف الإمام وصحبه بشأن مرافقتهم الى المطار دون علم المراسم· وبالرغم من انهم وصلوا الى المطار دون مرافقة رسمية فإن المسؤولين في المطار تعرفوا على الامام وصحبه وقدموا لهم التسهيلات اللازمة"· فقلت له: هل يمكنكم المساهمة بواسطة اجهزتكم وسفاراتكم في الخارج في استقصاء المعلومات عن مصير الامام ووجهة سفره بعد روما؟ فأجاب: "نحن على استعداد لبذل كل الجهود الممكنة في سبيل هذه الغاية وسوف نعطي التعليمات لإجراء اللازم· وقبل ظهر هذا اليوم استدعي سفير فرنسا الى الامانة العامة للخارجية وأفاد بأن الامام وصحبه كانوا يعتزمون التوجه الى فرنسا، وانه منح احد مرافقيه (عباس بدر الدين) تأشيرة دخول· كذلك استدعي الى الخارجية القائم بأعمال السفارة الايطالية لاستيضاحه فأجاب بأن الإمام وصحبه حازوا على تأشيرة دخول الى إيطاليا"· ثم تطرق الرائد جلود الى حملات التشكيك الصحفية التي تتناول ليبيا بسبب انقطاع أخبار الإمام وقال: كان بإمكاننا ان نصدر بياناً رسمياً بتكذيب هذه الحملات المغرضة، ولكننا آثرنا ان نقدم المعلومات الرسمية المتوافرة لدينا عن الامام الى السلطات اللبنانية· وعندما تصبح هذه المعلومات بحوزتها تستطيع هي ان تقول كل شيء، ونحن لا نريد ان نضع انفسنا في موقف الدفاع عن النفس في قضية نعتبرها قضيتنا وتتعلق بشخص له الاحترام والتقدير وله منزلة كبيرة في نفوسنا· وبعد ذلك عاد الرائد جلود، مرة اخرى، للحديث عن لبنان فقال: "نحن نؤيد الرئيس سركيس تأييداً كاملاً ونرجو له التوفيق في مهمته الوطنية· نحن نعرف انه يعيش في معاناة قاسية وأنه يتحمّل الكثير· لذلك يجب أن تجتمع حوله جميع القوى الوطنية والفلسطينية لتأكيد سيادة لبنان ووحدته وفرض سيطرة الدولة في ظل القوانين والاتفاقات المعقودة مع الفلسطينيين بحيث لا تكون هناك دولة أو دول ضمن الدولة الواحدة· وأحب أيضاً أن اشير الى اعجابنا بالرئيس سليم الحص وما يقوم به من أجل لبنان"· واستمر الرائد جلود يتحدث عن موضوع لبنان وعن "المؤامرة الدولية التي لا تزال تتخذ من لبنان مسرحاً لها"· ثم ختم حديثه بطلب "نقل تحياته وعواطفه الى الرئيس الحص والى المسؤولين اللبنانيين وعلى رأسهم فخامة الرئيس سركيس"· وبهذه الكلمات انتهى اللقاء عند الساعة الثانية إلا خمس دقائق بعدما دام حوالى ثلاثة ارباع الساعة· رسالة رئيس الحكومة ولا بد لي من أن أشير هنا الى مضمون رسالة رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص الى الرائد عبد السلام جلود فقد جاء فيها: الأخ الكريم الرائد الركن عبد السلام جلود حفظه الله عضو الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام تحية أخوية وبعد، أود في رسالتي هذه أن أعرب لكم مجدداً باسم الحكومة اللبنانية وباسمي الخاص عن شكرنا العميق للعواطف الكريمة التي عبّرتم عنها بمناسبة انقطاع الأخبار عن مكان وجود سماحة الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، منذ 31 آب الماضي، وللجهود المشكورة التي تقومون بها في متابعة تلك القضية وتوضيح مراحلها الى حين سفر سماحته من طرابلس الى روما في ذلك التاريخ· وقد رأيت، نظراً الى القلق البالغ الذي ينتاب الرأي العام اللبناني عامة والإسلامي خاصة على مصير سماحة الإمام الذي له، كما تعلمون، مقام روحي سامٍ في العالم الاسلامي ومنزلة خاصة في نفوس جميع اللبنانيين، أن أوفد لسيادتكم الدكتور عمر مسيكة، الأمين العام لمجلس الوزراء، ليعبّر لكم عن تقديرنا العميق لبلدكم الشقيق ولكم شخصياً، وليُعرب لكم باسمي وباسم الحكومة اللبنانية عن