قناتان لتعزيز التقارب والحوار بين الأديان

calendar icon 02 أيلول 2008 الكاتب:فاطمة قاسم

"مركز الصدر": التعايش الإسلامي – المسيحي أغنى ما في لبنان
"حلقة التنمية والحوار": الفصل الطائفي أساس المشكلة


قنوات الحوار في لبنان في طور التقدم، وهي تهدف إلى تعزيز التلاقي بين الحضارات والأديان والثقافات، وتقديم رؤى جديدة لفتح أبواب جديدة أمام حوار روحي إنساني بعيداً عن المشاكل الطائفية. مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات وحلقة التنمية والحوار هما إحدى هذه الأقنية في لبنان.

حلقة التنمية والحوار
مع مجموعة من الشباب المثقفين، مسلمين مسيحيين، أسس المطران سليم غزال في العام 1990 في مدينة صيدا جمعية ثقافية إنمائية، تحت اسم "حلقة التنمية والحوار"، وأوضح أهدافها بأنها "العمل على ترسيخ العيش المشترك في المنطقة، وخلق وعي وطني في وجه العصبيات الطائفية وتدريب الشباب على الحوار، وحل النزاعات بالطرق اللاعنفية", ويشير إلى ان العاملين في الجمعية من جميع الطوائف، فرئيسها مسلم والمدير المشرف مسيحي.
برنامج التنمية على السلام هو أحد البرامج التي أطلقتها حلقة التنمية والحوار، وهنا يقول المطران غزال الذي يؤمن بأن الحوار "ليس حوار أديان بل هو حوار حياة": "هذا البرنامج يقوم على نشر ثقافة جديدة في المجتمع بديلة عن ثقافة الحرب والعنف، خصوصا بين جيل الشباب والأطفال الذين ولدوا في ظروف الحرب، وذلك بواسطة مخيمات صيفية تقام في دير المخلص ودار العناية وتجمع أطفالاً وشباباَ من مختلف المناطق والطوائف بالتعاون مع منظمة اليونيسيف وجمعيات أهلية أخرى من مناطق الجنوب اللبناني". وهناك "يعيش الشباب تجربة التلاقي والصداقة بعد سنوات الحرب التي فرضت عليهم أنماطاً معينة من العيش والتفكير داخل مناطقهم المنعزلة".
وفي صيدا أنشئ نادي المسنين بالتعاون مع جمعية راهبات الفرانسيسكان ومطرانيه الروم الكاثوليك التي قدمت المركز مجانا لأجل مساعدة العجزة والمهمّشين. ويقول المطران غزال انه انضم "أكثر من 70 رجلاً وامرأة من كل الطوائف إلى النادي الذي تشرف عليه راهبة بمساعدة عدد من المتطوعين، ويعمل على تقديم الخدمات الرعائية والصحية، وتنظيم رحلات، إحياء حفلات أعياد ميلاد لإشعارهم بكرامتهم الإنسانية".
أما برنامج حقوق الإنسان فيشتمل على ندوات دورية الهدف منها، كما يقول المطران غزال "خلق توعية واسعة عند المواطنين حول مواضيع كعمالة الإنسان وتطبيقاتها في لبنان والعالم العربي، وغيرها من الموضوعات التي تتعلق بالمواطنة والحقوق والواجبات تجاه الدولة والقوانين المرعية الإجراء".
ويوضح نشاط لقاءات الطلاب الثانويين والجامعيين، بأنها "ورش عمل شهرية بدأت منذ أربع سنوات في المركز وما زالت مستمرة. وهي تهدف إلى تدريب الطلاب على آليات الحوار والتواصل وقبول الآخر". أما برنامج القروض الإنمائية فيهدف، إلى "وقف الهجرة من الريف إلى المدينة ودعم المستوى المعيشي لأصحاب الدخل المحدود ومساعدة المهجرين على العودة إلى قراهم من خلال تقديم قروض إنتاجية بفائدة ميسرة". و"لكل برنامج في الجمعية تمويلها الخاص".
وبالنسبة إلى البرنامج السكني، يقول المطران غزال انه "بالشراكة مع منظمة "هابيتات فور هيومانيتي" انطلق بهدف مساعدة العائلات المحتاجة إلى مسكن صحي وآمن من خلال منح العائلة قرضاَ بدون فائدة لمدة ثلاث سنوات وفق شروط ومعايير محددة ضمن إطار جغرافي في الجنوب يضم 70 قرية من مختلف الطوائف". ويضيف "يركز البرنامج على أهمية المشاركة والتعاون بين فئات المجتمع، وقد نظمنا أياما عدة للتطوع شارك فيها عشرات المتطوعين من طوائف متعددة. وفي نهايتها كنا نقيم عشاء قرويا جامعاً تتخلله أجواء موسيقية لدعم روح التلاقي والتعارف والمشاركة. وقد تركت هذه النشاطات تأثيراً إيجابياً لدى جميع أبناء المنطقة". ويعقب بالقول "قامت حلقة التنمية والحوار بالشراكة مع "هابيتات" بترميم منازل مهدمة او متضررة بعد حرب تموز 2006، وقد تم ترميم أكثر من 400 منزل في 7 قرى جنوبية في قضائي صور وبنت جبيل لإيواء العائلات التي نزحت من بيوتها وقراها خلال الحرب.