شكرنا للمساعي التي تستطيعون القيام بها لمساعدتنا في كشف مصير سماحة الإمام موسى الصدر بعد تركه طرابلس في 31 آب الماضي· إن كل مسعى تقومون به في هذا السبيل سيكون له في نفسي ولدى الشعب اللبناني أطيب الأثر· وإني واثق، أيها الأخ الكريم، أنكم لن تدخروا وسعاً في تقديم كل جهد لتوضيح هذه القضية التي أظهرتم اهتماماً أخوياً مشكوراً بها· أتمنى لكم، أيها الصديق الكبير، الصحة والتوفيق ولبلدكم الشقيق دوام التقدم والازدهار· بيروت، 31/9/8791 أخوكم سليم الحص رئيس مجلس وزراء لبنان مجرد رأي وقبل أن أنهي هذا القُسم من التحقيق وما ارتبط به أود أن أشير الى أنه: لفتني أثناء وصول الوفد اللبناني الى مطار روما ودخوله قاعة الترانزيت أنه منذ لحظة دخولي وحتى لحظة خروجي منها الى ليبيا لم أرَ لا أمن عام ولا جمارك ولا أي إيطالي، بل انتقلت من الطائرة الى قاعة الترانزيت وبقيت فيها أربع ساعات وأجريت التحقيقات دون أن يسأل أحد من أنت إلا شركة الميدل إيست التي أعطتني بطاقة للعودة الى الطائرة وبالتالي فلو أن الإمام الصدر كان ينوي السفر من ليبيا الى فرنسا عبر مطار روما فسيمر بالترانزيت وعندها يمكن أن يُخطف من هناك الى تل أبيب أو طهران أو أي بلد آخر من خلال تلك القاعة وتحت شعار وصول جهة رسمية لاستقباله كي يرتاح في روما خلال فترة الانتظار بدل البقاء في قاعة الترانزيت وكان يمكن أن يتقبّل السيّد الإمام هذه الدعوة وبالتالي لا يشعر المطار بأي حرج ولا يشك الإمام بالدعوة ولا يرد اسم الإمام في أي سجل لأن أحداِ لا يقابل القادم الى التزانزيت أو المغادر له كما ذكرت· وقد قلت تصوري هذا للرئيس الدكتور سليم الحص عندما عدت فأنصت مستمعاً من دون تعليق، أما رئيس الجمهورية الياس سركيس فاعتبره تحليلاً منطقياً قابلاً للمناقشة، فيما بدا لي أن القاضي معين عسيران لم يكن مرحّباً بهذا التحليل· ···
2/7/2007
الأمين العام السابق لمجلس الوزراء د· عمر مسيكة يتابع ذكرياته عن التحقيق في اختفاء الإمام الصدر عام 1978
"الموساد" و"السافاك" والمخابرات الليبية موضع اتهام حتى إثبات العكس (الحلقة الثالثة والأخيرة)
قال مسؤولون في "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" المعارضة في بيان وزع يوم 2003/9/6 أن الإمام موسى الصدر ورفيقيه اللذين اختفيا يوم 1978/8/31 أثناء زيارتهم الرسمية لليبيا جرت تصفيتهم عقب أيام قليلة من اختفائهم في طرابلس بإشراف الرائدين عبد الله حجازي وعبد السلام سحبان· وأضافوا أن الإمام ورفيقيه بقوا لأيام قليلة في مزرعة تتبع ما يسمى آنذاك في الجيش "مجموعة العمليات الانتحارية" وتقع في منطقة جنزود على مشارف مدينة طرابلس الغرب، وإن تصفية الصدر ورفيقيه تمت بالرصاص بناء على أوامر العقيد معمر القذافي شخصياً ونفذها سحبان وحجازي· وأكدت هذه الجبهة في بيان أن لا صحة للمعلومات القائلة أن الإمام ورفيقيه قتلوا في مدينة سبها، إذ أن مصدر هذه المعلومة - الإشاعة حسب البيان - جهاز نسبها الى العقيد يونس ابو القاسم علي الذي كان يشغل منصب مدير هيئة أمن الجماهيرية في تلك الآونة· وذكر البيان أن الرائد عبد السلام سحبان رقي الى رتبة عقيد بعد تنفيذه للجريمة، ونقل الى تشاد حيث وقع في الأسر عام 1986 خلال المعارك التي جرت بين القوات التشادية وقوات القذافي الى أن وجد عام 1990 مقتولاً مع عدد من الضباط الليبيين الأسرى الذين كانوا محتجزين في أحد المواقع داخل القصر الجمهوري عندما وقع الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس التشادي حسين صبري، وإن العقيد القذافي أقام جنازة عسكرية خاصة له وقام بإلقاء خطاب أبّنه شخصياً وهي خطوة لم يعرف عن القذافي قيامه بها إلا لماماً· أما الرائد عبد الله حجازي فهو حسب البيان أشرف على عدد من عمليات النظام الليبي داخل الجيش الليبي وخارج ليبيا وفي لبنان بالتعاون مع العقيد صالح الوروقي والعقيد سالم أبو شريدة، كما شغل منصب مدير الاستخبارات العسكرية في الجيش الليبي، وكان أحد منسقي الاتصال سابقاً بجماعة "ابو نضال" وهو الذي طلب منه تنفيذ جريمة اغتيال الدبلوماسي الاردني المعايطة في لبنان أواخر عام 1993 · إلى هنا ينتهي البيان، ولكن لا ينتهي السؤال: ما هي مصلحة النظام الليبي آنذاك في تصفية الإمام الصدر ورفيقيه؟ وهو السؤال الذي لم يجب أحد عليه حتى اليوم ولذا يحاول الدكتور عمر مسيكة أمين عام مجلس الوزراء اللبناني الاسبق وأول من تولى التحقيق في قضية الإمام الصدر، أن يجيبنا عليه فيقول: الصدر ودعوة للعيش المشترك "عندما كنا نعقد الجلسة السادس من جلسات هيئة الحوار الوطني في 1975/10/13 حمل الإمام موسى الصدر رسالة رؤساء الطوائف الروحيين الى الاجتماع والتي تضمنت جملة من النقاط وهي: أ - الوطن اللبناني أمانة الله والتاريخ والأجيال المقبلة في ذمة المسؤولين والعاملين والمؤمنين باعتبار التعايش الوطني سنداً وثروة للجميع ونموذجاً للتعايش المثالي، وان الناس يعتبرون هيئة الحوار الوطني الامل الكبير بمبادرتها وتفاسيرها وكفاءتها لإنقاذ الوطن، لذلك يحملونها مسؤولية الانقاذ ويطلبون بقاءها في حالة انعقاد دائم حتى يتمكن الناس من الاتصال بها لأن طبيعة الأحداث لا تحتمل تأهيل البحث ويتمنون اتخاذ مكتب دائم لمعالجة أي أمر طارئ· ب - لا يمكن الفصل بين الأمن والعدالة وبين السياسة ولبنان للجميع فلا بد أن يتساوى فيه جميع المواطنين بالحقوق والواجبات وهذا ما يعتبره رؤساء الطوائف أساسياً· ج - أهم ما في لبنان تمايزه الحضاري وتعايش الطوائف بملء حريتها في وطن واحد، ويجب أن يوضع هذا التعايش في الدرجة الاولى من الاهتمام، والاحداث الماضية أوجدت انفصاماً سياسياً يجب معالجته وخاصة من خلال المناهج المدرسية والإعلامية· والرؤساء الروحيون يتمنون للهيئة التوفيق ويعتبرون القضية الفلسطينية أمانة في ذمة اعضاء الهيئة ولبنان والعالم· ويتابع د· مسيكة فيقول: إننا عندما نطالع هذا البيان، عام 1975، ونرى كيف تم اغتيال الشيخ حليم تقي الدين والشيخ صبحي الصالح والشيخ احمد عساف، وتغييب الإمام موسى الصدر بعد ذلك بثلاث سنوات، واغتيال الرئيس رشيد كرامي عام 1987، ثم اغتيال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد الذي كان أحد القادة الروحيين الذين وضعوه، نتساءل: ألم يكن كل صوت يدعو الى العيش المشترك وإصلاح ذات البين موضع اغتيال في تلك المرحلة؟ وبالتالي فإن الذين قاموا بتغييب الإمام ورفيقيه كما الذين قاموا باغتيال سماحة المفتي ودولة الرئيس كرامي والباقين، كان هدفهم واحداً وهو ضرب كل تلاقي حول موضع العيش المشترك بين اللبنانيين والوحدة بين المسلمين· المشروع الاميركي ولقد لفت الإمام السيد موسى الصدر في 1975/2/14 الى تلك المؤامرة قبل اندلاع شرارة الحرب اللبنانية في 1975/4/13 حين عقد مؤتمراً صحافياً وكان الى جانبه النائب الرئيس حسين الحسيني والاستاذ نبيه بري وقد أعلن فيه أن اسرائيل وضعت خطة يمكن رسم خطوطها كالتالي: - تنفيس النصر العربي الذي تحقق عام 1973 من خلال مناورات فك ارتباط جزئي، ومرحلي، ومفاوضات، يساعدها على ذلك المفاوضون باسم السلام العادل في