المناطق المقسمة طائفيا هي المشكلة
يرى المطران غزال ان "المشكلة تكمن بوجود المناطق المقسمة طائفياً، فإسرائيل دولة عنصرية تسعى عبر الإعلام إلى تكريس التقسيم الطائفي في لبنان. ولديها مخطط صهيوني له عملاء في الداخل او أغبياء. اليوم مثلاًُ، لم يعد في ثانوية صيدا مسيحيون، فلقد انتقل الفصل الطائفي إلى المدارس، وضُرِبت القرى المختلطة".
من هنا يعتبر ان نجاح تجربة الحوار في لبنان رهن عوامل عدة، من بينها وقف التطرف والتعصب لدى كل الفئات، لأن التطرف يؤدي إلى العنف والموت والانتحار. ويعتقد ان "من أساسيات هذا النجاح خلق أرضية ثابتة للحوار والتواصل على أساس احترام القيم الدينية الموجودة عند كل طرف والبحث عن الايجابيات بل السلبيات. على المسيحي ان يتعرف موضوعيا إلى الإسلام وإلى المسلمين كما هم في الحقيقة، وعلى المسلم ان يتعرف موضوعياً على المسيحية والمسيحيين من هذه الزاوية، لان المعرفة تساعد على التعاون والتفاهم".
ويضيف، "من العوامل أيضا وقف الحملات المتشنجة في وسائل الإعلام والكنائس والجوامع التي يطلقها بعض رجال الدين او زعماء الطوائف، العمل على قيام تربية وطنية واحدة بحيث يصير الإنتماء إلى الوطن وليس للطائفة، والسعي إلى تطوير نظامنا السياسي الذي يقوم على المحاصصة، وأخيراً إقلاع المسيحيين والمسلمين عن فكرة المراهنة على الخارج والتجذر في بيئتهم ووطنهم ورفض الهجرة والتقوقع، وان يعيشوا شركاء في الوطن الواحد.
كذلك يعتبر ان "الحوار هو الاستعداد الشخصي للاعتراف بوجود الإنسان الآخر، وان هذا الآخر يتميز عنه بجوانب كثيرة، لكنه لا يزال إنساناً. وإنني على استعداد لقبوله واحترامه والإصغاء إليه والعمل معه".

الحوار وطني وليس دينياً
ويعزو المطران غزال تصميمه على الحوار إلى المصلحة المشتركة وخير الجماعة، ولا يعتقد ان المشكلة دينية في الأساس بل هي سياسية، والصراع هو على النفوذ والوظائف، و"المسألة ليست مسألة حوار ديني بل مسألة حوار وطني".
ويقول ان خصائص الحوار ترتكز على الانفتاح على الآخر واكتشاف القيم والأفكار التي يحملها من دون ان يكون الهدف لدى الطرفين نقل الواحد حكماً إلى الجهة الأخرى بطرق المحاججة والصراع الفكري الصارم". ويرى ان "مستويات الحوار بين الإنسان والإنسان، المسلمين والمسيحيين، أتحاور مع الإنسان الذي يشعر معي. الحوار هو حوار الكلمة، الفكر، الحياة، القلوب، هو حوار الإصغاء".
وهو لا يرجع اللامبالاة في الحوار إلى طرف واحد، يعتبر ان معظم الناس هم لا مبالون بالحوار المسيحي – الإسلامي.

مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات
تؤكد رئيسة مؤسسات الإمام الصدر السيدة رباب الصدر شرف الدين ان الهدف الأساسي من تأسيس "مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات" هو الارتقاء الإنساني ونشر العلم والمعرفة، وتفعيل دورهما في حياة الإنسان وفقاً لرؤية الإمام بان لكل انسان كفاءة وفي حقل كفاءته يقود الآخرين.
وكون المركز هو جزء من مؤسسات الإمام الصدر، فإنه يفيد تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والتقارب بينهما". وتذكر السيدة الصدر كأمثلة على ذلك بعض مجالات نشاط المركز، "إذ يهتم بنشر نتاج الإمام كخدمة لأصحاب هذه المشاريع المهتمين بها، وللناشطين كافة في تنمية العلاقات الحضارية بين الثقافات والشعوب، خصوصا أتباع الديانات السماوية. فالإمام الصدر ونهجه ونشاطه كان تأسيسا في مجال التقارب والحوار والتكامل بين الأديان والثقافات وهو القائل "ان التعايش الإسلامي المسيحي من أغنى ما في لبنان. وهذه تجربة غنية للإنسانية كلها" (1977). وتضيف "في السنوات الماضية استطاع المركز، وبإمكاناته الخاصة والمتواضعة، ان ينشر عدداً كبيراً من أبحاث ودراسات وخطابات ومقالات الإمام في كتب وكتيّبات لاقت ترحيبا واسعا في معارض الكتب خصوصا لدى الباحثين والطلاب والمثقفين والشباب. من بين هذه الإصدارات أبجدية الحوار، حوار تصادمي، الخ...".
وتشير إلى ان "المركز ساعد عشرات المراكز والجامعات والباحثين والصحافيين والطلاب في الإعداد لمؤتمرات وأبحاث وأطروحات ودراسات وكتب ومقالات أقيمت او صدرت في لبنان وخارجه.
واستطاع أيضا ان يشارك في الإعداد لمعارض فنية وأفلام وثائقية قيّمة كمعرض "موسى الصدر...الإمام الرؤيوي" للفنان اللبناني الدكتور جورج زعني والفيلم الوثائقي "السيد المغيّب" للمخرج الاستاذ أيمن زغيب". ومن نشاطات المركز، تقول السيدة الصدر انه "في إطار جمع وتوثيق النتاج الفكري والعملي للإمام الصدر استطاع المركز ان يجمع ألاف الوثائق والرسائل والتسجيلات الصوتية والمقالات للإمام الصدر وتوثيقها ويجري إضافتها تدريجيا على "موقع سماحة الإمام السيد موسى الصدر" الالكتروني تدريجيا.

مؤتمر كلمة سواء
أسس المركز مؤتمرا علميا وثقافيا سنويا سماه "كلمة سواء" حيث لبى دعوته عشرات المثقفين من رجال الدين وأساتذة الجامعات والباحثين، من مختلف الطوائف اللبنانية ليقدموا أبحاثهم ودراساتهم في موضوعات تنفع ثقافة التقارب والحوار بين الأديان والثقافات. وتقول السيدة الصدر "حضر هذه المؤتمرات رؤساء العائلات الروحية اللبنانية والرؤساء المدنيون والمثقفون وسياسيون وفعاليات اجتماعية وطلاب جامعات ومهتمون. جمعت ونشرت أبحاث ودراسات هذه المؤتمرات كل في كتاب تحت عنوان المؤتمر. ويعمل المركز على مشروع تطوير مؤتمرات "كلمة سواء" حين تسمح الظروف.
من أهم النشاطات التي تعزز التلاحم والتقارب، كما تعتبر السيدة الصدر هي "النهوض والقيام لقضايا الحق، لذلك حمل المركز بمؤازرة المؤسسات والأصدقاء قضية الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين إلى كل مكان واستطاع خلال فترة وجيزة التأسيس لإنشاء هيئة وطنية عليا لمتابعة هذه القضية شكّلها الشيخ محمد مهدي شمس الدين وضمت عشرات الشخصيات الفكرية والسياسية من مختلف الطوائف والتوجهات اللبنانية".

حوار الأديان، ملحق