المنطقة· - تشويه الوجه العربي أمام العالم عبر حملة مسعورة للإيهام بأن ارتفاع سعر النفط سبب انهيار اقتصاد الغرب· - تحريض أميركا على أعلى المستويات للتهديد باحتلال منابع النفط إذا اقتضت الحاجة· - محاولة إبادة الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة وخارجها· - فتح جبهة جديدة غير معلنة في لبنان بحجة تعقب الفدائيين إبقاء لحالة التوتر في المنطقة أثناء المفاوضات للحؤول دون وصولها الى أي نتيجة· - محاولة الانقضاض على العرب وخاصة لبنان عندما تحين الفرصة· ويومها قال الإمام الصدر إن لبنان أصبح بين نارين: نار دفاع غير مقرر في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية، ونار عدم الدفاع الذي يجعل أرض الجنوب سائبة أمام العالم· وقد تحققت المؤامرة التي تحدث عنها فابتدأت مناورات فك الارتباط وصولاً الى زيارة السادات للقدس، وعملت اميركا على احتلال منابع النفط مباشرة أكان في أفغانستان أو العراق أو من خلال بسط سيطرة قواعدها في الخليج، وها هو الشعب الفلسطيني يخضع لمؤامرة الإبادة بيد أبنائه بعد أن خاض معارك مواجهة الإبادة طيلة ثلاثين عاماً، وجبهة الجنوب فتحت عام 1975 وكانت اسرائيل تنقض علينا كلما واتتها الفرصة سواء عام 1978 ثم 1982 وصولاً الى حرب تموز، وبالتالي فإن إدراك الإمام الصدر لحجم المؤامرة حتم على المتآمرين تغييبه لتحقيق المشروع الكامل الذي أرادوه والذي عملت اسرائيل على تحقيقه، فالجهة التي غيبت الإمام الصدر لا بد وأن تكون ذات ارتباط بالمشروع الاميركي - الاسرائيلي يومها، ومن قام بتزكية نار الحرب في لبنان خلال تلك الأعوام لم يكن اسرائيل وحدها، بل ايضاً بعض المحاور الاسلامية والعربية التي تريد اليوم أن تعيدنا من خلال بعض القوى الى سياسة المحاور والأحلاف· التحقيقات الإيطالية ونعود الى التحقيقات لنقول إن المسألة بالنسبة للسلطات الإيطالية، كما هو ثابت في معلوماتي، هي أنه لا يوجد أي تأكيد بأن الإمام أو أياً من مرافقيه داخل الاراضي الايطالية أو مر بالترانزيت في مطار روما· بل إن بعض نواحي المعلومات لدى وزارة الداخلية الايطالية تؤكد أنه لم يصل أي واحد منهم الى ايطاليا· وفي ما يخص السيد عباس بدر الدين، الذي وجد باسمه إجازة إقامة لمدة 48 ساعة ينزل خلالها في فندق "ساتلايت" بروما، ليتابع سفره الى مالطا بتاريخ 1978/9/1 على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 940)، فإن تحقيقات الانتربول أثبتت أنه لم يعثر على أثر في الفندق المذكور، ولم يغادر الى مالطا أو سواها· أما الصحيفة الإيطالية التي استأثرت هذه القضية باهتمامها، وتابعت أخبار التحقيق فيها، وأفردت لها تحقيقات صحافية ومقالات، فإنها أكدت هذه المعلومات، ما ترجمته حرفياً: "المؤكد أن سماحة الإمام ومستشاره ليسا الشخصين اللذين ركبا الطائرة التي غادرت طرابلس· وبالتالي فإن الإمام لم يغادر إطلاقاً العاصمة الليبية، وان الشخصين اللذين ركبا الطائرة ونزلا في فندق (هوليداي إن) في روما ليسا إلا شخصين متنكرين أرسلا للتضليل والإيحاء بعملية اختطاف لم تتم إطلاقاً حتى في أي مكان آخر··"· والحقيقة أنه ما أن نشرت وكالات الانباء العالمية خبر القضية حتى تحركت فوراً بتاريخ 78/9/13 النيابة العامة الايطالية في روما وباشرت أجهزة الامن والتحقيق المختلفة وظائفها لجلاء القضية· وجرت التحقيقات على اوسع نطاق، وبشكل دقيق ومفصل تناول أدق الجزئيات، وتتابعت باهتمام ملموس وبلا انقطاع ودون التوقف عند الحدود الإقليمية بحيث تيسر لأجهزة الامن الايطالية كشف الحقيقة بشكل تام في مدى اسبوعين فقط· فتبين في ملف التحقيق: 1 - إن طائرة اليطاليا (الرحلة 881) التي أقلعت من مطار طرابلس الغرب مساء 78/8/31 م، تأخرت عن موعد إقلاعها ساعتين· 2 - إن بعض ركاب الطائرة أفادوا أن الركاب كانوا مجتمعين وانتظروا طويلاً في مطار طرابلس الغرب بانتظار دخول الطائرة· وأنهم لم يشاهدوا بينهم شخصاً بأوصاف الإمام الصدر كما لم يشاهدوا أي شخص بلباس ديني· 3 - ضبطت إفادات كل المضيفات والمضيفين في الطائرة، عددهم خمسة، كما ضبطت إفادات عدد من ركاب الدرجة الاولى في الطائرة، وجميعهم نفوا أن يكون دخل الطائرة شخص بصورة الإمام الصدر وأوصافه أو أي شخص بلباس ديني· 4 - استجوب جميع عناصر شرطة الجوازات في مطار فيوميشينو ومراقب الجمارك المناوب أثناء وصول ركاب الطائرة الى هذا المطار، وكلهم نفوا أن يكونوا شاهدوا بين هؤلاء الركاب شخصاً بلباس رجل دين أو أي شخص بصورة الإمام الصدر وأوضافه· 5 - استجوب جميع مستخدمين الاستقبال ونقل الحقائب وخدم الغرف في فندق "هوليداي إن" في روما فنفوا جميعاً انطباق مواصفات الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب على مواصفات الشخصين اللذين حجزا غرفتين باسمهما في الفندق وأودعا فيه حقائبهما وجوازي سفرهما وغادراه بعد عشر دقائق من دخوله· وتبين أن هذين الشخصين لم يدخلا وحدهما الفندق بل كانا مع مجموعة أشخاص يتكلمون فيها العربية عندما تقدم واحد منهم الى مكتب الاستقبال لطلب الحجز· كما تبين أن البطاقات التي ملأها النزيلان باسم الإمام الصدر والشيخ يعقوب، لم تكتب أو توقع بخطيهما· وتبين أيضاً أن هذين النزيلين دخلا الفندق حوالى الساعة العاشرة صباحاً أي بعد أكثر من إحدى عشرة ساعة من وصول طائرة اليطاليا (الرحلة 881) الى المطار في الساعة 23 ليلاً· 6 - تبين أن حقائب الإمام الصدر التي تركها النزيلان في الفندق، خلطت فيها الألبسة مع الاوراق والملفات والحوائج الاخرى بشكل استدعى ملاحظة المحققين الى أن أيادي غريبة سبق لها أن أفرغت محتويات هذه الحقائب ثم أعادتها اليها· 7 - كما تبين أن صورة سماحة الإمام الصدر على جواز سفره سبق نزعها منه قبل إعادتها اليه· أنهت السلطات الامنية والقضائية تحقيقاتها الدقيقة بقرار قاضي تحقيق روما بتاريخ 79/6/7 بحفظ القضية والذي تضمن الجزم بأن الإمام ورفيقيه لم يغادروا ليبيا بطائرة اليطاليا بأية وسيلة نقل· وتضمنت مطالعة نائب المدعي العام الإيطالي المؤرخة في 79/5/19 الجزم بأنهم لم يغادروا ليبيا· أبلغت الحكومة الايطالية رسمياً، كلاً من الحكومة اللبنانية والمجلس الإسلامي الشيعي الاعلى في لبنان، وحكومة الجمهورية العربية السورية وحكومة إيران أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الاراضي الإيطالية ولم يمروا بها ترانزيت· تحقيق إيطالي ثاني وتابع عمر مسيكة: تقدمت السلطات الليبية من السلطات الإيطالية بطلب بتاريخ 80/2/15 لإعادة التحقيق القضائي في القضية· معززة طلبها بتحقيق أمني ليبي ادعت أنها نشرته بتاريخ 79/11/13 (أي بعد أكثر من أربعة عشر شهراً على حصول الجريمة)· وبعد تحقيقات واسعة أجراها القضاء الإيطالي مجدداً ووقف فيها على أدلة جديدة وانتقل خلالها المحقق الايطالي الى ليبيا ثم لبنان حيث استمع في تحقيقاته الى شهود عديدين بينهم أشخاص جالسوا الإمام الصدر وتحادثوا معه أثناء وجوده في ليبيا وشاهدوه مع رفيقيه ينتقلون من فندق "الشاطئ" في طرابلس لمقابلة القذافي (حيث جرى إخفاؤهم بعدها) ولم يعودوا الى الفندق الذي بقيت فيه حقائبهم قبل ظهور بعضها لاحقاً في فندق "هوليداي إن" في روما، لفظ القضاء الايطالي قراره النهائي بمطالعة النيابة العامة في روما تاريخ 81/12/20 "وضع النائب العام في روما الدكتور سلفاتوري فكيوني مطالعة بتاريخ 1981/12/20 أورد فيها بتفصيل الأدلة على تزوير التحقيق الليبي المزعوم، وقال إنه تكونت لديه "قناعة ترتكز الى أدلة ثبوت دامغة ومتطابقة بصورة دقيقة جداً في ما بينها، سواء من الناحية المنطقية أم من الناحية الحسية الملموسة" يتحصل منها بالضرورة "أنه ثبت بالتأكيد الجازم أنه في ايطاليا لم يرتكب أي جرم بحق الشخصيات الثلاث موضوع البــحث"· وقــرار قــاضي التحقيق 82/1/28 "وضع قاضي التحقيق في روما الدكتور دومينيكو نوسترو بتـــاريخ 1982/1/28 تحــت رقم 8168 / 81 (سجل عام غرفة التحقيق) قراراً أورد فيه حرفياً: "إن التحقيقات الإضافية المعمقة التي أجريت، عززت وأيدت بشدة، نتائج التحقيقات السابقة، وأفرزت أدلة ثبوت متطابقة لا يرقى اليها أدنى شك، وهي وفيرة جداً، بحيث يترتب الجزم، بكل تأكيد، أنه لم يرتكب أي جرم على أراضي الدولة الايطالية بحق موسى الصدر ومحمد يعقوب وعباس بدر الدين، لأنه ثبت أن المذكورين لم يصلوا مطار فيوميتشينو (روما) في ساعة متأخرة من ليل 31 آب 1/78 على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 881) القادمة من طرابلس، وأن أشخاصاً آخرين غير معروفين انتحلوا شخصيات الاشخاص الثلاثة، وزيفوا آثاراً لدخولهم وإقامتهم على أراضي بلدنا"· ونظراً لانحصار سلطان القضاء الايطالي بالحدود الإقليمية بمبدأ إقليمية قانون العقوبات، ولكون الجرائم المقترفة بحق الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين لم ترتكب في إيطاليا، قرر التحقيق الايطالي عدم لزوم تحريك الدعوى الجزائية وحفظ الأوراق" المتوافقين، والمتضمنين تثبيت نتيجة التحقيق الإيطالي الاول، بالإضافة الى إعلان تزييف التحقيق الامني الليبي· منظمة وهمية وإقامة وهمية وقال د· مسيكة: في مرحلة الاختفاء الاولى وبعد قيامنا بالتحقيق صدر عن أمانة الخارجية في ليبيا بيان بتاريخ 1978/9/17 جاء فيه: "يعتبر الإمام الصدر من الشخصيات الإسلامية الكبيرة وزعمياً لطائفة الشيعة الإسلامية في لبنان وتربطه بالجماهيرية علاقات متينة مبعثها التقدير والاحترام للدور المهم الذي يقوم به الإمام الصدر في المجالات الاسلامية والسياسية عربياً وإسلامـياً، وقد زار الجـماهـيرية مــرات عــدة مــن قبل، وفي يوم 1978/7/18م اتصل عصام مكي ممثل الامام موسى الصدر الذي كان موجوداً في الجزائر آنذاك بسفارتنا معرباً عن رغبة الإمام في زيارة الجماهيرية· وقد أبلغت سفارتنا في بيروت يوم 78/7/19م الترحيب بالزيارة· وعند اتصال القائم بأعمال سفارة الجماهيرية بالإمام أبلغه أنه نظراً الى انشغاله في ذلك الوقت يقترح أن تتم الزيارة خلال النصف الثاني من شهر رمضان المبارك وحدد الإمام يوم 1978/8/25م موعداً لزيارته· ووصل الى طرابلس واستقبل استقبالاً حاراً وأجرى أثناء زيارته العديد من اللقاءات· ثم طلب الإمام الحجز له للسفر الى روما ومنها الى باريس فقامت اللجنة الشعبية في مطار طرابلس العالمي بالحجز له على طائرة الخطوط الجوية الإيطالية "اليطاليا" المتجهة الى روما على الرحلة 881 مع مرافقيه عباس حسين بدر الدين ومحمد شحاتة يعقوب· ونظراً الى عدم وجود أماكن في الطائرة المذكورة على الدرجة الاولى، فقد قام ممثلو شركة "اليطاليا" في طرابلس بناء على طلب اللجنة الشعبية للمطار، بإنزال راكبين من ركاب الدرجة الاولى وتحويلهما الى الدرجة السياحية لتمكين الإمام ومرافقيه من السفر على الدرجة الاولى وهذان الراكبان هما السيد "فالنتي" الموظف في شركة اليطاليا في طرابلس والسيدة "دونسلمان"، وهما ايطاليا الجنسية· وسافر الإمام الصدر على متن طائرة الخطوط الجوية الايطالية الى روما (الرحلة رقم 881) يوم الخميس 28 رمضان 1389 هـ الموافق آب (اغسطس) 1978 الساعة الثامنة والربع مساء، وقام بتوديعه الاخ احمد الحطاب عن مكتب الاتصال العربي في مؤتمر الشعب العام ومندوب عن اللجنة الشعبية للمطار وممثل عن الشركة الناقلة "اليطاليا"· وفي يوم 1978/9/12 م تسلم ممثل شركة "اليطاليا" في طرابلس برقية موجهة من المدير الاقليمي للشركة في بيروت عند الساعة العاشرة صباحاً يستفسر فيها عن المسافرين موسى يعقوب وعباس على الرحلة 881 في تاريخ 1978/8/31م· وقد رد عليه مندوب شركة "اليطاليا" في طرابلس ببرقية الساعة 14.30 من اليوم نفسه، مؤكداً له أن الإمام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب وعباس بدر الدين غادروا طرابلس على رحلة "اليطاليا" الرقم 881 في تاريخ 1978/8/31م المتجهة الى روما· وإذ تؤكد أمانة الخارجية ان الإمام الصدر، الذي تربطه بالجماهيرية علاقات أخوية متينة وتكن له كل احترام وتقدير قد غادر طرابلس الى روما، تؤكد كذلك أن الإشاعات التي ترددها بعض الدوائر المشبوهة المغرضة تريد بها أن تفجر الموقف في لبنان آخر معاقل الثورة الفلسطينية· ولذلك فإن الجماهيرية تلقي بكامل ثقلها مع القوى الإسلامية والتقدمية لمعرفة مصير الإمام موسى الصدر وإنقاذ حياته وحياة رفيقيه· وإننا على اتصال مستمر مع الحكومة الإيطالية التي سافر اليها الإمام الصدر على متن إحدى طائرات خطوطها في هذا الشأن وإن الجماهيرية تولي الأمر اهتماماً كبيراً"· وقد تبع ذلك بتاريخ 1978/9/28 وصول رسالة من منظمة وهمية الى صحيفة "بايزي سييرا" الايطالية موقعة باسم "منظمة اللبنانيين العلمانيين من أجل لبنان موحد وعلماني" قالت بأن المنظمة اختطفت الإمام في 1978/8/31 فور وصوله الى روما حيث كان سيلتقي ثلاثة ممثلين إيرانيين معارضين الشاه وان اختطافه تم بفضل عباس بدر الدين الذي ينتمي الى المنظمة وهو الآن في أميركا الجنوبية"· وأضافت الرسالة: "إن الشيخ محمد يعقوب قُتل، فيما هو يحاول الهرب من المكان الذي سجن فيه في روما، وسيعلن قريباً المكان الذي دُفن فيه· وأن الصدر موجود الآن في أمستردام، وأن اختطافه ليس إلا بداية تحطيم دعائم الرجعية التي دمرت لبنان وأن الإمام خائن وسيحاكم ويلاقي حكم الشعب"· وأضافت: "إن على المفاوضين من اجل إنقاذ الإمام أن يذهبوا الى فندق "ماريوت" في امستردام وفندق "شيراتون" في بروكسل وفندق "هوليداي ان" في روما، في العاشر من شهر تشرين الاول في العاشرة قبل الظهر···"· هذا ولقد أثبت التحقيق الايطالي وكذلك التحقيق اللبناني عدم حضور أي شخص الى اي من الفنادق المذكورة في الموعد المحدد، كما أثبت التحقيق أن هذه المنظمة لا وجود لها، وأن الرسالة من نسيج خيال الجهة التي احتجزت الإمام الصدر، وذلك بغية التضليل وتشعب التحقيق· وأعلن رئيس شرطة الاجانب في "امستردام" أن زج اسم هذه المدينة في القضية ليس إلا مجرد عملية تضليل· من جهة اخرى، ذكرت السلطات الايطالية أنه بتاريخ 1978/9/1 ظهراً حضر شخصان كان أحدهما يرتدي لباساً دينياً الى فندق "هوليداي ان" عرّفا عن نفسيهما أنهما الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب وطلبا إشغال غرفتين في ذلك الفندق فأعطيا الغرفتين 701 و 702 ودفعا الحساب سلفاً عن مدة أسبوع ثم بعد دخولهما الغرفتين لمدة عشر دقائق خرجا بلباسين مدنيين ولم يعودا، وعندما فتحت الغرفتين بنهاية المدة المدفوع أجرها عثر على جوازي سفر الإمام والشيخ محمد يعقوب وعلى أربع حقائب بينهما واحدة لعباس بدر الدين وكانت محتويات الحقائب من أغراض ووثائق وثياب قد خلطت في ما بينها خلطاً فوضوياً واحتوت أغراضاً غير عائدة أصلاً للإمام ورفيقيه لا سيما المحفظة البنية الظاهرة عليها صورة العربة والحصان، وتبين أن استمارتي الفندق كتبهما الشخص الذي عرّف عن نفسه أنه محمد يعقوب بأحرف كبيرة وخط بدائي وأغلاط كثيرة· وبرأيي، يقول د· مسيكة، فإن هذا يشير الى احتمال أن يكون الكاتب من الموساد أو من السافاك أو على الاقل غير عربي· من غيّب الإمام؟ أخيراً أود أن أسجل هنا انطباعاتي بعد 29 عاماً على غياب الإمام السيد موسى الصدر فأقول: "أولاً: كان الهدف من تغييب الإمام مشروع إلغاء واقع العيش الإسلامي - المسيحي المشترك، وحالة الوحدة الإسلامية، ونحمد الله أن لبنان نجا، حتى الآن، من هذين الفخين فالعيش المشترك ما زال قائماً والوحدة الإسلامية حية في النفوس وإن شابها بعض التوتير بسبب ما جرى بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وفي اعتقادي أن المشروع لم يغب وان العمل عليه ما زال قائماً، ونسأل الله السلامة· ثانياً: إن جريمة تغييب الإمام الصدر ورفيقيه بالطريقة التي تمت فيها، سواء لجهة المغادرة الى روما وعدم الوصول إليها، وحجز الغرف في الفندق وعدم الإقامة فيها بل وصول الحقائب اليها، وظهور اشخاص يدعون أنهم الإمام ورفيقيه دون أن يحملوا صفاتهم الجسدية، وما صدر من بيانات حول الموضوع سواء من المعارضة الليبية والمنظمات الوهمية، كلها تشير الى أن العملية كانت مخابراتية مدبراً لها بامتياز، وعلى مستوى دولي، وأنه من المستحيل أن لا تكون هناك معلومات مغيبة حول الموضوع لدى إحدى الجهات الدولية المخابراتية· ثالثاً: إن السافاك الايراني، والموساد الإسرائيلي، من مصلحتهما القيام بتلك العملية سواء متعاونين أو منفردين، كما أن المخابرات الليبية يمكن أن تكون مخترقة لأنها في تلك الآونة كانت محوراً من المحاور التي حاولت السيطرة على لبنان من خلال دعم التناقضات فيه، وبالتالي فالكل متهم حتى تثبت براءته وحتى اليوم لم تثبت براءة ليبيا ولا إيران الشاه كما أن الموساد الإسرائيلي لم يكشف بعد عن مثل هذه العملية كما لم يتهمه أحد· وهذا يدعو للعجب!! رابعاً: كان للإمام الصدر دور نضالي في لبنان تجسد في إطلاق افواج المقاومة اللبنانية "أمل" وأشرفت على تدريبها ودعمها المقاومة الفلسطينية، ودور تغييري انقلابي في ايران على نظام الشاه، وبالتالي فإنه لا يمكن النظر الى تغييبه من وجهة نظر لبنانية فقط، أو من جهة دوره في لبنان بل لا بد من متابعة موضوع علاقته بالثورة الإسلامية في إيران وانعكاس ذلك على موقف الشاه ومخابراته منه، كما أن أي شك بليبيا يفترض دراسة العلاقات بينها وبين إيران الشاه في تلك المرحلة· خامساً: إن الوفاء للإمام القائد المغيب السيد موسى الصدر يتطلب الوفاء لما نادى به وعمل عليه وهو العيش الإسلامي - المسيحي المشترك والوحدة الإسلامية بين السنّة والشيعة، واستقلالية المواقع المذهبية تحت سقف الوحدة الإسلامية التي تمثلها دار الفتوى والمجلس الأعلى للقضاء ورفض كل مشروع يؤدي الى فتنة مذهبية، لأن العاملين على هذه الفتنة لن يكونوا أقل مسؤولية اليوم من مسؤولية الذين قاموا بتغييب الإمام الصدر فالنتيجة الواحدة تتأتى من منطلقات واحدة.
